Wednesday, June 26, 2013

المثقفون والطوبرجية

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000010117 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010101
المثقفون والطوبرجية
علي زبيدات – سخنين

أذكر، عندما كنت يافعا قبل سنوات طويلة، أن احد مدراء العمل الذي يعمل في شركة اسرائيلية كبيرة للبناء كان يبحث عن فرقة طوبرجية. واقترح علي احد الاصدقاء أن انضم للفرقة. حاولت اقناعه بأني لا افهم شيء بالطوبار ولا اصلح لهذا العمل. فقال لي: كل واحد يستطيع أن يكون طوبرجي ما عليك سوى أن تحمل وزرة وتملأها بالمسامير وتضع الشاكوس إلى جانبك وتبدأ بالعمل مقلدا الاخرين وزضاف لتشجيعي بأنه سوف يساعدني لتعلم المهنة. وبالفعل انضممت في اليوم التالي للفرقة وبدأت العمل متقيدا بارشادات وتعليمات صديقي، ربطت الوزرة حول خصري، ملأتها بالمسامير وحملت الشاكوش بيدي اليمنى. وعندما جاء دور ضرب المسامير بالخشبة كانت ضربة تأتي على المسمار وضربة اخرى على اصابعي. وغالبا ما كان المسمار يسقط على الارض اما لضعف الضربة واما لإعوجاجها. ولسوء حظي لاحظ مدير العمل ذلك فطلب من مسؤول الفرقة ألا اعود في اليوم التالي للعمل. فقلت لصديقي: ليس كل من يحمل وزرة على خصره يصبح طوبرجيا ولا حتى مساعدا لطوبرجي. في ذلك الوقت، ولا أظن أن ذلك قد تغير كثيرا اليوم، كانت كلمة طوبرجي بالغة السلبية تصل الى حد الشتيمة. فاذا اردت أن تسخر من شخص وتصفه بالبلادة والغباء تدعوه: يا طوبرجي. فالطوبرجي هو الطالب الذي فشل في الامتحانات النهائية ولا يستطيع متابعة تعليمه العالي أو انه لم يكمل تعليمه الثانوي أصلا واضطر للبحث عن عمل لا يتطلب أي مجهود ذهني. وكانت المقارنة دائما تجري بين الطوبرجيين من جهة وبين حملة الشهادات الجامعية من اطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين وغيرهم من الاكادميين المتعارف عليهم الآن بطبقة المثقفين. وطبعا كما هو متعارف عليه ومتفق عليه اجتماعيا لا يوجد هناك مجال هناك للمقارنة.
صحيح، ليس كل من حمل وزرة أصبح طوبرجيا، ولكن بالمقابل ليس كل من حمل شهادة جامعية أصبح مثقفا. من خلال مراقبتي المتواضعة للانتخابات المحلية الوشيكة أجزم أن نسبة المثقفين بين الطوبرجية تفوق نسبة المثقفين من بين حملة الشهادات الجامعية. واليكم بعض النماذج الواقعية الموجودة في كل قرية ومدينة عربية، على سبيل المثال لا الحصر: عائلة كبيرة تجتمع على غرار الاحزاب لكي تختار مرشحها (برايمريز عائلي) لرئاسة أو لعضوية البلدية وتختار مهندسا وتطلب من كافة افراد العائلة الالتفاف حوله. عائلة اخرى تختار طبيبا. وعائلة ثالثة تختار رجلا أميا او يكاد ان يكون أميا نظرا لمكانته الاجتماعية وفي هذه الحالة على "مثقفي" العائلة دعمه والوقوف الى جانبه.
من هو المثقف؟ هل هو الطبيب أو المهندس أو المحامي ولكنه المجرد من أي وعي اجتماعي؟والذي ينظر الى مجتمعه من تثقب إبرة عائلته؟ ويعجز عن رؤية قضايا هذا المجتمع من زاوية شاملة. واذا كان هذا المتثقف يفتقد للوعي الاحتماعي فأي دور اجتماعي تقدمي يستطيع ان يلعبه في حالة انتخابه؟ "المثقف" ، ودائما يجب وضع هذه الكلمة بين هلالين، في مجتمعنا مصاب بالتذبذب الفكري والانتهازية واللهث وراء المصالح الذاتية واللجوء الى التبريرات الواهية لتبرير هامشيته. بينما المثقف الحقيقي لا يمكن أن يتسربل بعباءة الحمولة البالية ويطرح نفسه كمرشح عائلي او يقبل أن يكون ضمن حاشية المرشح العائلي وتكوين هالة رائعة من النفاق الاجتماعي حوله.
من المفروض أن يكون المثقف اولا وقبل كل شيء ناقدا اجتماعيا ملتزما بقضايا بلده وشعبه، يتمتع بالوعي الاجتماعي التقدمي والممارسة النضالية النابعة من هذا الوعي. بناء على ذلك من الطبيعي أن يقف على الطرف المناقض للسلطة الغاشمة ولا يسعى للاندماج في هذه السلطة بكل ثمن. لذلك أشك أن تكون السلطة المركزية والمحلية في هذه البلاد هي المكان الملائم للمثقف الفلسطيني الملتزم. ولكن هذا لا يعني أن يتقوقع في برجه العاجي أو يلجأ الى صمت اهل القبور بل على العكس من ذلك تماما: عليه أن ينزل الى الشارع، يلتحم بالجماهير حاملا همومهم وآمالهم،يحس بنبضهم ويضم صوته الى صرختهم.
في الوقت الراهن لا يمكن اقناع الجماهير بأن السلطة المحلية هي امتداد للسلطة المركزية ووسيلة لقمعهم وترويضهم وليس لتقديم الخدمات لهم. على الجماهير ان تقتنع بدلك من خلال تجاربها الحياتية اليومية حتى تتوصل إلى النتيجة الحتمية بأن الحل الجذري يكمن في تغيير السلطة بشكليها المركزي والمحلي.

