Wednesday, December 30, 2015

ماذا اريد في السنة الجديدة؟



ماذا اريد في السنة الجديدة؟
علي زبيدات – سخنين
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة أربد الكثير الكثير. لن ارضى بعد اليوم بالنزر القليل، ولن اقنع بالفتات الذي يتساقط عن موائد اللئام. وداعا للقناعة. سوف أركل المثل الذي يقول: القناعة كنز لا يفنى في مؤخرتة حتى يرحل من غير رجعة فقد عمل بما فيه الكفاية على تخليد تخلفنا وفقرنا.
اولا وقبل كل شيء اريد أن أرى البلدان العربية نظيفة من كل تدخل اجنبي ومن جميع القواعد العسكرية الاجنبية. فليرحل كل إلى بلده. ليعود الامريكي إلى شوارع شيكاغو وحقول تكساس وليطلق النيران هناك كما يشاء وحسب التقاليد العريقة للمافيا ولرعاة البقر. وليرجع الروسي الى صقيع سيبيريا وليرافقه من يعشق احتضان الدببة. وليرحل الفارسي والتركي والاوروبي وكل من دنس بقدميه الاراضي العربية. اريد في السنة الجديدة تكنيس القواعد العسكرية في قطر والكويت والامارات والبحرين وعمان والسعودية والاردن ومصر وجيبوتي والمغرب والعراق وسوريا وفي كل مكان من المحيط إلى الخليج. هل يوجد هناك من يدعي وجود دول عربية مستقلة؟ لقد اصبحت هذه الدول كالعاهرات ينتهك كل من تسول له نفسه من قوادي العالم ويستبيح حرمتها بل اسوأ من ذالك فالعاهرات على الاقل يملكن حرية اختيار زبائنهن. لنبدأ بتوزيع المكانس على الجماهير لتباشر بحملة التنظيف.
وبعد ذلك اريد اسقاط كافة الانظمة التي جلبت هذه القواعد وادخلت الجيوش الاجنبية من اجل حمايتها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: حمايتها من من؟ والجواب، من شعوبها المسحوقة طبعا. فلو كانت هذه الانظمة تستحق الحياة لحمتها شعوبها ولم تكن بحاجة إلى قوات اجنبية من أجل حمايتها. اريد في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة أن يكون الشعار السائد: الشعب يريد اسقاط النظام. واذا قام نظام متعفن آخر مكان النظام الذي سقط فليسقط هو الاخر حتى القضاء على كل الانظمة القمعية الاستبدادية وحتى تنال الشعوب حريتها وكرامتها كاملتبن. فمن يريد نظاما يقتل شعبه؟ ومن يريد نظاما يسرق القوت من افواه اطفال شعبه؟ ومن يريد نظاما لا يتعامل مع شعبه الا بالعصا؟ وبواسطة اجهزة قمعية من مخابرات وشرطة وسجون وغيرها؟ لا احد.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى فلسطين نظيفة من رجس الكيان الصهيوني الكولنيالي العنصري وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وتعمير قراهم ومدنهم المدمرة. لن اتمنى في السنة الجديدة قيام "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس" لاني لا اريد أن ارى دولة معوقة ومشوهة تسمى مجازا دولة فلسطين. لن اصفق ولن احتفل عندما تقوم احدى الدول أو احدى المنظمات الدولية بالاعتراف بهذه الدولة. ولن اتمنى كما يفعل الاخرون بأن يعم السلام (الامريكي – الاسرائيلي – العربي الرجعي) في المنطقة لأن من مثل هذا السلام ستفوح رائحة النفط والبارود إلى سنوات طويلة قادمة. سوف ارجئ تمنياتي بالسلام حتى يعود الحق لاصحابه وتتحقق العدالة.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى البلدان العربية نظيفة من الحركات الطائفية والتكقيرية على اشكالها. اريد ان ارى هذه البلدان خالية من الافكار والمعتقدات والايدولوجيات الرجعية والعنصرية التي تنمو عليها وتترعرع مثل هذه الحركات. اريد ان ارى هذه البلدان نبراسا للفكر الحر، لحرية المعتقدات، للتسامح، ولقبول الاخر المختلف.
في السنة الجديدة وفي السنوات الجديدة القادمة اريد أن ارى شعوب العالم تنتفض ضد النظام الرأسمالي العالمي الذي جلب للعالم الحروب والامراض والجوع. اريد ان ارى هذه الشعوب حرة ومستقلة وفي الوقت نفسه متحدة لا حدود تفرقها ولا صراعات تمزقها ولا حروب تدمرها.
قد يقول البعض هذه احلام بل هي اضغاث احلام. ربما. ولكني انصح من يقول ذلك أن يستمع أولا إلى اغنية جون لنون "تخيل"” Imagine” ويتذكر الكلمات التي تقول: “قد تقول انا حالم. ولكني لست الوحيد. اتمنى في احد الايام أن تنضم الينا. وسيعيش العالم وكأنه واحد".

