Thursday, August 16, 2018

وقفة وجودية أمام النصر والهزيمة

وقفة وجودية أمام النصر والهزيمة
علي زبيدات - سخنين

تحيرنا معكم ولم نعد نفهم عليكم. هل نعيش أصعب أيام حياتنا وأحلك ليالينا؟ أم أن وضعنا على أحسن ما يرام بعد أن ولى زمن الهزائم من غير رجعة وأصبحنا نحقق الانتصارات كل نصر تلو الآخر؟ من أين نبدأ وماذا نقول؟ دعونا، بشكل عشوائي، نبدأ من إيران وهي كما هو معروف إحدى أعمدة جبهة المقاومة الأساسيين التي طالما رفعت معنوياتنا حتى السماء من كثرة ما بشرتنا به منذ سنوات بمحو دولة إسرائيل عن الخارطة وشكلت من أجل ذلك فيالق القدس التي بالفعل اتجهت غربا، وفي طريقها لتحرير القدس شاركت في تدمير بغداد ودمشق. ولكنها والحق يقال تابعت سيرها حتى وقفت أخيرا على مشارف فلسطين. عندها ظهرت على حقيقتها، حيث قامت دولة اسرائيل باستهداف مواقعها واصطياد جنودها من غير أن تحرك ساكنا. بعد ذلك سمحت لها، بوساطة روسية، أن تقيم مضاربها على بعد مائة كم من الحدود بشكل مؤقت حتى تنجز بعض المهام التي ما زالت معلقة ومن ثم تعود من حيث أتت. أما روسيا، زعيمة معسكر المقاومة والممانعة، والتي كان هدفها الوحيد محاربة الارهاب الداعشي ( لكي لا تظنوا خطأ أنها جاءت لمحاربة الإرهاب الصهيوني) والدفاع عن "الشرعية" في سوريا في وجه المؤامرة الكونية. وعندما تم لها ذلك ووصلت طائراتها وجنودها هي الأخرى إلى مشارف فلسطين، سارع الزعيم بوتين وبحضور ترامب وأمام العالم بالتعبير عن التزامه بأمن اسرائيل ووضعه في أولوية السياسة الروسية في المنطقة.
 الطرف الاخر في جبهة الممانعة، النظام الاسدي، أرسل جنوده بعد انقطاع دام سبع سنوات لحراسة حدوده المحتلة لحساب وصالح إسرائيل وذلك بمباركة من نتنياهو وليبرمان. الكلام عن جبهة المقاومة والممانعة لا يكتمل من غير التطرق لموقف حزب الله وزعيمه حسن نصرالله. فهو منذ 12 عاما يقول لنا أن حزب الله خرج من حرب 2006 اقوى، وأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، ولكنه في خطابه الاخير قد تفوق على نفسه عندما صرح على الملأ ليسمعه خصومه قبل مؤيديه بأن حزب الله اليوم اقوى من الجيش الاسرائيلي ليس بالسلاح والعتاد فحسب بل في الخبرات والتجارب أيضا تلك التي اكتسبها في محاربة الشعب السوري.