Wednesday, June 19, 2013

الميكافيلية الجديدة

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011014 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000010998
الميكافيلية الجديدة
علي زبيدات – سخنين
لا أظن أن أحدا من سياسيينا المحليين قد قرأ كتاب "الامير" للفيلسوف الايطالي ميكافيلي والذي نشر في بداية القرن السادس عشر حتى اصبح منذ ذلك الوقت وخصوصا في عصرنا الراهن دليلا للحكام بكافة اسمائهم ومستوياتهم من الملوك والروساء والامراء الى رؤساء البلديات والمجالس المحلية وحتى مدراء ورؤساء الجمعيات الاهلية وما يسمى بتنظيمات المجتمع المدني. في الحقيقة لم يعد من الضروري قراءة هذا الكتاب ليس فقط من منطلق أن سياسيينا لا يقرأون الكتب بشكل عام بل ايضا لأن اسس ومبادىء هذا الكتاب قد اصبحت معيارا عاما ومتعارفا عليه دوليا حتى بدون قرائته . هذا "الدليل" يفيد الحكام في حالاتين: أولا: الوصول الى السطة. ثانيا: التمسك بالسلطة ، الحفاظ عليها وعدم فقدانها.
في هذه المقالة اريد أن اتطرق الى مبدئين مركزيين يلخصان ليس فقط فكرة الكتاب بل ايضا يلخصان مجمل تفكير وممارسة رؤساء السلطات المحلية والمرشحين لرئاستها والاشخاص والقوى السياسية المحيطة بهم.
المبدأ الاول: " الغاية تبرر الوسيلة": لعل هذه العبارة هي الاكثر شهرة وانتشارا في عالم السياسة. ومن اجل اتقانها والتفنن بها لم بعد هناك حاجة لمعرفة السيد ميكافيلي اصلا. غاية المرشح وحاشيته هو تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية القادمة والتي قد بدأت سخونتها بالارتفاع. وغاية الرئيس الحالي الذي يطمح بولاية جديدة هي الحفاظ على كرسيه. من أجل تحقيق هذه الغاية تصبح كافة الوسائل مبررة ومشروعة. فإذا كنت من ذوي المصالح المادية فالمرشح سوف يبذل المستحيل من أجل تلبية اطماعك لكي يفوز بصوتك. واذا كنت من ذوي المبادىء فلا بأس أن يلبس المرشح عباءة الانبياء والقديسين. إن كنت من المتحمسين للعائلية السياسية فلا مانع أن يضع المرشح نفسه رأسا لحربة العائلية. وإن كنت من مناهضيها ينقلب ويصبح عدوا لدودا لها. وإن كنت ترى أن حدود طائفتك هي حدود تفكيرك السياسي فلا بأس أن يكون المرشح هو حامي حمى هذه الطائفة. الكذب ليس فقط ملح الرجال بل يصبح وسيلة ضرورية وفعالة من اجل كسب وجمع الاصوات. بذر الوعود ونشرها في جميع الاتجاهات، فلا حرج عليك لانك تستطيع ان تتملص منها عندما تشاء. يقول ميكافيلي في هذا الصدد: "الوعد الذي اعطي كان ضرورة من الماضي. والوعد المنتهك هو ضرورة في الوقت الحاضر". وهذا يفسر سخط الموعودين المخدوعين بعد نهاية الانتخابات مباشرة وفرز نتائج التصويت، ولسان حال المرشح المنتخب يقول: "نعم لقد وعدتكم ولكني لم أعدكم بالوفاء بوعدي". على سبيل المثال لا الحصر يوجد لدينا حزب "مبدئي" منتشر في معظم قرانا ومدننا العربية يغير مواقفه في كل فترة انتخابية ويتمسك بها في الوقت نفسه، فهو مع نزاهة الانتخابات ولكنه لا يجد حرجا في رشوة من يقبل الرشوة. وهو يغير حلفاءه واصدقاءه حسب مصالحه ومصالحهم طبعا. يصبحون "مبدئيين" مثله ما داموا سيدلون باصواتهم لصالحه فإذا انقلبوا يسحب من تحت اقدامهم بساط المبدئية.
المبدأ الثاني: السياسة لا علاقة لها بالاخلاق": هذا المبدأ يكمل المبدأ الاول. إذ كيف يمكن أن تبرر كافة الوسائل اذا ادخلت الاخلاق إلى الصورة؟ الاخلاق جيدة ما دامت تكسبك رضى الشعب وتجلب بعض الاصوات ولكن هذه عملة صعبة والتداول بها محدود جدا. لا بأس أن تظهر بمظهر الفضيلة ما دام ذلك مفيدا ولا بأس أن تتقنع بالدين لكسب الشعب. ولكن عليك أن تلقي بمظهر الفضيلة جانبا اذا اصبحت عقبة في طريقك للسلطة وان تخلع قناع الدين اذا وقف حاجزا بينك وبين تحقيقيق شهواتك السلطوية. السياسة تتطلب الدهاء (والتي تسمى هنا الذكاء) والحنكة (أي الخداع). حسب ميكافيلي واتباعه الصغار في السلطات المحلية الناس ناكرون للجميل، متقلبون، منافقون، وطماعون تحركهم المصلحة المادية ويجب التعامل معهم من هذا المنطلق.
على عكس ميكافيلي واتباعه أومن بأن الغايات السامية لا يمكن أن تحقق الا بوسائل سامية. وإن النصر الذي يتم تحقيقه بكافة الوسائل هو اسوأ من الهزيمة. وأن السياسة هي الاخلاق بحد ذاتها. في الحملة الانتخابية الوشيكة في مدننا وقرانا والتي أرفض أن اطلق عليها اسم "معركة انتخابية" علينا أن نخوض معركة حقيقية ضد كافة الوسائل الباطلة المرفوضة اخلاقيا.

