Wednesday, February 26, 2014

ليس كل ما يلمع ذهبا


ليس كل ما يلمع ذهبا

علي زبيدات – سخنين

يوجد في السياسة الاسرائيلية مصطلح على غاية من الاهمية يسمى "הסברה" (هسبراه). لا يتطابق هذا المصطلح تماما مع المعنى الحرفي للكلمة "تفسير" فهو لا يقتصر على مجرد تفسير، تبرير، وشرح السياسة الاسرائيلية وبثها في وسائل الاعلام المحلية والدولية وايصالها الى كل من ينبغي أن يعرفها، بل يتجاوزه حتى اصبح يجسد مجمل الاستراتيجية الاسرائيلية للدفاع عن سياسة الدولة في كافة المجالات. فهو يشمل من المنطلق الاسرائيلي محاربة الدعاية المعادية للدولة والتي ترى فيها مسا بحقها في الوجود ومحاولة لنزع شرعيتها، وتسويغ الاحتلال وتعاملها الفظ اتجاه الشعب الفلسطيني ومواجهة الانتقادات الدولية المتزايدة وخصوصا من قبل منظمات حقوق الانسان والرأي العام بالاضافة للترويج لديمقراطيتها ونزاهة جيشها واجهزتها الامنية. من أجل القيام بهذه المهمة على احسن وجه فإن كافة الوسائل مشروعة من كذب وتزييفوتشويه حقائق ومبالغة وغيرها. بالرغم من عدم وجود وزارة خاصة تركز هذا النشاط (كما هو متبع في بلدان عديدة من خلال وزارات الاعلام) الا ان كافة الوزارات والمؤسسات الاسرائيلية بقيادة وزارة الخارجية ومكتب رئيس الحكومة تضع نصب أعينها هذه المهمة.
لست هنا بصدد الغوص في اعماق هذا المصطلح الاسرائيلي فهو مجال واسع، مترامي الاطراف ومتعدد الجوانب بحاجة الى مراكز دراسات وابحاث من اجل ذلك. اكتفي هنا بالاشارة الى بعض الخطوط العامة لمساهمتنا نحن الفلسطينيين وخصوصا في المناطق المحتلة عام ١٩٤٨ في هذا المجهود الاعلامي الاسرائيلي من حيث ندري او لا ندري.
قبل أيام صرح رئيس الكنيست يولي ادلشطاين في مقابلة معه بأن اسرائيل تستفيد من وجود النواب العرب في برلمانها وتستخدمهم للعلاقات العامة وتزيين صورتها في العالم. وهذا يذكرني بخطاب رئيس الحكومة نتنياهو امام الكونغرس الامريكي قبل حوالي عامين حيث استقبل بتصفيق عارم لم يناله حتى الرؤساء الامريكيين انفسهم عندما تبجح بالقول: "٣٠٠ مليون عربي يعيشون في الشرق الاوسط منهم فقط مواطني دولة اسرائيل العرب يتمتعون بحقوق ديمقراطية حقيقية". فالعرب يشاركون في انتخابات الكنيست ويرسلون اليها ممثليهم الذين يتمتعون بحرية التعبير عن آرائهم فيصرخون وينتقدون، فهل يوجد هناك برهان اكثر من ذلك على ديمقراطية الدولة؟.
في السنوات الاخيرة تزداد الانتقادات الدولية على الممارسات الاسرائيلية وتتعالى الاصوات التي تنادي بمقاطعة هذه الدولة بصفتها دولة فصل عنصري وقد تبرع رئيس السلطة الفلسطينية بنفسه لكي يقنع العالم بعدم مقاطعة دولة اسرائيل خلال زيارته لموطن نظام الابرتهايد البائد في جنوب افريقيا. و في هذا الخصوص لنتذكر الفتاة العربية التي تسكن في القدس واصلها من احدى قرى الجليل التي انتدبت مع مجموعة اسرائيلية لمواجهة "اسبوع الابرتهايد الاسرائيلي" في جنوب افريقيا نفسها حيث صرحت بانها كفتاة عربية تتمتع بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطن اليهودي. وفي الوقت نفسه كان يجول في أوروبا وامريكا شخص عربي آخر من قرية بدوية غير معترف بها في شمال البلاد، ونحن نعرف ماذا تعني القرى غير المعترف بها" يمتدح الديمقراطية الاسرائيلية ويمجد المساواة والوئام بين المواطنين العرب واليهود في هذه الدولة. ولعل المثال الطازج الذي يحمل خبرا طازجا كان تجنيد البروفسور نعيم عرايدي الشاعر والكاتب والمربي الخ. الخ. من قبل وزير الترانسفير ليبرمان وتعيينه سفيرا لاسرئيل في أوسلو لمواجهة التحول في الرزي العام النرويجي نحو التضامن مع فلسطين، وها هو يعود الى البلاد بفضيحة جنسية من الطراز الثقيل. هؤلاء ليسوا سوى غيض من فيض ممن رضوا أن يكونوا براغي صغيرة في آلة الدعاية الاسرائيلية الضخمة.
لا أقصد هنا المقارنة بين هذه النماذج وبين أعضاء الكنيست العرب وبالتأكيد ليس على الصعيد الشخصي. لكنهم في نهاية المطاف يدورون جميعهم في فلك ماكنة ال"هسبراه" الاسرائيلية كل حسب المسار المرسوم له أو الذي رسموه لانفسهم. بعض المراكز والوظائف قد تبهر الذين يشغلونها وتضع على أعينهم غشاوة تمنعهم من رؤية الامور على حقيقتها. مثل هذه المراكز والوظائف ذات البريق المزيف يجب ركلها إلى مزبلة التاريخ.

