من نكسة إلى أخرى
علي زبيدات – سخنين
يبدو انه لا يوجد هناك من يكبح جماح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهو محافظ على خطابه السياسي كان ذلك أمام الكنيست الإسرائيلي أو أمام الكونغرس الأمريكي. أنا شخصيا أحسده على هذه المثابرة وعلى هذا الانسجام وأتمنى أن يكون هناك زعيم عربي أو فلسطيني يجاريه في هذه الصفة ولا يغير أفكاره ومواقفه بعد زيارة أي موظف أجنبي مهما كانت منزلته لإرضاء الدولة التي قدم منها. وأكثر من ذلك، في بعض المواقف أرى نفسي قريبا من نتنياهو أكثر من جميع القادة العرب والفلسطينيين المنافقين الذين يختبئون وراء أقنعة متهرئة من الوطنية. خذوا مثلا خطابه الأخير أمام الكونغرس الأمريكي الذي ظهر بصورة هزلية على غرار مجلس الشعب السوري أثناء خطاب بشار الأسد من حيث التصفيق والهتافات، حيث قال للعالم أجمع، ولكل من يريد أن يسمع: أن القدس ستبقى موحدة ولن تقسم أبدا. على عكس المفاوض الفلسطيني الذي تخلى ليس فقط عن القدس الغربية بل أيضا عن معظم القدس الشرقية بما فيها الحي اليهودي (وهو حي عربي طردت قوات الاحتلال سكانه) واللاتيني والشيخ جراح وكافة المستوطنات التي ضمت للقدس والقائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ولا يخجل هذا المفاوض الفلسطيني أن يقول بأنه لن يتنازل عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. عن أي قدس يتكلم؟ عن أبو ديس موسعة؟ أم عن مدينة مبتورة الرأس والأطراف؟
نعم، أنا مع نتنياهو وضد المفاوض الفلسطيني: القدس بشرقها وغربها، بقديمها وحديثها، داخل الأسوار وخارجها هي مدينة واحدة ويجب أن تبقى واحدة. كل ما في الأمر أن نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي نسي أن يقول كلمتين لا غير: أن هذه المدينة عربية فلسطينية.
بغض النظر عن أسطورة الملك سليمان مع المرأتين والطفل المتنازع عليه، هذه المدينة غير متنازع عليها. كل ما في الأمر إنها اغتصبت بالقوة وكما قال مظفر النواب وقف الحكام العرب يسترقون السمع لصرخات بكارتها. وكأن ذلك لا يكفي فطلبوا منها أن تسكت صونا للعرض. ماذا فعل هؤلاء الحكام من أجل القدس؟ سلموا الجزء الأكبر منها عام 1948 بدون قتال، وسلموا الجزء الباقي منها بدون قتال يذكر أيضا في عام 1967. وعندما بدأت دولة إسرائيل تعري المدينة من تاريخها لكي تلبسها ثوبا يهوديا مزيفا، تداعى هؤلاء الحكام للتستر على هذه الجرائم بإقامة لجنة القدس وأسندوا رئاستها إلى ملك التطبيع، الحسن الثاني، ملك المغرب وبعد وفاته إلى ابنه محمد السادس.
لا يوجد هناك قدس شرقية وقدس غربية، قدس قديمة وقدس جديدة. يوجد هناك قدس واحدة تمتد في الاتجاهات الأربعة، قدس واحدة تعود إلى العصور الغابرة لتصل إلى اليوم وغدا. هذا يذكرني بتصريح معيب لأحد رجالات سلطة أوسلو، ناصر القدوة: " لا قيمة قانونية ودينية ومعنوية للقدس الغربية بالنسبة للشعب الفلسطيني".
القدس العربية الفلسطينية ليست فقط المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة. القدس العربية هي كل بيت وكل شارع وكل زقاق وكل شبر أينما كان موقعه. الكنيست الإسرائيلي هي جزء لا يتجزأ من القدس العربية لأنها بنيت على أرض عربية مغتصبة. وكذلك الأمر بالنسبة لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، والجامعة العبرية ومستشفى هداسا وبيت رئيس الدولة ومتحف ضحايا النازية "يد فاشيم" وعشرات بل مئات المؤسسات الإسرائيلية الأخرى. مقاومة التهويد في القدس لا يتم فقط في الشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وغيرها من المناطق التي احتلت عام 1967 بل أيضا وفي الأساس في المناطق التي احتلت عام 1948. القضية ليست قضية تقسيم أو إعادة تقسيم المدينة بل القضية تحرير المدينة برمتها.