Wednesday, June 12, 2013

حول مناهضة الخدمة المدنية مرة اخرى

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011389 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011373
حول مناهضة الخدمة المدنية مرة اخرى
علي زبيدات – سخنين
خرجت من "المؤتمر الوطني لمناهضة الخدمة المدنية والعسكرية وكافة اشكال التجنيد" الذي عقد مؤخرا بدعوة من لجنة مناهضة الخدمة المدنية المنبثقة عن لجنة المتابعة وبالتعاون مع الحملة الاهلية لمناهضة الخدمة المدنية أكثر تشاؤما وأكثر قناعة بأن هذه الحملة بشكلها ومضمرنها الحاليين مصيرها الفشل. ولا ادري كيف تذكرت حال خروجي قصيدة نزار قباني: هوامش على دفتر النكسة وخصوصا المقطع الذي يقول فيه :
" إذا خسرنا الحرب لا غرابة
لاننا ندخلها
بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لاننا ندخلها
بمنطق الطبلة والربابة"
هذا ما كان بالضبط: خطابات تطبيل وتزمير
لقد استمعنا في هذه المؤتمر، وهو على فكرة ابعد ما يكون عن كونه موتمرا من حيث الحضور والتحضير والمشاركة، إلى خطابات من اربعة اعضاء كنيست كرر كل واحد منهم الكلام نفسه بعبارات مختلفة بلغة خطابية عقيمة، غير مقنعة وبكلمات جافة وجامدة بلا روح فيها أو رؤيا ينطبق عليها الوصف الذي اطلقه نزار قباني في القصيدة نفسها عن اللغة القديمة التي نعاها الشاعر ، ولكنها ما زالت حية هنا، عن كلامنا المثقوب كالاحذية القديم … والفكر الذي قاد إلى الهزيمة.
اتفق الخطباء على أن هدف الحكومة من فرض الخدمة المدنية على شبابنا هو تعميق الولاء للدولة، وكأن الخدمة في الكنيست الاسرائيلي وتأدية يمين الولاء لا علاقة لها بالولاء للدولة. أين المصداقية في مثل هذه الخطابات؟ من يقبض بضع شواقل قد تعينه في حياته خلال خدمته في احدى المؤسسات الرسمية الثانوية يعمق الولاء للدولة، أما من يقبض آلاف الشواقل من خلال خدمته في المؤسسة الاسرائيلية الاولى فإنه يعمق الانتماء الوطني الفلسطيني!! أي منطق غريب هذا؟ لماذا إذن كلما علا صراخنا أكثر وكلما اصبحت خطاباتنا نارية أكثر كلما ازداد عدد شبابنا المنضمين للخدمة المدنية؟ وعندما يطالب احد اعضاء الكنيست بفرض الحرمان على الفتيات اللاتي يقمن بالخدمة المدنية فلا خطوبة أو زواج منهن فهل كلف خاطره واستمع الى فتاة اضطرت للجوء للخدمة المدنية وحاول ان يجد لها بديلا آخرا؟