Wednesday, December 23, 2015

تراجيديا المقاومة والموت



تراجيديا المقاومة والموت
علي زبيدات – سخنين

الحدث الذي طغى على الساحة العربية، الفلسطينية خاصة، في الاسبوع الاخير هو قيام طائرات الحرب الاسرائيلية باغتيال سمير القنطار في احدى ضواحي دمشق. قلت الفلسطينية خاصة، لان سمير القنطار هو فلسطيني قبل أن يكون لبنانيا شاء من شاء وأبى من أبى، وهو مقاوم فلسطيني قبل أن يصبح عضوا في حزب الله وقبل أن يقاتل في سوريا دفاعا عن النظام. وذلك ليس فقط لانه امضى اكثر من نصف عمره في غياهب السجون الاسرائيلية بل أبضا بسبب عشقه لفلسطين البلد والشعب والقضية، كما كان يصرح دائما. تراجيديا القنطار الشخصية ان أمنيته كانت أن يستشهد على ارض فلسطين ولكنه بدل ذلك استشهد على ارض سوريا. ولكن هناك تراجيديا اعم واشمل من هذه التراجيديا الشخصية انها تراجيديا المقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية بشكل عام. على الصعيد الشخصي اليد القاتلة واحدة ان كانت على ارض فلسطين أو على ارض سوريا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف وصلنا إلى درجة أن يموت المقاوم العربي في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا بأيدي عربية أو بأيدي اجنبية بمباركة عربية ويهرب من فلسطين وكأنه يهرب من الطاعون؟ أين اختفى عصر الدوريات العربية، الذي كان القنطار احد فرسانه، عندما كان الفدائيون يقتحمون حدود فلسطين طالبين الشهادة؟
لن اتكلم هنا عن سمير القنطار الفدائي ولا عن معرفتي به عن بعد داخل السجون الاسرائيلية فهو ليس بحاجة إلى شهادة لا مني ولا من غيري. وفي الوقت نقسه لن اتكلم عن خياراته اللاحقة بالانضمام إلى حزب الله والقتال إلى جانب النظام السوري. فقد كتب في الاسبوع الاخير الكثير عن هذا وعن ذاك ولا يوجد لدي ما اضيفه في هذا الموضوع . ولن انجر إلى هذا الاستقطاب البغيض الذي لا يعرف سوى كيل الشتائم والمسبات ويستبعد كل تفكير عقلاني بهذه الحالة التي افقدتنا البوصلة ورمتنا في دوامة زعزعت كياننا وجرتنا إلى الهاوية. وبالمقابل لن اجامل أحد ولن اساوم على الموقف الحاسم من الكيان الصهيوني المغتصب ومن القوى الامبريالية القديمة والجديدة ومن الرجعية العربية وارهاب التنظيمات والانظمة.
لو بذل العرب، رجعيون وتقدميون، ارهابيون ومقاومون، وجميعهم يقسمون أغلـظ الايمان بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الاولى، لو بذلوا في مقاومة إسرائيل ١٪ فقط مما بذلوه في تدمير سوريا لكان مصير اسرائيل اليوم على كف عفريت. ولو بذل النظام السوري خلال نصف قرن من حكمه ١٪ فقط مما بذله في هذه الحرب القذرة لتحررت الجولان منذ زمن بعيد. نعم، بهذا المعنى ومن هذا المنطلق اضع الجميع في سلة واحدة.
حقارة الشاعر اللبناني سعيد عقل وحقده على الفلسطينيين الى درجة ترحيبه بالجيش الاسرائيلي الذي احتل بيروت تتقزم امام حقارة وحقد الطائفيين الذين عبروا عن شكرهم للطائرات الاسرائيلية التي اغتالت القنطار. وكأن الطائرات الاسرائيلية قامت بجريمتها هذه دفاعا عن الشعب السوري.
دولة إسرائيل، بالاضافة لما تمثله من كبان كولونيالي مغتصب، فهي توقع على اتفاقيات لا تحترمها ولا تلتزم بها، ليس على الصعيد السياسي كما في اتفاقيات اوسلو التفريطية فحسب بل وفي تعهداتها التي ترغم على توقيعها مثل تبادل الاسرى. فهي لا تغفر للمقاومين ابدا وتتحين الفرص للانتقام منهم. حيث اعادت معظم المحررين في صفقة شاليط الى السجون واغتالت بعضهم. اغتيال الفنطار نابع اولا وقبل كل شيء من هذا الحقد وغريزة الانتفام. اسرائيل هي الدولة الوحيدة المستفيدة مما يجري من قتل ودمار في منطقتنا. وهي مستعدة للعمل على تدمير مصر والاردن والسعودية ودول الخليج وكافة الدول العربية التي تطلب الان مودتها اذا ما اقتضت مصلحتها ذلك تماما كما تعمل اليوم على تدمير سوريا وكما عملت في الماضي القريب على تدمير العراق. على هذه الدول ان تأخذ العبرة من العملاء الذين تجندهم اسرائيل لخدمتها على الساحة الفلسطينية وتلقي بهم بعد عصرهم وانتهاء صلاحيتهم إلى المزابل. وسيكون مصيرهم، في أحسن الاحوال، كمصيرها إلى زوال.
تستطيع السعودية وباقي دويلات الخليج، بواسطة اموال النفط وتغول اجهزتها الامنية والحماية الاجنبية، أن تؤجل سقوطها ولكن يخطئ من يظن ان هذه ستشكل ضمانا دائما. تظن هذه الدول من خلال دعمها للحركات التكفيرية والطائفية على شتى اشكالها في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من الدول، بالاضافة إلي ارتمائها في احضان امريكا واسرائيل، أن تؤمن على حياتها ومستقبلها. ولكن الطوفان سوف يجرفها عاجلا ام آجلا إى مزبلة التاريخ.
الانظمة العربية الجمهورية التي اعتدنا أن نطلق عليها انظمة قومية وتقدمية لم تقدم هي الاخرى نموذجا افضل لشعوبها وها هي تنهار الواحد تلو الآخر والسبب الرئيسي في ذلك ليس الحركات الارهابية المتكالبة عليها وليست مؤامرة كونية تتعرض اليها، بل بسبب سنوات طويلة من الحكم الفاسد والقمعي الذي صادر ابسط حقوق الحياة الكريمة للمواطن.
الاستقطاب والاصطفاف في قطبين متصارعين هو تبسيط لطبيعة الصراع وهذا التبسيط قد اوقع العديد من حركات المقاومة الشريفة في مطبات وورطات تتناقض مع اهدافها. ايران ليست افضل من تركيا أو من السعودية لا من حيث نظامها السياسي والاجتماعي ولا من حيث اطماعها . الصراع الروسي الامريكي هو صراع امبريالي لا يمكن ان يصب في مصلحة الشعوب.
الشعوب العربية هي الوحيدة المغيبة في هذه التحالفات والائتلافات وهي الوحيدة التي تدفع الثمن.
الدرس الذي ينبغي علينا جميعا ان نستخلصه من عمليةاغتيال سمير القنطار هو اعادة توجيه البوصلة العربية إلى فلسطين.

Thursday, December 17, 2015

ذكرى الانطلاقات وسنوات الضياع

 
ذكرى الانطلاقات وسنوات الضياع
علي زبيدات – سخنين

تشهد نهاية كل سنة وبداية كل سنة جديدة ذكرى انطلاقة ثلاثة تنظيمات فلسطينية مركزية. وهي حسب الترتيب الزمني لذكرى انطلاقتها (وليس حسب الانطلاقة نفسها): الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حركة حماس وحركة فتح. كما تشهد نهاية كل سنة ذكرى الانتفاضة الفلسطينية الاولى. مما لا شك فيه تستحق كل مناسبة من هذه المناسبات منفردة مقالة خاصة بل عدة مقالات. كتابة مقالة واحدة تشمل جميع هذه المناسبات ليس فقط انها لن تفي الموضوع حقه بل سيكون من المستحيل تفادي التبسيط والسطحية. لذلك لست هنا بأي حال من الاحوال بصدد تقييم أو حتى ما يشبه التقييم لأي من هذه التنظيمات. انها مجرد خواطر بطبيعة الحال نقدية جاءت من وحي ما قرأته وشاهدته في ذكرى الانطلاقة التي نظمتها هذه الفصائل نفسها. (الجبهة الشعبية وحماس، اما فتح فسوف تحتفل في انطلاقتها في اليوم الاول من العام الجديد ولا اظن انها ستحمل طياتها اي تجديد)
حسب رأيي بدت هذه التنظيمات وكأنها قد تعبت من احياء ذكرى انطلاقتها كل سنة تماما كالشخص الذي يمل من الاحتفال بعيد ميلاده. فنراها كل سنة تقلص من مراسيم هذه الذكرى وتكتفي باصدار بيان عادة ما يمجد نضالات الماضي وبعض الاجتماعات المتواضعة هنا وهناك تقتصر غالبا على بعض النخبة القيادية دائرة ضيقة من الاعضاء الملتزمين. نظرة عابرة على مراسيم الذكرى في السنوات الاخيرة كافية للتأكد من هذا الانحسار.
انطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سنة النكسة، كرد على النكسة من أجل محو آثارها. من أجل ذلك كانت انطلاقتها محاولة لتيغير شكلها التنظيمي وجوهرها الايدولوجي، من حركة قومية عربية إلى حزب ماركسي- لينيني. هل نجحت في هذه المهمة؟ أظن، بعد مرور ٤٨ عاما على المؤتمر التأسيسي الاول (الانطلاقة)، لا حاجة لجواب على هذا السؤال. وأظن أن القيادة تتساءل قبل الاعضاء: أين أخطأنا؟ أين فشلنا؟
ولدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من صلب حركة القوميين العرب. ومن سخرية الاقدار التي لا ترحم أن هذه الحركة ولدت بدورها في عام النكبة كرد فعل على النكبة ومن اجل محو آثارها. كان الرأي السائد في ذلك الوقت أن محو آثار النكبة (تحرير فلسطين) لا يمكن ان يتم الا من خلال نضال قومي عربي موحد. لم تكن حركة القوميين العرب وحيدة في هذا المضمار. في الوقت نفسه تقريبا تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تبنى المنطلقات نفسها، وبعد ذلك بسنوات قليلة اكتسحت الناصرية الساحة العربية وبدا ان الحركات القومية العربية قريبة من تحقيق حلمها خصوصا على ضوء الوحدة المصرية – السورية في اطار الجمهورية العربية المتحدة. في هذه الفترة عاشت حركة القوميين العرب اجمل سنوات حياتها القصيرة،حتى أن صدمة الانفصال لم تؤثر عليها كثيرا نظرا لسيطرة القوميين على الحكم في العراق واستيلاء البعث على السلطة في سوريا، وعاد حلم الوحدة بزخم اكبر مرة اخرى ليضم مصر وسوريا والعراق. ولكن سرعان ما تهشم هذا الحلم تحت اقدام الاحزاب والحركات القومية المتنازعة في هذه البلدان الثلاث. وجاءت النكسة لتدق المسمار الاخير في نعش الوحدة. وهنا تفرقت حركة القوميين العرب الى عناصرها المكونة حسب انتماءت اعضائها القطرية، الفرع الفلسطيني اصبح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لقد واجهت انطلاقة الجبهة الشعبية عوائق ذاتية وموضوعية عديدة وشديدة التعقيد. فقد توصل بعض القادة المؤسسين إلى قناعة عميقة بأن البرجوازية العربية التي تتبنى الايديولوجية القومية عاجزة عن قيادة اي نضال تحرري وانه لا بد من تبني الماركسية – اللينينية بصفتها ايديولوجية الطبقة العاملة. ولكن هذا التحول بدا مستحيلا: قسم كبير من القيادة ومن الجماهير رفض مثل هذا التحول، وقسم آخر نادى بالتحول السريع حتى ولو كان الثمن انقسام الصفوف. ومن ثم كيف يمكن تبنى الماركسية التي تتبناها الاحزاب الشيوعية العربية التي اعترفت بقرار تقسيم قلسطين ووقفت ضد الوحدة العربية؟هذا ناهيك عن النزاع السوفياتي – الصيني حول مفهوم الماركسية – اللينينية. حسب رأيي هذا التخبط الايدولوجي مستمر حتى هذا اليوم وكان السبب الرئيسي للوضع البائس الذي وصلت اليه الجبهة الشعبية.
التخبط الايديولوجي جر وراءه تخبط تنظيمي وسياسي. على الصعيد التنظيمي حصلت هناك انشقاقات اهمها انشقاق الجبهة الديمقراطية. على الصعيد السياسي تبنت الجبهة الشعبية سياسة المراحل اسوة بباقي الفصائل الفلسطينية. وشددت في ادبياتها على ثلاثة مراحل: ١) اقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، مما برر تحالفها الاستراتيجي مع حركة فتح (البرجوازية الفلسطينية) بل والتسليم بقيادتها لهذه المرحلة. ٢) تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني واقامة دولة فلسطين الديمقراطية. ٣) اقامة المجتمع الاشتراكي. النتيجة انطلاقة جبارة وسنوات طويلة من الضياع.
حركة حماس التي احتفلت بانطلاقتها بعد ايام قليلة من احتفالات الجبهة الشعبية هي اصغر التنظيمات الفلسطينية سنا ولكن اكبرها قوة وتأثيرا. جاءت انطلاقتها في مرحلة مد ثوري وهي الانتقاضة الفلسطينية الاولى. هذه الانتفاضة جاءت بدورها في مرحلة تراجع منظمة التحرير الفلسطينية التي تشمل الفصيلين المركزيين: قتح والجبهة الشعبية. فجاءت حماس لتملأ الفراغ على اعتبار انه فصيل جديد مقاوم بعيد عن القساد والمساومة وملتحم بالجماهير. واصبح خلال فترة وجيزة التنظيم الرئيسي على الساحة الفلسطينية مما دفع قيادة منظمة التحرير للاسراع في انهاء الانتفاضة وعقد اتفاقيات اوسلو مع اسرائيل. فشل هذه الاتفاقيات انقذ حركة حماس ليس لانها قاومتها أو رفضتها مبدئيا بل لانها لم تكن في اعين الجماهير طرفا فيها مع انها ااستفادت منها كثيرا. في عام ٢٠٠٦ حققت حماس نجاحا كبيرا في الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية. مما افزع الحزب الحاكم في السلطة ممثلا بحركة فتح ودفعه للتحالف مع دولة الاحتلال لاقصاء حماس. ومن هنا بدأت حكاية الانشقاق الفلسطيني وسيطرة حماس على قطاع غزة المعروفة. ولكن سرعان ما وقعت حماس هي الاخرى في فخ السلطة وتخبطت بين المقاومة والمساومة في ظل ايديولوجية الاخوان المسلمين الانعزالية والرجعية على الصعيد الاجتماعي. وهي في هذه المرحلة تعيش في اوج تخبطها، فمن جهة واجهت وصمدت امام ثلاثة حروب شنتها اسرائيل في اقل من ست سنوات بالاضافة إلى الحصار الاسرائيلي المحكم الذي انضمت اليه مصر وسلطة اوسلو. ولكنها من جهة اخرى انتهت هي الاخرى إلى هدنة مع دولة الاحتلال لاجل غير مسمى. انعكس هذا التخبط على مراسيم الذكرى الاخيرة لانطلاقتها التي اقتصرت على الخطابات والبيانات وبعض النشاطات المتواضعة في ظل انسداد افاق المقاومة الفعلية. مرة اخرى انطلاقة جبارة تلتها سنوات من الضياع.
في اليوم الاول من الشهر الاول من كل سنة تحتفل حركة فتح بانطلاقتها. يكفي أن اذكر هنا انه في سنواتها الاولى لم نسمع اصلا عن شيء اسمه انطلاقة فتح بل كنا نسمع عن انطلاقة الثورة الفلسطينية. من منطلق أن الثورة الفلسطينية هي فتح وأن فتح هي الثورة الفلسطينية. وهذا عكس في وقته الكثير من الحقيقة. اما اليوم فلم يتبق من هذه الثورة سوى الجملة التي يختتم بها رئيس حركة فتح الذي هو رئيس السلطة والذي هو رئيس منظمة التحرير خطابه قائلا: وانها لثورة حتى النصر، قبل أن يعود للتنسيق الامني مع دولة الاحتلال.
تبدو الصورة مأساوية. وهي حقا كذلك. لا يعرف التاريخ حروبا تحررية كوميدية. سنوات الضياع سوف تنتهي وانطلاقات جديدة سوف تتفجر.

Thursday, December 10, 2015

بؤس الديمقراطية



بؤس الديمقراطية
علي زبيدات – سخنين

أعترف من اليوم فصاعدا سوف بان دولة اسرائيل هي دولة ديمقراطية بل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كما كانت تقول دائما وكنا لا نصدقها. وانصح الجميع أن يعترفوا بهذه الحقيقة التي لا تحتمل الشك أو النقاش. في هذه الدولة الديمقراطية يوجد "برلمان" يسمى الكنيست الذي يمثل حسب المعايير الديقراطية السلطة التشريعية. ينتخب كل اربع سنوات على الاقل بانتخابات عامة ومباشرة. ومن كثر ولعها بالديمقراطية غالبا لا تستطيع الانتظار اربع سنوات فتقوم بتجديد نفسها في انتخابات مبكرة. يشارك المواطنون العرب في هذه الانتخابات على قدم المساواة مع اخوانهم (أو اولاد عمهم) اليهود وينتخبون ممثليهم الذين يملؤون البرلمان ضجيجا وشتائما حسب تقاليد اكثر البرلمانات ديمفراطية في العالم. ويوجد هناك حكومة يقودها الحزب الاكبر مع ائتلاف من مختلف الاحزاب. وينبغي على هذه الحكومة التي تسمى، مرة اخرى حسب المعايير الديمقراطية العريقة، بالسلطة التنفيذية ان تنال ثقة البرلمان والا سقطت ايما سقوط. ويستطيع كل نائب في البرلمان بمن فيهم النواب العرب ان يقدم طلبا بنزع الثقة عن الحكومة واسقاطها. وهناك السلطة القضائية المكونة من محاكم ذات مستويات واختصاصات مختلفة تدار بواسطة قضاة حسب القوانين التي تسنها السلطة التشريعية. وهذه المحاكم تحاسب الجميع من رئيس الدولة ورئيس الحكومة إلى اصغر مواطن. واذا اردتم دليلا على ذلك فهناك رئيس دولة ما زال يقبع في السجن بتهم الاغتصاب والتحرش ورئيس حكومة في طريقه إلى السجن بتهم تلقي الرشوات وجرائم اخرى هذا بالاضافة الى عدد لا بأس به من الوزراء وكبار الموظفين.
اسرائيل دولة ديمقراطية كما هي بريطانيا دولة ديمقراطية. هل يوجد هناك من لا يعترف ببريطانيا كدولة ديمقراطية؟ بل ام الديمقراطيات الحديثة في العالم؟ قبل ثمانية قرون بالتمام والكمال أي في سنة ١٢١٥ صدر الميثاق العظيم، الماجنا كرتا، الذي حدد من صلاحيات الملك المطلقة ويشدد على سيادة القانون. وتتالت منذ ذلك التاريخ الثورات الديمقراطية التي رسخت اسس الديمقراطية الحديثة من دستور وبرلمان وسيادة القانون وفصل بين السلطات حتى اصبحت الديمقراطية الانجليزية مصدر الهام لكل الديمقراطيات الحديثة في العالم. غير ان هذه الديمقراطية لم تمنعها من اقامة امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، تمتد من مشارق الارض الى مغاربها، ومن خوض الحروب الاستعمارية التي لا تنتهي لسلب ونهب الشعوب الضعيفة وقتل ملايين الابرياء من المواطنين البسطاء في شتى ارجاء العالم، هذا بالاضافة للحروب الامبريالية ضد باقي منافسيها. ليس فقط لم تمنعها ديمقراطيتها من ارتكاب كل هذه الجرائم بل على العكس يبدو انها شجعتها على اقتراف المزيد من الجرائم المستمرة إلى يومنا هذا.
واسرائيل دولة ديمقراطية كما هي الولايات المتحدة الامريكية دولة ديمقراطية: برلمان ينتخب بانتخابات حرة، ودستور اصبح نموذجا تحتذي به كافة الدساتير "الديمقراطية" في العالم. واهم من ذلك كله انتخاب رئيس لاقوى دولة في العالم يستطيع أن يبذر في حملته الانتخابية ما يقدر ععليه من ملايين الدولارات بالاضافة الى طرح افكاره مهما كانت عنصرية وسخيفة على مرأى ومسمع العالم باسره. والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب ليس استثناء بل هو القاعدة. لم تتورع الديمقراطية الامريكية التي يحاولون تصديرها لدول العالم عن قتل الملايين من سكان امريكا الاصليين ومن باقي شعوب العالم من كوريا وفيتنام وافغانستان والعراق وغيرها، ولم تتورع من استعمال ابشع اشكال التمييز والعنصرية ضد مواطنيها السود واللاتينيين وباقي المهاجرين.
عودة الى الديمقراطية الاسرائيلية. على ذمة بنيامين نتنياهو فإن هذه الديمقراطية اشد عراقة من الديمقراطيتين الانجليزية والامريكية مجتمعتين. ففي لقائه مؤخرا مع نظيره اليوناني الكسيس تسيبراس، الذي اتهم زورا وبهتانا هو وحزبه سيريزا باليسارية وبانه صديقا للفلسطينيين حتى وقفنا الى جانبه في خلافه مع الاتحاد الاوروبي وقفة لم نقفها حتى مع قضيتنا، قال: انهما ينتميان إلى دولتين ديمقراطيتين في شرق البحر الابيض المتوسط تمتد الى جذور قديمة في اثينا واورشليم قامت عليها الحضارة الغربية كلها. لا ادري اذا كان نتنياهو يعرف بان الديمقراطية الاثينية القديمة التي يتغنى بها الجميع كانت لا تشمل اكثر من نصف السكان من النساء والعبيد وان هذه الديمقراطية أعدمت أول اسير سياسي وهو الفيلسوف سقراط. ولا ادري عن اية جذور ديمقراطية قديمة خرجت من اورشليم، ربما يقصد تلك الاوامر التي اصدرها رب الجنود بقتل الرجال والنساء والاطفال وحتى الحيوانات؟
تعلمنا في كتب المدنيات أن الديمقراطية يجب ان تدافع عن نفسها ضد اعدائها. وبما ان الفلسطينيين هم الد اعداء الديمقراطية فكان من الواجب شن حرب ابادة لا تعرف الرحمة عليهم وذلك دفاعا عن الديمقراطية. وهكذا كان تشريد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني عملا ديمقراطيا وهدم ٥٣٠ قرية لا غبار عليه ومصادرة ونهب اراضية تمت وفق القوانين الديمقراطية ويتم هدم البيوت ايضا حسب القوانين الديمقراطية. السجون تمتلئ بالاسرى ديمقراطيا وحسب القانون والاعدامات بدم بارد هي ثمن بسيط دفاعا عن الديمقراطية.
مع مثل هذه الديمقراطيات ما الحاجة إلى انظمة استبدادية؟

