Wednesday, February 25, 2015

أوهامكم تقتلنا



أوهامكم تقتلنا
علي زبيدات – سخنين
من يريد أن يقوم بعمل، أي عمل، سوف يجد أكثر مما يحتاجه من تبريرات ومسوغات تضفي على عمله هذا فناعا من الضرورة والفائدة تؤدي إلى تسويقه ومن ثم قبوله بغض النظر عن طبيعته، اهدافه ونتائجه. وقد تبدو بعض هذه التبريرات والمسوغات للوهلة الاولى جيدة ومنطقية وعقلانية، وقد تجد العديد من المصدقين والمتقبلين. ليس من السهل ان يقوم شخصب بالتخلي عن قناعاته أو بتغييرها، حتى عندما تثير هذه القناعات بينه وبين نفسه الشكوك والتساؤلات. من اجل التخلي عن القناعات او تغييرها يحتاج الانسان الى قدرات فكرية ووجدانية كامنة هائلة خصوصا عندما تكون هذه القناعات حقيقية تجعله يتفوق على نفسه.
لقد مر على حل الكنيست لنفسها وتعيين تاريخ لانتخابات جديدة شهران ونصف ونيف، قضت الاحزاب العربية معظم هذه الفترة في محاولات حتى استطاعت أن تتوصل الى صيغة مشتركة مكنت اربعة منها تشكيل قائمة مشتركة لخوض هذه الانتخابات، وانطلقت بحملتها الانتخابية منذ اسبوعين بالتقريب. ظن الكثيرون ان الفترة التي تفصل بين حل الكنيست لنفسها واجراء انتخابات جديدة، تخللتها محاولات مضنية لتشكيل القائمة المشتركة، قصيرة جدا قد ابقىت وقتا ضيقا للدعاية الانتخابية، التي يفضل المشاركون دعوتها بالحملة أو المعركة الانتخابية. ولكن بعد مشاهدة كل ما نشر من مقاطع فيديو دعائية وقراءة كل او معظم ما كتب من تقارير وتصريحات ومقابلات واجتماعات ومؤتمرات صحفية توصلت الى نتيجة عكسية مفادها ان فترة الدعاية الانتخابية طويلة جدا تكاد لا تنتهي، وتمنيت لو يأتي ١٧ اذار غدا لكي نطوي هذه الصفحة ونعود الى حياتنا الطبيعية مهما كانت روتينية ومملة.
لقد قال اقطاب ومركبات القائمة المشتركة في هذه الفترة الوجيزة كل ما ارادوا قوله واكثر، وها هم يكررون ما يقولونه في كل مكان تقودهم اليه اقدامهم حتى حفظنا ما يقولونه عن ظهر قلب: عن الوحدة التاريخية، ومنع اليمين من العودة للسلطة وارساله للمقاعد الخلفية، ومواجهة العنصرية والفاشية، والنضال ضد الاحتلال والاستيطان والتمييز والفقر والبطالة، والنضال من اجل السلام العادل والمساواة والعدالة الاجتماعية. هل نسيت شيئا؟
وللامانة اقول ان المقاطعين وانا واحد منهم قد قالوا هم ايضا كل ما ارادوا قوله وهم اليوم يكررون انفسهم. لقد انتبهت مؤخرا ان كل ما كتبته في الشهرين المنصرمين حول مقاطعة انتخابات الكنيست الصهيوني كنت قد كتبته قبل سنتين، قبيل الانتخابات الماضية وقبل ست سنوات وها انا اكرر ما قلته، وزملائي في المقاطعة هم ايضا لم يأتوا بجديد لانه لا جديد تحت الشمس في هذا الموضوع.
كنت سأوافق بدون تحفظ مع كلمات كتبها ونشرها المرشح الاول للقائمة المشتركة أيمن عودة:”خصمنا الاساسي اليوم هو اليأس وغريمنا الاساسي اليوم اللامبالاة وقلة الحيلة، ولدينا فرصة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة...”. ولكن يبدو انه لكل منا يأسه الخاص، ولامبالاته الخاصة وقلة حيلته الخاصة. انا شخصيا يئست من اقناع المقتنعين المؤمنين بإن انتخابات الكنيست هي "واجب وطني"، ولا ابالي لمن سيصوتون فكل الاصوات سوف تصب في نهاية المطاف بحضن الكنيست الدافئ، واشعر ليس بقلة الحيلة فحسب بل بانعدامها، فالعين بصيرة واليد قصيرة. بشيء واحد اختلف جذريا ومبدئيا مع كلمات ايمن عودة وهي ان الكنيست هي الزجاجة والانتخابات هي طريق الدخول لعنق الزجاجة وليس للخروج منها. هل يمكن اتباع سياسة "النأي بالنفس" ؟ مع الاعتذار لرئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب الميقاتي.
اذا كانت "ديمقراطية" الثورة في تونس قد تمخضت عن انتخاب الباجي قايد السبسي احد اقطاب الفساد في النظام البائد، واذا كانت "ديمقراطية" ثورة الملايين في مصر قد ادت الى انتخاب عبدالفتاح السيسي الذي سبق اسلافه خلال سنة واحدة من الحكم، واذا كانت "الديمقراطيات" المعروضة علينا في العالم العربي أسوأ من انظمة الاستبداد فلماذا نستغرب ممن يؤمن بان زيادة تمثيله في الكنيست الصهيوني هو طريق الخلاص؟
لا تقل للمغني غني حتى تنطلق حنجرته بالغناء من تلقاء نفسه، ولا تقل للمزمر زمر حتى يتناول مزماره بنفسه وتنطلق انفاسه ملئ السماء، ولا تقل للراقص ارقص حتى يقفز لوحده الى حلبة الرقص ويطلق لقدميه العنان. قريبا سوف تلمسون اوهام واقعيتكم وسوف نغني ونزمر ونرقص جميعا خارج الكنيست.