وعندما يقول عضو كنيست آخر: "اذا لم نستطع اسقاط قانون المساواة في تحمل العبء فسوف نطالب بأن تكون الخدمة المدنية تطوعية". الا يوحي ذلك بوجود صفقة في الافق للموافقة على هذا القانون؟ وعندها يستطيع أن يقول أن قضية التطوع هي مشكلة داخلية في مجتمعنا ويمكن معالجتها بوسائل اخرى.
مما لا شك فيه أن الخدمة المدنية المطروحة تشوهة الهوية الوطنية الفلسطينية لشبابنا ولمجتمعنا ككل وان هدفها هو بالطبع تعميق الولاء للدولة الصهيونية. وهذا الامر يفهمه ويستوعبه معظم شبابنا. ولكننا نحن هنا نواجه سياسة حكومية مبرمجة ومحكمة التخطيط، ولا يمكن اسقاطها عن طريق الخطابات والتخبط وردود الفعل العفوية وعدم وضوح الرؤيا وغياب البديل. وكفى سذاجة وكأن تنظيف مقبرة أو دوار في أية مدينة او قرية عربية أو الحنين الى معسكرات العمل الحزبية التي اندثرت منذ عقود كافية لأن تكون ردا مناسبا للسياسة الحكومية.
حسب رأيي كانت هناك في المؤتمر المذكور كلمتان صادقتين: الاولى: للناشط عمر سعد الرافض للخدمة العسكرية والذي عبر بأحاسيس صادقة عن الازمة الوجودية والصراع الداخلي التي تفرضه عليه هذه الخدمة بين ولائه لشعبه ولإنتمائه الوطني من جهة وبين ولائه لدولة اقتحمت عليه حياته عنوة. والكلمة الثانية للناشطة هند سلمان التي حاولت أن تشرح لماذا معظم المجندات من الفتيات ، وكيف وصلنا الى وضع أن ترى الفتاة العادية بالخدمة المدنية فرصتها الوحيدة لتخفيف القيود الاجتماعية المفروضة عليها وفرصتها الوحيدة لكي تشعر بنوع من الاستقلالية. حسب رأيي مرت هاتان الكلمتان مرور الكرام أمام آذان صانعي القرار وتم نسيانها حتى قبل انفضاض المؤتمر.
قلت في الماضي وأكرر ذلك مرة اخرى: يجب حل "لجنة مناهضة الخدمة المدنية" فورا واعادة رئيسها والناشطين بها الى منازلهم. والعمل على اقامة لجنة لتنظيم "الخدمة المدنية الفلسطينية" ولكن ليس بلغة الشعارات المحنطة التي ذكرها رجا اغبارية في المؤتمر. على هذه اللجنة أن تقوم على أساس ثوابت وطنية راسخة وتتبع استراتيجية واضحة وتمتلك ادوات ووسائل مادية ومعنوية تمكنها من طرح البديل الملائم. لجنة تستطيع أن تقدم للفتاة العربية دعما ماديا ومعنويا للخروج من حبسها الاجتماعي والحصول على درجة من الاستقلالية من غير أن تضطر للجوء للخدمة المدنية الاسرائيلية.
مما لا شك فيه أن هذا الموضوع بحاجة الى دراسات عميقة وبحوث شاملة ونقاش هذا الامر المعدوم في اللجنة الحالية. وانصح الشباب المناهضين للخدمة المدنية الا يضيعوا وقتهم وطاقاتهم في اللهث وراء اوهام لجنة المتابعة واللجان المنبثقة عنها ويتوجهوا نحو ابتكار وسائل خلاقة لتحقيق طموحاتهم.