Thursday, December 03, 2015

الجماهير العربية ومكانة القانون



الجماهير العربية ومكانة القانون
علي زبيدات – سخنين

يعقد مركز مساواة يوم الجمعة الموافق ٤ كانون اول/ديسمبر مؤتمرا ضخما تحت عنوان " المكانة القانونية للجماهير العربية". وصفته بالضخم لانه يشمل، على حد قول المنظمين، عددا كبيرا من اعضاء الكنيست ومن الخبراء يهودا وعربا اليهود والعرب، سفراء وممثلين عن السلك الدبلوماسي في هذه الدولة وممثلي جمعيات مدنية. ووصفته بالضخم، لانه يتناول كل المواضيع التي تتعلق بالجماهير العربية في هذه الدولة من سياسية واقتصادية وثقافية وكل تشعباتها من علاقة هذه الجماهير بمؤسسات الدولة والميزانيات التي اقرت مؤخرا وتعين المواطنين العرب في مواقع اتخاذ القرار، البطالة، الفقر والتعليم وباختصار كل ما يمكن ان يخطر ببال. وأخيرا وصفته بالضخم، ومرة اخرى حسب المنظمين، لأن أكثر من مائتي شخص سوف يشاركون به. ولكني اشك أن يكون ضخما من حيث الاهمية والمستوى والمضمون. وحسب رأيي لن يلد هذا الجبل الضخم أكثر من فأر صغير، هذا ان ولد اصلا.
لا اكتب بصفتي خبير في أي شي، فالخبراء كما سبق وقلت موجودون في الطرف الاخر، بل أكتب كمراقب من بعيد لا يعجبه العجب. كلمات الافتتاح والترحيب، بالاضافة لمدير مركز مساواة السيد جعفر فرح ورئيس لجنة المتابعة محمد بركة، ستكون من نصيب سفير الاتحاد الاوروبي وهذا ليس غريبا نظرا لأن هذا الاتحاد هو الممول الرئيسي لهذا المؤتمر. ولسفير اليابان الذي يبدو ان بلاده قد ساهمت في التموبل. على فكرة، الاتحاد الاوروبي كريم جدا في تمويل مثل هذه النشاطات التي تجمع عدد من اعضاء الكنيست من احزاب مختلفة وموطفين كبار من عدة وزارت مع بعض وحولهم بعض الخبراء من محامين وستشارين خصوصا وان النشاط يتم تحت كنف وبرعاية القانون الاسرائيلي وهنا تكمن احدى فوائدة المضمونة وهي تأكيد الطابع الديمقراطي للدولة.
يقولون أن الازمنة تتغير ولكل زمان رجاله وقادته واشكال النضال خاصة به. قد يكون ذلك صحيحا. ولكن هذا لا ينفي وجود رجال وقادة واشكال نضال تتناقض مع روح العصر الذي يتواجدون فيه حيث يطفنو على السطح لفترة معينة ويتغير ون مع تغيير الزمان نفسه. في بلادنا اصبح النضال "المدني" الذي تقوده الجمعيات الممولة من قبل الاتحاد الاوروبي أو احد الصناديق المنتشرة في الدول الغنية هو الشكل الرئيسي للنضال بعد أن دفع بالاشكال الاخرى الى الهامش.
والان لصلب الموضوع. ارفق مركز مساواة في الدعوة لهذا المؤتمر عشرة مطالب تشكل اساسا لعمل هذا المركز، ليس حصرا لهذا المؤتمر، بل بشكل عام. طبعا المجال هنا لا يسمح بالتطرقل كافه هذه المطالب لذا سوف اكتفي ببعضها.
مثلا، مطلب "الاعتراف الرسمي بالمجتمع العربي الاسرائيلي كأقلية قومية في الدولة وكأهل الوطن الاصليين”.
للانصاف يجب أن انوه هنا بأن هذا المطلب ليس حصرا على مركز مساواة بل يشمل معظم الاحزاب السياسية الفاعلة والمؤسسات الرسمية ومعظم ما بسمى بالجمعيات الاهلية. وقد عبرت بعض الجهات عن موقفها هذا في عدة وثائق اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التصور المستقبلي الذي تبنته لجنة المتابعة، مشروع "الدستور الديمقراطي" الذي نشرته عدالة ووثيقة حيفا الصادرة عن مركز مدى الكرمل. بالنسبة للشق الثاني من هذا المطلب "اهل الوطن الاصليين" فهذه حقيقة ثابتة، فنحن لم نأت من استراليا أو من امريكا اللاتينية ولا نقاش حول ذلك ولا داع اصلا لطلب ذلك. المشكلة في الشق الاول. حسب رأيي هذه اخطر مقولة يمكن ان بتفوهة بها فلسطيني واخطر مطلب بمكن ان تطالب به جهة وطنية كانت ام غير وطنية أمام القانون الاسرائيلي ام امام القانون الدولي. لأن الاعتراف بالجماهير الفلسطينية في الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ كأقلية قومية هي تشويه للحقيقة،للوعي الوطني وللهوية الوطنية. حسب الاحصائيات الاسرائيلية الرسمية الاخيرة عدد السكان اليهود (هذا اذا اعتبرناهم شعبا واحدا) ٦،٢٥١ مليون بينما عدد الشعب الفلسطيني حوالي ١٢ مليون. الاستفراد بال١،٧٣٠ مليون فلسطيني الذين يرزحون تحت الاحتلال منذ عام ١٩٤٨ وسلخهم عن باقي شعبهم يعني الاعتراف بالامر الواقع وهو القبول بتجزئة الشعب الفلسطيني والقبول بضياع ٨٠٪ من فلسطين على الاقل. كل من يرفض هذين الواقعين ويناضل ضدهما يجب ان يرفض تصنيف نفسه كأقلية. واذا ما زال هناك من يؤمن بان الشعب الفلسطيني جزء من امة عربية تعد ٣٥٠ مليون يستطيع ان يتصور من هم الاقلية في هذه الحالة ومن هم الاغلبية. لو طالب المهاجرون الاثيوبيون أو المهاجرون الروس بالاعتراف بهم كأقلية قومية في هذه البلاد لكان هناك بعض المنطق في مطلبهم، اذ ينتمون إلى شعب يسكن في بلاد اخرى لا تدعي بأن بلدنا جزءا منها. ولكن لا يعقل أن تؤمن بأن فلسطين، كل فلسطين وطن الشعب الفلسطيني، كل الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه تطالب ان تكون اقلية قومية في هذا الوطن.
احد المطالب الاخرى الغريبة المطروحة بشكل مجرد هو ضمان التمثيل اللائق والمؤثر في كافة الهيئات السياسية والمجتمعية في الدولة ومن ضمنها (ماحش) قسم التحقيق مع رجال الشرطة، واختيار الحكام والقضاة، وتمثيل متساو في "المنظومة الرمزية للدولة"، وفي الحقيقة لا ادري ما المقصود من ذلك، هل القصد دمج نشيد موطني بنشيد هتكفا؟ وبندقة علم جديد يمزج النجمة بالالوان؟ او يكتفي بعلمين منفلصين متجاورين على طريقة بعض التنظيمات اليسارية الصهيونية؟
مكانة الجماهير الفلسطينية هي التي تحدد مكانة القانون وليس العكس. وكل قانون يمس بمكانة الجماهير الفلسطينية هو قانون غير شرعي مصيره مزبلة التاريخ.