Wednesday, February 18, 2015

كذبة مستمرة تبحث عن مصدقين



كذبة مستمرة تبحث عن مصدقين
علي زبيدات – سخنين

ما زالت صور نتنياهو تملأ الشبكة العنكبوتية وهو يزاحم قادة اوروبا وغيرهم لكي يصل إلى الصف الامامي في مسيرة باريس بعد الهجوم على جريدة شارلي ابدو والمتجر اليهودي. هذه الصور التي اثارت خحل وسخرية حتى الكثيرين من مؤيدي رئيس الحكومة الاسرائيلي. لم تكن مشاركة نتنياهو بهذا الشكل بدافع حرصه على حرية التعبير عن الرأي أو قلقه على حقوق الانسان أو حتى محاربته للإرهاب. فالعالم، ومن بينهم من سار إلى جانبه من الزعماء الدوليين يعرف باعه الطويل في كبت حرية التعبير وخرق حقوق الانسان وممارسة الارهاب على شعب كامل هذا بالاضافة الى كونه مطلوبا في عدة اماكن بتهمة ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
في هذه المسيرة تفوق نتنياهو على نفسه عندما وجه دعوة إلى يهود فرنسا بترك كل شيء فورا والهجرة إلى إسرائيل التي تشكل "المكان الوحيد الآمن لليهود في العالم”. رئيس الحكومة الفرنسية رد بخجل على دعوة نتنياهو هذه عندما قال: "أن فرنسا لن تبقى فرنسا إذا رحل عنها اليهود الفرنسيون”. ولكن الرد الحاسم جاء من يهود فرنسا انفسهم، فهم يعرفون تمام المعرفة ان هذا المكان "الآمن" هو في الحقيقة اخطر مكان على وجه الارض ليس فقط لليهود بل لشعوب المنطقة وللسلم العالمي أيضا.
لم تكن دعوة نتنياهو هذه في باريس الدعوة الاولى ولن تكون الاخيرة. ففي الاسبوع الماضي عاد ودعا يهود الدنمارك بل يهود اوروبا جميعهم بالاسراع للهجرة إلى اسرائيل قبل أن تمد اليهم يد اللاسامية المتنامية والارهاب الاسلامي. مرة اخرى جاء الرد حاسما من قبل اليهود انفسهم الذين قالوا بشكل لا يقبل التأويل: لا شكرا، لن تخدعنا مثل هذه الدعوات الكاذبة.
الواقع يقول أن الذين يهربون من دولة اسرائيل "الآمنة) أضعاف من يلجؤون اليها بحثا عن الامن. ومن لا يرحل بسبب الاوضاع الامنية يرحل بسبب الاوضاع الاقتصادية. لقد كان الاحرى بالدول الاوروبية، والدول العربية ايضا، أن تتوجه هي إلى يهودها الذين هاجروا إلى اسرائيل في الماضي وتدعوهم للعودة الى اوطانهم الاصلية. ليس فقط لان هذه البلاد اكثر امنا لليهود، بل ايضا لان جذورهم الحياتية التي قطعتها الصهيونية بأكاذيبها ووعودها الزائفة ما زالت حية هناك.
