Thursday, November 12, 2015

هوامش على دفتر الانتفاضة



هوامش على دفتر الانتفاضة
علي زبيدات – سخنين

"انعي لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمه
والكتب القديمه
أنعي لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمه.. ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمه

اذا خسرنا الحرب لا غرابه
لأننا ندخلها.. بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه

السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا"
(مقتطفات من هوامش على دفتر النكسة – نزار قباني)
النكسة من ورائنا زمنيا والانتفاضة من امامنا، فهل هذا يصنع فرقا؟
قبل شهر تكدست عشرات الاف في مدينة سخنين دفاعا عن الاقصى وعن القدس ولادانة وشجب جرائم جيش الاحتلال والمستوطنين والاعدامات بدم بارد. واستمعنا إلى وجبة زائدة من الخطابات التي تفلق الصخر من شدتها وتصهر الفولاذ من غليانها. وعدنا إلى بيوتنا ونحن نهتف للوحدة الوطنية وللمسيرة النضالية بقيادتنا الحكيمة.
في القدس والخليل ونابلس وجنين وغيرها استمرت الاعدامات بدم بارد واشتدت عربدة المستوطنين وزادت شراسة وسعارا، وتصاعدت التحريضات الصادرة من رئيس الحكومة الذي كاد أن يبرئ هتلر والنازية من الهلوكوست ويعلقها على عنق الشعب الفلسطيني وحتى اصغر صحفي اسرائيلي.
في المقابل صمتت المدافع الصوتية التي دوت في مظاهرة الآلاف حتى الهمس اختفى. هل يعقل، شهر كامل، لا مظاهرة، ولا رفع شعارات، ولا حتى تصريح؟ فالخطابات عند خطبائن لها مواسمهاا. يتساءل الكثيرون: ماذا كان الهدف الرئيسي من الاضراب العام ومظاهرة الآلاف في سخنين؟وأظن لم اكن الوحيد الذي اجاب على هذه التساؤلات: الهدف الرذيسي هو امتصاص الغضب الجماهيري، ضبط النفس، تهدئة الاجواء ولاسقاط الواجب. ولم تكن هذه المرة الاولى. في كل مرة تخطت فيها دولة اسرائيل كافة الخطوط الحمراء واطلقت العنان لصواريخها وطائراتها كالفيل الهائج في دكان للفخار كما حدث في غزة مرارا، تسارع مؤسساتنا القيادية إلى تنطيم مظاهرة آلاف، تسحب الخطابات النارية من جواريرها وتطلقها في كل اتجاه ومن بعدها يسود الهدوء.
صحيح، في حضارتنا العربية ومنذ القدم كانت لخطابة فنا وقد ابدعنا بها أي ابداع قبل أن نسمع بارسطو اليونانب وشيشرون الروماني. ولكن على الاقل، في ذلك الوقت وخصوصا في العصر الجاهلي وهو العصر الذهبي اذا ما قارناه بحضيض عصرنا الراهن، كانت غاية الخطابة الاقناع، حث الهمم، والتأثير على العدو قبل الصديق ولم تكن غايتها الديماغوية وخداع الجماهير وامتصاص غضبها وتحويله إلى خنوع كما هي اليوم.
نصف قرن مر تقريبا على النكسة. والثقب في كلامنا يزداد اتساعا حتى تخلينا عن احذيتنا القديمة وها نحن نسير حفاة، ومفردات العهر تزداد عهرا وفكرنا لا يقودنا الى هزيمة جديدة فحسب بل يحول الهزيمة النكراء الى نصر باهر. ولم نعد نكتفي بمنطق الطبلة والربابة الذي تحترفه زعامتنا بل تحولنا إلى شعب يرقص حول هذا المنطق.
لم يستطع نزار قباني ولا غيره أن يغير فكر وعقلية الهزيمة قيد انملة وكان نعيه سابقا لاوانه. على العكس من ذلك، فاذا كانت النكسة التي نعاها نزار قباني قد اسفرت عن ضياع ما تبقى من فلسطين بالاضافة للجولان وسيناء فقد ضاعت اليوم العراق وسوريا هذا اذا اعتبرنا مجازا أن باقي البلدان العربية لم تكن ضائعة من قبل.
يعد هذا كله فهل من الغرابة أن تنتهي الانتفاضة الاولى باتفاقيات اوسلو المجحفة؟ وتنتهي الانتفاضة الثانية بالمفاوضات العبثية؟ فكيف سوف تنتهي يا ترى الانتفاضة الثالثة؟
عادت دولة اسرائيل إلى سياستها المعهودة، سياسة حرب الاستنزاف فهي تقتل واحد هنا وواحد هناك وتهدم بيت هنا وبيت هناك وتبني مستعمرة هنا ووحدات سكن استيطانية هناك، تعتقل من تريد وتحاصر من تريد. وعندما تفلت الامور من بين ايديها أو توشك على ذلك توعز لمن تمون عليهم بتنظيم مظاهرة جبارة وبنكشف سر مأساتنا عندما يصبح صراخنا اضخم من اصواتنا وسيوفنا المثلمة اطول من قاماتنا.
لا نريد مظاهراتكم الجبارة ولا نريد سماع خطاباتكم الملتهبة. كل ما نريده منكم أن تحموا طفلا يتم اعدامه بدم لكونه "مخربا"أو"مخربة" برصاص "محارب أو" محاربة"، نريد منكم أن تمنعوا هدم بيت في النقب أو تهجير عائلة في رمية في الجليل. فإن لم تستطيعوا ذلك فاصمتوا.


No comments: