Wednesday, September 30, 2009

ماذا تبقى من انتفاضة الاقصى غير الذكرى؟

ماذا تبقى من انتفاضة الأقصى غير الذكرى؟
علي زبيدات – سخنين

ماذا تعني كلمة ذكرى أصلا؟ حسب رأيي الذكرى، كل ذكرى، مكونة من ثلاثة عناصر: أولا) وقوع حدث ما ذو أهمية معينة. ثانيا) نسيان أو تلاشي هذا الحدث مع مرور الوقت. ثالثا) من حين لآخر تذكر هذا الحدث وهذا ما نسميه إحياء الذكرى. وهكذا دواليك: حدث فنسيان فذكرى.
تاريخنا الفلسطيني مليء بالذكريات: هناك ذكرى النكبة، ذكرى النكسة، ذكرى يوم ، ذكرى دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا. تقريبا كل يوم من أيام السنة يحمل في طياته ذكرى أو أكثر. إذن الذكرى تعني أولا وقبل كل شيء نهاية الحدث. وهذا ما يصنع الفرق مثلا بين الانتفاضة كعمل نضالي مستمر وبين إحياء ذكرى الانتفاضة. كانت أحداث أكتوبر سنة2000 جزء لا يتجزأ من انتفاضة الأقصى التي انفجرت في شتى أرجاء فلسطين. ولكن سرعان ما تمت السيطرة عليها من قبل السلطات الإسرائيلية بالتعاون مع القيادة العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات. وسمح لهم بإحياء الذكرى فقط. حتى هذه الذكرى تم تشويهها وتقزيمها. لقد راجعت جميع البيانات التي صدرت عن لجنة المتابعة والأحزاب السياسية والجمعيات فلم أجد بيانا واحدا يقول: أن الإضراب الشامل والمسرة في الأول من أكتوبر هو بمناسبة الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى. في أحسن الحالات، بعض التنظيمات التي تعد راديكالية إسلاميا أو وطنيا تكلمت عن هبة الأقصى ولكن معظم المصادر اكتفت بيوم القدس والأقصى أو ذكرى سقوط 13 شهيدا (لاحظوا، وليس سقوط 5000 شهيد سقطوا في هذه الانتفاضة) بينما الجبهة الديمقراطية للسلام المساواة التي بادرت إلى طرح الإضراب العام وضرورته هذه السنة على عكس مواقفها السابقة تتكلم عن: " ذكرى يوم القدس والأقصى وأحداث أكتوبر الأسود" (اقتباس من موقع الجبهة). لاحظوا أن ما استمر عندنا حوالي شهر كامل وفي بعض الأماكن الأخرى في فلسطين تسع سنوات تم اختزاله في يوم واحد. وإن ما جرى مجرد أحداث كحوادث الطرق مثلا. ولماذا أكتوبر الأسود؟ ألأن الجماهير أظهرت انتمائها الحقيقي وهويتها الوطنية الحقيقية وانخرطت بالانتفاضة أسوة بباقي جماهير شعبنا؟ أكتوبر 2000 كان من أشد الشهور نصاعة في تاريخنا القاتم منذ سنوات طويلة.