يحاول نتنياهو بكل ما يملك من حنكة ودهاء أن يكرر الكذبة الكبرى التي اخترعتها الحركة الصهيونية في اعقاب الحرب العالمية الثانية وانطلت على العديد من الشعوب الاوربية وغيرها والتي تقول: ان الضمان الوحيد لعدم تكرار ما حدث في اوروبا في تلك الفترة يحتم اقامة دولة يهودية قي فلسطين تحمي يهود العالم الذين يتعرضون للابادة. مما لا شك في ان هذه الكذبة قد ساهمت الى حد كبير في اقامة دولة اسرائيل وقد تحولت مع الوقت الى ابتزاز سافر ما زالت تستعمله الدولة في كل مناسبة وبدون مناسبة. في اماكن اخرى مثل العراق، مصر، المغرب، اليمن مارست الحركة الصهيونية شتى اشكال الارهاب ضد اليهود لاقناعهم بالهجرة الى المكان "الآمن الوحيد في العالم" لهم. ومن صدق هذه الكذبة وجد نفسه يسكن مكشوفا في المناطق الحدودية لكي يكون خط الدفاع الامامي للمستعمرين الجدد الاوروبيين، ومن ثم تم تجنيدهم في جيش زج في حروب لها اول وما لها آخر. فقد خاضت هذه الدولة منذ قيامها عشرات الحروب، منها الاقليمية والمحلية، الكبيرة والصغيرة وعدد لا يحصى من العمليات العدائية. هذا بالاضافة الى ان تشريد الشعب الفلسطيني ونهب ارضة ووقوعه تحت نير الاحتلال قد أوجد مقاومة مستمرة من ضمن من يدفع ثمنها هم اليهود الذين خدعوا للمجيئ الى هذا المكان "الآمن”.
كذبة المكان الآمن ليست حصرا على نتنياهو وعلى حزبه او على باقي الاحزاب الصهيونية بيمينها ووسطها ويسارها فحسب بل تشمل جميع الاحزاب التي تستظل بالكنيست بما فيها الاحزاب العربية التي تتخيل نفسها خارج اللعبة الصهيونية، لأن الكنيست هي التي تحمل كافة الاكاذيب والاساطير الصهيونية وتوزعها على اعضائها. صحيح، ليس بالتساوي ولكن في نهاية المطاف كل عضو يأخذ نصيبه منها. عندما زار النائب محمد بركة ضمن وفد من الكنيست قبل خمسة اعوام، معسكر أوشفيتز هل كان يمثل ضحايا النازية أو اللاجئين الفلسطينيين أم كان يمثل الكنيست الصهيوني؟ أنا طبعا لست ضد زيارة معسكرات التركيز النازية، بالعكس، يجب على كل فلسطيني قادر ان يقوم بذلك ليس فقط لكي يكشف العلاقة الوثيقة بين مقترفي الجرائم النازية ومقترفي الجرائم الصهيونية بل ايضا لكي يكشف العلاقة بين ضحايا النازية وضحايا الصهيونية.
لا يمكن أن تكون مناهضا للعنصرية وفي الوقت نفسه تكون عضوا في أعتى منظمة عنصرية. لا يمكن ان تقسم يمين الولاء لنظام ابرتهايد امام ارفع مؤسسة له وتدعي في الوقت نفسه مناهضة الابرتهايد.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبحاجة الى اجابة صريحة وجريئة هو: هل الاحزاب العربية الكنيستية تمثل الجماهير الفلسطينية في الكنيست أم انها تمثل الكنيست عند الجماهير الفلسطينية؟

