Tuesday, November 24, 2009

عندما تقسم الضحية

علي زبيدات - سخنين

تأتي الذكرى ال62 لقرار تقسيم فلسطين هذه السنة بينما يحتفل العرب والمسلمون بعيد الأضحى. وعلى ما أظن، وأتمنى أن أكون مخطئا في ظني هذا، أنه في خضم مآدب الشواء التي لا تنتهي والرحلات الترفيهية المتنوعة لن يكون لديهم متسعا من الوقت أو مزاجا ملائما للتوقف أمام هذه الذكرى الأليمة لتقسيم أكثر ضحية مأساوية في حياة البشر تفوق بما لا يقاس خروف إبراهيم وابنه وباقي الخرفان والأبقار والجمال التي ضحي بها من ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.
في 29 تشرين ثاني 1947 قرر أصحاب القوة والقرار، الذين خرجوا منتصرين من الحرب العالمية الثانية، مكافأة حركة من العصابات الاستيطانية الصهيونية الخارجة على القانون بمنحها قسما عزيزا من فلسطين لكي تقيم عليها دولة يهودية، وذلك بغياب كامل لشعب فلسطين.
لن نجدد شيئا إذا كررنا للمرة المليون أن هذا القرار كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني حسب كافة المقاييس المتعارف عليها: كيف يعقل أن يحظى ثلث السكان الطارئين الذين قدموا من شتى أصقاع الأرض على 55% الأرض؟ حسب أية قوانين تكون مثل هذه القسمة عادلة؟ ولا نريد هنا أن نعود إلى الوراء ونتكلم عن الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على الدول النامية لكي تصوت إلى جانب قرار التقسيم. ولا نريد أن نكرر الارتداد السوفيتي عن مواقفه المبدئية السابقة وسيره في الثلم نفسه مع الدول الامبريالية ودعمه لعصابات المستوطنين. كل هذه الوقائع تعبر عن نفسها وليست بحاجة إلى أي تفسير أو شرح.
في الحقيقة، إنا أتفهم تماما ما حدث في تلك الحقبة الزمنية ومثلي الكثيرون: القوة العسكرية والاقتصادية هي التي فرضت الواقع ولم يكن هناك دور لأي اعتبارات أخرى واردة من عالم الأخلاق أو المبادئ أو العدالة. وهذه القوة كانت موجودة بشكلها المطلق عند الطرف الآخر وما كان أمام الشعب الفلسطيني إلا أن يدفع الثمن، وقد كان الثمن باهظا جدا كما هو معروف للجميع.
ولكني لا أستطيع أن أتفهم أبدا أن يقوم شخص أو مجموعة أشخاص معدودين على الضحية بقبول وتبني هذا القرار المجحف وإيجاد الأعذار والتبريرات التي هي أبشع من ذنوب لتسويغ ذلك. وهذا ما يفعله على سبيل المثال لا الحصر القيادي في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، عصام مخول، في مقالة طويلة نشرتها جريدة الاتحاد وموقع الجبهة بعنوان: "حين يصبح اللاحل هو الحل". يعيد الكاتب كتابة التاريخ على طريقة تذكرني بالمثل الصيني الذي يقول إذا كان الحذاء ضيقا فعليك بقص أصابع القدم لكي تتلاءم مع الحذاء. في سياق دفاعه عن حل الدولتين، الحل الوحيد الواقعي والعادل والذي يضمن حق تقرير المصير للشعبين، يبرر الكاتب قبول الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي لاحقا) لقرار التقسيم ويدافع عن هذا القرار بعدما يصور الأمور وكأن الخيار كان بين قبول قرار التقسيم الذي يؤمن للشعب الفلسطيني حوالي نصف البلد وبين النكبة. ونتيجة تحليله أن جماهير الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية كانت من الغباء بأنها رفضت قرار التقسيم واختارت النكبة. أي أن الضحية هي الملومة، على عكس ما كان يردده أحد أقطاب هذا الحزب، ولكن في سياق آخر: لا تلوموا الضحية.
قلت في مقالة سابقة أن الحزب الشيوعي الفلسطيني (الإسرائيلي) منذ ميلاده قبل 90 سنة وهو يعيش في تناقض داخلي بسبب نشأته وترعرعه في ظل مشروع كولونيا لي عنصري لا يمكن أن تتعايش مع إيديولوجية تحررية تقدمية.
لم يكن الشعب الفلسطيني غبيا عندما رفض قرار التقسيم جملة وتفصيلا. كان ضعيفا، ممزقا، يعاني من تخلف سياسي واقتصادي واجتماعي بسبب أربعة قرون من الاحتلال العثماني ولكنه لم يكن غبيا. كان يناضل من أجل حقه الطبيعي في الحياة والبقاء. لذلك رفض قرار التقسيم كما رفض من قبله قرار الانتداب ووعد بلفور. ومهما طال الزمن ومهما تغيرت موازين القوى، ومهما تساقطت قوى كانت في يوم من الأيام محسوبة على المعسكر الوطني، سيبقى البند التاسع عشر من الميثاق الوطني الفلسطيني يجسد ضمير الشعب الفلسطيني الحي. يقول هذا البند الذي قامت سلطة أوسلو بشطبه:" تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير"
منذ أن تخلى الحزب الشيوعي الفلسطيني عن مطالبته بدولة ديمقراطية واحدة وتبنيه حل الدولتين لشعبين في أعقاب قبوله لقرار التقسيم وهو يختبئ وراء شعار حق الأمم في تقرير مصيرها التي دافعت عنه وناضلت من أجله الحركة الشيوعية عندما كانت ثورية. وهذا ما بزعمه عصام مخول بصراحة في مقاله المذكور بأن قيام دولة إسرائيل هو تجسيد لحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره. هذا تشويه وتزييف لمبدأ حق الأمم في تقرير مصيرها. أولا منذ متى يطلق على عصابات استيطانية أمة؟ وثانيا، ولنفرض جدلا أنها أمة أو أصبحت أمة فهل لها الحق في أن تقرر مصيرها على حساب أمة أخرى؟
قرار التقسيم كان مؤامرة صهيونية امبريالية على فلسطين وشعبها، وفي ذلك الوقت لم يقع في فخ هذه المؤامرة من الأحزاب السياسية سوى الحزب الشيوعي الذي كان من المفروض أن يقود النضال ضدها. ولكن بعد 62 عاما وقعت في شباك هذه المؤامرة الحركة الوطنية الفلسطينية بكاملها مع بعض الاستثناءات وقد عبرت عن هذا التحول الخطير ما يسمى وثيقة الاستقلال الفلسطينية التي نصت على ما يلي: "فإن هذا القرار (قرار التقسيم) ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني"
قرار التقسيم كان في 29 تشرين الثاني عام 1947 قرارا لا يمت للشرعية الدولية وغير الدولية بصلة وهو اليوم لا يمت للشرعية بصلة وسيبقى أبد الدهر لا يمت للشرعية بصلة حتى يتم إلغائه هو وكافة نتائجه.