Wednesday, February 19, 2014

الانهزامية الثورية



الانهزامية الثورية
علي زبيدات – سخنين

أنا انسان انهزامي. لا يوجد هناك أي خطأ في هذا الاعتراف الذي يبدو خطيرا. أعود وأكرر: أنا انسان انهزاميييي، ولو استطعت مد الياء لمددتها أكثر. بل اكثر من ذلك، فأنا أدعو الجميع لكي يصبحوا انهزاميين. هل تريدون الدليل القاطع على انهزاميتي؟ حسنا، في مصر مثلا، بعد رحيل نظام مبارك، دعوت الى هزيمة سلطة الاخوان المسلمين وفورا بعد ذلك دعوت الى اسقاط سلطة الطغمة العسكرية المدعومة من قبل فلول النظام السابق والقوميين واليساريين المزيفين. اليوم بينما نعيش في حالة استقطاب ليس على مستوى مصر فحسب بل على طول وعرض العالم العربي: معسكر "الشرعية" الاخوانية من جهة ومعسكر "الشرعية" الانقلابية من جهة اخرى أدعو الى هزيمة الطرفين. ولو كنت في مصر الان لناضلت ولو كنت وحيدا من أجل اسقاط الطرفين. ما يحدث في مصر من صراع، بعد اسقاط الاقنعة، هو ليس صراعا من أجل مصر بل صراعا على مصر.
في سوريا دعوت الى اسقاط النظام السوري على الاقل منذ ٤٥ سنة أي منذ هزيمة حزيران، هل ما زال أحد يذكرها؟والتي تحولت بقدرة قادر الى انتصار مبين، مرورا بحرب تشرين التحريكية ومن ثم مغامراته في لبنان ودوره في تدمير العراق وحتى يومنا هذا لابسا قناع القومية والاشتراكية والوحدة والمقاومة. وفي الوقت نفسه أدعو الى هزيمة عصابات المرتزقة المدعومة خليجيا واجنبيا والتي لا تمت بأية صلة للشعب السوري. النظام يدافع عن النظام تحت شعار الدفاع عن الوطن والتنظيمات الدينية تتاجر بالدين بحجة الدفاع عن الدين.
وفي فلسطين، بينما كانت دعوات المصالحة بين حركتي فتح وحماس تتنقل من مكة الى القاهرة مرورا بعواصم عربية اخرى ولم تبق هناك وساطة الا وتم تجنيدها، دعوت الى هزيمة فتح وحماس معا وحذرت وما زلت احذر من المصالحة بينهما. في السنوات الاخير دمرت كل حركة على حدة القضية الفلسطينية بما يكفي، فماذا سيبقى من القضية لو تصالحتا وعملتا سويا لفرض التسوية المعروفة من حيث شروطها وابعادها؟ هل ما زال هناك فلسطيني واحد يتوهم بأن الصراع بين حركتي فتح وحماس هو صراع مبدئي وليس على فتات سلطة وهمية؟
