Thursday, November 05, 2015

ليالي البلور الفلسطينية



ليالي البلور الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين

في ليلة التاسع من شهر تسرين الثاني/ نوفمبر قامت قطعان من النازيين في المانيا والنمسا بالاعتداء على مواطنين يهود في الشوارع والبيوت وعلى الكنس والمحلات التجارية فكسروا الزجاج واحرقوا البيوت والمحلات وقتلوا وضربوا واهانو الناس. كل ذلك بحجة أن شاب يهودي اغتال دبلوماسي الماني في باريس. اقترفت كافة هذه الجرائم تحت بصر وسمع الشرطة ومؤسسات الدولة الاخرى التي لم تحرك ساكنا لحماية المواطنين العزل بل كانت عمليا تحمي وتشجع وفي كثير من الاحيان تشارك مشاركة فعلية في الاعتداءات. أطلق على هذه الليلة اسم ليلة البلور أو ليلة الكريستال او ليلة الزجاج المكسور.
في هذه الايام يتم احياء ذكرى هذه الليلة في اماكن عديدة من العالم حسب غايات ومصالح المنظمين لهذا الاحياء. ففي اسرائيل يتم عادة استغلال هذه الذكرى كما يتم استغلال الهولوكوست بشكل عام من أجل ابتزاز العالم ومن اجل التغطية على الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني والظهور بمظهر الضحية المسكين والمظلوم والملاحق الذي يدافع عن نفسه. أما في المانيا فيتم احياء هذه الذكرى بدافع من تأنيب الضمير أو من تحمل المسؤولية عن جرائم النازية. وهناك ايضا اشكال بديلة اخرى لاحياء هذه الذكرى مثلا كجزء من مقاومة العنصرية والفاشية.
ما يحدث في فلسطين في هذه الايام، وعمليا ما حدث في السابق ومنذ عام النكبة، ليست سوى ليال متتالية من ليالي البلور. فهناك قطعان المستوطنين الفاشيين، بحماية الشرطة والجيش والاجهزة الامنية الاخرى وبكثير من الاحيان بتشجيعها ومشاركتها الفعلية، تعتدي على المواطنين العزل بالضرب والاهانة وفي حالات عديدة بالحرق والقتل والاعتداء على المساجد والكنائس والمدارس وعلى المحلات التجارية والمزارع والحيوانات واشجار الزيتون.
تسجل منظمة بتسيلم الاسرائيلية قائمة طويلة لمثل هذه الاعتداءات اليومية بالرغم من أن هذه القائمة ابعد ما تكون من أن تشمل الاعتداءات. ولكن ما ذكر يكفي لكي نطلق على هذه الليالي: ليالي البلور الفلسطينية.
الموجة الاخيرة من الاعتداءات والتي لم تنته بعد تشير إلى اكثر من الف وخمسمائة معتقل حوالي نصفهم من القدس وقراها والباقون من نابلس وقراها ومن الخليل وقراها ومن باقي ارجاء فلسطين وحوالي مائتين من فلسطينيي المناطق المحتلة عام ١٩٤٨. بينما وشارف عدد الذين سقطوا مائة شهيد والفين ومائتين جريح بالاضافة إلى تكثر من خمسمائة اعتداء شنه المستوطنون.
على عكس ليلة البلور النازية التي لعب بها قطعان النازية الدور الرئيسي بينما اكتفت الشرطة والاجهزة الاخرى بدور مساعد، كان الدور الرئيسي هنا للاجهزة الامنية (شرطة، جيش، مخابرات، مستعربين) بينما لعب المستوطنون دورا مساعدا. لقد ضربت الدولة من خلال اجهزنها الامنية بعرض الحائط القانون الدولي الذي يحتم على القوة المحتلة حماية المواطنين العزل. قامت هذه الاجهزة، بعد أن تلقت الاوامر والتعليمات من الحكومة وخصوصا من لجنة الوزراء لشؤون الامن القومي التي يرأسها رئيس الحكومة ووزير الحرب، باستعمال الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات والتسهيل والاسراع في اطلاق النار بهدف القتل حتى في الحالات التي لا تشكل اي خطر عليها وبتوفير الحماية القانونية لها وحتى تكريم او ترقية افرادها، باعدامات عديدة وبدم بارد ليس فقط كما تؤكده الكاميرات التي التقت الصور بل باعتراف وشهادات جهات اسرائيلية مطلعة على ما يجري.
على غرار ليلة البلور الاصلية التي كان هدفها تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول اغلبية الشعب الالماني لملاحقة مجموعة مستضعفة، فليالي البلور في فلسطين تعمل هي الاخرى لتحقيق الاهداف ذاتها وتعمل بنجاعة وتحقق نجاحات في تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول غالبية الاسرائيليين حتى اصبح تنفيذ بوغروم في حق الفلسطيني او في حق من يشبه الفلسطيني امرا عاديا. ما حدث في بئر السبع هو مجرد مثل على ذلك. مثل آخر قصة نشرها احد المواقع الاخبارية الاسرائيلية عن اعتقال خمسة نساء فلسطينيات يعملن في تنظيف المدارس في منطقة المركز تبين انهن بعملن بدون تصاريح رسمية امام الطلاب وبشكل مهين. الملفت في هذه القصة ليس الاعتقال التعسفي في حد ذاته بل في ردود فعل اهالي الطلاب. فمنهم من وصف الحادثة بالفضيحة الامنية اذ كيف يعقل تشغيل نساء فلسطينيات حيث يوجد طلاب يهود يتم تعريضهم للخطر؟ ومن يضمن الا تقوم احدى النساء بعملية طعن انتحارية؟ وقد تناسى هولاء انه لولا النساء الفلسطينيات لتراكمت الاوساخ على هذه المدارس ولرجع اولادهم إلى بيوتهم يحكون رؤوسهم من القمل. وقال البعض ان ما حدث هو فشل امني من الدرجة الاولى، وعبر اخرون عن غضبهم لان مجرد تواجد الفلسطينيات في المدرسة قد ينتهي بمصيبة. هذه حادثة واحدة من عشرات وربما مئات الحوادث التي تحصل يوميا في العديد من اماكن العمل. هذا كله من غير ان نتطرق للعقوبات الجماعية وهدم البيوت وتقييد الحركة خصوصا في القدس والخليل والاهانات اليومية التي يتعرض لها كافة الفلسطينيين على الحواجز.
في ظل غياب الحماية حتى من الدولة المحتلة والحماية الدولية يصبح الدفاع عن النفس واجب اخلاقي لضحايا ليالي البلور، حدثت هذه في عام ١٩٣٨ أو في عام ٢٠١٥، في المانيا أو النمسا أو فلسطين أو اية بقعة على هذه الارض.

No comments: