Wednesday, October 27, 2010

قانون الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية

قانون الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية

لقد أثار قانون الولاء لدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية"، لمن يريد أن يحمل الجنسية الإسرائيلية من غير اليهود، ردود فعل كثيرة على الصعيدين المحلي والعالمي. ما يهمنا هنا هو ردود الفعل الفلسطينية داخل ما يسمى بالخط الأخضر وخارجه. حيث يوجد هناك إجماع بأن الجماهير الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها هي المستهدف الرئيسي بل تكاد أن تكون المستهدف الوحيد لهذا القانون. جاء هذا القانون ليحقق هدفين كانا وما زالا حلم الحركة الصهيونية وهما، أولا: تمهيد الطريق لترحيل من تبقى على أرضه من الفلسطينيين. ثانيا: سد الطريق نهائيا أمام عودة اللاجئين.
ردود الفعل الفلسطينية بالرغم من غزارتها الكمية إلا أنها جاءت هزيلة وعقيمة تراوحت بين الإدانة الكلامية الشديدة وتوجيه الشتائم النابية والتي في نهاية المطاف لا تلحق أي لضرر حتى ببعوضة، مرورا بتوجيه نقد لطيف أقرب إلى العتاب بين الأحبة للمؤسسة الإسرائيلية التي تضع العراقيل أمام "عملية السلام" بخطواتها هذه، إلى موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث التي تبديه أوساط واسعة من الجماهير.
لقد سبق قانون الولاء مطالبة الفلسطينيين والعرب الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة "يهودية ديمقراطية". وكان الرد الفلسطيني المتخاذل أحد الأسباب الذي شجع الحكومة الإسرائيلية بالمضي قدما وتتقدم خطوة أخرى نحو قانون الولاء. فها هو رئيس السلطة "الوطنية" الفلسطينية يصرح: " إسرائيل حرة كيف تعرف نفسها" وفي تصريح آخر يقول: اعترفنا بدولة إسرائيل عام 1993 ويهوديتها أمر يخص الأمم المتحدة" وبعد أيام يصرح ياسر عبد ربه بأن السلطة على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. هذا قبل أن يتراجع عن تصريحه أمام الضغط الشعبي واتهامه لوسائل الإعلام بأنها شوهت كلامه.
لم تكن تصريحات الزعامة الفلسطينية في الداخل أفضل حالا. فقد كان مشهدا سرياليا رؤية أعضاء الكنيست العرب الذين أقسموا يمين الولاء للدولة ولقوانينها في اللحظة التي تخطت بها أقدامهم عتبة الكنيست، ومنهم من يؤمن بأن دولة إسرائيل هي تجسيد لحق "الشعب اليهودي" في تقرير مصيره، يتسابقون لشجب هذا القانون ويتنافسون فيما بينهم لإيجاد الألفاظ النابية لإدانة هذا القانون. أما موقف لجنة المتابعة العليا، التي يشكل أعضاء الكنيست العرب عمودها الفقري، فلم تكن أحسن حالا واكتفت بمجموعة من الإدانات الكلامية. باختصار، لا يوجد هناك رؤيا واضحة، لا يوجد أفق جديد، لا يوجد إستراتيجية ولا تكتيك. ولا يمكن أن تكون ما دامت هذه هي تركيبة وطبيعة هذه الزعامة.
من أجل إعادة التاريخ إلى مساره الصحيح ، ومن أجل إيقاف العدالة على أرجلها وليس على رأسها كما هي حالتها الآن، اقترح بصفتنا سكان هذه البلاد الأصليين أن نصيغ قانونا مضادا يقول وبكل بساطة:
من يقسم يمين الولاء لفلسطين عربية ديمقراطية يستحق أن يكون مواطنا في هذه البلاد. ما يحق لوزير القضاء الإسرائيلي، يعقوب نئمان ووزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان وهما الوافدان من الخارج لماذا لا يحق للمواطن الأصيل المنزرع في هذه الأرض منذ الأزل؟
لا تكتفي دولة إسرائيل بسن القوانين بل تعمل على تمهيد الطريق وتستعد لتنفيذها. وكانت آخر هذه الاستعدادات إجراء تدريبات ومناورات واسعة النطاق هدفها باعتراف مسئولين رسميين مواجهة الاحتجاجات الفلسطينية عند تنفيذ القانون أو في حالة ترحيل جماعية قسرية. هنا أيضا اكتفت زعامتنا ببعض عبارات الشجب والإدانة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا نقوم نحن أيضا بالاستعدادات للدفاع أن أنفسنا؟ لماذا لا نعمل على تنظيم أنفسنا لمواجهة محاولات الترحيل بالقوة، كتنظيم دورات مجانية واسعة النطاق للرجال والنساء والأطفال لتعليم طرق الدفاع عن النفس كالكاراتيه والجودو مثلا؟ هل سنساق مرة أخرى كالقطيع إلى الشاحنات التي سوف تقذف بنا إلى ما وراء الحدود؟ لقد أظهرت الحكومة نواياها بما لم يبق مجالا للتفسير أو الشك. ولا أبالغ إذا قلت أن خطة التهجير أصبحت جاهزة في أدراجها تنتظر اللحظة المناسبة لإخراجها واستعمالها. هذا الأمر يحتم علينا أن ننفض عن كواهلنا غبار السلبية واللامبالاة وننظم أنفسنا بشكل يمكننا الصمود أمام التطورات والتحديات.
وأخيرا، إلى متى نصبر على قطعان الفاشيين من أمثال باروخ مرزل؟ وننتفخ رجولة فقط عندما يحاول اقتحام إحدى مدننا؟ إلى متى نبقى أسيري نظرية رد الفعل السلبية؟ ونكتفي مرة أخرى بالإدانة والتنديد؟. لماذا لا نبادر إلى تنظيم مظاهرة جبارة في قلب الخليل حيث يستوطن هذا المأفون ومن على شاكلته تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية؟ مثل هذه المظاهرة لن تكون ردا مناسبا على استفزازات هؤلاء الفاشيين فحسب بل نصرة لمدينة الخليل وأهلها الصامدين أيضا. ولماذا لا ننظم مظاهرة جبارة تسير نحو مستوطنة نوكديم حيث يقبع الوزير الترانسفيري ليبرمان؟ إذا كان يحق في الدولة "اليهودية الديمقراطية" لمرزل وليبرمان التحريض ضد الجماهير الفلسطينية صباح مساء، ألا يحق لهذه الجماهير أن تدافع عن بقائها؟