إذا كانت هذه هي حالة جبهة المقاومة والممانعة فما بالك بجبهة الخنوع والعمالة؟ ولنبدأ بالسعودية وحلفها العربي المكون من دول الخليج (ومن ضمنها قطر المتمردة) ومن نظام السيسي في مصر فقد انتقلت هذه الدول من مرحلة التطبيع الرسمي وغير الرسمي مع دولة إسرائيل إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي معها حتى اصبحت شريكة فعالة في تصفية القضية الفلسطينية وفرض السلام الاسرائيلي- الأمريكي على المنطقة.
أما حركة حماس الغادرة التي طعنت ظهر جبهة المقاومة من الخلف، على حد تعبير هذه الاخيرة، فقد خضعت لضغوط المخابرات المصرية والخليجية ومن ورائها أمريكا وإسرائيل ووافقت على هدنة طويلة الامد مقابل بعض الفتات الذي سيعود، من حيث الأساس، على الفئات المتنفذة ولن يغير من واقع البؤس والحصار الذي يرزح تحته معظم أهالي القطاع شيئا. 
السلطة الفلسطينية التي فقد دوختنا وهي تدور فينا من المجلس الوطني إلى المجلس المركزي إلى المجلس التشريعي إلى اللجنة التنفيذية إلى المجلس الثوري، ودوختنا وهي تدور فينا في متاهات لعبة المصالحة، من وسيط إلى وسيط ومن اجتماع إلى اجتماع ومن قرار إلى قرار، ودوختنا وهي  تتخذ القرار ونقيضه في آن واحد، نراها ف\من جهة تسعى لتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة ومن جهة أخرى تجاهر بالاعتراف بها بشرعيتها. تقول لنا بأنها سوف تقدم مجرمي الحرب الاسرائيليين للمحاكمة في محكمة الجنائيات الدولية، وفي الوقت نفسه إذا ما قامت لجنة دولية بإصدار تقرير يدين الجرائم الإسرائيلية عملت على اجهاضه وافشاله. تدين التطبيع العربي مع إسرائيل وتقف على راس المطبعين معها. هذا ناهيك عن التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي مع الكيان الصهيوني. 
وأخيرا وليس آخرا، ها هم عربنا، الذين يطلقون على انفسهم عرب الداخل ويحلفون بأغلظ الأيمان بأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، يكاد يجن جنونهم من قانون القومية الاسرائيلي لأنه يسلبهم اسرائيليتهم المنقوصة ولكن الناعمة ويطالبون بمنحهم الفرصة لكي يكونوا اسرائيليين متساوين مع إخوانهم اليهود. 
على ضوء ما تقدم وعلى ضوء ما تخبئه لنا الأيام القادمة، نعود للمربع الاول ونسأل: هل نعيش اوقات عصيبة لم يسبق أن عشناها من قبل أم أن حالتنا على أحسن ما يرام؟ أترك الإجابة لكم.