حتى على الساحة المحلية أنا من أنصار الانهزامية. فها أنا ادعو الى هزيمة "ناصرة" جرايسي ومن حوله وفي الوقت نفسه الى هزيمة "ناصرة" سلام وانصاره. اعرف انه لا حق لي بالتصويت في انتخابات الناصرة، ولكن من حقي ابداء رأيي مع علمي المسبق برفضه من الطرفين لأن الناصرة اكبر من أي طرف. في سخنين حيث يوجد لي الحق في التصويت دعوت الى هزيمة القطبين لاني رأيت كيف سخنين تنهار تحت ثقل قبلات المرشحين، وكيف يتم عصرها من شدة احتضان هؤلاء المرشحين لها. والان برز كل ذلك على السطح عندما حانت لحظة تقسيم الكعكة. مساهمتي المتواضعة، وهي اضعف الايمان، كانت مقاطعة انتخابات الهازم والمهزوم والتمرد على عقلية القطيع الذي يساق للانتخابات حتى تقف نسبتها على عتبة ال١٠٠٪.
قد يقول البعض هذا هو الموقف العدمي بعينه، بل هو الجبن في اتخاذ موقف، وهو ليس سوى هروب من الواقع، ففي نهاية المطاف سوف ينتصر طرف وسوف يهزم آخر. وأنا اقول لا: كلا الطرفين مهزوم. وقد يكون "النصر" الوهمي أشد وطأة من الهزيمة. وقد يقولون أيضا: عندما يكون الطرفان سيئين يجب اختيار الاقل سوء. نظرية السيء والأسوأ هي بحد ذاتها نظرية سيئة لانها لا تؤمن بالجيد وبامكانية انتصاره لذلك يجب علينا دائما ان نختار السيء لقطع الطريق على الاسوأ.
في القرن الماضي كان هناك ثائر فذ اسمه فلاديمير ايليتش اليانوف والمعروف عالميا باسم لينين، مفجر احدى الثورات التى مازالت تشكل نقطة تحول في تاريخ البشرية الحديث بالرغم من نهايتها المأساوية. لم يتورع لينين من دمج الانهزامية تلك الكلمة الفظيعة بالثورية، ونادى بهزيمة روسيا القيصرية في الحرب العالمية الاولى الامبريالية. فما كان من زبانية النظام الا ان اتهموه بالعمالة للعدو وبالخيانة العظمى وأهدروا دمه. ولم تقتصر الاتهامات على زبانية النظام بل جرفت العديد من الاشتراكيين الشوفينيين والثوار المزيفين الذين دعوا الى الدفاع عن "الوطن" باسم الكرامة الوطنية الروسية. وكان لينين يرد على جميع المشككين بإنه لا كرامة وطنية للروس في ظل هذا النظام الاقطاعي المستبد، ولا يمكن النضال لاسقاط هذا النظام وفي الوقت نفسه النضال من اجل انتصاره. حتى بعد سقوط النظام الشكلي في أعقاب ثورة شباط البرجوازية وقيام الحكومة المؤقتة بمواصلة الحرب استمر لينين بالدعوة الى الانهزامية الثورية لأن الشعب الروسي لا تربطه أية علاقة بهذه الحرب اللصوصية. اذا تصارع لصان أو اكثر على غنيمة فيجب عدم مساعدة لص ضد آخر والا اصبحت شريكا بالجريمة. ينبغي مقاومة جميع اللصوص والبدء باللص خاصتك.
فقط خلال النضال الثوري وبعد انتصار الثورة وانتزاع الشعب لحريته يصبح هناك معنى للدفاع عن الثورة وعن الوطن ويصبح هناك معنى للكرامة الوطنية والقومية وتصبح الانهزامية عارا بل جريمة.

