Thursday, November 29, 2018

ضد الإقطاع السياسي

ضد الإقطاع السياسي
علي زبيدات - سخنين

الإقطاع هو نظام اقتصادي اجتماعي سياسي عرفته معظم بلدان العالم في مرحلة ما من تاريخها. ومثله مثل أي نظام عالمي كان تجسيده على أرض الواقع يختلف من بلد لآخر من حيث الشكل والتفاصيل والسمات الخاصة. غير أن جوهره يبقى واحدا ويقوم على اسس ثلاثة:
 1- الإقطاعي: الذي يملك المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية وينتمي عادة للطبقة الحاكمة التي عرفت في أوروبا، حيث بلغ النظام الإقطاعي ذروة تطوره وأخذ شكله الكلاسيكي، بطبقة النبلاء.
2- التابع: وهو الفلاح الذي يعمل في أرض الإقطاعي. وكان تابعا للأرض بمعنى انه كان يباع ويشترى مع الأرض إذا ما باعها الإقطاعي. فكان يملك حياته ولكنه لا يملك حريته وبذلك كان وضعه الاقتصادي والاجتماعي لا يختلف كثيرا عن وضع العبيد عندما كانت العبودية هي النظام السائد. وينتمي إلى طبقة الاقنان أو الفلاحين الفقراء.
3- الارض: وهي الأساس لكل نظام يقوم على الزراعة وكما سبق أن ذكرت، كان يمتلكها الإقطاعيون ويفلحها التابعون والفلاحون الفقراء.
ساد النظام الاقطاعي أوروبا في القرون الوسطى وأخذ يتقهقر تدريجيا وينهار مع تطور الصناعة وظهور النظام الرأسمالي. وكانت الثورة الفرنسية الكبرى أول ضربة قوية كادت أن تقوض هذا النظام تماما. وقد انهار نهائيا مع توالي الثورات في القرن التاسع عشر. في باقي بلدان العالم ومن ضمنها العالم العربي، استمر النظام الإقطاعي لفترة أطول لأسباب عديدة أهمها الاستعمار وغياب التطور الصناعي. في البلدان العربية، ساد النظام الاقطاعي اربعة قرون هي سنوات الحكم العثماني. وبعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ومغادرتها لهذه البلدان بدأ هذا النظام هو الآخر بالتلاشي تدريجيا وخصوصا على الصعيد الاقتصادي. تغيرات جذرية عديدة لعبت دورا هاما في هذا التلاشي منها تقسيم المنطقة حسب اتفاقية سايكس بيكو ووقوع بلدان اخرى تحت الاستعمار المباشر أو الوصاية الاستعمارية، وفيما بعد اكتشاف البترول في شبه الجزيرة العربية، مما سبب إهمال الزراعة. هكذا تحول النظام العام الى مزيج من الاقطاعية والراسمالية التابعة وغير المتطورة. في مصر، قام جمال عبد الناصر بعد الثورة  ومن خلال الإصلاح الزراعي بالقضاء العملي على الإقطاع. في فلسطين ساد النظام الإقطاعي حتى عام النكبة 1948  حيث قام الكيان الصهيوني باحتلال 80% من أراضي فلسطين التاريخية وبعد أقل من عقدين احتل كامل التراب الفلسطيني. وكانت بعض العائلات الاقطاعية اللبنانية والسورية قد باعت أراضيها للحركة الصهيونية قبل عام النكبة.
انهار النظام الإقطاعي على الصعيد الاقتصادي نهائيا ولكنه ما زال موجودا على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. كما هو معروف قد تتحول البنى التحتية (وسائل الإنتاج) بسرعة ولكن البنى الفوقية ومن ضمنها النظم والمؤسسات السياسية فإنها تتغير ببطء شديد وفي بعض الأحيان تدخل في مرحلة من الركود بحكم ارتباطها الشديد بالتقاليد والمعتقدات والموروث الاجتماعي والثقافي. يشكل النظام السياسي في لبنان نموذجا كلاسيكيا للإقطاع السياسي بالرغم من زوال الاقطاع الاقتصادي. تظهر اهم صفات الاقطاع السياسي باقامة الأحزاب العائلية والطائفية ومبدأ التوريث. لا يوجد في لبنان تقريبا عائلة اقطاعية الا وحافظت على هذا الشكل أو ذاك من الاقطاعية السياسية (عائلة الجميل، جنبلاط، كرامة ـ فرنجية، ارسلان  الخ.)  ولا تغرنك الأسماء التي اطلقوها على أحزابهم من الاشتراكية وحتى الفاشية).
في فلسطين، انهارت الاقطاعية على الصعيد الاقتصادي مع فقدان الأرض. وتلقت ضربة قاسية على الصعيد السياسي بسبب الهزائم التي مثلتها عائلتي الحسيني والنشاشيبي. إلا أن العقلية الاقطاعية السياسية لم تختفي نهائيا. خصوصا وأن مصالح الدول العربية المهزومة من جهة والكيان الصهيوني من جهة اخرى التقت في الحفاظ على هذه العقلية لا بل تقويتها أيضا. لفترة معينة ولدرجة معينة لعبت منظمة التحرير الفلسطينية دورا متمردا على هذا النظام الاقطاعي السياسي ولكنها فشلت في تمردها هذا كما فشلت في امور اخرى عديدة. ومع الوقت، خصوصا بعد اتفاقيات أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية واندثار دور منظمة التحرير الفلسطينية الريادي تماما أصبحت من أركان نظام الإقطاع السياسي في فلسطين.
لم تكن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 بمعزل عن هذا التطور، بعد أن تمت مصادرة أكثر من 90% منها لصالح الدولة و مستوطنيها اليهود. غير أن عقلية الاقطاع السياسي ما زالت مهيمنة على صعيد المدن والقرى وتظهر هذه العقلية بأبشع صورها في الانتخابات المحلية وانتخابات الكنيست. وأظن لا حاجة هنا لذكر أسماء العائلات والأفراد ذوي العقلية الاقطاعية في السياسة. هذه الظاهرة ليست بحاجة للدراسات والابحاث للبرهنة على وجودها، فمن منا لا يشعر بارهاصاتها على جسده؟
لم يكن النظام الاقطاعي بكافة اشكاله عائقا في الماضي أمام تطور بلداننا فحسب بل هو العائق الرئيسي لأي تطور مستقبلي. من أجل الحرية والعودة والاستقلال لا بد من التخلص من أدران ومفاسد هذه العقلية الاقطاعية السياسية المتخلفة مرة واحدة والى الابد.