Thursday, November 26, 2015

قرار التقسيم ومحاولات محوه من الذاكرة



قرار التقسيم ومحاولات محوه من الذاكرة
علي زبيدات – سخنين
في مثل هذه الايام قبل ثمانية وستين عاما وبالتحديد في ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرار رقم ١٨١ المعروف بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية. اجحاف هذا القرار في حق الفلسطينيين بفقأ العيون. حيث شكل الفلسطينيون في ذلك العام حوالي ثلثي السكان هذا بالرغم من الهجرة الصهيونية المكثقة خلال السنوات الماضية. ومع ذلك منح هذا القرار(على الورق) لسكان البلاد الاصليين ٤٢،٨٨٪ من مساحة فلسطين لاقامة دولتهم التي لم تقم ابدا. بينما نال ثلث السكان وغالبيتهم العظمى من المستوطنين الجدد ٥٥،٤٧٪ من البلاد لاقامة دولتهم التي بدأت بالتوسع حال الاعلان عنها حتى التهمت كامل الارض الفلسطينية.
رفضت الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني هذا القرار جملة وتفصيلا إذ لا يعقل أن يتخلى شعب عن اكثر من نصف وطنه لان البعض على بعد عشرات الالاف من الاميال قرر ذلك بدون أن يحمل نفسه عناء سؤال صاحب الشأن، بحجة ايجاد حل لمجموعة من الناس في ضائقة لم يكن السكان الاصليون طرفا في خلقها. لقد كان قرار التقسيم تتويجا لقرارات مجحفة سابقة بدأت بوعد بلفور ومرورا بصك الانتداب. وكان فاتحة لعملية تطهير عرقي بدأت فورا ووصلت اوجها في عام النكبة ١٩٤٨.
على كل حال، لست هنا بصدد سرد تاريخي لما حدث ذلك الوقت فالنتيجة معروفة للقاصي والداني ولو اختلفنا قليلا او كثيرا في تحليل اسبابها وظروفها. ما يهمني هنا أن قرار التقسيم حفر في الذاكرة الفلسطينية الجمعية كمناسبة مشؤومة جنبا إلي جنب مع تصريح بلفور والاعلان عن اقامة دولة اسرائيل. الاحزاب الهامشية التي وافقت على قرار التقسيم في حينه ما زالت هامشية حتى اليوم بالرغم من أن بعضها ما زال ناشطا على الساحة الفلسطينية والاسرائيلية، والتنظيمات الفلسطينية التي تبنت فيما بعد حلولا اسوأ من قرار التقسيم وبسطت سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة اوسلو لم تستطع بدورها أن تمحو هذه الذكرى من الذاكرة الفلسطينية.
في الحقيقة، محاولات محو هذه الذكرى بدأت فلسطينيا منذ سنوات طويلة وبالتحديد بعد تبني منظمة التحرير الفلسطينية لما يسمى بالبرنامج المرحلي في اعقاب قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة عام ١٩٧٤. اذ عقدت هذه الدورة في اجواء الحلول التصفوية التي قادها كيسنجر في مؤتمر جنيف وجذب البها معظم الزعامات العربية. وكانت الزعامة الفلسطينية تنتظر الدعوة التي لم تصل ابدا للانضمام إلى مؤتمر جنيف وذلك بسبب معارضة اسرائيل وامريكا من حيث الاساس. غير ان الاتجاه العام لسياسة منظمة التحرير الجديدة كان الابتعاد بقدر الامكان عن ارهاصات رفض قرار التقسيم لصالح ما سمي في البداية السلطة الوطنية والتي تطورت الى مفهوم الدولة الفلسطينية. المحطة التالية في هذا الاتجاه كان خطاب غصن الزيتون والبندقية الذي القاه عرفات في الامم المتحدة في نهاية السنة نفسها، وقد كان واضحا أن الرهان الاستراتيجي اصبح على غصن الزيتون وليس على البندقية.
المحاولة الجدية لمحو ذكرى قرار التقسيم جاءت في نهاية عام ١٩٧٧ عندما تبنت الجمعية العامة قرارا بجعل ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني". فاذا تخلى الشعب الفلسطيني عن رفضه المطلق لقرار التقسيم فلا ضير في ان تتم مكافأته بقرار اجوف لا يسمن ولا يغني من جوع.
ما زلت اذكر عندما أحيت الفصائل الفلسطينية في سجن الرملة المركزي ذكرى قرار التقسيم للمرة الاخيرة، حيث كانت الامم المتحدة على وشك اصدار قرارها حول يوم التضامن الدولي والذي اتخذ بالفعل بعد ذلك بأيام معدودة على ان يدخل حيز التنفيذ في عام ١٩٨٨. وبالفعل في ذلك العام رفضت حركة فتح في السجن احياء هذه الذكرى تحت اسم قرار التقسيم وبدل ذلك احتفلت به كيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بصفته انجازا عظيما. بينما تم اخماد الاصوات القليلة المعارضة.
اذن، منذ عام ١٩٨٨ والمؤسسات الرسمية الفلسطينية لا تحيي ذكرى قرار التقسيم بل تحتفل بيوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. ففي هذا اليوم تعقد الامم المتحدة جلسة خاصة في مكاتبها في نيويورك أو جنيف أو فينا تخصصها للقضية الفلسطنية مذكرة بالقرارات الصادرة عنها من قرار ٢٤٢ و٣٣٨ و١٣٩٧ و ١٥١٥ و ١٨٥٠ ولكنها تشطب قرار ١٨١ لكي لا تذكر الفلسطينيين به. بالطبع الاحتفال بهذا اليوم لا يقتصر على جلسة الامم المتحدة فهناك الاحتفالات والمهرجانات والمعارض وعرض الافلام وتوزيع المطبوعات وغيرها وغيرها.
غدا بعد أن تقرؤوا وتسمعوا وتشاهدوا الاحتفالات والخطابات والتصريحات لا تنسوا انه في هذا اليوم قبل ٦٨ عاما وافق هذا العالم المنافق الذي يدعوم للاحتفال، على سلبكم وطنكم.