هل ما زالت انتفاضة الأقصى مستمرة؟ أم هل توقفت مع موت ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس الذي صرح أكثر من مرة أن انتفاضة الأقصى جلبت المصائب على الشعب الفلسطيني مبرئا بذلك الاحتلال الإسرائيلي من جلب هذه المصائب ووصف عملياتها بالحقيرة وصواريخها بالعبثية بينما لم نسمع منه مثل هذه الألفاظ عن عمليات وصواريخ إسرائيل؟ أم هل انتهت بعد الحرب الأخيرة على غزة والكلام الذي لا ينتهي عن التهدئة؟
في الحقيقة الجواب على هذا السؤال ليس سهلا وهو يعتمد على من تسأل وما هو تعريفك للانتفاضة. وهذا موضوع يطول الخوض فيه.
بعد سقوط حوالي خمسة آلاف شهيد و50 ألف جريح (هل ما زال هناك من يحصي عدد الشهداء والجرحى؟) بالمناسبة هذه الأرقام لا تشمل ضحايا الحرب الأخيرة، نستطيع أن نقول أن الانتفاضة رسميا ما زالت مستمرة بالرغم من الجهود الإسرائيلية والعربية والفلسطينية والدولية لإنهائها. ولكن....
بالنسبة لسلطة أوسلو الانتفاضة انتهت منذ زمن والآن ما يجري بالضفة الغربية هو "الانتفاضة" المضادة، أي ملاحقة المقاومين وتصفيتهم أو زجهم بالسجون أو تسليمهم لإسرائيل. ما زالت هناك بعض جيوب المقاومة التي يجري مطاردتها من خلال التنسيق الأمني بين قوى الأمن الفلسطينية بقيادة دايتون وقوى الاحتلال الإسرائيلية.
بالنسبة لزعامتنا المحلية، الانتفاضة لم تبدأ أصلا. أي لا حاجة هناك لإنهاء ما لم يكن موجودا. كل ما الأمر كانت هناك أحداث أسفرت عن سقوط 13 شهيدا ولا مناص من إحياء هذه الذكرى لاعتبارات سياسية ضيقة.
اليوم تشمر الأحزاب السياسية العربية الإسرائيلية المنضوية تحت مظلة لجنة المتابعة عن سواعدها لإنجاح الإضراب العام والمسيرة في الأول من أكتوبر وتبث جوا من الوحدة المصطنعة ولكنها في الواقع لم تغادر تقوقعها وتربصها بغيرها من الأحزاب . في غياب القيادة الثورية التقدمية للجماهير المعبأة عفويا قد تستطيع هذه الأحزاب من جذب أوساطا واسعة من الجماهير لإنجاح نسبي للإضراب والمسيرة القطرية. ولكن ككل ذكرى سوف تنتهي في اليوم التالي وستعود هذه الأحزاب لتغط في سبات النسيان حتى الذكرى القادمة.
ينبغي على الأوساط الحية من شعبنا وقواه الطليعية أن ترفض تحويل النكبة إلى مجرد ذكرى تمهد الطريق للتنازل عن التحرير والعودة، وتحويل يوم الأرض إلى ذكرى تشكل غطاء على عمليات النهب والمصادرة الحكومية المستمرة واختزال انتفاضة الأقصى إلى يوم ذكرى واحد. فقط من خلال جعل هذه المناسبات جزء لا يتجزأ من نضال يومي ومستمر، جزء لا يتجزأ من إستراتيجية نضالية هادفة يستطيع شعبنا انتزاع حقوقه كاملة.