Saturday, November 21, 2009

الاستقلال الكاذب



توجد هناك ظاهرة أصبح وجودها نادرا ولكنها ما زالت موجودة تسمى بلغة الطب بالحمل الكاذب أو الحمل الوهمي. حيث تظن السيدة التي تعاني من هذه الظاهرة، عادة بسبب اضطرابات نفسية، أنها حامل وتظهر عليها أعراض الحمل الحقيقي: انقطاع الدورة الشهرية، انتفاخ البطن بسبب اختلال توازن الهرمونات، الإقبال على الأكل الزائد فيزداد وزنها، اشتهاء بعض الأطعمة فيبدو وكأنه وحم طبيعي. فتقوم هذه السيدة المسكينة بالاستعدادات لاستقبال المولود وإشاعة الخبر السعيد. ولا تقبل كونها غير حامل بالرغم من تأكيد كل الفحوصات، فهي لا تصدق الأطباء وتحاول التهرب من إجراء فحوصات جديدة. بالطبع هذا الوضع لا يدوم إلى ما لانهاية. وبعد اكتشاف الحقيقة عادة ما تصاب هذه السيدة بصدمة نفسية تتفاوت شدتها وقد تكون بحاجة إلى علاج نفسي طويل.
هذه هي تقريبا حكايتنا مع الاستقلال الكاذب الذي كان من المفروض أن يحتفل شعبنا بذكراه ال21 قبل بضعة أيام وبالتحديد في 15 تشرين الثاني. ولكن مع فرق واحد عن الحمل الكاذب هو أن السيدة بعد أن تكتشف أن حملها كان وهميا تدخل في صدمة نفسية ، أما نحن، وبعد أن اكتشفنا استقلالنا الوهمي لم نصاب بأية صدمة ، وكأن شيئا لم يحدث،وكأن جلودنا أصبحت كجلود التماسيح. ويقوم من يعلن مرة أخرى عن استقلالنا الوهمي القادم. فقبل أن نستفيق من خطة رئيس حكومة السلطة سلام فياض بصدد إعلان الدولة المستقلة خلال سنتين نفاجأ بخطة أخرى صادرة عن أقطاب السلطة مطالبين الإعلان عن استقلال الدولة من طرف واحد ومطالبين المجتمع الدولي الاعتراف بهذا الاستقلال.
الحمل الكاذب، اقصد الاستقلال الكاذب، بدأ بكذبة كذبناها على أنفسنا وصدقناها في دورة المجلس الوطني الفلسطيني المنعقدة في الجزائر عام 1988 والتي سميت اعتباطا "دورة الانتفاضة" بينما كان الهدف الحقيقي منها إجهاض الانتفاضة التي أربكت ليس إسرائيل وأمريكا فحسب بل أيضا القيادة الفلسطينية القابعة في تونس. وبحجة استثمار انجازات الانتفاضة الشعبية على الصعيد السياسي وبناء على وعود من الإدارة الأمريكية بالتفاوض المباشر مع منظمة التحرير الفلسطينية عقدت هذه الدورة وتم رسميا قبول قرار الأمم المتحدة 242. هذه الدورة فتحت الطريق مباشرة إلى مؤتمر مدريد الذي جاء مكافأة أمريكية للأنظمة العربية على موقفها الداعم للحرب الأمريكية على العراق ومن ثم كانت الطريق إلى أوسلو قصيرا ومعها تم إجهاض الانتفاضة نهائيا.
مصمما الاستقلال الكاذب قد رحلا عنا، وحسب تقاليدنا وعاداتنا الشرقية من العيب انتقاد القادة المتوفين خصوصا بعد أن أضفينا عليهما هالة من القدسية، وأعتذر لأني لست من أنصار هذه التقاليد والعادات. الأول: هو الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي ورطنا وورط نفسه في اتفاقيات أوسلو والنتيجة معروفة للجميع ولا حاجة هناك للخوض بها ، بالإضافة إلى انه أورث لنا القيادة الحالية. والثاني شاعرنا القومي محمود درويش الذي كتب "وثيقة الاستقلال" واضعا نصب عينيه وثيقة الاستقلال الإسرائيلية. وكلاهما أراد أن يلعب دور بن غوريون الفلسطيني. قد يكون محمود درويش شاعرا مبدعا حمل الجرح الفلسطيني على طريقته الخاصة ولكنه كسياسي كان دون المتوسط وقفزه من سفينة أوسلو والنجاة بنفسه قبل أن تتحطم لم يغير من هذا الواقع قيد أنملة. فقد كان حتى يومه الأخير شاعر البلاط المدلل.
جميع الفحوصات أكدت أن هذا الاستقلال كاذب. انقطاع الدورة الشهرية كان انقطاعا عن المقاومة الشرعية للاحتلال، الإقبال على الأكل الزائد كان إقبالا على خيرات الغرب غير الصحية والنتيجة كانت انتفاخ البطون لبعض المتنفذين في السلطة. وإعلان الاستقلال كان الخبر السعيد الذي من خلاله يلهون الشعب.
ليس من باب الصدفة أن جماهير شعبنا لم تخرج إلى الشوارع محتفلة بهذا اليوم. لم تكن هناك مفرقعات ولا عروض رقص شعبية ولا حتى رحلات الشواء في أحضان الطبيعة أسوة بأبناء عمنا. بصراحة أقولها، أنا الذي أعتبر نفسي غارقا في الهم الفلسطيني حتى النخاع، وهناك العديدين مثلى، نسيت 15 تشرين الثاني وما يمثله إلا بعد سماعه في الأخبار أو القراءة عنه ولا اشعر نشئ إزاء هذا اليوم يدغدغ عاطفتي الوطنية. هل يستطيع أحدنا أن ينسى يوم النكبة أو يوم الأرض؟ أظن أن الاحتفالات الوحيدة في هذه المناسبة اقتصرت على نزلاء المقاطعة في رام الله وبعض الأماكن الأخرى المعروفة بميولها.
الشعوب تحتفل باستقلالها الحقيقي الذي يأتي تتويجا لنضال طويل ومرير والذي ينتهي بدحر المحتلين أو المستعمرين. أليس من العار أن نتكلم عن استقلال وما زال الاحتلال يجثم فوق صدورنا؟ أي استقلال هذا وكل شبر من ارض الوطن مباحا أمام المحتلين؟ كيف يستطيع أهلنا في غزة الاحتفال بالاستقلال وهم يعانون من أطول حصار عرفه التاريخ الحديث؟ وأي استقلال هذا في ظل الجدار العازل ومئات الحواجز التي تمزق ارض الوطن طولا وعرضا؟
لكي نصنع الاستقلال الحقيقي ونحتفل به يجب أن ندحر الاحتلال عن أراضينا أولا.