Wednesday, November 18, 2015

اخراج الحركة الاسلامية الشمالية عن القانون خطوة في الاتجاه الصحيح



اخراج الحركة الاسلامية الشمالية عن القانون خطوة في الاتجاه الصحيح
علي زبيدات – سخنين

قد يستغرب البعض من هذا العنوان الاستفزازي، يرى ومن يواصل قراءة هذا المقال قد يرى فيه كالعادة مجرد مزاودة أو كلام غير مسؤول. وانا اعترف أن الاستفزاز في اختيار العنوان كان مقصودا، وكالعادة ايضا لا تهمني كثيرا اتهامات المزاودة من أي طرف كان. لقد امضيت اليومين اللذين اعقبا صدور هذا القرار من قبل الحكومة الاسرائيلية وحتى كتابة هذه السطور في قراءة كافة ردود الفعل، التعقيبات والتحليلات التي نشرتها المواقع الاخبارية العربية في هذه البلاد، وقد كتب الكثير كان معظمه تكرارا للفكرة نفسها بتغيير بعض الكلمات والاسلوب. قرأت تعليقات الاحزاب السياسية، الصديقة وغير الصديقة للحركة الاسلامية الشمالية، الموجودة داخل القائمة المشتركة والموجودة خارجها، وقرأت تعقيبات رئيس لجنة المتابعة العليا ورئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية وعدد لا بأس به من الشخصيات الاعتبارية والمثقفين. ويمكن تلخيص كل هذه المواقف في جملة واحدة لا غير: ادانة هذا القرار التعسفي والظالم وغير الديمقراطي.
وماذا توقعتم من هذه الحكومة ومن رئيسها؟ أن يكون القرار غير تعسفي؟ وأن يكون عادلا؟ وأن يكون نابعا من صلب الديمقراطية الاسرائيلية الفريدة من نوعها؟ ولقد شعرت بوجود نوع من الغيرة والحسد في تصريحات بعض زعماء الاحزاب التي تسرح وتمرح في اروقة الكنيست، إذ كيف تنفرد الحركة الاسلامية بهذا الشرف؟ فقال بعضهم: جميعنا مستهدفون، لن ندع المؤسسة الاسرائيلية تستفرد بالحركة الاسلامية وكلنا في هذه الايام حركة اسلامية. حسنا جدا، فلو كان كلامكم صادقا فاتركوا الكنيست ولو لاسبوع وانقلوا نضالكم إلى الشارع.
ليس الاجتماع السريع الذي عقدته لجنة المتابعة واتخاذ قرار الاضراب العام والمظاهرة القطرية الحاشدة بعد الاضراب بعشرة ايام سوى ذر الرماد في العيون أو في احسن الحالات سوى مخدر حتى مرور الازمة. بالتوازي مع التصريحات النارية للرد على هذا القرار تم الايعاز لبعض المثقفين المقربين بتسريب بعض الافكار المطمنة. فصرح احدهم بضرورة نقل القضية للعالم الخارجي، وكأن العالم لا يعرف ماذا يجري هنا، وكأنه ليس متواطئا مع الحكومة الاسرائيلية وطالب بترجمة مقال كتبه صحفي يهودي نشرته صحيفة هآرتس "اليسارية" للغة الانجليزية ونشره في وسائل الاعلام العالمية لانه يحتوى على كل العناصر التي تؤكد بأن قرار الحظر سياسي ولا يمت بصلة لدوافع امنية وغير ديمقراطي. وصرح آخر بضرورة اللجوء إلى المحكمة العليا الاسرائيلية التي سوف تعيد الحركة الاسلامية الشمالية إلى حضن القانون الاسرائيلي الدافىء لأن قرار الحظر لن يصمد أمام عدالة القضاء الاسرائيلي. وهكذا، بالنسبة لزعامتنا السياسية الدائرة قد اغلقت: اضراب ومظاهرة لارضاء الجمهور الغاضب، محاولة لتدويل القضية ومن ثم تملق "الديمقراطية" الاسرائيلية وخصوصا القضاء.
منذ عام ١٩٤٨ وحتى اليوم نقبع جميعنا كفلسطينيين اما تحت اقدام القانون الاسرائيلي أو خارحه حتى عندما نتوهم عكس ذلك. لقد تم تشريدنا من وطننا حسب القانون الاسرائيلي، صودرت اراضينا حسب القانون الاسرائيلي، وهدمت بيوتنا حسب القانون الاسرائيلي، نعاني من التمييز والعنصرية حسب القانون الاسرائيلي. وبالمقابل يتم رشوتنا وتسميننا أيضا حسب القانون الاسرائيلي.
لا اريد الخوض باكاذيب رئيس الحكومة الاسرائيلية بأن هذا القرار كان ضروريا لمواجهة التحريض التي تقوم به الحركة الاسلامية منذ سنين، فبالنسبة له كل من يعارض سياسته فهو محرض حتى ولو كان براك اوباما نقسه او وزيرة خارجية السويد. وان قراره هذا جاء فقط من اجل الحفاظ على امن الدولة وسلامة الجمهور والسلم الاجتماعي، حتى رئيس مخابراته الذي تحفظ على هذا القرار يعرف ذلك.
لست من اتباع الحركة الاسلامية مهما كانت جهتها،ا شمالية أم جنوبية، شرقية أو غربية. ولا أخفي انني أقف على طرف النقيض معها سياسيا وايديوجيا. ولكني هنا لست بصدد مناقشة ايديولوجيتها، خطها السياسي ،انتماءتها المحلية والاقليمية ومواقفها بالرغم من اهمية مناقشة كل هذه الامور. ما بهم هنا ان الحركة الاسلامية الشمالية تشكل جزءا ناشطا من الشعب الفلسطيني في مرحلة تحرره الوطني المتعثرة.
من هذا المنطلق، نعم، اخراج الحركة الاسلامية الشمالية على القانون الاسرائيلي هو خطوة في الاتجاه الصحيح وحبذا لو تتبعتها خطوات اخرى تخرج كافة الحركات الفلسطينية عن القانون الاسرائيلي، لقد آن الاوان لعملية فرز تاريحية، لاعادة توازن المعادلة. الوضع الطبيعي أن تكون العلاقة متبادلة. الخروج عن القانون الاسرائيلي ليس كارثة ما دمنا متمسكين بالقانون الوطني التقدمي والقانون الانساني. وانا احذر من مغبة قيام زعامة الحركة الاسلامية الشمالية، بتشجيع وضغط من الاحزاب والحركات الشقيقة، باستجداء القضاء الاسرائيلي للعودة إلى احضان الشرعية الاسرائيلية.

Thursday, November 12, 2015

هوامش على دفتر الانتفاضة



هوامش على دفتر الانتفاضة
علي زبيدات – سخنين

"انعي لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمه
والكتب القديمه
أنعي لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمه.. ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمه

اذا خسرنا الحرب لا غرابه
لأننا ندخلها.. بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه

السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا"
(مقتطفات من هوامش على دفتر النكسة – نزار قباني)
النكسة من ورائنا زمنيا والانتفاضة من امامنا، فهل هذا يصنع فرقا؟
قبل شهر تكدست عشرات الاف في مدينة سخنين دفاعا عن الاقصى وعن القدس ولادانة وشجب جرائم جيش الاحتلال والمستوطنين والاعدامات بدم بارد. واستمعنا إلى وجبة زائدة من الخطابات التي تفلق الصخر من شدتها وتصهر الفولاذ من غليانها. وعدنا إلى بيوتنا ونحن نهتف للوحدة الوطنية وللمسيرة النضالية بقيادتنا الحكيمة.
في القدس والخليل ونابلس وجنين وغيرها استمرت الاعدامات بدم بارد واشتدت عربدة المستوطنين وزادت شراسة وسعارا، وتصاعدت التحريضات الصادرة من رئيس الحكومة الذي كاد أن يبرئ هتلر والنازية من الهلوكوست ويعلقها على عنق الشعب الفلسطيني وحتى اصغر صحفي اسرائيلي.
في المقابل صمتت المدافع الصوتية التي دوت في مظاهرة الآلاف حتى الهمس اختفى. هل يعقل، شهر كامل، لا مظاهرة، ولا رفع شعارات، ولا حتى تصريح؟ فالخطابات عند خطبائن لها مواسمهاا. يتساءل الكثيرون: ماذا كان الهدف الرئيسي من الاضراب العام ومظاهرة الآلاف في سخنين؟وأظن لم اكن الوحيد الذي اجاب على هذه التساؤلات: الهدف الرذيسي هو امتصاص الغضب الجماهيري، ضبط النفس، تهدئة الاجواء ولاسقاط الواجب. ولم تكن هذه المرة الاولى. في كل مرة تخطت فيها دولة اسرائيل كافة الخطوط الحمراء واطلقت العنان لصواريخها وطائراتها كالفيل الهائج في دكان للفخار كما حدث في غزة مرارا، تسارع مؤسساتنا القيادية إلى تنطيم مظاهرة آلاف، تسحب الخطابات النارية من جواريرها وتطلقها في كل اتجاه ومن بعدها يسود الهدوء.
صحيح، في حضارتنا العربية ومنذ القدم كانت لخطابة فنا وقد ابدعنا بها أي ابداع قبل أن نسمع بارسطو اليونانب وشيشرون الروماني. ولكن على الاقل، في ذلك الوقت وخصوصا في العصر الجاهلي وهو العصر الذهبي اذا ما قارناه بحضيض عصرنا الراهن، كانت غاية الخطابة الاقناع، حث الهمم، والتأثير على العدو قبل الصديق ولم تكن غايتها الديماغوية وخداع الجماهير وامتصاص غضبها وتحويله إلى خنوع كما هي اليوم.
نصف قرن مر تقريبا على النكسة. والثقب في كلامنا يزداد اتساعا حتى تخلينا عن احذيتنا القديمة وها نحن نسير حفاة، ومفردات العهر تزداد عهرا وفكرنا لا يقودنا الى هزيمة جديدة فحسب بل يحول الهزيمة النكراء الى نصر باهر. ولم نعد نكتفي بمنطق الطبلة والربابة الذي تحترفه زعامتنا بل تحولنا إلى شعب يرقص حول هذا المنطق.
لم يستطع نزار قباني ولا غيره أن يغير فكر وعقلية الهزيمة قيد انملة وكان نعيه سابقا لاوانه. على العكس من ذلك، فاذا كانت النكسة التي نعاها نزار قباني قد اسفرت عن ضياع ما تبقى من فلسطين بالاضافة للجولان وسيناء فقد ضاعت اليوم العراق وسوريا هذا اذا اعتبرنا مجازا أن باقي البلدان العربية لم تكن ضائعة من قبل.
يعد هذا كله فهل من الغرابة أن تنتهي الانتفاضة الاولى باتفاقيات اوسلو المجحفة؟ وتنتهي الانتفاضة الثانية بالمفاوضات العبثية؟ فكيف سوف تنتهي يا ترى الانتفاضة الثالثة؟
عادت دولة اسرائيل إلى سياستها المعهودة، سياسة حرب الاستنزاف فهي تقتل واحد هنا وواحد هناك وتهدم بيت هنا وبيت هناك وتبني مستعمرة هنا ووحدات سكن استيطانية هناك، تعتقل من تريد وتحاصر من تريد. وعندما تفلت الامور من بين ايديها أو توشك على ذلك توعز لمن تمون عليهم بتنظيم مظاهرة جبارة وبنكشف سر مأساتنا عندما يصبح صراخنا اضخم من اصواتنا وسيوفنا المثلمة اطول من قاماتنا.
لا نريد مظاهراتكم الجبارة ولا نريد سماع خطاباتكم الملتهبة. كل ما نريده منكم أن تحموا طفلا يتم اعدامه بدم لكونه "مخربا"أو"مخربة" برصاص "محارب أو" محاربة"، نريد منكم أن تمنعوا هدم بيت في النقب أو تهجير عائلة في رمية في الجليل. فإن لم تستطيعوا ذلك فاصمتوا.


Thursday, November 05, 2015

ليالي البلور الفلسطينية



ليالي البلور الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين

في ليلة التاسع من شهر تسرين الثاني/ نوفمبر قامت قطعان من النازيين في المانيا والنمسا بالاعتداء على مواطنين يهود في الشوارع والبيوت وعلى الكنس والمحلات التجارية فكسروا الزجاج واحرقوا البيوت والمحلات وقتلوا وضربوا واهانو الناس. كل ذلك بحجة أن شاب يهودي اغتال دبلوماسي الماني في باريس. اقترفت كافة هذه الجرائم تحت بصر وسمع الشرطة ومؤسسات الدولة الاخرى التي لم تحرك ساكنا لحماية المواطنين العزل بل كانت عمليا تحمي وتشجع وفي كثير من الاحيان تشارك مشاركة فعلية في الاعتداءات. أطلق على هذه الليلة اسم ليلة البلور أو ليلة الكريستال او ليلة الزجاج المكسور.
في هذه الايام يتم احياء ذكرى هذه الليلة في اماكن عديدة من العالم حسب غايات ومصالح المنظمين لهذا الاحياء. ففي اسرائيل يتم عادة استغلال هذه الذكرى كما يتم استغلال الهولوكوست بشكل عام من أجل ابتزاز العالم ومن اجل التغطية على الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني والظهور بمظهر الضحية المسكين والمظلوم والملاحق الذي يدافع عن نفسه. أما في المانيا فيتم احياء هذه الذكرى بدافع من تأنيب الضمير أو من تحمل المسؤولية عن جرائم النازية. وهناك ايضا اشكال بديلة اخرى لاحياء هذه الذكرى مثلا كجزء من مقاومة العنصرية والفاشية.
ما يحدث في فلسطين في هذه الايام، وعمليا ما حدث في السابق ومنذ عام النكبة، ليست سوى ليال متتالية من ليالي البلور. فهناك قطعان المستوطنين الفاشيين، بحماية الشرطة والجيش والاجهزة الامنية الاخرى وبكثير من الاحيان بتشجيعها ومشاركتها الفعلية، تعتدي على المواطنين العزل بالضرب والاهانة وفي حالات عديدة بالحرق والقتل والاعتداء على المساجد والكنائس والمدارس وعلى المحلات التجارية والمزارع والحيوانات واشجار الزيتون.
تسجل منظمة بتسيلم الاسرائيلية قائمة طويلة لمثل هذه الاعتداءات اليومية بالرغم من أن هذه القائمة ابعد ما تكون من أن تشمل الاعتداءات. ولكن ما ذكر يكفي لكي نطلق على هذه الليالي: ليالي البلور الفلسطينية.
الموجة الاخيرة من الاعتداءات والتي لم تنته بعد تشير إلى اكثر من الف وخمسمائة معتقل حوالي نصفهم من القدس وقراها والباقون من نابلس وقراها ومن الخليل وقراها ومن باقي ارجاء فلسطين وحوالي مائتين من فلسطينيي المناطق المحتلة عام ١٩٤٨. بينما وشارف عدد الذين سقطوا مائة شهيد والفين ومائتين جريح بالاضافة إلى تكثر من خمسمائة اعتداء شنه المستوطنون.
على عكس ليلة البلور النازية التي لعب بها قطعان النازية الدور الرئيسي بينما اكتفت الشرطة والاجهزة الاخرى بدور مساعد، كان الدور الرئيسي هنا للاجهزة الامنية (شرطة، جيش، مخابرات، مستعربين) بينما لعب المستوطنون دورا مساعدا. لقد ضربت الدولة من خلال اجهزنها الامنية بعرض الحائط القانون الدولي الذي يحتم على القوة المحتلة حماية المواطنين العزل. قامت هذه الاجهزة، بعد أن تلقت الاوامر والتعليمات من الحكومة وخصوصا من لجنة الوزراء لشؤون الامن القومي التي يرأسها رئيس الحكومة ووزير الحرب، باستعمال الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات والتسهيل والاسراع في اطلاق النار بهدف القتل حتى في الحالات التي لا تشكل اي خطر عليها وبتوفير الحماية القانونية لها وحتى تكريم او ترقية افرادها، باعدامات عديدة وبدم بارد ليس فقط كما تؤكده الكاميرات التي التقت الصور بل باعتراف وشهادات جهات اسرائيلية مطلعة على ما يجري.
على غرار ليلة البلور الاصلية التي كان هدفها تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول اغلبية الشعب الالماني لملاحقة مجموعة مستضعفة، فليالي البلور في فلسطين تعمل هي الاخرى لتحقيق الاهداف ذاتها وتعمل بنجاعة وتحقق نجاحات في تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول غالبية الاسرائيليين حتى اصبح تنفيذ بوغروم في حق الفلسطيني او في حق من يشبه الفلسطيني امرا عاديا. ما حدث في بئر السبع هو مجرد مثل على ذلك. مثل آخر قصة نشرها احد المواقع الاخبارية الاسرائيلية عن اعتقال خمسة نساء فلسطينيات يعملن في تنظيف المدارس في منطقة المركز تبين انهن بعملن بدون تصاريح رسمية امام الطلاب وبشكل مهين. الملفت في هذه القصة ليس الاعتقال التعسفي في حد ذاته بل في ردود فعل اهالي الطلاب. فمنهم من وصف الحادثة بالفضيحة الامنية اذ كيف يعقل تشغيل نساء فلسطينيات حيث يوجد طلاب يهود يتم تعريضهم للخطر؟ ومن يضمن الا تقوم احدى النساء بعملية طعن انتحارية؟ وقد تناسى هولاء انه لولا النساء الفلسطينيات لتراكمت الاوساخ على هذه المدارس ولرجع اولادهم إلى بيوتهم يحكون رؤوسهم من القمل. وقال البعض ان ما حدث هو فشل امني من الدرجة الاولى، وعبر اخرون عن غضبهم لان مجرد تواجد الفلسطينيات في المدرسة قد ينتهي بمصيبة. هذه حادثة واحدة من عشرات وربما مئات الحوادث التي تحصل يوميا في العديد من اماكن العمل. هذا كله من غير ان نتطرق للعقوبات الجماعية وهدم البيوت وتقييد الحركة خصوصا في القدس والخليل والاهانات اليومية التي يتعرض لها كافة الفلسطينيين على الحواجز.
في ظل غياب الحماية حتى من الدولة المحتلة والحماية الدولية يصبح الدفاع عن النفس واجب اخلاقي لضحايا ليالي البلور، حدثت هذه في عام ١٩٣٨ أو في عام ٢٠١٥، في المانيا أو النمسا أو فلسطين أو اية بقعة على هذه الارض.