Thursday, August 09, 2018

ما بين تايوان وإسرائيل

ما بين تايوان وإسرائيل
علي زبيدات - سخنين

لا أدري إذا كانت هذه القصة حقيقية أم أنها دعاية من صنع خيال ابتدعها شخص مجهول ورددها الفلسطينيون لفترة من الزمن حتى أصبحت تبدو وكأنها قصة حقيقية. وبما أن تاريخية أو واقعية القصة ليست هيالمقصودة بل رمزيتها فإني لا أرى هناك فرقا جوهريا في كلتا الحالتين.
تقول القصة (الدعاية): في بداية سنوات السبعين وفي أعقاب قبول الصين الشعبية للأمم المتحدة وانتزاعها العضوية الدائمة في مجلس الأمن من الجمهورية الصينية (تايوان)، بعثت دولة إسرائيل وفدا كبيرا للصين الشعبية مهمته إقناع الصين الشعبية بالاعتراف بها والعمل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الدولتين. ويقال أن الزعيم الصيني ماو تسي تونغ سأل الوفد: كم يبلغ عدد سكان دولتكم التي تتكلمون عنها؟ فأجابوه: حوالي ثلاثة ملايين. فرد عليهم بسخرية: وفي أي فندق تنزلون؟ وعاد الوفد خالي الوفاض يجر ذيول الخيبة.
ولكن ما علاقة تايوان وإسرائيل بهذه الحكاية؟ للاجابة على ذلك يجب العودة قليلا إلى الوراء. عندما أعلن عن قيام دولة إسرائيل في ايار/مايو 1948 كانت تدور في الصين حرب اهلية طاحنة بين الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماو تسي تونغ من جهة والحزب الوطني الصيني بقيادة تشيانغ كاي شيك من جهة أخرى. وكانت هذه الحرب تقترب من مراحلها الاخيرة. في أكتوبر/تشرين أول 1949 سيطر الحزب الشيوعي على معظم الأراضي الصينية وأعلن استقلال جمهورية الصين الشعبية التي تشكل أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان. أما فلول الحزب الوطني الصيني فقد فروا إلى جزيرة تايوان تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول الأوروبية الاستعمارية واعلنوا عن قيام جمهورية الصين كممثل "شرعي" لكل الشعب الصيني ولكل الأراضي الصينية. طبعا، دولة إسرائيل الوليدة لحقت ربعها واعترفت بالجمهورية الصينية (تايوان) ولم تعترف بالصين الشعبية. وبعد فترة قصيرة انضمت إلى أمريكا في الحرب الكورية التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات والتي شاركت بها الصين الشعبية إلى  جانب الشعب الكوري. ومن ثم وقفت إلى جانبها في حرب فيتنام وكمبوديا ولاوس. وسرعان ما تبين أن دور إسرائيل لا يقتصر على خدمة المصالح الامبريالية في الشرق الأوسط فحسب بل وفي جنوب شرق آسيا وفي كافة ارجاء العالم أيضا. وبكل وقاحة، حاملة هذا الدور على أكتافها، جاءت تطلب الاعتراف من القيادة الصينية الثورية حينذاك.
لنعود إلى تايوان، أو بالاحرى إلى "الشرعية الدولية" المزيفة التي جعلت منها دولة عظمى لتكون واحدة من خمس دول تتمتع بحق الفيتو. ولكن الشمس لا يمكن أن تغطى بغربال. في بداية سنوات السبعين بدأ العالم يعي أن الصين الشعبية هي الدولة العظمى وأن الحماية الامبريالية مهما بلغت قوتها وشراستها لا تستطيع أن تمنح الشرعية لمن لا شرعية له. وهكذا عادت تايوان أو كما ما زال البعض يحب أن يسميها بالجمهورية الصينية إلى حجمها الطبيعي.
لا تختلف "الشرعية الدولية" التي فازت بها دولة إسرائيل عام 1948 من حيث الجوهر عن شرعية تايوان الدولية. وإذا كانت هناك بعض الجوانب للمقارنة فجميعها تصب في صالح تايوان. إذ كان الصراع في الصين،على الأقل وفي نهاية المطاف، بين طرفين صينيين أصليين واستمر لسنوات طويلة وكان من المحتمل نظريا أن تكون الغلبة لصالح الحزب الوطني وأن يصبح هو الحزب الحاكم على كل البلاد. لمعرفة أسباب هزيمة هذا الحزب يجب دراسة الثورة الصينية بعمق على مدار النصف الأول من القرن العشرين. 
أما الحركة الصهيونية التي تحولت بعد نصف قرن من تأسيسها إلى دولة أطلقت على نفسها دولة إسرائيل، فقد نشأت وترعرعت كحركة استعمارية بعيدا عن فلسطين لا تملك لتحقيق مشروعها حتى ولا ذرة واحدة من الشرعية، لذلك تكالبت كل القوى الاستعمارية لفبركة "شرعية" بل "شرعيات" كل واحدة تبز التي جاءت قبلها بفقدانها للشرعية. فإذا كانت البداية مع وعد بلفور مرورا بقرار الانتداب ومن ثم قرار التقسيم وإعلان الدولة فإن النهاية كانت سن قانون القومية العنصري الذي يعد تتويجا لهذه "الشرعيات" المفبركة.
لقد آن الأوان لبدء العمل لإعادة الشرعية الحقيقية لأصحابها ولمكانها الصحيح، وإن جاء ذلك متأخرا. فمن الأفضل أن يجيء متأخرا من الا يأتي أبدا. المرحلة القادمة تتطلب العودة إلى الجذور، إلى الأصول، وعدم الاكتفاء بالغاء أو تعديل هذا القانون أو ذاك أو مواجهة هذه السياسة أو تلك. كما تم نزع الشرعية عن تايوان وإعادتها للصين الشعبية ينبغي نزع الشرعية عن نظام الأبرتهايد الصهيوني وإعادتها لفلسطين.