Wednesday, February 11, 2015

نبش صفحات منسية



نبش صفحات منسية
على زبيدات – سخنين
أنستنا انتخابات الكنيست القادمة كل المواضيع الاخرى. بتنا نفطر، نتغدى نتعشى على اخبار كنيست. نصلي الصلوات الخمس ورؤوسنا محشية باخبار الكنيست، نسهر وننام ونستيقظ على ذكر الانتخابات. لا حديث لنا سوى الانتخابات: القائمة المشتركة تدشن وتبشر بمرحلة جديدة ليس عندنا فحسب بل على مستوى العالم العربي. لاول مرة يتحالف الشيوعي، القومي والاسلامي. الوحدة التي فشل في صنعها عبدالناصر ومعمر القذافي حققتها لجنة الوفاق الوطني بجمعها عمالقة الاحزاب الاربعة في قائمة واحدة سوف تخوض انتخابات الكنيست وتكتسح الساحة وتصبح القوة الثالثة وتصبح قوة موثرة الى درجة تمنع عودة اليمين الصهيوني الى الحكم، ترسل نتنياهو الى الصفوف المعارضة الخلفية في الكنيست وتأتي بالبديل اليساري الممثل بالمعسكر الصهيوني. وكل من لا يتقبل هذه القائمة ويحتضنها ويمنحها صوته فإما ان يكون حارقا للاصوات واما ان يكون خادما لليمين الصهيوني المتطرف. لقد أصاب حمى الانتخابات مجتمعنا الفلسطيني بأسره بما في ذلك الذين يقاطعون هذه الانتخابات، وأنا من ضمنهم، كاتب هذه السطور. ولا يسعني الا ان اعترف: منذ الاعلان عن حل الكنيست وتعيين موعد لانتخابات جديدة وأنا اكتب اسبوعيا وحصريا عن ضرورة مقاطعة انتخابات الكنيست. التيار جرفنا جميعا لم يعد هناك ثمة فرق جوهري بين من ينادي برفع نسبة التصويت بين من ينادي بخفض نسبة التصويت. جميعنا طوينا كافة الصفحات الاخرى ودفناها عميقا في درج النسيان.
هذا الاسبوع صحوت قليلا بعد أن تلقيت بهدلة عنيفة من زوجتى(هولندية الاصل) بعدما صرخت في وجهي: كفى كلاما عن الانتخابات وعن المقاطعة، هل تذكرون شيئا اسمه غزة؟ كان ذلك بعد أن تكبدت عناء السفر ليوم كامل إلى معبر ايريز لدخول غزة حيث حصلت على تصريح من السلطات الاإسرائيلية طلبته لها السفارة الهولندية بصفتها تحمل الجنسية الهولندية وتعمل مع بعض الجمعيات الغزية التي تتلقى الدعم من مؤسسات هولندية. وقد تزامنت هذه الزيارة مع وفد هولندي يضم نائب وزير الخارجية. عندما وصلت المعبر تم تأخيرها لبضع ساعات بعدما اكتشفوا انها تحمل، بالاضافة لجواز السفر الهولندي، الهوية الاسرائيلية والقانون يمنع حاملها من دخول قطاع غزة. لم يحترموا التصريح الذي اصدروه هم (عن طريق الخطأ) واعادوها على اعقابها ولم يجديها نفعا تدخل السفارة الهولندية. في الساعات القليلة التي تم احتجازها في المعبر شاهدت المعاملة المهينة التي يتعرض لها النفر القليل من الفلسطينيين "المحظوظين" الذين حصلوا على تصريح للخروج او الدخول إلى اكبر سجن مفتوح في العالم بينما دخل بعض الاجانب الذين يعملون لصالح منظمات دولية باحترام.
ماذا فعلتم انتم المصوتون والمقاطعون لاهل غزة منذ أن توقف العدوان الاسرائيلي الاخير عليها؟ تابعت زوجتي صراخها في وجهي. حتى في ايام الحرب التي طالت لاكثر من شهر ونصف لم تفعلوا شيئا يذكر سوى الوقوف مرة أو مرتين على هذا الدوار او على ذلك المفرق. اذهبوا الى معبر ايريز واعتصموا هناك ولا تغادروا حتى يفتح هذا المعبر اللعين ابوابه.
الله يسامحك يا زوجتي على نبش هذه الصفحات المنسية.
لم اشارك اهل غزة حينذاك فرحتهم واحتفالهم بالنصر. وكتبت حينها: كيف يمكن الاحتفال ودماء الشهداء لم تجف بعد؟ وقلت ايضا: نصر آخر كهذا وعلى غزة ومن عليها السلام. صحيح، اسرائيل قد فشلت في تحقيق اهدافها من العدوان بعد أن اصطدمت بمقاومة وصمود اسطوريين، ولكن من هنا وحتى النصر ما زالت المسافة طويلة جدا. على عكس كل ما قيل، لم يرفع الحصار عن غزة بل اشتد واكتمل بعد ان قامت الحكومة المصرية بهدم 800 منزلا في رفح المصرية وجعلتها منطقة عازلة هذا بالاضافة للقتل وللدمار العظيم. ولم تستطع كذبة اعادة اعمار غزة والدول المانحة وملايين الدولارات على الورق أن تغير شيئا في هذا الواقع التعيس. كما جاءت حكومة الوفاق المزيفة لتزيد الطين بلة.
هل ستغير "القوة الثالثة" في الكنيست هذا الواقع؟ وكيف؟ في ابعاد نتنياهو وجلب هرتسوغ؟ هل سمعت هذه القوة الثالثة هرتسوغ وهو يتهم نتنياهو بانه انتظر طويلا وتردد في ضرب حماس ضربة قاضية وبدل القضاء عليها قام بتقويتها؟ حقا، ماذا فعلنا من أجل غزة؟ وكيف سوف نستعمل الكنيست لانقاذ غزة؟ مجنون يحكي وألف عاقل يسمع. وماذا لو نبشنا صفحة تهويد القدس وهدم البيوت هناك؟ وصفحة توسيع الاستيطان في كافة ارجاء الضفة الغربية؟ ماذا بالنسبة لصفحة هدم البيوت في النقب واللد وام الفحم وقلنسوة وغيرها؟ قد يقول البعض الدخول للكنيست لا يتعارض مع النضال من أجل هذه الامور، بل يعززه. حقا؟ هل هذا صحيح؟ ماذا تنتظرون إذن؟

