الميكافيلية
الجديدة
علي
زبيدات – سخنين
لا
أظن أن أحدا من سياسيينا المحليين قد قرأ
كتاب "الامير"
للفيلسوف الايطالي
ميكافيلي والذي نشر في بداية القرن السادس
عشر حتى اصبح منذ ذلك الوقت وخصوصا في
عصرنا الراهن دليلا للحكام بكافة اسمائهم
ومستوياتهم من الملوك والروساء والامراء
الى رؤساء البلديات والمجالس المحلية
وحتى مدراء ورؤساء الجمعيات الاهلية وما
يسمى بتنظيمات المجتمع المدني.
في الحقيقة لم يعد
من الضروري قراءة هذا الكتاب ليس فقط من
منطلق أن سياسيينا لا يقرأون الكتب بشكل
عام بل ايضا لأن اسس ومبادىء هذا الكتاب
قد اصبحت معيارا عاما ومتعارفا عليه دوليا
حتى بدون قرائته . هذا
"الدليل"
يفيد الحكام في
حالاتين: أولا:
الوصول الى السطة.
ثانيا:
التمسك بالسلطة ،
الحفاظ عليها وعدم فقدانها.
في
هذه المقالة اريد أن اتطرق الى مبدئين
مركزيين يلخصان ليس فقط فكرة الكتاب بل
ايضا يلخصان مجمل تفكير وممارسة رؤساء
السلطات المحلية والمرشحين لرئاستها
والاشخاص والقوى السياسية المحيطة بهم.
المبدأ
الاول: " الغاية
تبرر الوسيلة": لعل
هذه العبارة هي الاكثر شهرة وانتشارا في
عالم السياسة. ومن
اجل اتقانها والتفنن بها لم بعد هناك حاجة
لمعرفة السيد ميكافيلي اصلا.
غاية المرشح وحاشيته
هو تحقيق الفوز في الانتخابات المحلية
القادمة والتي قد بدأت سخونتها بالارتفاع.
وغاية الرئيس
الحالي الذي يطمح بولاية جديدة هي الحفاظ
على كرسيه. من
أجل تحقيق هذه الغاية تصبح كافة الوسائل
مبررة ومشروعة. فإذا
كنت من ذوي المصالح المادية فالمرشح سوف
يبذل المستحيل من أجل تلبية اطماعك لكي
يفوز بصوتك. واذا
كنت من ذوي المبادىء فلا بأس أن يلبس
المرشح عباءة الانبياء والقديسين.
إن كنت من المتحمسين
للعائلية السياسية فلا مانع أن يضع المرشح
نفسه رأسا لحربة العائلية.
وإن كنت من مناهضيها
ينقلب ويصبح عدوا لدودا لها.
وإن كنت ترى أن
حدود طائفتك هي حدود تفكيرك السياسي فلا
بأس أن يكون المرشح هو حامي حمى هذه
الطائفة. الكذب
ليس فقط ملح الرجال بل يصبح وسيلة ضرورية
وفعالة من اجل كسب وجمع الاصوات.
بذر الوعود ونشرها
في جميع الاتجاهات، فلا حرج عليك لانك
تستطيع ان تتملص منها عندما تشاء.
يقول ميكافيلي في
هذا الصدد: "الوعد
الذي اعطي كان ضرورة من الماضي.
والوعد المنتهك
هو ضرورة في الوقت الحاضر".
وهذا يفسر سخط
الموعودين المخدوعين بعد نهاية الانتخابات
مباشرة وفرز نتائج التصويت، ولسان حال
المرشح المنتخب يقول: "نعم
لقد وعدتكم ولكني لم أعدكم بالوفاء بوعدي".
على سبيل المثال
لا الحصر يوجد لدينا حزب "مبدئي"
منتشر في معظم
قرانا ومدننا العربية يغير مواقفه في كل
فترة انتخابية ويتمسك بها في الوقت نفسه،
فهو مع نزاهة الانتخابات ولكنه لا يجد
حرجا في رشوة من يقبل الرشوة.
وهو يغير حلفاءه
واصدقاءه حسب مصالحه ومصالحهم طبعا.
يصبحون "مبدئيين"
مثله ما داموا
سيدلون باصواتهم لصالحه فإذا انقلبوا
يسحب من تحت اقدامهم بساط المبدئية.
المبدأ
الثاني: السياسة
لا علاقة لها بالاخلاق":
هذا المبدأ يكمل
المبدأ الاول. إذ
كيف يمكن أن تبرر كافة الوسائل اذا ادخلت
الاخلاق إلى الصورة؟ الاخلاق جيدة ما
دامت تكسبك رضى الشعب وتجلب بعض الاصوات
ولكن هذه عملة صعبة والتداول بها محدود
جدا. لا
بأس أن تظهر بمظهر الفضيلة ما دام ذلك
مفيدا ولا بأس أن تتقنع بالدين لكسب الشعب.
ولكن عليك أن تلقي
بمظهر الفضيلة جانبا اذا اصبحت عقبة في
طريقك للسلطة وان تخلع قناع الدين اذا
وقف حاجزا بينك وبين تحقيقيق شهواتك
السلطوية. السياسة
تتطلب الدهاء (والتي
تسمى هنا الذكاء) والحنكة
(أي
الخداع). حسب
ميكافيلي واتباعه الصغار في السلطات
المحلية الناس ناكرون للجميل، متقلبون،
منافقون، وطماعون تحركهم المصلحة المادية
ويجب التعامل معهم من هذا المنطلق.
على
عكس ميكافيلي واتباعه أومن بأن الغايات
السامية لا يمكن أن تحقق الا بوسائل سامية.
وإن النصر الذي
يتم تحقيقه بكافة الوسائل هو اسوأ من
الهزيمة. وأن
السياسة هي الاخلاق بحد ذاتها.
في الحملة الانتخابية
الوشيكة في مدننا وقرانا والتي أرفض أن
اطلق عليها اسم "معركة
انتخابية" علينا
أن نخوض معركة حقيقية ضد كافة الوسائل
الباطلة المرفوضة اخلاقيا.
No comments:
Post a Comment