Wednesday, October 20, 2010

وقفة حق من سويتو الى القدس

وقفة حق من سويتو إلى القدس
علي زبيدات – سخنين

في عام 1985 عندما كان النضال العالمي ضد نظام الابرتهايد على أشده وبعد أن أعلن هذا النظام البائد حالة الطوارئ وصعد من ممارساته القمعية، التقى بعض اللاهوتيين الأفارقة ممن يطلق عليهم اسم: لاهوتيي الحرية، في مدينة سويتو وأصدروا "وثيقة كايروس جنوب إفريقيا" والتي لعبت دورا حاسما في النضال ضد نظام الابرتهايد الذي تكلل بزوال هذا النظام بعد عدة سنوات، في عام 1994 على وجه تحديد.
تقول هذه الوثيقة أن لحظة الحق قد حانت وعلى الجميع أن يحدد ويتخذ موقف، وكان النداء موجها أولا وقبل كل شيء إلى الكنيسة نفسها إذ لا يعقل أن تضع هذه الكنيسة تحت كنفها العنصرين الكولونياليين مع جماهير الشعب المسحوقة والمضطهدة. شنت هذه الوثيقة هجوما عنيفا على لاهوت السلطة الذي يبرر التمييز والقمع من خلال تفسير مشوه لنصوص التوراة والإنجيل لتبرير سياستها العنصرية. وكذلك شنت هجوما قاسيا على لاهوت الكنيسة الرسمية الذي يتماها مع لاهوت السلطة ويتخذ موقفا وسطا وتدعو إلى المصالحة من دون تحقيق العدالة كما تدعو إلى نبذ العنف من جميع الإطراف من غير أن تميز بين عنف السلطة الإجرامي وعنف الجماهير التي تدافع عن نفسها. وأخيرا تدعوا هذه الوثيقة إلى لاهوت نبوئي تحرري يقف بلا تحفظ إلى جانب المظلومين والمعذبين في الأرض كما كان السيد المسيح. وقد دعت هذه الوثيقة العالم وخصوصا الكنائس إلى مقاطعة نظام الابرتهايد والوقوف إلى جانب الشعب الإفريقي في نضاله ضد هذا النظام.
من وحي وثيقة كايروس جنوب إفريقيا انبثقت وثائق كايروس في شتى أنحاء العالم كان آخرها وثيقة كايروس فلسطين التي أصدرتها مجموعة من اللاهوتيين الفلسطينيين في أواخر عام 2009 حيث انتقدت بشدة، على غرار الوثيقة الأصلية إساءة استخدام الكتاب المقدس لأغراض سياسية ولتبرير الاحتلال واعتبرت ذلك جريمة في حق الله والناس. وحملت دولة إسرائيل المسؤولية عن الاحتلال والقتل والتدمير كما وجهت النقد الشديد للإدارة الأمريكية التي تقف إلى جانب النظام الظالم بدون تحفظ. وطالبت هذه الوثيقة بعدم التفريط بالثوابت الوطنية وعلى رأسها حق العودة وتحرير كافة الأسرى. ولكن صرختها الأساسية كانت موجهة إلى الكنائس الأخرى في شتى أنحاء العالم وطالبتها بالوقوف إلى جانب المظلومين قدوة بالسيد المسيح وحثتها إلى مقاطعة النظام الإسرائيلي.
لقد أحدثت كايروس فلسطين ردود فعل ايجابية في عدة دول وخصوصا في جنوب أفريقيا وبعض الدول الإفريقية ولكن تم تجاهلها ووأدها هنا في فلسطين وخصوصا من قبل السلطة الفلسطينية التي أيدتها ظاهريا ولكن أفرغت محتواها التحرري عمليا.