Wednesday, February 12, 2014

شعب واحد - برلمان واحد


شعب واحد - برلمان واحد
علي زبيدات – سخنين

من حين لآخر يطفو موضوع لجنة المتابعة العليا على السطح. مرة تحت شعار اعادة بنائها أو اصلاحها، ومرات من حيث طريقة تشكيلها أو انتخابها أو من حيث دورها والمهمات الملقاة على عاتقها. في الاونة الاخيرة، أخذ هذا الموضوع بعدا جديدا في اعقاب تصريحات رئيسها محمد زيدان بالاستقالة اذا لم يعاد اختياره التوافقي بالاجماع. حتى الان يبدو انه لن يكون هناك توافق بين كافة المركبات لاعادة اختياره. ويبدو ايضا انه يوجد هناك العديد من المرشحين للمنافسة على هذا المنصب. رئيس مجلس دير الاسد السابق ابراهيم اسدي كان الوحيد الذي ىتجرأ حتى الان واعلن عن ترشيحه. حسب رأي الرئيس الحالي يوجد هناك على الاقل ١٤ مرشحا سوف يقدمهم في الجلسة الاولى عندما يكتمل النصاب ويقدم بها استقالته. واغلب الظن انه لن تكون هناك جلسة من هذا النوع حتى تحسم انتخابات الرئاسة لبلدية الناصرة نهائيا. هذا بالرغم من الفصل بين اللجنتين منذ خمسة اعوام. وهذا بدوره يعني أن رئاسة محمد زيدان سوف تستمر لفترة من الزمن قد تطول وقد تقصر. ولكن هذا لم يمنع العديد من مثقفينا ومفكرينا من أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع وقد تناولت وسائل الاعلام المحلية مؤخرا العديد من مقالاتهم وتصريحاتهم ولا ادري إذا كان لدى بعضهم النية في المنافسة على هذا المنصب. لا اريد أن اذكر هؤلاء المثقفين والمفكرين بالاسم وذلك ليس لان القائمة طويلة فحسب بل ايضا لان تحليلاتهم وانتقاداتهم على اهميتها لا تتطرق لوجهة النظر التي تعبر عن رأيي في الموضوع في هذه المقالة.
كعادتي، حاولت أن ابحث في الشبكة العنكبوتية عن المزيد من المعلومات عن هذه اللجنة التي تعتبر أعلى هيئة تمثلية لجماهيرنا. تصوروا انه في عصر الثورة المعلوماتية التي تجتاح عالمنا لم أجد هناك موقعا خاصا لهذه اللجنة، كل ما هناك هو زاوية تعيسة في موقع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية والذي هو بحد ذاته لا يقل تعاسة. ولكني في الوقت نفسه وجدت أن لهذه اللجنة العديد من الاسامي ولا ادري ايها هو الاسم الحقيقي فهي: لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في اسرائيل، وفي اماكن اخرى: لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في اسرائيل، أو لجنة المتابعة العليا للاقلية العربية في اسرائيل، أو بإختصار لجنة المتابعة العليا وباختصار اشد: لجنة المتابعة أي بدون عليا.
في كافة هذه الاسماء لم اصادف كلمة فلسطين او احدى مشتقاتها ولو لمرة واحدة. طبعا خارج الاسم لم يبخلوا في استعمال تعابير مثل: الجماهير الفلسطينية المتشبثة بارضها، والشعب الفلسطيني الذي نحن جزء لا يتجزء منه وغيرها من الالفاظ. المهم يحب على الاسم أن يبرز ما يميزنا عن باقي الشعب الفلسطيني. وكما قرأتها في مقالة لاحد الناشطين الحزبيين: "الاسم ينطلق من الواقع والموقع". ألسنا مواطنين اسرائيليين؟ ألا نعيش في دولة اسرائيل؟
لن اتكلم هنا عن فشل هذه اللجنة أو عن نجاحها (يوجد هناك من يتكلم عن نجاح وانجازات مع بعض التقصيرات والانتقادات، من باب لا يوجد شيء كامل، ومن لا يعمل لا يخطئ)، ولا يهمني كثيرا اذا كانت منتخبة أم معينة وكأن الانتخابات عندنا دليل على ديمقراطيتنا. واذا تم اختيار رئيسها بالتوافق كما تريده الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أو منتخبا كما تريده الحركة الاسلامية أو التجمع الوطني أو ابناء البلد. المهم اذا كانت هذه اللجنة هي اعلى هيئة تمثلية فماذا يعني ذلك؟ إذا كنت تعرف نفسك كإسرائيلي فاعلى هيئة تمثلية لك هي الكنيست. وإذا كنت تعرف نفسك كعربي (أو فلسطيني) مواطن في دولة إسرائيل وتطالب بالاضافة للكنيست بهيئة تمثيلية اخرى تسميها برلمان للاقلية العربية،( كما تطالب بعض الاحزاب والحركات القومية) فسوف تتهم بإزدواجية الولاء وسوف تجد نفسك عاريا على الجهتين. اما اذا كنت تعرف نفسك كفلسطيني بدون أية تحفظات فعليك أن تبحث عن أعلى هيئة تمثيلية لك في مكان آخر.
مأساتنا أن اعلى هيئة تمثيلية لنا وهي المجلس الوطني الفلسطيني مشوهة ومعطلة كباقي مؤسساتنا التمثيلية من منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها المركزي ولجنتها التنفيذية وحتى المجلس التشريعي لسلطة أوسلو أسوة بكافة الهيئات التمثيلية في العالم العربي(البرلمانات) من المحيط الى الخليج التي هي اما معطلة واما مزيفة وفي اغلب الحلات الاثنتين معا.
حتى عندما كانت هيئاتنا التمثيلية تتمتع ببعض المضمون وببعض الحياة كنا نحن، فلسطينيو الاراضي المحتلة عام ١٩٤٨ نتحاشاها خوفا من القانون الاسرائيلي تارة وحفاظا على المصالح الذاتية لبعض الاوساط المتنفذة تارة اخرى. انا اقترح بدلا من هدر طاقات جماهيرنا على اصلاح ما لا يمكن اصلاحه ان تتضافر كافة جهود الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده لخلق المجلس الوطني الفلسطيني كأعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني ككل، وأقول "خلق"استبعادا لاوهام اعادة بناء أو اصلاح ما قد دثر. وفقط بعد اقامة هذا المجلس الوطني ومن داخل إطاره نستطيع أن نعالج الواقع المختلف في المواقع المختلفة التى يتواجد بها الفلسطينيون.



