الانتخابات المحلية والصراع الطبقي
علي زبيدات - سخنين
الانتخابات المحلية من وراء ظهورنا غير أن تبعاتها ونتائجها سوف تلاحقنا لفترة طويلة من الزمن. ولا أبالغ إذا قلت اننا لن نتخلص منها ابدا لأنها تتجدد كل خمس سنوات بالشكل نفسه والمضمون نفسه. وإذا طرأت عليها بعض التغيرات ستكون هامشية وجانبية ولن تمس جوهرها.
بعض الدول تسن القوانين لاجبار مواطنيها على المشاركة في الانتخابات برلمانية كانت أو المحلية وذلك من منطلقات سياسية أو ايديولوجية لا مجال للخوض بتفاصيلها هنا، وإلا تعرض المواطنون للعقوبات من دفع غرامات مرورا بأشغال لخدمة الجمهور وحتى السجن في بعض الحالات. تصل نسبة المصوتين في هذه الدول إلى 90% وأكثر.
تصل مشاركة العرب في هذه البلاد في الانتخابات المحلية هذه النسبة وقد تتجاوزها بدون أن يكون هناك قانون الانتخابات اجبارية. فهم يذهبون الى صناديق الاقتراع بمحض ارادتهم وبحماس يحسدون عليه. يقف جميع المحللين والمراقبين عند شكل هذه الانتخابات ويتفقون على أن هذا الشكل يقوم على أساس عائلي يتلاءم وينسجم مع تركيبة المجتمع. وربما وجدوا هنا وهناك بعض الدلائل لمؤشرات حزبية أو شبه حزبية أو طائفية أو نوع من الخليط العائلي - الحزبي - الطائفي. فالحزب السياسي مهما كانت عراقته ضاربة الجذور ومهما تزين بالايديولوجيات والنظريات والشعارات البراقة فأنه يعترف في نهاية المطاف أن كل هذه الامور لا تملأ الصناديق بالاصوات وأنه من أجل ذلك لا غنى عن الانتماءات العائلية. فيبحث عن عائلة أو عائلات تشد من عضده وفي كثير من الاحيان يبحث عن عائلة كبيرة تتبناه كحزب. وتشعر العائلة أيضا بتغير الازمنة فتبدأ بتقليد الاحزاب بطريقة اختيار مرشحها وبكيفية إدارة حملته الانتخابية. الطوائف المختلفة لا تبتعد كثيرا عن هذا النموذج فمنها من أقامت احزابا طائفية بشكل علني ومفضوح ومنها، خصوصا الطوائف الصغيرة، فقد شكلت لنفسها قوائم طائفية خجولة بعض الشيء.
أهتمام المحللين والمراقبين بالشكل فقط أفقدهم الاهتمام بالجوهر، مع أنه هو الجانب الرئيسي والأكثر أهمية في هذه المعادلة. حسب رأيي، والذي أؤكد عليه كل التأييد، أن جوهر هذه الانتخابات ( وعلى فكرة كل انتخابات) هو طبقي وربما الاصح أن نسميه: صراع طبقي. بذلك فأنا هنا لا أعيد اختراع العجلة أو اكتشاف امريكا. فالأمر واضح كل الوضوح ولا ادري لماذا يتجاهله الجميع ويخافون من سبر غوره.
المرشحون أصحاب الحظوظ الاوفر بالنجاح لا ينتمون لعائلة كبيرة فحسب بل يعتبرون من أغنياء هذه العائلات. وغالبا ما يكونون رجال أعمال أو أصحاب ممتلكات أو ذوي مهنة رفيعة ومكانة مرموقة وربما جمعوها كلها أو معظمها في آن واحد. وهكذا يكونون قادرين على شراء الاصوات بشكل مباشر أو بواسطة مقاولي أصوات. هذا بالاضافة الى كرمهم الزائد في توزيع الوعود. بالمقابل هناك جمهور المصوتين الذين لا يكادون يملكون شيئا، وتحت وطأة الحاجة والفقر ومقابل النزر القليل المدفوع مسبقا والوعود المستقبلية نراهم يهرعون لصناديق الاقتراع. ومن الطبيعي أن تذهب اصواتهم للقريبين اليهم عائليا أو سياسيا ضاربين بمصالحهم الحقيقية عرض الحائط. وكما تزعم الزعامات على المستوى الوطني أن الوطن للجميع ولكنهم يخفون ما في سرائرهم بأن لهم في هذا الوطن حصة الأسد، كذلك تردد الزعامات المحلية القول ذاته بأن البلد للجميع وفي الوقت نفسه ينسون أو يتناسون القول بأن لهم حصة الاسد في هذا البلد.
قلت أن جوهر الانتخابات المحلية طبقي بل صراع طبقي. وقد يعترض البعض قائلا: ولكن اين هو الصراع؟ ما نشاهده ليس صراعا بل هو أقرب إلى التعاون والانسجام. نعم، هذا صحيح، وهذا ما يبدو للوهلة الاولى. فقد يبدو الصراع الطبقي في مرحلة معينة تعاونا وذلك لاسباب كثيرة وتحت ظروف شتى أهمها انعدام الوعي الطبقي عند الجماهير، تقهقر النضال الوطني التحرري وتقاعس وفي بعض الأحيان خيانة القيادات التي مهمتها قيادة الصراع الطبقي وتطويرة بشكل يحقق أماني هذه الجماهير ويخدم مصالحها .
قلت في الماضي وها أنا أعود وأكرر ما قلت: إن الهدف من الانتخابات المحلية في ظل هذا الكيان الاستيطاني العنصري هو خدمة الدولة وسياستها وليس خدمة الجماهير. مع تزايد الوعي الطبقي عند الجماهير وبزوغ قيادة جديدة ثورية تقدمية مخلصة سوف يعود الصراع الطبقي الى مساره السليم، وسوف تقترب الزعامات المحلية المنتفعة أكثر فأكثر للطبقة الحاكمة في الدولة لتشكل جبهة واحدة. وفي المقابل سوف يلتحم النضال الطبقي المحلي بالنضال الوطني العام. عندها سوف تبزغ شمس الحرية وسوف تكنس هذه الديمقراطية المزيفة الى مزبلة التاريخ.
No comments:
Post a Comment