Tuesday, September 15, 2009

صبرا وشاتيلا - جلادو الامس اصبحوا اصدقاء اليوم


صبرا وشاتيلا – جلادو الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم
علي زبيدات - سخنين

في مثل هذه الأيام قبل 27 عاما خرجت جماهير غفيرة من العالم العربي ومن شتى أصقاع الأرض إلى الشوارع معبرة عن سخطها واستنكارها للمجزرة الرهيبة التي اقترفتها الأيدي الآثمة الفاشية في إسرائيل ولبنان بحق الشيوخ والنساء والأطفال والمواطنين العزل في مخيمي صبرا وشاتيلا. لقد ذرفت هذه الجماهير في حينه الدموع الغزيرة وتعالت حناجرها الغاضبة بالهتاف: لن نغفر ولن ننسى.
ولكن، ويا لسخرية الأقدار، فقد نجا المجرم بجريمته، ليس فقط أنه لم يعاقب على ما اقترفته يداه، بل على العكس من ذلك فقد حظي منذ ذلك الوقت وحتى اليوم بجوائز عديدة، كان أهمها إنه أصبح صديقا حميما وحليفا إستراتيجيا. لقد تبين أن قسم كبير من الدموع التي سكبت لم تكن سوى دموع تماسيح، خصوصا تلك التي انهمرت من مآق الملوك والرؤساء والأمراء العرب والفئات المهيمنة على القرار الفلسطيني. أما الصراخ بعدم المغفرة والنسيان لم يكن سوى مسرحية للاستهلاك المحلي لا أكثر.
لقد سقط شهداء صبرا وشاتيلا مرتين: مرة بسلاح قطعان الفاشية القادمين من جانبي الحدود ومرة بسلاح ذوي القربى، سلاح الجبن والصمت والنسيان الذي يتوج حاليا باحتضان المعتدين. وغني عن القول أي السلاحين أشد مضاضة.
ما حدث في صبرا وشاتيلا كان واضحا وضوح الشمس حتى أن ماكينة الدعاية الصهيونية مهما بلغ جبروتها لم تستطع أن تطمس الحقيقة. صور الجثث المكدسة في الطرقات وباحات الدور والقبور الجماعية، التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية كانت، وما زالت، تتحدث عن نفسها. لقد كان التعاون وتقاسم الأدوار بين الفاشيين الإسرائيليين واللبنانيين قد بلغ ذروته وأخذ أنجع أشكاله. حيث قام الأوائل بفرض الحصار التام على المخيمين، سدوا جميع المنافذ، سلحوا وجلبوا قطعان الفاشية المحليين، أضاءوا لهم سماء المخيمين وقالوا لهم: هيا أدخلوا.
لا يعرف أحد بالضبط، حتى اليوم، عدد الشهداء الذين سقطوا، ما هي أسماءهم؟ ما هي هويتهم الشخصية؟. المصادر الأمنية اللبنانية التي أرادت أن تتهرب من مسؤوليتها وتواطؤها تكلمت عن (470) شهيدا، المصادر الإسرائيلية قالت بين (800-1000) شهيدا، غير أن المصادر الصحفية العالمية والفلسطينية أكدت أن العدد يتراوح بين 2000-3000) شهيدا. ولكن في نهاية المطاف جميع هذه الأرقام لم تكن ذات أهمية. العالم رأى وسكت. لم يكن هناك أي تحرك للكشف عن الحقائق. لم تكن أية مطالبة بمعاقبة المسؤولين. لا محكمة دولية، لا لجنة تحقيق دولية، لا شيء.
