Thursday, January 25, 2018

مؤتمر دافوس: وكر الراسمالية الخنازيرية

مؤتمر دافوس: وكر الراسمالية الخنازيرية
علي زبيدات - سخنين

يجتمع في هذه الايام في مدينة دافوس السويسرية الواقعة على جبال الالب "نخبة" من المجتمع البشري. ولكنهم في حقيقة الامر ليسوا اكثر من حثالة المجتمع البشري. وهنا بالضبط تكمن مأساة المجتمع البشري في عصرنا الراهن: عندما تزول الفوارق وتصبح نخبته هي في الوقت نفسه حثالته. يطلقون على أنفسهم المنتدى الاقتصادي العالمي ويعرفون أنفسهم  بدون خجل بأنهم منظمة دولية غير حكومية وغير ربحية. في الوقت نفسه لا يقبلون عضوية أية شركة يقل مدخولها السنوي عن مليار دولار. فهي تضم أكبر 1000 شركة عالمية تقوم في نهب وسلب شعوب العالم من اقصى الكرة الارضية إلى اقصاها. حتى مجرد الدخول للمؤتمر لاربعة ايام يكلف الفرد 6250 دولار هذا بالاضافة لرسوم العضوية السنوية الباهضة فالشركة التي تود أن تصبح شريكا دائما عليها أن تدفع 78 ألف دولار، أما إذا أرادت أن تشارك في وضع أجندة المؤتمر فذلك يكلفها 250 ألف دولار. أما حول كونها غير حكومية، فمن بين المؤتمرين البالغ عددهم حوالي 3 آلاف شخص يوجد 70 رئيس دولة وحكومة و38 منظمة دولية من الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام أنطونيو غوتيريش وحتى منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، هذا بالاضافة إلى عشرات الوزراء والسفراء ورجال الاعمال وكبار الاعلاميين. يدعي منظموا المؤتمر بأنه مفتوح أمام الجميع وفي الوقت نفسه يجعلون من المدينة ثكنة عسكرية مغلقة بحراسة اربعة آلاف جندي وألف شرطي لمنع اقتراب كل من تسول له نفسه التظاهر والاحتجاج ضد هؤلاء المدعين.
وسائل الاعلام العالمية، تنعت المشاركين بمهندسي السياسة والاقتصاد على الصعيد العالمي. وربما كانت محقة في ذلك، بعد أن نسال أنفسنا: ولكن أي سياسة وأي إقتصاد؟ سياسة شن الحروب العدوانية وتأجيج النزاعات القومية والدينية في كافة بقاع العالم. سياسة نهب سلب ثروات الشعوب النامية. واقتصاد الفقر والجوع والبطالة لشعوب العالم مقابل الثراء الفاحش لطغمة ضئيلة من الراسماليين.
تبلغ وقاحة المنظمين ذروتها هذه السنة عندما يعقدون المؤتمر تحت شعار: "خلق مستقبل موحد في عالم ممزق" ومن المسؤول عن تمزيق العالم يا سادة؟ أليسوا نجوم المؤتمر من دونالد ترامب وحتى بنيامين نتنياهو وعشرات الزعماء الاسدين بينهما؟ عن أي مستقبل موحد تتكلمون ولم تبقوا حجرا على حجر في افغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا وعشرات البلدان الاخرى؟ عن أي مستقبل تتكلمون بينما الكرة الارضية باسرها مهددة بالدمار الشامل بالاسلحة النووية وتلويث البيئة والاحتباس الحراري والأوبئة والمجاعات؟
لا يكتفي المؤتمرون بمناقشة المشكلات الاقتصادية والسياسية التي يخلقونها، بل على هامش المؤتمر يعقدون الصفقات و يحيكون المؤامرات. فهذا نتنياهو على سبيل المثال لا الحصر سوف يستغل تواجده في دافوس لتأجيج النزاعات والحروب في المنطقة وتسويق سياسته العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني وعقد صفقاته القذرة لبيع الاسلحة لكل من يريد ويستطيع أن يشتري لذبح وقمع شعبه. أما عن أجندة دونالد ترامب فحدث ولا حرج.
المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هو أبلغ صورة للراسمالية الخنازيرية التي تفتك في عالمنا  والتي تختبئ وراء شعارات العولمة واقتصاد السوق الحرة ولكن هدفها يبقى واضحا: زيادة الفقراء فقرا وزيادة الاثرياء ثراء، تخليد إضطهاد الشعوب واستغلالها واستعمال كافة الوسائل لفرض هيمنتها إلى ما لا نهاية.
الاحتجاجات الشعبية ضد المؤتمر في المدن السويسرية جيدة ولكنها ليست كافية. وفضح الاهداف الحقيقية للمؤتمرين أمام شعوب العالم  ضرورية وجيدة ولكنها هي الاخرى ليست كافية. من أجل تحقيق شعار المؤتمر "خلق مستقبل موحد في عالم ممزق" الذي يستعمل حاليا لخداع الشعوب يجب التخلص من الرأسمالية بكافة اشكالها لأنها المسؤولة الاولى والاخيرة عن تمزيق العالم والتلاعب بمستقبله.   