Wednesday, October 28, 2015

الخيط الرفيع بين وعد بلفور وبين وعود اقامة الدولة الفلسطينية



الخيط الرفيع بين وعد بلفور وبين وعود اقامة الدولة الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين

نص تصريح بلفور:
"وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني سنة ١٩١٧
عزيزي الامير فيصل
يسرني جدا أن ابلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني العرب والفلسطينيين، وقد عرض على الوزارة واقرته:
ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب الفلسطيني في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا انه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير العربية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به العرب في البلدان الاخرى
وسأكون ممتنا إذا ما احطم القيادة العربية علما بهذا التصريح
المخلص
ارثر جيمس بلفور"
طبعا، لا شك انكم لاحظتم،ك من تحفظون تصريج بلفور عن ظهر قلب، أن هذا النص لا يمت بصلة للنص الاصلي الحقيقي. انه مجرد نص خيالي وهمي، ولكن لا ضير، بصفتنا شعب قد اكتسب اعترافا دوليا بالخيال الشرقي الجامح وباللهث وراء الاوهام في كل واد وصحراء. لنطلق عنان خيالنا للحظة واحدة ونتصور ان هذا النص هو النص الاصلي ونحاول ان نجيب: هل كانت ستقوم دولة فلسطينية في فلسطين التاريخية؟
لا ادري اصلا لماذا يستعمل جميع المؤرخين والسياسيين والكتاب العرب كلمة وعد كترجمة للكلمة الانجليزية declaration ، أي تصريح المستعملة في كافة اللغات الاخرى، هل هي صدفة أم هناك غاية ما لا نعرفها؟ حسب رأيي المتواضع، كلمة تصريح افضل بكثير من كلمة وعد لأن كلمة وعد تحمل مشحونا عاطفيا وتوحي بموقف شخصي يحتمل الايفاء به ويحتمل نكثه. اما التصريح فيعبر عن موقف سياسي مدروس بغض النظر عن الشخص الذي صرح به مهما كان منصبه الرسمي. كلمة وعد تتيح لمستعمليها اضافة الصفات التي يريدونها ككلمة مشؤؤم التي اصبحت صفة ملازمة لوعد بلفور، وكأن باقي القرارات ليست مشؤومة، ولكنها لا تبرز مسؤولية الحكومة البريطانيية كما لو استعملنا كلمة تصريح. لذلك سوف اخرج عن السرب واستعمل كلمة تصريح.
صدر تصريح بلفور، وزير الخارجية البريطاني حينذاك، في الثاني من نوفمبر سنة ١٩١٧ أي قبل ما يقارب القرن، ولكن الاعداد له بدأ قبل ذلك بسنوات. وجاء الاعلان عنه كخلاصة للسياسة الاستعمارية البريطانية في المنطقة، سبقته الاتصالات مع الشريف الحسين واحتواء الموقف العربي الرسمي، ومعاهدة سايكس – بيكو حول تقسيم الورثة العثمانية. لم يكن الدور الحاسم في اصدار هذا التصريح للحركة الصهيونية، كما يزعم يروج له العديد من المؤرخين، من خلال ممارستها للضغط على الحكومة البريطانية، فقد كانت هذه الحركة في ذلك الوقت أضعف من أن تمارس اي ضغط. ولم يكن السبب رغبة بريطانيا في كسب رضا يهود اوروبا في الحرب ضد المانيا او استغلال النفوذ اليهودي في امريكا للضغط عليها لدخول الحرب أو مكافأة لوايزمن على اختراعاته التي استعملتها بريطانيا في الحرب، أو تعاطفا مع يهود اوروبا لما لاقوه من اضطهاد وملاحقة. خصوصا وان بلفور نفسه ورئيس حكومته لويد جورج لم يكونا معروفيين بحبهما لليهود بشكل عام وليهود بريطانيا بشكل خاص. حسب رأيي كان هناك سببان اساسيان للاعلان عن هذا التصريح: الاول، منع تدفق هجرة يهود روسيا واوروبا الشرقية إلى بريطانيا قبل، اثناء، وبعد الحرب وتحويلهم إلى اي مكان آخر. الثاني، ملأ الفراغ الذي خلفته تركيا في المنطقة بكيان كولونيالي يحمل كافة صفات الاستعمار البريطاني. من هنا عملت بريطانيا بسرعة وبجد لجعل مضمون هذا التصريح سياسيتها الرسمية في فلسطين عن طريق كسب موافقة فرنسا وايطاليا وامريكا، ومن ثم في مؤتمر سان ريمو واخيرا بواسطة عصبة الامم المتحدة باتخاذ قرار الانتداب عام ١٩٢٢.
منذ صدور قرار الانتداب عام ١٩٢٢ وحتى الاعلان عن اقامة دولة اسرائيل عام ١٩٤٨، عملت بريطانيا كل ما تستطيعه لتحقيق سياسيتها التي تضمنها تصريج بلفور. المأساة أن الزعامة العربية والزعامة الفلسطينية المحلية قد صدقت كذبة بريطانيا بأن الانتداب ليس احتلالا بل هو عبارة عن وصاية حتى يصبح شعب البلاد قادرا على الاستقلال، واكثر من ذك، فقد حاولت هذه الزعامة ان تقنع بريطانيا بانها سوف تخدم مصالحها افضل من الحركة الصهيونية. ولكن بريطانيا التي كانت تعلم مدى تخلف وضعف هذه الزعامة لم تقتنع، وتمسكت اكثر واكثر بالحركة الصهيونية، بقيت هذه النظرة هي السائدة حتى ظهرت حركة الشيخ عزالدين القسام والتي قلبت المعادلة بأن قالت بكل بساطة: لا يمكن محاربة الصهيونية من غير محاربة الاحتلال البريطاني. لقد كان من الممكن اسقاط السياسة البريطانية لو تم التعامل معهامنذ البداية كقوة احتلال. واكبر دليل على ذلك اضطرارها لبعض التراجع كلما ازداد منسوب المقاومة الشعبية منذ السنة الاولى للانتداب اضطر تشرشل وزير المستعمرات حين ذاك إلى اصدار ما يسمى الكتاب الابيض الاول لطمأنة المواطنين، وفي نهاية العشرينات وبداية العشرينات اضطرت بريطانيا للتراجع بعض الشيء عن سياستها لامتصاص نقمة الجماهير قبيل وبعد ثورة البراق. كما فرضت ثورة ١٩٣٦-١٩٣٩ مرة اخرى على بريطانيا التراجع. ولكن غياب القيادة الوطنية الثورية وخيانة الانظمة العربية الرجعية أو تواطؤها فتحت الابواب امامها على مصراعيها لتواصل سياستها وتحقيق غاياتها الاستعمارية.
الطريق كان واضحا امام كل من يريد أن يرى: كلما تصاعدت المقاومة كلما تقهقر الاحتلال. والعكس صحيح، كلما تراجعت المقاومة كلما استشرس الاحتلال.
كان هذا الطريق صحيحا في ظل الاحتلال البريطاني وما زال صحيحا في ظل الاحتلال الاسرائيلي. لن يكون هناك وعد بلفور فلسطيني من أي طرف كان في العالم، ليس من قبل الامم المتحدة ولا من قبل امريكا والاتحاد الاوروبي ولا من قبل الاحتلال الاسرائيلي. ولكن يوجد هناك طريق المقاومة الفلسطينية.