دعونا نجري هذه المقارنة: في عام 2001 بعد نسف أبراج التوأمين في نيويورك رصدت الإدارة الأمريكية سقوط 2752 قتيلا. أي تقريبا نفس ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا. كيف كان رد الإدارة الأمريكية على ذلك؟ قامت بشن حرب عالمية على ما يسمى الإرهاب، احتلت أفغانستان والعراق بعد أن قتلت وهجرت الملايين ودمرت البنى التحتية لهذين البلدين ولم تتورع عن التصريح بأنها تريد إعادة هذين البلدين إلى العصر الحجري. وما زال العالم بأسره يدفع ثمن ما حدث في 11/9/ 2001 حتى وإن لم يكن ذد صلة بما حدث لا من قريب ولا من بعيد.
نحن نعلم جيدا أن مجرد المقارنة بين ما حدث في نيويورك وما حدث في صبرا وشاتيلا هي وقاحة تتعدى كل الحدود بل هي جريمة لا تغتفر، إذ ما هو وجه الشبه بين المعدومين والمنبوذين من سكان المخيمات وبين أولئك الذين يمسكون في تلابيب الاقتصاد العالمي في نيويورك؟
مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن الأولى ولا الأخيرة التي تقترفها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وجيشها الأخلاقي جدا، الذي يحافظ على طهارة سلاحه كما يحافظ على بؤبؤ عينه. فقد سبقتها مجازر عديدة من دير ياسين إلى كفر قاسم إلى بحر البقر، وتلتها مجازر أخرى لا تقل عنها فظاعة من قانا الأولى إلى قانا الثانية إلى مجازر غزة الأخيرة.
يا للعار، جميع هذه المجازر تم غفرانها وتم نسيانها. وإذا ذكرها أحدنا فعلى سبيل أنها صفحة من التاريخ أكل الدهر عليها وشرب، يجب علينا أن نقلب صفحة جديدة. أليس من العار أن اللجنة الوحيدة التي حققت في هذه المجزرة الرهيبة كانت لجنة إسرائيلية والتي كان هدفها المعلن مسبقا هو تبرئة القيادة الإسرائيلية وعلى رأسها شارون من المسؤولية؟ وهي لجنة كاهان التي لم يكن أمامها إلا أن تعترف ب"إهمال" و"سوء تقدير" هذه القيادة. وتركنا بعض الناجين من المجزرة يتسولون أمام المحاكم الأجنبية عسى أن تستطيع محاسبة المجرمين بينما كانت القيادة الفلسطينية نفسها تبحث عن اقصر الطرق المؤدية إلى أحضان هؤلاء المجرمين.
في هذه الذكرى الأليمة، الذكرى ال27 لمجزرة صبرا وشاتيلا، نزف بشرى للشهداء بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أسوة بالحكومات السابقة، تعد العدة للمزيد من المجازر، وأن مزيدا من الضحايا سوف ينضمون إلى قافلة الشهداء. ولكن وكما قال أحد الشعراء: الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئا، بل هي خلود في موت رائع.