لم يقتصر انفلات رئيس الحكومة الإسرائيلية من عقاله على موقفه من القدس بل طال باقي المواضيع السياسية المطروحة مثل الاعتراف بيهودية الدولة وعدم الانسحاب إلى حدود 1967 وبقاء الكتل الاستيطانية ورفض عودة اللاجئين. هذه الامور يعرفها القاصي والداني بما فيهم المفاوض الفلسطيني المتهافت والذي لا ييأس (وهذا لصالحه) من اللهث وراء أوهام المفاوضات.
ولكن المصيبة الحقيقية عندما وضع نتنياهو نفسه نصيرا للثورات الشبابية العربية وحيى "الشباب الشجعان الذين يناضلون من أجل حقوقهم الديمقراطية" وواصل بتعجرف: " فقط عرب إسرائيل من بين 300 مليون عربي يتمتعون بحقوق ديمقراطية حقيقية".
لقد قلت في الماضي وها أنا أكررها مرة أخرى: أن الثورة التي ترفع شعار إسقاط النظام فقط ولا تعادي الهيمنة الامبريالية الأمريكية والصهيونية هي ليست ثورة بل هي مجموعة من العصابات تتصارع على السلطة . هذا ما نجحوا بصنعه في ليبيا واليوم يحاولون أن يصنعوه في سوريا. هذا الذي حيي الشباب المحتجين في الكونغرس هو نفسه الذي أعطى الأوامر بقتل 24 محتجا شابا في الجولان كل ما أرادوه العودة إلى بيوتهم. كان أحرى بمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو الذي ينشط لإصدار مذكرات اعتقال بحق القذافي والأسد أن يصدر مذكرة باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية. فالقتل المتعمد عن سابق إصرار وبطريقة القنص في حق المدنيين هو جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليه القانون الدولي. كان أحرى بالمحكمة الدولية التي تحاكم في هذه الأيام مجرم الحرب الصربي ميلادتيش أن تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين.
مرة أخرى وقفت زعامتنا من لجنة متابعة وأحزاب سياسية وقفة المتفرج إزاء مجزرة الجولان في ذكرى النكسة واكتفت بالإدانة الكلامية. أليست هذه هي الأخرى نكسة؟ لقد آن الأوان لهذه الزعامة أن ترحل.
علي زبيدات – سخنين
يبدو انه لا يوجد هناك من يكبح جماح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. فهو محافظ على خطابه السياسي كان ذلك أمام الكنيست الإسرائيلي أو أمام الكونغرس الأمريكي. أنا شخصيا أحسده على هذه المثابرة وعلى هذا الانسجام وأتمنى أن يكون هناك زعيم عربي أو فلسطيني يجاريه في هذه الصفة ولا يغير أفكاره ومواقفه بعد زيارة أي موظف أجنبي مهما كانت منزلته لإرضاء الدولة التي قدم منها. وأكثر من ذلك، في بعض المواقف أرى نفسي قريبا من نتنياهو أكثر من جميع القادة العرب والفلسطينيين المنافقين الذين يختبئون وراء أقنعة متهرئة من الوطنية. خذوا مثلا خطابه الأخير أمام الكونغرس الأمريكي الذي ظهر بصورة هزلية على غرار مجلس الشعب السوري أثناء خطاب بشار الأسد من حيث التصفيق والهتافات، حيث قال للعالم أجمع، ولكل من يريد أن يسمع: أن القدس ستبقى موحدة ولن تقسم أبدا. على عكس المفاوض الفلسطيني الذي تخلى ليس فقط عن القدس الغربية بل أيضا عن معظم القدس الشرقية بما فيها الحي اليهودي (وهو حي عربي طردت قوات الاحتلال سكانه) واللاتيني والشيخ جراح وكافة المستوطنات التي ضمت للقدس والقائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. ولا يخجل هذا المفاوض الفلسطيني أن يقول بأنه لن يتنازل عن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. عن أي قدس يتكلم؟ عن أبو ديس موسعة؟ أم عن مدينة مبتورة الرأس والأطراف؟
نعم، أنا مع نتنياهو وضد المفاوض الفلسطيني: القدس بشرقها وغربها، بقديمها وحديثها، داخل الأسوار وخارجها هي مدينة واحدة ويجب أن تبقى واحدة. كل ما في الأمر أن نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي نسي أن يقول كلمتين لا غير: أن هذه المدينة عربية فلسطينية.