عندما كنت في جنوب إفريقيا دعوت إلى مؤتمر نظمته جامعة كوازولو – ناتال ومركز أوجاما للدراسات اللاهوتية بعنوان: "النضال مستمر: تواصل الأصوات النبوية" وذلك بمناسبة مرور 25 عاما على صدور وثيقة كايروس جنوب إفريقيا. وقد شارك في هذا المؤتمر بالإضافة إلى العديد من اللاهوتيين الأفارقة ومنهم من شارك في صياغة الوثيقة الأصلية، والذين لم تنشر أسماءهم في حينه خوفا من بطش السلطة، ممثلين من 11 دولة يمثلون وثيقة كايروس المحلية في بلدانهم. وكان من المفروض قدوم مجموعة من اللاهوتيين الفلسطينيين لكي يمثلوا كايروس فلسطين ولكن لأسباب متعددة لم يصل احد منهم. ووجدت نفسي، وأنا العلماني البعيد عن اللاهوت، بمثابة ممثل عن وثيقة كايروس فلسطين. في الحقيقة لم يكن ذلك أمرا غريبا أو صعبا. فكما أسلفت، تعد هذه الوثيقة من أهم الوثائق الفلسطينية التي تتمسك بالثوابت الوطنية وهي متقدمة بما لا يقاس على الحلول المطروحة من خلال المفاوضات العبثية التي تتبناها السلطة منذ 20 عاما. بالطبع لم يخل الأمر من بعض التحفظات وهذا شيء طبيعي أيضا. وقد عبرت عن تحفظاتي أمام الجميع. وقد انصب تحفظي الأساسي حول نقطتين: النقطة الأولى تقول أن اللاهوتيين الأحرار يستطيعون الانخراط بالنضال من أجل الحرية ويشاركون في قيادته ولكني لا أظن أن اللاهوت كفكر وممارسة يستطيع قيادة نضال تحرري حتى نهايته وذلك نظرا لمحدوديته متعددة الجوانب. والنقطة الثانية تقول أن الوثيقة مهما بلغت أهميتها تبقى عاجزة عن انجاز المطلوب منها إذا ما بقيت وثيقة ولم تتحول إلى خطة عمل ومرشد للنضال. مصير كل وثيقة أن تجد نفسها ملقاة على الرف يعلوها الغبار أو مطمورة في أحد جوارير أرشيفات السلطة. خصوصا وأن بعض الموقعين على هذه الوثيقة لا تربطهم أية علاقة بالنضال حيث وجدوا أنفسهم مرغمين على توقيعها بسبب الضغط الشعبي أو إنهم ركبوا الموجة لتحقيق بعض المصالح الشخصية، وتبقى علاقتهم العضوية مرتبطة بالسلطة وليس بالجماهير.
قد يظن البعض أن النضال ضد الابرتهايد في جنوب أفريقيا قد انتهى مع زوال النظام السياسي عام 1994. ولكن هذا ابعد ما يكون عن الحقيقة. فالتغيير السياسي لم يرافقه تغير اقتصادي أو اجتماعي. الفجوة بين الأغنياء والفقراء ما زالت شاسعة بل وتزداد اتساعا. الفئات المهمشة تملأ البلاد طولا وعرضا وأوضاعها مزرية من كافة النواحي. وكان انطباعي الذي لا يمحى أن نظام الابرتهايد ما زال قائما وأن النضال ما زال مستمرا حتى تحقيق العدالة على المستوى الشعبي. انه لمن المؤلم والمحزن رؤية الجماهير الإفريقية التي قدمت الضحايا في النضال ضد الكولونيالية العنصرية ما زالت تعاني، هذه المرة من قبل النظام "الوطني" "الديمقراطي".
نعم النضال مستمر، في جنوب أفريقيا كما في فلسطين كما في كل أرجاء العالم. وما أحوجنا إلى أصوات نبوية توصل بيننا.