الدولة الفلسطينية: بنيامين نتنياهو يخطط سلام فياض ينفذ


الدولة الفلسطينية: بنيامين نتنياهو يخطط سلام فياض ينفذ
علي زبيدات – سخنين

لعلكم تذكرون خطاب أوباما في القاهرة قبل 3 أشهر والذي ألقاه مخاطبا العالمين العربي والإسلامي والذي اعتبرته وسائل الإعلام العربية والدولية خطابا تاريخيا؟ ولعلكم تذكرون أيضا كيف طارت قلوب الزعماء العرب فرحا عندما تحدث اوباما في هذا الخطاب عن التزام الإدارة الأمريكية بإقامة الدولة الفلسطينية؟ هذا بالرغم من أنه بدأ كلامه بالإشادة بالعلاقات التاريخية المميزة التي تربط أمريكا بإسرائيل ودعوة الفلسطينيين إلى نبذ العنف مع إنه بالمقابل لم يتطرق بكلمة واحدة عن العنف الإسرائيلي.
بعد هذا الخطاب "التاريخي" بفترة وجيزة وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو وأعلن للعالم عن قبوله لمبدأ قيام الدولة الفلسطينية وشرح بإسهاب تصوره لهذه الدولة الفريدة من نوعاها، التي لا يوجد لها مثيل في العالم أجمع. يجب أن تكون هذه الدولة أولا وقبل كل شيء منزوعة السلاح. السلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الأجهزة الأمنية التي وظيفتها الوحيدة الحفاظ على الأمن الإسرائيلي. وعلى هذه الدولة أن تكون بلا حدود معترف بها، وذلك لكي لا تضطر دولة إسرائيل أن تعترف رسميا بتنازلها عن أجزاء من ارض إسرائيل هذا من جهة، ولكي تستطيع أن تدخل وتخرج إلى هذه الدولة متى تشاء من جهة أخرى، تقتل وتعتقل من تشاء وتهدم أين متى تشاء، كما تفعله حاليا. على هذه الدولة ألا تمارس أي شكل من أشكال السيادة على أرضها وجوها وبحرها. لن يدخل إليها أحد إلا بموافقتها ولن يغادرها أحد إلا من خلال حواجزها العسكرية. على هذه الدولة أن تعترف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وبالمقابل يجب أن تنبذ كليا فكرة عودة اللاجئين، وأن تعترف بالقدس الموحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل. بالمقابل تستطيع هذه الدولة ، إذا أرادت، أن تختار أية قرية صغيرة في المنطقة وتطلق عليها اسم القدس وتجعل منها عاصمتها. سوف تعمل إسرائيل، بمشاركة المجتمع الدولي وأموال النفط العربية، على أن تجعل من هذه الدولة " سنغافورة" الشرق الأوسط، من خلال الاستثمار المكثف في الاقتصاد، وبناء المناطق الصناعية المشتركة التي سوف تقام على الأراضي الفلسطينية واستخدام العمالة الفلسطينية الرخيصة (لمحاربة البطالة ورفع مستوى الحياة) ولكن يجب أن تكون تحت الإدارة الإسرائيلية لكي تؤمن نصيبها من الإرباح. وهذا ما يطلق عليه نتنياهو: السلام الاقتصادي.