Wednesday, June 05, 2013

لا تكليف ولا تشريف


لا تكليف ولا تشريف
علي زبيدات – سخنين

الانتخابات المحلية على الابواب. الحملة لخوض هذه الانتخابات والتي يسميها البعض معركة قد بدأت. ما زالت على نار هادئة ولكنها بدأت.وهذه النار سوف ترتفع ويشتد وهجها مع اقتراب موعد الانتخابات حتى تصل في وسطنا العربي فعلا الى درجة المعركة بل المعارك خصوصا واننا لا نعرف اية معركة من نوع آخر. عندما ترتفع النار الانتخابية قد تندلع الحرائق في أكثر من مكان لتحرق ليس فقط اصابع المرشحين بل قد تمتد لكي تصل الى كل واحد منا. في هذه الفترة، ككل فترة تسبق الانتخابات، يسود الشعار، الذي يتردد على السنة كافة المرشحين إن كانوا لرئاسة السلطة المحلية او لمجرد عضويتها: هذا المنصب هو تكليف وليس تشريفا. وبالرغم من محاولاتي الجاهدة والمتكررة لفهم ما المقصود من وراء هذا القول الا انني اعترف بفشلي في سبر غوره واستيعابه. فمن الذي يا ترى يكلفهم بذلك وهم يرمون انفسهم عليه كالمحموم أو كمن مسه الجنون؟ وكيف يمكن أن يكون تكليفا والدافع الرئيسي من ورائه هو اللهث وراء المصالح الشخصية والمكانة الوهمية؟ اما الوسائل لتحقيق هذا الهدف فحدث ولا حرج. فكل الوسائل مشروعة بما فيها الرشوات وشراء الذمم والمحسوبيات وتأجيج النزعات العائلية والطائفية إن احوج ، وكل ذلك بالعقل طبعا.
في الوقت نفسه هذا المنصب (رئيس بلدية أو عضو مجلسها) حسب رأيي ليس تشريفا. فالحكم المحلي في هذه البلاد ليس سوى امتداد للحكم المركزي الصهيوني ولا يخرج عن كونه مجرد ذراع اداري تنفيذي لهذا الحكم. رئيس البلدية هو في نهاية المطاف موظف عند وزير الداخلية يستطيع أن يقيله متى يشاء حتى ولو حصل على ٩٠٪ من اصوات الناخبين. وقد أقال بالفعل حوالي ربع الرؤساء المنتخبين وكبل ايدي قسم آخر بتعيين محاسب مرافق يراقب كل شيكل يتصرف به رئيس البلدية.
اذكر انه قبل سنوات طويلة، عندما كنت عضوا رسميا وناشطا في حركة ابناء البلد وقررنا لاسباب مبدئية مقاطعة انتخابات الكنيست الصهيوني لكي لا نمنحه الشرعية دار نقاش مواز حول مقاطعة أو عدم مقاطعة الانتخابات المحلية. الاغلبية كانت مع فصل الانتخابات المحلية عن انتخابات الكنيست وذلك لأن الانتخابات المحلية لا تتطرق لمسألة شرعية الكيان ولا تشتطرها وهي في نهاية المطاف ذات طبيعة خدماتية وليست