Tuesday, November 10, 2009

سنة حلوة يا جميل

سنة حلوة يا جميل
بمناسبة 90 عاما على ميلاد الحزب الشيوعي الإسرائيلي
علي زبيدات – سخنين

من منا لا يحب الحفلات؟ وهل يوجد أجمل من أن يحتفل الإنسان بعيد ميلاده؟ فهذه المناسبة تجمع الأهل والأصدقاء والزملاء الذين فرقهم الزمن ومتاعب الحياة. وإذا كان الشخص المحتفى به شخصية معتبرة فهناك الهدايا الجميلة وهناك زخات من المدائح التي تنهال على رأسه من المهنئين حتى يبدأ بالتساؤل: هل أنا حقا المعني بهذا الكلام؟ وإذا كان الشخص يرى نفسه ولا يصدق فسرعان ما ينضم لجوقة المداحين، ينفش ريشه كالطاووس وينزل نفخ في نفسه حتى يشارف على درجة الانفجار أو حتى تنقطع أنفاسه. وفي اليوم التالي بعدما ينظف نفايات الحفلة من حوله، يعود إلى حجمه الحقيقي ويغص ثانية في لجة حياته المملة. وقد يتمتم مع فريد الأطرش: عدت يا يوم مولدي، عدت يا أيها الشقي، الصبا ضاع من يدي وغزا الشيب مفرقي، ليت يا يوم مولدي كنت يوما بلا غد. وهذا ليس من باب التشاؤم أو من باب اليأس لا سمح الله، ولكن لأن هذا هو واقع معظمنا في هذا الزمن الرديء.
الأحزاب السياسية، تقريبا كالأشخاص، هي أيضا تولد في يوم ما وتقطع مسيرة قد تقصر أو تطول حتى يأتي أجلها في يوم ما. وهي كالأشخاص تحب الحفلات وخصوصا حفلات عيد ميلادها. وتحب أن تجمع في هذه الحفلات أكبر عدد من الأصدقاء والأحباء وتتقبل الهدايا بكل سرور وتتلهف إلى سماع الإطراءات. وإذا كان هذا الحزب، كالشخص، شايف حاله وغير مصدق، ينضم هو الآخر إلى جوقة المداحين ويبدأ بعرض إنجازاته الخارقة حتى يسكر طربا على صوت المدائح والموسيقى. وفي اليوم التالي، بعد ما يسلم قاعة الاحتفالات إلى أصحابها يعود ليأخذ دوره الطبيعي على هامش السياسة وعلى هامش التاريخ.
في هذه الأجواء احتفل الحزب الشيوعي الإسرائيلي بعيد ميلاده التسعين. أولا وقبل كل شيء مبروك وعقبال ال190 وأكثر. والآن لنضع أقدامنا مرة أخرى على أرض الواقع.
تأسس الحزب الشيوعي في روسيا عمليا في عام 1903 عندما قاد لينين انشقاق البلاشفة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، وحتى عام 1917 كان وراءه ثورتان الأولى عام 1905 فشلت ولكن خرج الحزب منها أقوى والثانية تكللت بالنجاح بعد أن دك احد أعتى الأنظمة رجعية. وبعدها، من غير توقف، خاض حربا أهلية مدعومة من قوى عالمية عظمى وانتصر عليها وبدأ في تشييد أول دولة اشتراكية وخاض الحرب العالمية الثانية ضد النازية الشرسة وانتصر عليها. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده العاشر أو العشرين أو الثلاثين وتحدث عن إنجازاته فهو يستحق ذلك. ولكن ككل إنسان عظيم تكون حياته عريضة وعميقة وإن لم تكن طويلة، مات مبكرا وترك الأحزاب التي تسمي نفسها شيوعية يتيمة تتخبط في الظلام مع أوهامها، ولكن هذه قصة أخرى.