Thursday, January 18, 2018

دولة متعهدي الدفن

دولة متعهدي الدفن
علي زبيدات - سخنين

كنت حتى زمن ليس ببعيد من محبي مشاهدة المصارعة الامريكية. بالرغم من معرفتي بأن هذه  المصارعة غير حقيقية وأنها أقرب إلى التمثيل والتسلية إلا انني كنت أغض الطرف عن هذه الناحية وأقوم بين الحين والآخر بمشاهدة بعض الحلقات بحماس. وكان من بين المصارعين الكثار مصارع شرس إلى أبعد حدود الشراسة يسمي نفسه: ذا أندرتيكر(the Undertaker) وبما انني في البداية لم أكن متأكدا من معنى هذا الاسم، بحثت عن المعنى في القاموس فوجدت انه يعني: متعهد الدفن، الشخص الذي يقتصر عمله على تحضير الموتى للدفن وترتيب الجنازات. وكان هذا المصارع يدخل الحلبة باضواء خافتة وترافقه موسيقى خاصة فيخيم جو من الموت والرعب على الحلبة وعلى المشاهدين حتى يصبح اقرب ما يكون إلى الواقع. طبعا غالبا ما تنتهي الجولة بفوز الاندرتيكر بعد أن يغيب الخصم عن الوعي فيضع يديه على صدره تحضيرا لدفنه.
لماذا أسوق هذه المقدمة الطويلة والتي تبدو للوهلة الاولى لا علاقة لها بأي موضوع جدي جدير بالكتابة عنه؟  لأننا نعيش في دولة من متعهدي الدفن الحقيقيين، يصنعون الموت ويصدرونه إلى كافة أرجاء العالم. المتعهد الاول ورئيس اتحاد متعهدي الدفن في هذه الدولة هو رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يقود بحنكة كيانا كاملا وظيفته تحضير مراسم الدفن والجنازات على الصعيد العالمي. في هذه الايام يقوم نتنياهو بزيارة طويلة تستمر اسبوعا كاملا إلى الهند. من ضمن مرافقيه وفد مكون من 130 رجل أعمال يمثلون 100 شركة أغلبها تحترف صناعة الموت، ذكر منهم: مدير عام شركة رفائيل يوآف هار إيفن لتسويق صواريخه، مدير الصناعة الجوية يوسي فايس، ممثلون كبار عن شركة أنظمة ألبيط، وعن شركة ايرناوتكس التي تصنع طائرات بدون طيار وتجربها على المدنيين لاثبات فعاليتها وتسهيل تسويقها، وتتعرض في هذه الايام لتحقيقات سرية لتورطها بتهم خطيرة في هذا المجال.
أصبحت الهند، حسب بعض الاحصائيات، أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، بعد أن كانت الثانية بعد الصين الشعبية. وحسب بعض الاحصائيات يعيش 77% من سكانها تحت خط الفقر مع أن الحكومة الهندية تعترف بنصف هذه النسبة فقط. هذا ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والطائفية والدينية التي لا تعد ولا تحصى والتي يعاني منها هذا البلد. وكـأن ذلك لا يكفي، إذ يقودها رئيس حكومة عنصري متطرف يهوى تبادل التحية مع نظيره الاسرائيلي بعبارة: صديقي العزيز. ماذا يجلب نتنياهو في جعبته للهند؟ 8000 صاروخ مضاد للدبابات من طراز سبايك بقيمة 850 مليون دولار وأنواع أخرى من الاسلحة والانظمة الامنية التي لا يعرف تفاصيلها سوى متعهدي الدفن. في عام 2016 اشترت الهند أسلحة إسرائيلية بقيمة 2.5 مليار دولار. ومن المتوقع بعد هذه الزيارة وبعد زيارة ناردانا مودي السابقة لنتنياهو قبل نصف سنة أن تتجاوز صفقات الاسلحة هذا المبلغ.
طبعا، يحتاج المتعهدون الكبار إلى مساعدة متعهدين ثانويين مقابل نسبة معينة من الارباح. مودي هو واحد من المتعهدين الثانويين الذي يسمسر بحياة شعبه ولكنه ليس الوحيد في هذا العالم. سبق وتم تطبيق هذا السيناريو في القارة الافريقية خلال زيارات نتنياهو المتكررة لها برفقة هذه الزمرة المتوحشة نفسها. لم يعد سرا أن دولة اسرائيل تلعب دورا اساسيا في كل حروب الابادة التي تعصف بالقارة الافريقية من جنوب السودان مرورا بأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو وحتى مالي ورواندا ونيجيريا. وأخيرا يجب الا ننسى المتعهدين الثانويين الجدد في السعودية ودول الخليج وسوف تكشف الايام صفقاتهم لشراء أسلحة الموت الاسرائيلية. إننا أمام ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ البشري يصعب على العقل استيعابها:دولة إسرائيل التي قامت على احتلال كافة الأراضي الفلسطينية والتي يأتي ترتيبها في المكان أل 146 في العالم من حيث المساحة، والمكان ال108 من حيث عدد السكان يأتي ترتيبها في المكان السابع من حيث تصدير الاسلحة وقد تصبح في المكان الثالث عما قريب.

الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة ليست  الضحية الوحيدة لصناع وتجار الموت هؤلاء، بل شعوب العالم بأسره أيضا. وعلى هذه الشعوب أن توحد نضالاتها لمواجهة متعهدي الموت في كل مكان من تل ابيب إلى واشنطن ومن برلين إلى لندن مرورا بباريس ومن موسكو إلى بكين. الشعوب وجدت لتحيا لا لتقتل.

Thursday, January 11, 2018

هل ما زالت الثورات ممكنة؟

هل ما زالت الثورات ممكنة؟
علي زبيدات - سخنين

الثورة الشعبية الاخيرة التي تفجرت في منطقتنا (قبل ثورات الربيع العربي) هي الثورة الايرانية عام 1979. قد يقول البعض أن ثورات الربيع العربي قد فشلت جميعها أو انها لم تكن ثورات اصلا بل مؤامرة امبريالية - صهيونية لتقسيم العالم العربي وفرض الهيمنة عليه. وكأن العالم العربي قبل هذه الثورات كان موحدا ومستقلا. بالرغم من ذلك، لا يخلو قول هؤلاء من شيء من الصحة: بمعنى أن كل الثورات التي عرفها التاريخ البشري قد آلت إلى الفشل. ألم تنتهي الثورة الفرنسية الكبرى بامبراطورية نابليون التي ابتعدت عن مبادئ الثورة ومن ثم إلى عودة الملكية؟ وهكذا كان مصير ثورة 1830 و 1848 وكومونة باريس عام 1870 وكذلك الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي 1917 وسقوطها النهائي عام 1991 وغيرها من الثورات. ولكن هذا جانب واحد من الحقيقة فحسب وهو في أغلب الاحيان الجانب الاقل اهمية، فقبل فشل هذه الثورات أو على الاصح بالرغم من فشلها فيما بعد فقد استطاعت أن تحدث تغييرا جذريا جعل العودة إلى الماضي مستحيلة. ومهما حاولت الثورات المضادة أو الانظمة التي لم تسقطها الثورات العودة إلى الوراء إلا أنها عجزت عن تحقيق ذلك ووجدت نفسها مرغمة على تحقيق ولو جزء بسيط من برنامج الثورة.
لنعود إلى الثورة الايرانية، وأنا هنا لست بصدد سرد اسباب الثورة ونتائجها وعرض سلبياتها وايجابياتها. بل للتأكيد على أن نجاحها باسقاط نظام الشاه الفاسد قد انتهى بالفعل الى فشلها كما نعيشه في هذه الايام. اذكر انه عند اندلاع الثورة (حوالي سنة ونصف قبل سقوط نظام الشاه) كنت اسيرا سياسيا في سجن الرملة المركزي الذي ضم في ذلك الوقت نخبة من الاسرى السياسيين المنتمين لمختلف التنظيمات الفلسطينية. وبالرغم من شح المصادر في ذلك الوقت، الذي اعتمد بشكل رئيسي على معلومات من نشرات الاخبار الاسرائيلية (الوحيدة المسموح بها) وبعض الجرائد الاسرائيلية الا أن جميع الاسرى كانوا متابعين لتطور احداث الثورة المتسارعة في ايران. وهذا الامر انعكس بقوة على الحوارات والنقاشات داخل التنظيمات وفيما بينها. بالطبع، أيد الجميع الثورة لاسقاط نظام الشاه بدون أي تحفظ. وذلك انسجاما مع مواقف التنظيمات الفلسطينية في الخارج وخصوصا القومية واليسارية ( لم تكن هناك تنظيمات إسلامية بعد، ولكن مع وجود تيار متدين داخل حركة فتح متاثرا بفكر الاخوان المسلمين). كنت من بين الاسرى القلائل غير الملتزمين تنظيميا لاحد الفصائل، مما حررني من القبول بالمواقف الجاهزة الصادرة عن التنظيمات والتي كان على باقي الاسرى الالتزام بها. كنا في ذلك الوقت نناقش مبدأ الوحدة الوطنية في مرحلة التحرر الوطني وكنت أؤمن أن الوحدة الوطنية يجب ألا تنفي ضرورة قيادة الطبقة العاملة بواسطة تنظيمها الطليعي لهذه المرحلة (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تؤمن إلى حد ما بهذا المبدأ ولكن نظريا فقط). لأن ما اصطلحنا على تسميتها بالبرجوازية