Wednesday, February 05, 2014

اليسار العربي - أزمة فكر وافلاس قيادات


اليسار العربي – أزمة فكر وافلاس قيادات
علي زبيدات – سخنين

عندما انهار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الذي دار في فلكه في نهاية ثمانينيات وأوائل تسعينات القرن الماضي، سارعت ابواق الدعاية الغربية السياسية والثقافية والاعلامية بالاعلان عن وفاة الاشتراكية والشيوعية نهائيا وبأن النصر الحاسم والنهائي كان من نصيب الرأسمالية فكرا وممارسة. قد يبدو هذا التقييم في أعين البعض للوهلة الاولى معقولا وواقعيا، فلا احد يستطيع أن ينكر حقيقة انهيار الاتحاد السوفييتي الذي اعتبر نفسه لعقود طويلة قائدا للمعسكر الاشتراكي العالمي وللحركات التحررية، الذي استطاع حسب ادعائاته ليس فقط بناء دولة اشتراكية عظمى بل أيضا الانتقال الى النظام الشيوعي حيث يلتغي الصراع الطبقي بعد القضاء على كافة اشكال الاستغلال والقمع والتمييز وتحقيق المساواة الكاملة. حسنا، ما حدث لم يكن في أحسن الاحوال سوى سقوط نموذج واحد للاشتراكية هو النموذج الروسي بغض النظر عن انجازاته واخفاقاته، ولكن حسب رأيي لم تكن الشيوعية هي التي سقطت في الاتحاد السوفييتي ومعسكره لأنه لم تكن هناك شيوعية أصلا لكي تسقط. ما سقط هناك هو شكل معين من الرأسمالية هي رأسمالية الدولة سميت مجازا اشتراكية. طبعا هذا لا يفقد ثورة اكتوبر الاشتراكية قيمتها واهميتها التاريخية ولكن هذا موضوع أخر لست بصدده هنا.
بالمقابل كان "انتصار" الرأسمالية الحاسم ابشع من الهزيمة. فالحروب الامبريالية استمرت وانتشرت في شتى اصقاع الارض . ومن لم يمت في هذه الحروب مات جوعا أو مرضا أو من جراء تلوث البيئة. والنضال ضد الهيمنة الرأسمالية حتى عندما تحولت الى نظام عالمي رهيب لم يتوقف بل ازداد حدة. وتنوعت اشكال النضال ضد هذه الهيمنة. ولكن هذا لا يعني أن النضالات المناهضة للنظام الرأسمالي العالمي لم تتعرض للهزائم والتقهقر على كافة الاصعدة، العكس هو الصحيح. هناك العديد من القوى المناهضة للامبريالية انهارت وسقطت حتى أن جزءا منها انضم للمعسكر الامبريالي. العديد من الاحزاب الشيوعية التقليدية إما انها غيرت اسمها وإما وجدت طريقها للاندماج بالنظام السائد في بلدانها بحجة النضال الديمقراطي من داخل هذا النظام.
لم يكن اليسار العربي استثناء بل شكل نموذجا لهذا الانهيار. بعض الاحزاب غيرت اسمها كمل فعل الحزب الشيوعي الفلسطيني، بعضها اندمج في الانظمة القائمة بمباركة فتاوى التنظيرات بكون هذه الانظمة وطنية وتقدمية. كان من المفروض أن تسقط هذه الاحزاب والحركات مع سقوط الاتحاد السوفييتي. الامر الوحيد الذي انقذها من السقوط التام هو انها لم تكن أصلا في موقع السيادة واكتفت بالوقوع في مستنقع من التخبط الفكري والتنظيمي والافلاس عل مستوى القيادات.