الحزب الشيوعي الصيني ولد عام 1921 أي بعد ولادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومنذ لحظة ولادته تعرض إلى مؤامرات ومجازر لتصفيته ولكنه خاض حربا بلا هوادة ضد الإقطاعيين وأمراء الحرب المحليين وضد المحتلين اليابانيين، وقبل أن يحتفل بعيد ميلاده ال30 كان يحرر أكبر دولة في العالم من حيث السكان ويبني الصين الجديدة. فلو احتفل هذا الحزب بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته لأخرس جميع المتطاولين.
الحزب الشيوعي الفيتنامي، الذي ولد عام 1941 بقيادة هو تشي منه، خاض منذ لحظة ولادته الأولى الحرب ضد الغزاة اليابانيين وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية وحاولت فرنسا العودة لاستعمار فيتنام تابع الحزب الشيوعي الفيتنامي حربه التحريرية حتى انتصر على الاستعمار الفرنسي وأجبره على الرحيل. وتابع الحزب الشيوعي الفيتنامي نضاله لتحرير الجزء من الوطن الذي بقي تحت سلطة العملاء المدعومين من الامبريالية الأمريكية الجديدة حتى حقق الانتصار النهائي في عام 1975. مثل هذا الحزب لو احتفل بعيد ميلاده وتكلم عن إنجازاته فما علينا إلا أن نحني هاماتنا احتراما وتقديرا.
ولكن أن يقف أحد قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي على المنصة ويترنح طربا ويقول: " إن الحزب الشيوعي الإسرائيلي هو قائد الانجاز الأكبر للشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، من خلال قيادته لبقاء الجماهير الفلسطينية في وطنها، ويقابل بالتصفيق؟ أليست هذه جريمة في حق التاريخ؟ ويتابع هذا الحزبي التعيس أضغاث أحلامه ويقول:" أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي أعاد بناء الشعب الفلسطيني من خلال الحفاظ على لغته وصنع أيامه الوطنية كيوم الأرض الخالد وبناء المؤسسات والأطر الوحدوية..." هذا إذا أضفنا خطابات النفاق التي تخرج من اللسان ولا تتجاوز الآذان والتي تكرم بها ممثل سلطة رام الله المنهارة وممثل حزب الشعب الهلامي الذي لم يتخذ يوما موقفا مستقلا ورئيس لجنة المتابعة ورئيس بلدية حيفا، تحلو الحفلة ويحلو الرقص.
ولكن بصفتي فردا من هذا الشعب المنكوب، فردا كان وما زال يحلم بمجتمع شيوعي حقيقي خال من القهر ومن استغلال الإنسان للإنسان، لا أستطيع أن أرقص على هذه الألحان النشاز.
الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي ولد باسم الحزب الشيوعي الفلسطيني وغير اسمه بعد ولادته الثانية مع ولادة أمه الثانية، دولة إسرائيل عام 1948، ولد عن طريق الخطيئة بتزاوج الأفكار الشيوعية مع المشروع الكولونيالي الصهيوني. ومنذ اليوم الأول لولادته وحتى يومنا هذا وهو يحمل أوزار خطيئته هذه.
لقد آن الأوان أن يستفيق الرفاق وخصوصا من قطاع الشبيبة الذين لم يتم إفسادهم كليا بعد وينظروا إلى التناقض الصارخ الذي يحمله اسم حزبهم في أحشائه: "الحزب الشيوعي الإسرائيلي". هل يعقل أن يولد حزب شيوعي حقيقي من صلب مشروع استيطاني عنصري؟

Tuesday, November 03, 2009

وماذا عن "بلفورات" العرب

وماذا عن "بلفورات" العرب؟
علي زبيدات - سخنين

قبل عدة أيام مرت الذكرى ال92 لوعد بلفور. ما أشبه اليوم بالأمس. وكأننا لا رحنا ولا جئنا. في هذه المناسبة وعلى ضوء ما قرأته في وسائل الإعلام العربية التي نشرت ما جادت به أقلام من يعدون أنفسهم مفكرين قوميين أو إسلاميين أو شيوعيين، أستذكر مقولة كارل ماركس الشهيرة: التاريخ يعيد نفسه مرتين مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى على شكل هزلي. ولكن في هذه المناسبة، وأعذروني على وقاحتي، أود أن أصحح مقولة معلمي الكبير: التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة بشكل تراجيدي ومرة أخرى بشكل أكثر تراجيدية.
حوالي القرن مر على وعد بلفور وما زلنا نجتر الكلمات نفسها ونكيل الشتائم نفسها ونعيد التبريرات والأعذار نفسها. لم نتعلم أي شيء من التاريخ وخصوصا لم نتعلم أي درس من هذه التجربة الوجودية الخاصة. ما رأيكم، لقد قرأت أكثر من عشرة مقالات في هذه المناسبة وكلها تكرر بصوت ببغاوي: وعد بلفور المشؤوم... لا أدري من أول من أطلق هذه الصفة على هذا الوعد، وما كانت منطلقاته الفكرية وموقفه السياسي، وهو بلا شك كان على حق تماما بإلصاق هذه الصفة به. ولكن بعد 92 سنة لا نجد كلمة أخرى نصفه بها؟ إن هذه لمصيبة.
في ذلك الوقت قدم وزير الخارجية البريطاني بلفور باسم الحكومة البريطانية وعدا للحركة الصهيونية بمساعدتها ودعمها حتى تحقيق هدفها بإقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. إذن، لم يكن هذا التصريح سوى الخطوة الأولى في سياسة استمرت حتى الإعلان عن قيام دولة إسرائيل وما زالت مستمرة بأشكال أخرى إلى يومنا هذا. تلت هذه الخطوة قيام بريطانيا باحتلال فلسطين تحت اسم الانتداب من أجل تنفيذ هذا الوعد على أرض الواقع. وقد ذكر هذا الهدف بشكل واضح لا يقبل التأويل في صك الانتداب. في الوقت نفسه كانت الزعامات العربية تتهافت على بريطانيا وتحاول أن تقنعها بأنها سوف تخدم مصالحها في المنطقة بشكل أفضل مما تستطيع أن تقدمه الحركة الصهيونية، وكانت تعمل المستحيل لكي تعبر عن صداقتها لهذه الدولة الاستعمارية، وكانت تطير في الفضاء فرحا عند سماعها لوعود وهمية بمنحها الاستقلال.
ماذا تغير منذ ذلك الوقت وحتى الآن. ها هو حفيد بلفور، طوني بلير مبعوث الرباعية للسلام في الشرق الأوسط يصول ويجول في العواصم العربية ويستقبل بالأحضان وهو يحاول إقناع الحكام العرب بتقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل والتطبيع معها على أمل تحقيق السلام المفقود.
منذ قرن من الزمان ونحن نتبع مثلنا العربي الذي يقول: "اليد التي لا تستطيع أن تكسرها، قبلها وأدعو عليها بالكسر".
إذا كان وعد بلفور مشؤوما فماذا نقول عن قبولنا لقرار تقسيم فلسطين وعن الاتفاقيات الخيانية من كامب ديفيد إلى وادي عربة إلى اتفاقيات أوسلو إلى مبادرة السلام العربية وحتى المفوضات العبثية الراهنة؟.
من السهل جدا أن نصب جام غضبنا على بلفور وعلى وعده بعدما أصبحا في ذمة التاريخ وفي الوقت نفسه نقبل وندافع عن كل ما تمخض عنه هذا الوعد.
الحلول التي تطرح اليوم لتصفية القضية الفلسطينية أسوأ بما لا يقاس من وعد بلفور. على الأقل ذكر هناك: " على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى". بينما كل الأعمال التي تتم اليوم في سياق ما يسمى بالعملية السلمية ليس فقط أنها تنتقص حقوقنا المدنية والدينية بل تشطبها تماما. وهي أيضا تتعامل معنا كما ينص وعد بلفور أي كطوائف غير يهودية وليس كشعب.
"البلفورات" العرب من شريف مكة وسلالته مرورا بالحكام العرب على مر عصورهم وحتى رئيس السلطة الفلسطينية وباقي إخوانه في جامعة الدول العربية هم أشد شؤما من آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية.
تغيرت الأسماء ولكن السياسة واحدة والمؤامرة واحدة. بالأمس كان لويد جورج ووزير خارجيته بلفور واليوم غوردن براون ومبعوثه طوني بلير.
تصريح بلفور هو جريمة ضد الإنسانية قبل أن يكون جريمة في حق الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وكما هو متعارف عليه عالميا، الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. فبدلا من الاكتفاء بكيل الشتائم ووصفه بالوعد المشؤوم في كل ذكرى دعونا نعمل على ملاحقة مصدري هذا الوعد وأحفادهم من الساسة البريطانيين الحاليين في كافة المحافل الدولية وتقديمهم إلى العدالة لمعاقبتهم على جرائمهم ولنبدأ بتقديمهم إلى محكمة الشعب الفلسطيني الشعبية الثورية.

لا للمصالحة لا للإنتخابات

لا للمصالحة لا للانتخابات
علي زبيدات – سخنين

كفى، لقد فقئوا أعيننا وأصموا آذاننا بالكلام المجتر والسقيم منذ أكثر من ثلاث سنوات حول الحوار الوطني والوفاق الوطني والمصالحة الوطنية والوحدة الوطنية. تعددت التسميات والشعارات والمضمون واحد وهو العكس تماما مما تعنيه هذه الكلمات. لقد آن الأوان أن تذبح بعض البقرات المقدسة على مذبح الحقيقة. لقد آن الأوان أن تحطم بعض الأصنام التي نعبدها. لقد آن الأوان أن يقولها أحدنا بصوت عال، من غير لف أو دوران وبدون كلمات تؤول إلى أكثر من معنى: إلى الجحيم أيتها المصالحة، إلى الجحيم أيتها الوحدة لأنه لا يوجد بك رائحة الوطنية. لا يمكن الاستمرار في خلط الأوراق. لا يمكن الاستمرار في التلاعب بالألفاظ ومن خلالها التلاعب بقضية شعب كامل.
أنا شخصيا مع الصراع ولست مع الوحدة. الصراع مطلق أما الوحدة فهي نسبية. الشعب الفلسطيني المشرد والمشتت والمضطهد الذي يلملم جراحه المفتوحة منذ أكثر من نصف قرن ويناضل من أجل استعادة صورته الإنسانية من خلال تحرير أرضه وعودته إلى وطنه هو في حالة صراع مطلق مع الكيان الذي شرده وأغتصب أرضه. الوحدة ضرورية بين القوى التي تقود هذا الصراع إلى نهايته الطبيعية وليس مع القوى المارقة التي تخدم العدو القومي والوطني والطبقي. من خلال تجارب الشعوب التي ناضلت وتناضل من أجل حريتها واستقلالها، وفي خضم الصراع تتساقط أوساط معينة كانت في بعض الفترات محسوبة على القوى الوطنية، تنتقل إلى المعسكر الآخر وتصبح مطية للمحتلين. الوحدة مع هذه الأوساط ليست وحدة وطنية، بل هي وحدة لا وطنية. على القوى الوطنية الحقيقية أن تعمل على استمرارية الفرز، أن تعمل على فصل القمح من الزوان. وليس ما نراه اليوم على الساحة الفلسطينية من خلط مريع للأوراق، من طمس الفوارق بين طريقي المقاومة والمساومة.
هل التنسيق الأمني مع الاحتلال يخدم الوحدة الوطنية؟ هل تدريب وتسليح قوى أمنية تأتمر بأوامر الكولونيل الأمريكي دايتون والمخابرات الإسرائيلية تخدم المصالحة الوطنية؟ هل الاستمرار في المفاوضات العبثية إلى ما نهاية وتقديم المزيد من التنازلات حتى التخلي الكامل عن الثوابت الوطنية تسمى وفاقا وطنيا؟
لماذا يقود رئيس مخابرات عربي مرتبط بالمعسكر الأمريكي الإسرائيلي حتى النخاع جلسات ما يسمى بالحوار الوطني؟ ولماذا يجري الكلام فقط عن أمور شكلية وتقنية مثل تركيب الحكومة وتوزيع الوزارات وتحديد الصلاحيات ويتم تجاهل الناحية السياسية بالكامل؟ أليست القضية الفلسطينية هي قضية سياسية أولا وأخيرا؟ لماذا لا يدور الحوار عن الإستراتيجية الأفضل لإدارة النضال الوطني حتى تحقيق أهدافه؟