ظن البعض أن تصورات نتنياهو هذه حول الدولة الفلسطينية مرفوضة جملة وتفصيلا دوليا وعربيا ولكن بالأساس فلسطينيا. وتعالت الأصوات المنددة بهذه التصريحات معتبرة إياها دليلا آخرا على تعنت إسرائيل وعرقلتها التوصل إلى تسوية سلام نهائية. غير أن هذه الأصوات بدأت تخفت تدريجيا حتى تلاشت نهائيا. فالإدارة الأمريكية وجدت في خطاب نتنياهو خطوة إلى الأمام فهو في نهاية المطاف قد وافق على مبدأ الدولتين. والدول الأوروبية سارت خلف السياسة الأمريكية كعادتها. أما الدول العربية فبقيت جثة هامدة لا تحرك ساكنا، تنتظر دورها في تحويل بعض استثماراتها إلى المنطقة.
المصيبة تكمن في الموقف الفلسطيني، الذي عبر عنه مؤخرا سلام فياض، رئيس حكومة السلطة الفلسطينية المستقيل، العائد، الانتقالي، الذي لا يتمتع بأية شرعية سوى رضا ومباركة إسرائيل وأمريكا ، من خلال الإعلان عن برنامج حكومته تحت عنوان:" وثيقة فلسطين، إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة". حيث صرح عن نية حكومته إعلان الدولة بعد عامين بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل أو عدمه.
إذا تخطينا الشعارات الممجوجة الخالية من أي معنى حول إنهاء الاحتلال وحل عادل متفق عليه لقضية اللاجئين والقدس كعاصمة لهذه الدولة، نجد أنفسنا وجها لوجه أمام السلام الاقتصادي الذي يتكلم عنه نتنياهو. وهذا ليس غريبا بتاتا كما قد يظن البعض. ينتمي الشخصان إلى مدرسة اقتصادية واحدة فكلاهما نتاج للعولمة الاقتصادية ولسياسة البنك الدولي. بالنسبة لسلام فياض عدالة القضية الوطنية والحقوق المهضومة والتحرير كلمات مجردة لا تعني شيئا عمليا. وبالمناسبة، ارض إسرائيل الكاملة، والحق التاريخي لليهود في فلسطين وباقي الأساطير المؤسسة للصهيونية لا تعني شيئا بالنسبة لنتنياهو أيضا. كلاهما يستعمل هذه الشعارات للاستهلاك المحلي لا غير. الوطن بالنسبة لكليهما ليس أكثر من شركة اقتصادية تدر الإرباح.
عندما يتكلم فياض عن بناء المؤسسات التي سوف تقيم الدولة فهو يتكلم عن بناء مناطق صناعية مشتركة مع إسرائيل، عن إقامة مشاريع سياحية في أريحا والبحر الميت وأماكن أخرى، وربما عن زيادة عدد الكازينوهات أيضا. والكلام عن بناء مطار دولي في الأغوار ومد السكك الحديدية وشق الطرق وغيرها من وسائل الاتصال لن يكون تعبيرا عن سيادة الدولة، حيث ستبقى هذه السيادة بأيدي إسرائيل بشكل مطلق. هدفها الوحيد هو خدمة المشاريع الاقتصادية.
إننا أمام شكل من أسوأ أشكال الحكم الذاتي الذي يخلد الاحتلال. ولا مانع من أحد أن يسمى هذا الشكل بالدولة أو بالإمبراطورية إذا شئتم.
الكلام عن عامين لم يصدر بشكل اعتباطي، هذه هي الفترة التي يحتاجها الثنائي نتنياهو – فياض لفرض تصوراتهما على ارض الواقع ولكي يأخذ كل طرف دوره: تتكفل أمريكا وأوروبا والدول العربية بالتمويل والاستثمار وتوفير الدعم السياسي، ويتكفل نتناهو وفياض بالتخطيط والتنفيذ.
الصورة باختصار وبشكل مكثف: هناك عامان أمامهما لتصفية القضية الفلسطينية نهائيا وهناك عامان أمامنا لإسقاطهما.