فاذا اخذنا اليسار الفلسطيني كمثل (وضع اليسار العربي لا يختلف من حيث الجوهر)، نرى أن كافة التنظيمات اليسارية لم تستوعب انهيار "المعسكر الاشتراكي" ولم تستطع ان تتعلم أي درس من هذا الانهيار. كان الاتحاد السوفييتي ومعسكره في نظر هولاء ايقونة مقدسة فوق النقد. حتى التنظيمات التي عانت من الانحرافات السوفييتية والتي عارضت بعض سياستها كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلا كانت عاجزة عن التخلص من هذا العبء الفكري المتحجر. منذ النكبة لم يستطع اليسار الفلسطيني أن يلعب اى دور طليعي قيادي. وقبل طواعية أن يكون احتياطا للقيادة البرجوازية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية قبل سيطرة الفصائل الفلسطينية "المسلحة" عليها وبعد سيطرتها. وكان كل ذلك يجري في ظل تنظيرات فكرية عقيمة: فلسطين في مرحلة تحرر وطني وهذا لا يعني أن البرجوازية الفلسطينية حليف استراتيجي في النضال ضد الصهيونية فحسب بل تستطيع أن يقود هذا النضال أيضا. وهكذا شكلت التنظيمات اليسارية الفلسطينية في أحسن الحالات الجناح اليساري للبرجوازية المهيمنة. ما زلت اذكر بعض النقاش الذي كان يدور بين اكبر فصيلين يساريين: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. فبينما كانت الاولى تنظر حول مرحلتي الثورة: مرحلة التحرر الوطني ومن ثم مرحلة الثورة الاشتراكية والتحذير من عدم الخلط بينهما. كانت الثانية مشغولة بالتنظير حول حرب التحرير الشعبية طويلة الامد ومحاصرة المدن بالقرى وغيرها من الشعارات اليسارية البراقة وانتهت بعد فترة وجيزة بالارتماء في احضان البرجوازية الفلسطينية الدافئة وما زالت مرتمية هناك حتى هذا اليوم. ولسنوات طويلة حاول الفصيلان الوحدة على اساس تجاوز التنظيمات الجبهوية والانتقال الى بناء الحزب الشيوعي الثوري. فكانت النتيجة أن وجد الطرفان انفسهما يقفان على هامش النضال الفلسطيني بين تنظيمي فتح وحماس.
في هذه الايام هناك تيار يساري عارم يجتاح امريكا اللاتينية التي كانت تعد لسنوات قليلة مضت الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الامريكية ترتع وتمرح بها كما تشاء. هذا التيار يحقق الانتصارات الباهرة: ينتفض على الهيمنة الامريكية ويجبرها على التراجع. يرفض الانصياع لاوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. يحارب الفقر والتخلف والامية ويخطو خطوات كبيرة لتحقيق العدالة الاجتماعية. اليسار الفلسطيني واليسار العربي بشكل عام يستطيع تأن يتعلم الكثير من التاريخ النضالي لامريكا اللاتينية من نضال سيمون بوليفار ضد الاستعمار الاسباني مرورا بنضال فيدل كاسترو وتشي جيفارا وحتى هوغو شافيز وورثته. الخطوة الاولى التي تضمن الالتحاق بهذا التيار تتلخص في جملة واحدة: التخلص من الجمود العقائدي.