الوطنية غير قادرة على قيادة النضال الوطنى حتى النهاية، حتى التحرير والعودة. خصوصا بعد تبني البرنامج المرحلي والتحول الذي بدأ تدريجيا واصبح استراتيجيا نحو السعي وراء تسوية سلمية بكل ما تحمله من تنازلات وانحرافات. كان موقفي من الثورة الايرانية الذي لم يجد آذان صاغية انه يجب الوحدة الميدانية لاسقاط الشاه ولكن يجب عدم القبول بسيطرة الملالي السياسية على الثورة. سقط الشاه وغادر ايران بعد أن عين أحد رجال المعارضة وهو شابور بختيار رئيسا للحكومة كمحاولة أخيرة لانقاذ النظام الملكي (خطوة تذكرنا بتعيين عمر سليمان بعد استقالة حسني مبارك). في تلك المرحلة كان من الممكن ومن الضروري فرز القوى الثورية الجذرية التي لا تكتفي باسقاط النظام بل تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية واقامة نظام تقدمي، ديمقراطي عن القوى التي تكتفي باسقاط النظام لتحل محله وتقيم نظاما استبداديا لا يختلف عن النظام البائد الا بالشكل. وهذا بالضبط ما حصل، فبعد هيمنة الملالي الاصوليين مباشرة بدأ سحق ليس التنظيمات اليسارية مثل حزب تودة الشيوعي ومجاهدي خلق فحسب بل العديد من رجال الدين الوطنيين والليبراليين أيضا. وهكذا وخلال سنة تم استبدال النظام الملكي بنظام ولاية الفقيه والسافاك بالحرس الثوري. ولم يبق من الثورة سوى الشعارات المعادية لامريكا والتي استخدمت بفعالية لترسيخ أسس النظام الجديد.
بعد عام (1980) نشبت الحرب العراقية الايرانية. مرة أخرى، لست بصدد سرد اسباب ومجريات هذه الحرب إذ أن المعلومات عن هذه الحرب في متناول الجميع. ما يهمني هنا هو مواقف التنظيمات الفلسطينية كما انعكست على الاسرى السياسيين. هنا حصل بعض التغيير، فبعض التنظيمات القومية (مثل جبهة التحرير العربية التابعة لحزب البعث العراقي) والتيار الرئيسي في حركة فتح (المتذبذب في الخارج) وبعض الاسلاميين المستقلين ايدوا صدام حسين بحجة أنه حامي البوابة الشرقية للعالم العربي في وجه التمدد الفارسي. بينما مالت التنظيمات اليسارية وبعض التنظيمات القومية المقربة من نظام البعث السوري إلى تأييد النظام الايراني بحجة معاداته للامبريالية والصهيونية. اذكر أن الرفيق يوآب بار الذي كان يزورني في السجن قد طلب مني كتابة مقالة أحدد بها موقفي من الحرب العراقية - الايرانيه لينشره في مجلة يسارية محلية. كتبت المقالة المطلوبة وكان موقفي واضحا وبسيطا ويمكن تلخيصه فيما يلي: الحرب رجعية من كلا الطرفين. ويجب عدم تأييد طرف ضد الطرف الآخر. نظام ولاية الفقيه لا يقل رجعية عن نظام البعث الاستبدادي في العراق المتحالف مع امريكا والسعودية. في هذه الحرب الضحية الوحيدة هو الشعب الايراني والشعب العراقي. وأن الموقف الثوري الوحيد في هذه الحرب هو دعوة الجنود العراقيين والايرانيين لتوجيه بنادقهم إلى صدور ضباطهم. طبعا، مرة أخرى، هذا الموقف الذي قد يكون صحيحا نظريا وثوريا لم يجد أي آذان صاغية. وهكذا استمرت الحرب 8 سنوات سقط خلالها ما لا يقل عن مليون ضحية من كل طرف.
اليوم تعود الاحتجاجات الشعبية لتكتسح المدن الايرانية. فبينما يقول المرشد علي خامنئي أن هذه الاحتجاجات مؤامرة تقودها امريكا واسرائيل والسعودية لتقويض نظام المقاومة من الداخل، يعترف حسن روحاني (الاصلاحي) بأن اسبابها غلاء المعيشة، البطالة، التضخم وتراجع العدالة الاجتماعية. ولكن يتفق الشخصان على ضرورة سحقها السريع لكي لا تتطور على غرار ما يجري في سوريا.