Wednesday, September 02, 2009

الحلقة الاضعف


علي زبيدات - سخنين

مما لا شك فيه أن الحركة الصهيونية بعد قرن وربع قرن من تاريخها وبعد ستين سنة ونيف من قيام دولتها، إسرائيل، استطاعت تحقيق إنجازات هامة غيرت وجه المنطقة تغييرا جذريا وأثرت على مجرى التاريخ الحديث على المستوى العالمي.
ما هو أعظم وأهم إنجاز حققته الحركة الصهيونية والكيان الذي خلقته؟ هل هو إقامة دولة عصرية قوية استطاعت أن تحتل فلسطين التاريخية وتشرد شعبها وتبني قاعدة كولونيالية متينة في قلب العالم العربي على الرغم من أنف كافة الأنظمة والشعوب العربية؟
أم هل كان أهم إنجازاتها أن تحظى بشرعية دولية وعربية وتكافأ على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وضد الإنسانية وتتحول من مجرم إلى ضحية، ويسكت العالم عن هذه الجرائم ويلهث الجميع طلبا لودها ولصداقتها؟
أم أن أعظم إنجازاتها هو تحويلها إلى أكبر ترسانة حربية في العالم تمتلك أعتى أسلحة الدمار الشامل، تشن الحروب متى يحلو لها، تأجج الصراعات والحروب في جميع أرجاء العالم، تصدر الأسلحة والمرتزقة المحترفين إلى العديد من دول العالم، وتشكل أكبر تهديد للسلام العالمي؟ ومع كل ذلك تعتبرها الدول الغربية المهيمنة على الاقتصاد العالمي وعلى الساسة العالمية دولة محبة للسلام، واحة للديمقراطية وسط بحر متلاطم من الاستبداد؟
أم أن أعظم إنجازاتها هو اعتراف العالم بأنها الممثل الشرعي والوحيد ليهود العالم؟ فبعد أن اقتلعت جاليات يهودية بكاملها وجلبتها إلى فلسطين. قامت بابتزاز العالم على خلفية الجرائم التي ارتكبتها النازية في حق يهود أوروبا وأصبحت الوريث الشرعي لضحايا النازية وحصلت على ثروات لا تقدر من جراء ذلك بينما لم يحصل الضحايا الحقيقيون إلا على فتات بالكاد أبقاهم على قيد الحياة. بينما من المعروف أن الحركة الصهيونية كانت لا مبالية بمصير يهود أوروبا، هذا حسب ألطف تعبير كما اعترف به بعض الصهاينة أنفسهم. ناهيك عن التعاون المباشر وغير المباشر بين الصهيونية والنازية.
نستطيع أن نعد إنجازات أخرى عديدة من هذا القبيل. وهي بالفعل إنجازات مهمة لا يجوز التغاضي عنها أو المس بأهميتها بأي حال من الأحوال. ولكنها تبقى حسب رأيي ليست هي الانجاز الأعظم.
إذن ما هو أعظم إنجاز حققته دولة إسرائيل؟
أعظم إنجاز على الإطلاق حققته دولة إسرائيل هو اختراق الساحة العربية والفلسطينية. هو أنها استطاعت أن تجبر الضحية أن يتخلى عن حقه بل أكثر من ذلك استطاعت أن تدخل الشك في قلوب الضحايا حول عدالة قضيتهم. لا يهم إسرائيل كثيرا أن يصرح زعماء العالم أجمع صباح مساء عن حقها بالعيش في أمن وسلام، ولكن يهمها أن تسمع مثل هذا التصريح من أحد القادة العرب أو الفلسطينيين مهما كانت تفاهته.
منذ بداية الغزو الصهيوني لفلسطين كانت مقاومة هذا الغزو هو القاعدة وكان التعاون مع الغزاة يعد استثناء، بل يعد جريمة يعاقب مقترفها شعبيا وعلى كافة المستويات. أما اليوم فقد انقلبت الأمور رأسا على عقب. لقد أصبح التعاون هو القاعدة أما المقاومة هي الاستثناء يعاقب عليها ليس إسرائيليا فحسب بل فلسطينيا أيضا.
إننا أمام عملية اختراق مخيفة وعلى كافة المستويات، وعندما تنتهي هذه العملية تستطيع إسرائيل أن تقف أمام العالم وتعلن: الآن انتصرنا.
الجبهة الفلسطينية أصبحت اليوم هي الحلقة الأضعف في مقاومة الاحتلال. أوساط دولية شعبية ومنها يهودية تقاوم الاحتلال اليوم بإخلاص وحماس لا يقاسان بالمقارنة مع الأوساط الفلسطينية المهيمنة على القرار الفلسطيني.
الجبهة الفلسطينية هي اليوم الحلقة الأضعف مع إنها من المفروض أن تكون الحلقة الأقوى. هل يمكن بعد اليوم أن نلوم دول العالم بسبب دعمها اللامحدود لإسرائيل؟ هل يمكن أن نلوم الأنظمة العربية التي تلهث وراء التطبيع معها والتي طالما نعتناها بالرجعية والتبعية؟
قوة الجبهة الفلسطينية لم تكن في يوم من الأيام صادرة عن قوة عسكرية حتى عندما كنا نتكلم ونمارس الكفاح المسلح. ولم تكن نابعة في يوم من الأيام عن قوة اقتصادية أو سياسية. بل كانت نابعة من حيث الأساس من أيماننا الذي لا يتزعزع بعدالة قضيتنا ومن إيماننا الإنساني، البديهي والعفوي بأن الحق سوف ينتصر في نهاية المطاف. لقد آمنا وبكل بساطة بالمثل الشعبي الذي يقول: لا يضيع حق وراءه مطالب. لذلك ولفترة طويلة كانت إسرائيل في موقف حرج بالرغم من انتصاراتها العسكرية والسياسية على الصعيدين المحلي والعالمي، وبالرغم من قوتها العسكرية المفرطة.
اليوم يوجد وراء الحق الفلسطيني تجار يعرضونه للبيع بالمزاد العلني. باسم الوطن يبيعون الوطن.
في هذا العصر حيث يتعرض العالم إلى هجمات فيروسية مختلفة تهاجم جهاز المناعة عنده، ما أحوجنا إلى تقوية جهاز المناعة الفلسطيني لكي يتحول من الحلقة الأضعف ليكون الحلقة الأقوى مرة أخرى. الحفاظ على شعلة المقاومة ملتهبة هي المصل الأنجع لتحقيق هذا الهدف.