Wednesday, February 04, 2015

فاشية الدولة وفاشية الدين



فاشية الدولة وفاشية الدين
علي زبيدات – سخنين
لا أدري من القائل: "إذا التقى الدين مع الدولة خسر الطرفان"، ولكن مما لا شك فيه أن هذا القول يحتوي على نسبة عالية من الحقيقة التي لم يعد هناك مجال لتجاهلها. فكما تستطيع الدولة أن تتحول إلى دولة فاشية، وقد تحولت بالفعل في العصر الحديث وفي اماكن عديدة من العالم، هكذا يستطيع الدين، كل دين أن يتحول إلى دين فاشي. لا يمكن فهم شريط الفيديو الذي نشره تنظيم داعش حول اعدام الطيار الاردني حرقا بمعزل عن هذا المنظور. قبل سنوات عندما استعمل الرئيس الامريكي جورج بوش لاول مرة مصطلح "الفاشية الاسلامية" لتبرير حربه الاستعمارية في افعانستان والعراق تصدى له المتدين وغير المتدين. ولكن اليوم وبغض النظر عن اقوال بوش الذي ينتمي هو ايضا إلى تيار ديني فاشي، لا بد من الاعتراف بوجود تيار اسلامي فاشي ولا يكفي ترديد القول بأن هذا التيار لا يمثل الاسلام لدحض هذه الشبهة.
كتب الكثير عن الدولة الفاشية وخصوصا عن النموذج الكلاسيكي لهذه الدولة في المانيا وايطاليا ما بين الحربين العالميتين. وكتب الكثير عن فاشية الدولة في اسبانيا، تشيلي، الارجنتين، اليونان، تركيا واسرائيل التي تنفي عن نفسها هذه التهمة وتلاقي من يبرئها على الساحة الدولية، كما كتب الكثير عن الاحزاب والحركات الفاشية الجديدة التي تكتسح اوروبا وأمريكا. ولكن لم يكتب مثل هذا الكم عن الفاشية الدينية، ذلك لأن الدين بغض النظر عن تسميته ما زال يحظى بهالة من القدسية يجعل منه طابو لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه. التاريخ الحديث يؤكد ان جميع الايدولوجيات قد تتحول في ظل ظروف معينة إلى ايديولوجيات فاشية. الشيء المشترك بينها وبسببه اسميها فاشية هو تقديس القوة والسلطة والدولة واخضاع الافراد واذابة شخصياتهم في التنظيم وفرض الولاء الاعمى عليهم. من هذا المنطلق، لا يهمني اذا كانت الديانة المسيحية ديانة تدعو إلى المحبة والاخاء. فمكن المؤكد أن ثمة حركات مسيحية هي فاشية بامتياز يكفي أن نذكر اليمين المسيحي، المحافظين الجدد، الليبراليين الجدد، حزب الشاي، ومنظمة الكو كلوكس كلان، فهي جميعها تنظيمات فاشية حتى ولو قال البعض انها لا تمثل الدين المسيحي. ولست هنا بصدد تعاون الكنيسة المسيحية ومن ضمنها الفاتيكان مع الانظمة الفاشية في اوروبا. وهناك فاشية يهودية وهي لا تقتصر على حفنة من اوباش المستوطنين في الضفة الغربية بل تشمل تيارات دينية مركزية في الكيان الصهيوني، هذا ناهيك عن الفاشية الاسرائيلية العلمانيه التي يمثلها الحزبان الرئيسيان الليكود والعمل. وهناك فاشية دينية بوذية ولا يغرنكم الادعاء بأن البوذية دين مسالم ينبذ العنف. فمن رأى الرهبان البوذيين في ميانمار يقتلون المسلمين العزل لن تنطلي عليه هذه الكذبة. وبعد أن تحولت الشيوعية إلى ايديولوجية جامدة لا تختلف من حيث الجوهر عن باقي الاديان انبتت هي الاخرى حركاتها الفاشية يكفي أن نذكر هنا نموذج الخيمر روج بزعامة بول بوت والنظام الفاشي الراهن في كوريا الشمالية.