بغض النظر عن أسطورة الملك سليمان مع المرأتين والطفل المتنازع عليه، هذه المدينة غير متنازع عليها. كل ما في الأمر إنها اغتصبت بالقوة وكما قال مظفر النواب وقف الحكام العرب يسترقون السمع لصرخات بكارتها. وكأن ذلك لا يكفي فطلبوا منها أن تسكت صونا للعرض. ماذا فعل هؤلاء الحكام من أجل القدس؟ سلموا الجزء الأكبر منها عام 1948 بدون قتال، وسلموا الجزء الباقي منها بدون قتال يذكر أيضا في عام 1967. وعندما بدأت دولة إسرائيل تعري المدينة من تاريخها لكي تلبسها ثوبا يهوديا مزيفا، تداعى هؤلاء الحكام للتستر على هذه الجرائم بإقامة لجنة القدس وأسندوا رئاستها إلى ملك التطبيع، الحسن الثاني، ملك المغرب وبعد وفاته إلى ابنه محمد السادس.
لا يوجد هناك قدس شرقية وقدس غربية، قدس قديمة وقدس جديدة. يوجد هناك قدس واحدة تمتد في الاتجاهات الأربعة، قدس واحدة تعود إلى العصور الغابرة لتصل إلى اليوم وغدا. هذا يذكرني بتصريح معيب لأحد رجالات سلطة أوسلو، ناصر القدوة: " لا قيمة قانونية ودينية ومعنوية للقدس الغربية بالنسبة للشعب الفلسطيني".
القدس العربية الفلسطينية ليست فقط المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة. القدس العربية هي كل بيت وكل شارع وكل زقاق وكل شبر أينما كان موقعه. الكنيست الإسرائيلي هي جزء لا يتجزأ من القدس العربية لأنها بنيت على أرض عربية مغتصبة. وكذلك الأمر بالنسبة لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، والجامعة العبرية ومستشفى هداسا وبيت رئيس الدولة ومتحف ضحايا النازية "يد فاشيم" وعشرات بل مئات المؤسسات الإسرائيلية الأخرى. مقاومة التهويد في القدس لا يتم فقط في الشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وغيرها من المناطق التي احتلت عام 1967 بل أيضا وفي الأساس في المناطق التي احتلت عام 1948. القضية ليست قضية تقسيم أو إعادة تقسيم المدينة بل القضية تحرير المدينة برمتها.
لم يقتصر انفلات رئيس الحكومة الإسرائيلية من عقاله على موقفه من القدس بل طال باقي المواضيع السياسية المطروحة مثل الاعتراف بيهودية الدولة وعدم الانسحاب إلى حدود 1967 وبقاء الكتل الاستيطانية ورفض عودة اللاجئين. هذه الامور يعرفها القاصي والداني بما فيهم المفاوض الفلسطيني المتهافت والذي لا ييأس (وهذا لصالحه) من اللهث وراء أوهام المفاوضات.
ولكن المصيبة الحقيقية عندما وضع نتنياهو نفسه نصيرا للثورات الشبابية العربية وحيى "الشباب الشجعان الذين يناضلون من أجل حقوقهم الديمقراطية" وواصل بتعجرف: " فقط عرب إسرائيل من بين 300 مليون عربي يتمتعون بحقوق ديمقراطية حقيقية".
لقد قلت في الماضي وها أنا أكررها مرة أخرى: أن الثورة التي ترفع شعار إسقاط النظام فقط ولا تعادي الهيمنة الامبريالية الأمريكية والصهيونية هي ليست ثورة بل هي مجموعة من العصابات تتصارع على السلطة . هذا ما نجحوا بصنعه في ليبيا واليوم يحاولون أن يصنعوه في سوريا. هذا الذي حيي الشباب المحتجين في الكونغرس هو نفسه الذي أعطى الأوامر بقتل 24 محتجا شابا في الجولان كل ما أرادوه العودة إلى بيوتهم. كان أحرى بمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو الذي ينشط لإصدار مذكرات اعتقال بحق القذافي والأسد أن يصدر مذكرة باعتقال رئيس الحكومة الإسرائيلية. فالقتل المتعمد عن سابق إصرار وبطريقة القنص في حق المدنيين هو جريمة ضد الإنسانية يعاقب عليه القانون الدولي. كان أحرى بالمحكمة الدولية التي تحاكم في هذه الأيام مجرم الحرب الصربي ميلادتيش أن تحاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين.
مرة أخرى وقفت زعامتنا من لجنة متابعة وأحزاب سياسية وقفة المتفرج إزاء مجزرة الجولان في ذكرى النكسة واكتفت بالإدانة الكلامية. أليست هذه هي الأخرى نكسة؟ لقد آن الأوان لهذه الزعامة أن ترحل.
No comments:
Post a Comment