Thursday, November 08, 2018

الانتخابات المحلية والصراع الطبقي

الانتخابات المحلية والصراع الطبقي
علي زبيدات - سخنين

الانتخابات المحلية من وراء ظهورنا غير أن تبعاتها ونتائجها سوف تلاحقنا لفترة طويلة من الزمن. ولا أبالغ إذا قلت اننا لن نتخلص منها ابدا لأنها تتجدد كل خمس سنوات بالشكل نفسه والمضمون نفسه. وإذا طرأت عليها بعض التغيرات ستكون هامشية وجانبية ولن تمس جوهرها.
بعض الدول تسن القوانين لاجبار مواطنيها على المشاركة في الانتخابات برلمانية كانت أو المحلية وذلك من منطلقات سياسية أو ايديولوجية لا مجال للخوض بتفاصيلها هنا، وإلا تعرض المواطنون للعقوبات من دفع غرامات مرورا بأشغال لخدمة الجمهور وحتى السجن في بعض الحالات. تصل نسبة المصوتين في هذه الدول إلى 90% وأكثر.
 تصل مشاركة العرب في هذه البلاد في الانتخابات المحلية هذه النسبة وقد تتجاوزها بدون أن يكون هناك قانون الانتخابات اجبارية. فهم يذهبون الى صناديق الاقتراع بمحض ارادتهم وبحماس يحسدون عليه. يقف جميع المحللين والمراقبين عند شكل هذه الانتخابات ويتفقون على أن هذا الشكل يقوم على أساس عائلي يتلاءم وينسجم مع تركيبة المجتمع. وربما وجدوا هنا وهناك بعض الدلائل لمؤشرات حزبية أو شبه حزبية أو طائفية أو نوع من الخليط العائلي - الحزبي - الطائفي. فالحزب السياسي مهما كانت عراقته ضاربة الجذور ومهما تزين بالايديولوجيات والنظريات والشعارات البراقة فأنه يعترف في نهاية المطاف أن كل هذه الامور لا تملأ الصناديق بالاصوات وأنه من أجل ذلك لا غنى عن الانتماءات العائلية.  فيبحث عن عائلة أو عائلات تشد من عضده وفي كثير من الاحيان يبحث عن عائلة كبيرة تتبناه كحزب. وتشعر العائلة أيضا بتغير الازمنة فتبدأ بتقليد الاحزاب بطريقة اختيار مرشحها وبكيفية إدارة حملته الانتخابية. الطوائف المختلفة لا تبتعد كثيرا عن هذا النموذج  فمنها من أقامت احزابا طائفية بشكل علني ومفضوح ومنها، خصوصا الطوائف الصغيرة، فقد شكلت لنفسها قوائم طائفية خجولة بعض الشيء.
أهتمام المحللين والمراقبين بالشكل فقط أفقدهم الاهتمام بالجوهر، مع أنه هو الجانب الرئيسي والأكثر أهمية في هذه المعادلة. حسب رأيي، والذي أؤكد عليه كل التأييد، أن جوهر هذه الانتخابات ( وعلى فكرة كل انتخابات) هو طبقي وربما الاصح أن نسميه: صراع طبقي. بذلك فأنا هنا لا أعيد اختراع العجلة أو اكتشاف امريكا. فالأمر واضح كل الوضوح ولا ادري لماذا يتجاهله الجميع ويخافون من سبر غوره.
المرشحون أصحاب الحظوظ الاوفر بالنجاح لا ينتمون لعائلة كبيرة فحسب بل يعتبرون من أغنياء هذه العائلات.  وغالبا ما يكونون رجال أعمال أو أصحاب ممتلكات أو ذوي مهنة رفيعة ومكانة مرموقة وربما جمعوها كلها أو معظمها في آن واحد. وهكذا يكونون قادرين على شراء الاصوات بشكل مباشر أو بواسطة مقاولي أصوات. هذا بالاضافة الى كرمهم الزائد في توزيع الوعود. بالمقابل هناك جمهور المصوتين الذين لا يكادون يملكون شيئا، وتحت وطأة الحاجة والفقر ومقابل النزر القليل المدفوع مسبقا والوعود المستقبلية نراهم يهرعون لصناديق الاقتراع. ومن الطبيعي أن تذهب اصواتهم للقريبين اليهم عائليا أو سياسيا ضاربين بمصالحهم الحقيقية عرض الحائط. وكما تزعم الزعامات على المستوى الوطني أن الوطن للجميع ولكنهم يخفون ما في سرائرهم بأن لهم في هذا الوطن حصة الأسد، كذلك تردد الزعامات المحلية القول ذاته بأن البلد للجميع وفي الوقت نفسه ينسون أو يتناسون القول بأن لهم حصة الاسد في هذا البلد. 
قلت أن جوهر الانتخابات المحلية طبقي بل صراع طبقي. وقد يعترض البعض قائلا: ولكن اين هو الصراع؟  ما نشاهده ليس صراعا بل هو أقرب إلى  التعاون والانسجام. نعم، هذا صحيح، وهذا ما يبدو للوهلة الاولى. فقد يبدو الصراع الطبقي في مرحلة معينة تعاونا وذلك لاسباب كثيرة وتحت ظروف شتى أهمها انعدام الوعي الطبقي عند الجماهير، تقهقر النضال الوطني التحرري وتقاعس وفي بعض الأحيان خيانة القيادات التي مهمتها قيادة الصراع الطبقي وتطويرة بشكل يحقق أماني هذه الجماهير ويخدم مصالحها . 
قلت في الماضي وها أنا أعود وأكرر ما قلت: إن الهدف من الانتخابات المحلية في ظل هذا الكيان الاستيطاني العنصري هو خدمة الدولة وسياستها وليس خدمة الجماهير. مع تزايد الوعي الطبقي عند الجماهير وبزوغ قيادة جديدة ثورية تقدمية مخلصة سوف يعود الصراع الطبقي الى مساره السليم، وسوف تقترب الزعامات المحلية المنتفعة أكثر فأكثر للطبقة الحاكمة في الدولة لتشكل جبهة واحدة. وفي المقابل سوف يلتحم النضال الطبقي المحلي بالنضال الوطني العام. عندها سوف تبزغ شمس الحرية وسوف تكنس هذه الديمقراطية المزيفة الى مزبلة التاريخ.