سياسية. بالاضافة الى اعتبارات اخرى من أهمها أن الصلة مع عضو الكنيست المنتخب تكاد ان تنقطع مع انتهاء الانتخابات، اما العلاقة مع رئيس البلدية والمجلس البلدي المنتخبين تبقى مستمرة من اول يوم وحتى آخر يوم وهي علاقة مباشرة ويومية ولا تخلو من محاسبة ومن رقابة حتى وإن لم تكن ملزمة. لم أكن مقتنعا بهذه التبريرات بالرغم من اهميتها ومن وجاهتها وذلك بسبب الطبيعة الصهيونية الثابتة للنظام ككل والتي لا تبقي هامشا كافيا للعمل البلدي المستقل. واذكر انني دافعت في ذلك الوقت عن فكرة امكانية تشكيل بلدية ظل: أي اقامة جسم لا تربطه اي علاقة بالانتخابات وبالميزانيات الحكومية هدفه نقد وتقويم ومراقبة عمل البلدية المنتخبة وتطوير هذه الفكرة حتى الوصول الى نوع من الاستقلالية على غرار كومونة باريس. طبعا هذه التنظيرات لم تلق اذان صاغية خصوصا انها كانت صادرة عن سجين سياسي تحرر لتوه. والحقيقة اني تخليت عن هذه التنظيرات ليس لأني لم أعد أومن بها بل لأنها بالفعل بدت منقطعة تماما عن الواقع وعن الجماهير. ففي اول انتخابات محلية شاهدت ولمست تلك الحمى التي أصابت والهبت الجميع. وقلت في حينه اذا كان لا بد من خوض الانتخابات المحلية فعلى الاقل يجب ان نتفق على بعض الثوابت وكان أهمها ثلاث: ١) رفض العائلية والطائفية بكافة اشكالها. ٢)رفض المصالح الخاصة والمحسوبيات. ٣) مكافحة الفساد في كافة المجالات وعلى جميع الاصعدة. للاسف الشديد اقول اننا في حركة ابناء البلد قد فشلنا من اول امتحان. البعض لم يستطع الصمود امام الاغراءات وانجرف مع التيار، رجح مصالحه الخاصة ولم يصمد امام الانجراف العائلي المستشرس. هذا لا يعني انه لم تكون هناك محاولات للنقد وتصحيح المسار، على العكس هذه المحاولات لم تتوقف ابدا وفي كثير من الاحيان حققت نتائج ايجابية ملموسة. فاذا كان هذا الوضع يجرف حركات مبدئية ترفض الاعتراف بشرعية الدولة فكم بالاحرى الاحزاب والقوائم الاخرى؟ اليوم وبعد توسيع يمين الولاء للدولة لكي يشمل بالاضافة لاعضاء الكنيست رؤساء واعضاء البلدية ايضا، هذا بالرغم من انه قد قيل لي لا رقابة فعلية على قسم يمين الولاء، ومع اخضاع العمل البلدي تقريبا بشكل كامل لسياسة الدولة العنصرية . يجب مقاطعة الانتخابات المحلية ايضا والبحث عن طرق اخرى لخدمة جماهير شعبنا بما يصون ويحمي هويته الوطنية.