Wednesday, February 05, 2014

اليسار العربي - أزمة فكر وافلاس قيادات


اليسار العربي – أزمة فكر وافلاس قيادات
علي زبيدات – سخنين

عندما انهار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الذي دار في فلكه في نهاية ثمانينيات وأوائل تسعينات القرن الماضي، سارعت ابواق الدعاية الغربية السياسية والثقافية والاعلامية بالاعلان عن وفاة الاشتراكية والشيوعية نهائيا وبأن النصر الحاسم والنهائي كان من نصيب الرأسمالية فكرا وممارسة. قد يبدو هذا التقييم في أعين البعض للوهلة الاولى معقولا وواقعيا، فلا احد يستطيع أن ينكر حقيقة انهيار الاتحاد السوفييتي الذي اعتبر نفسه لعقود طويلة قائدا للمعسكر الاشتراكي العالمي وللحركات التحررية، الذي استطاع حسب ادعائاته ليس فقط بناء دولة اشتراكية عظمى بل أيضا الانتقال الى النظام الشيوعي حيث يلتغي الصراع الطبقي بعد القضاء على كافة اشكال الاستغلال والقمع والتمييز وتحقيق المساواة الكاملة. حسنا، ما حدث لم يكن في أحسن الاحوال سوى سقوط نموذج واحد للاشتراكية هو النموذج الروسي بغض النظر عن انجازاته واخفاقاته، ولكن حسب رأيي لم تكن الشيوعية هي التي سقطت في الاتحاد السوفييتي ومعسكره لأنه لم تكن هناك شيوعية أصلا لكي تسقط. ما سقط هناك هو شكل معين من الرأسمالية هي رأسمالية الدولة سميت مجازا اشتراكية. طبعا هذا لا يفقد ثورة اكتوبر الاشتراكية قيمتها واهميتها التاريخية ولكن هذا موضوع أخر لست بصدده هنا.
بالمقابل كان "انتصار" الرأسمالية الحاسم ابشع من الهزيمة. فالحروب الامبريالية استمرت وانتشرت في شتى اصقاع الارض . ومن لم يمت في هذه الحروب مات جوعا أو مرضا أو من جراء تلوث البيئة. والنضال ضد الهيمنة الرأسمالية حتى عندما تحولت الى نظام عالمي رهيب لم يتوقف بل ازداد حدة. وتنوعت اشكال النضال ضد هذه الهيمنة. ولكن هذا لا يعني أن النضالات المناهضة للنظام الرأسمالي العالمي لم تتعرض للهزائم والتقهقر على كافة الاصعدة، العكس هو الصحيح. هناك العديد من القوى المناهضة للامبريالية انهارت وسقطت حتى أن جزءا منها انضم للمعسكر الامبريالي. العديد من الاحزاب الشيوعية التقليدية إما انها غيرت اسمها وإما وجدت طريقها للاندماج بالنظام السائد في بلدانها بحجة النضال الديمقراطي من داخل هذا النظام.
لم يكن اليسار العربي استثناء بل شكل نموذجا لهذا الانهيار. بعض الاحزاب غيرت اسمها كمل فعل الحزب الشيوعي الفلسطيني، بعضها اندمج في الانظمة القائمة بمباركة فتاوى التنظيرات بكون هذه الانظمة وطنية وتقدمية. كان من المفروض أن تسقط هذه الاحزاب والحركات مع سقوط الاتحاد السوفييتي. الامر الوحيد الذي انقذها من السقوط التام هو انها لم تكن أصلا في موقع السيادة واكتفت بالوقوع في مستنقع من التخبط الفكري والتنظيمي والافلاس عل مستوى القيادات.
فاذا اخذنا اليسار الفلسطيني كمثل (وضع اليسار العربي لا يختلف من حيث الجوهر)، نرى أن كافة التنظيمات اليسارية لم تستوعب انهيار "المعسكر الاشتراكي" ولم تستطع ان تتعلم أي درس من هذا الانهيار. كان الاتحاد السوفييتي ومعسكره في نظر هولاء ايقونة مقدسة فوق النقد. حتى التنظيمات التي عانت من الانحرافات السوفييتية والتي عارضت بعض سياستها كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثلا كانت عاجزة عن التخلص من هذا العبء الفكري المتحجر. منذ النكبة لم يستطع اليسار الفلسطيني أن يلعب اى دور طليعي قيادي. وقبل طواعية أن يكون احتياطا للقيادة البرجوازية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية قبل سيطرة الفصائل الفلسطينية "المسلحة" عليها وبعد سيطرتها. وكان كل ذلك يجري في ظل تنظيرات فكرية عقيمة: فلسطين في مرحلة تحرر وطني وهذا لا يعني أن البرجوازية الفلسطينية حليف استراتيجي في النضال ضد الصهيونية فحسب بل تستطيع أن يقود هذا النضال أيضا. وهكذا شكلت التنظيمات اليسارية الفلسطينية في أحسن الحالات الجناح اليساري للبرجوازية المهيمنة. ما زلت اذكر بعض النقاش الذي كان يدور بين اكبر فصيلين يساريين: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. فبينما كانت الاولى تنظر حول مرحلتي الثورة: مرحلة التحرر الوطني ومن ثم مرحلة الثورة الاشتراكية والتحذير من عدم الخلط بينهما. كانت الثانية مشغولة بالتنظير حول حرب التحرير الشعبية طويلة الامد ومحاصرة المدن بالقرى وغيرها من الشعارات اليسارية البراقة وانتهت بعد فترة وجيزة بالارتماء في احضان البرجوازية الفلسطينية الدافئة وما زالت مرتمية هناك حتى هذا اليوم. ولسنوات طويلة حاول الفصيلان الوحدة على اساس تجاوز التنظيمات الجبهوية والانتقال الى بناء الحزب الشيوعي الثوري. فكانت النتيجة أن وجد الطرفان انفسهما يقفان على هامش النضال الفلسطيني بين تنظيمي فتح وحماس.
في هذه الايام هناك تيار يساري عارم يجتاح امريكا اللاتينية التي كانت تعد لسنوات قليلة مضت الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الامريكية ترتع وتمرح بها كما تشاء. هذا التيار يحقق الانتصارات الباهرة: ينتفض على الهيمنة الامريكية ويجبرها على التراجع. يرفض الانصياع لاوامر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. يحارب الفقر والتخلف والامية ويخطو خطوات كبيرة لتحقيق العدالة الاجتماعية. اليسار الفلسطيني واليسار العربي بشكل عام يستطيع تأن يتعلم الكثير من التاريخ النضالي لامريكا اللاتينية من نضال سيمون بوليفار ضد الاستعمار الاسباني مرورا بنضال فيدل كاسترو وتشي جيفارا وحتى هوغو شافيز وورثته. الخطوة الاولى التي تضمن الالتحاق بهذا التيار تتلخص في جملة واحدة: التخلص من الجمود العقائدي.

1 comment:

Sultan Ghanayim said...

اتفق معك في كل ما قلته حتى النقطتين الرأسيتين الأخيرتين. أن تحسب ان مخلفات اليسار العربي مازال يملك من العقيدة ما يكفي لان تتجمد برأيي خطأ كبير.