من هذا المنطلق، وبعيدا عن الشعارات حول دين الرحمة والسلام، يجب أن نعترف وبدون أي تردد أو تحفظ بوجود فاشية اسلامية لا تجسدها داعش فحسب بل هناك العشرات إن لم يكن المئات من الحركات الاخرى مثل النصرة والقاعدة وانصار الله، وجند الله وجيش المهدي والعديد من الحركات الاصولية والسلفية المنتشرة من المحيط إلى الخليج. هذه الحركات نمت وترعرعت تحت كنف الفكر الوهابي والسلفي والاصولي وبتوجيه من عشرات الدعاة. وهنا لا يمكن ان نغمط الاخوان المسلمين حقهم في غرس الفاشية الاسلامية التي نمت وترعرعت في ظل تعاليم حسن البنا الذي لم يخف اعجابه بهتلر وموسوليني وتعاليم السيد قطب وغيره من منظري الاخوان.
منذ الثورة الفرنسية الكبرى وحتى يومنا هذا، كان الصراع على الصعيد السياسي يدور حول ضرورة فصل الدين عن الدولة المدنية. خلال هذا الصراع المتد لاكثر من قرنين وربع حققت الدولة المدنية في اماكن عديدة انجازات تاريخية في هذا المجال بعد أن اخلت الدين من اروقة البرلمانات والحكومات واعادته إلى دور العبادة لممارسة نشاطاته التطوعية. الا ان هذه السياسة لم تعد تجدي، ذلك لأن الدولة اصبحت وسيلة لسيطرة الطبقية البرجوازية الصاعدة وجهازا قمعيا اخطر بما لا يقاس من سيطرة الكنيسة الدينية البائدة.
في ظل النظام الرأسمالي العالمي المنفلت من عقاله، فقد شعار فصل الدولة عن الدين مضمونه الثوري التقدمي مما استوجب الاستعاضة عنه بشعار الغاء الدولة والغاء الدين. شعار الغاء الدولة ليس جديدا وطرح منذ ايام الثورة الفرنسية الاولى وناضلت الحركة الفوضوية لتحقيقه منذ ايام وليام جودوين وبرودون وباكونين وكروبتكين وحتى الثورة الاسبانية في الثلاثينيات وتمرد الطلاب في فرنسا في نهاية الستينات. كما ناضل الشيوعيون الاوائل بقيادة ماركس وانجلز لإلغاء الدولة عن طريق ديكتاتورية البروليتاريا الثورية ولكن ورثتهما الذين حققوا الغاء الدولة البرجوازية في بعض البلدان بنوا دولا جديدة تحولت بدورها الى اجهزة قمع وسيطرة طبقية. غير أن شعار الغاء الدولة ما زال حيا في صفوف العديد من الحركات الثورية والتحررية. ولكن السؤال الذي قد يثير سخط وغضب المتدينين هو: كيف يمكن الغاء الدين؟ والمقصود هنا ليس الغاء تلك النزعة الوجودية والقناعة الشخصية لكل انسان، وليس الغاء حرية المعتقدات. وكما أن الغاء الدولة لا يعني عدم وجود اسس لتنظيم المجتمع بل على العكس تحتم ذلك، فإن الغاء الدين كمؤسسة سلطوية، كجهاز قمعي، يعني تحرير الدين من قيوده التي تفرضها المؤسسات الدينية. لكي تكون مسلما جيدا انت لست بحاجة إلى مئات الجماعات والجمعيات والاتحادات والمنظمات والحركات والاحزاب الاسلامية. ولست بحاجة إلى مئات الدعاة الذين يلعبون دور الوسطاء والحراس. حرية المعتقدات مستحيلة مع هذه التنظيمات ومع هؤلاء الدعاة. بهذا المعنى مصلحة كل متدين قبل غيره أن يناضل من أجل الغاء هذا الدين الممأسس الذي يكبت حريته الدينية.