هكذا اذن، فقد اصبح التدخل الامريكي-الاسرائيلي- السعودي أو حتى التلويح بمثل هذا التدخل وصفة فعالة وأكيدة قادرة على إخماد كل احتجاج شعبي ضد الطغاة المحليين. ولا استبعد أن تكون هذه خطة متفق عليها لانقاذ الانظمة الاستبدادية الفاسدة كما حدث في سوريا حيث كان التدخل الامريكي-السعودي ل"صالح" الثورة سببا حاسما في بقاء النظام . هكذا أصبح على شعوب العالم، وليس الشعوب العربية فحسب،  منذ اليوم أن تتنازل عن حلمها بالحرية والكرامة لأنه لا يمكن تفادي التدخلات الاجنبية حقيقية كانت أم وهمية وعلى القوى "الثورية" و"التقدمية" أن تدافع عن طغاتها المحليين مهما كانوا فاسدين في وجه الغزاة الاجانب. للوهلة الاولى تبدو الثورات التحررية قد اصبحت مستحيلة، للوهلة الاولى فقط. ولكنها في الحقيقة اصبحت اشد ضرورة والحاحا من أي وقت مضى. فالشعوب تعرف مضطهديها وسوف تكنسهم إلى مزبلة التاريخ عاجلا أم آجلا.