أمامنا طريقان متوازيان لا يلتقيان أبدا. طريق المقاومة وطريق المساومة. وعندما يتم تلاقي هذين الطريقين بواسطة الضغط والابتزاز والوعود الكاذبة حتما ستقع الكارثة الأعظم.
في هذه السياق، أصدر الرئيس الفلسطيني، المنتهية صلاحيته والفاقد للشرعية مرسوما لأجراء الانتخابات في كانون الثاني القادم. هذا المرسوم التعيس، الصادر عن مؤسسة أتعس لا يثير إلا الشفقة والسخرية. وكما يقول المثل: شر البلية ما يضحك. لنبدأ من النهاية، حتى لو كانت الانتخابات حرة ونزيهة فإن نتائجها لن تقبل إذا كان الفائز غير الفريق الذي يحظى بدعم أمريكا وإسرائيل والرجعية العربية، كما كانت الحالة في الانتخابات الماضية قبل 3 سنوات. ولكن في هذه المرة تعلم الفريق الخاسر الدرس وشطب كلمة نزاهة من قاموسيه. ما يجري الآن في الضفة الغربية هو عملية رشوة جماعية وتزييف واسعة النطاق تصل إلى كل قرية ومدينة فلسطينية. وفي المقابل يتم سجن وتهديد كل من تسول له نفسه الحياد عن الثلم المرسوم. هذا إذا أضفنا حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة تجعل كل عملية انتخابية مهزلة.
ولكن يجب رفض الانتخابات لاعتبارات أخرى أهم مما تقدم بما لا يقاس. أولا، تجري هذه الانتخابات التي قد تؤثر على مصير القضية الفلسطينية ككل في الضفة الغربية وغزة فقط حيث يسكن أقل من نصف الشعب الفلسطيني، بينما تبقى باقي الجماهير الفلسطينية في الشتات وفي الأراضي المحتلة عام 1948 في موقف المتفرج. مثل هذه الانتخابات ليست فقط أنها لا تمثل عموم الشعب الفلسطيني بل أيضا ترسخ وتكرس حالة التمزق التي يعاني منها. وثانيا، ما هي ضرورة الانتخابات في ظل الاحتلال؟ الانتخابات سوف تفرز مجلسا تشريعيا، مثل هذا المجلس معطل ونصف أعضائه أسرى بالسجون الإسرائيلية أو سجون السلطة. مثل هذه الانتخابات سوف تفرز حكومة وسوف يقوم أي جندي إسرائيلي على الحاجز بتشليح رئيس الحكومة من ثيابه وتفتيشه بشكل مذل. في ظل الاحتلال لا يوجد هماك مكان لا لانتخابات تذر الرماد في الأعين ولا لمجلس تشريعي معطل ولا لحكومة لا تملك من أمرها شيئا. الرد على الاحتلال هو المقاومة بكافة أشكالها وفقط المقاومة.
هنا استغرب الموقف الانتهازي الذي تتخذه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكذلك فصائل المقاومة الأخرى وعلى رأسها حماس. لا يمكن مسك الحبل من طرفيه. لا يمكن أكل الكعكة والإبقاء عليها سالمة في الوقت نفسه. لا يمكن أن تكون ضد اتفاقيات أوسلو وضد كل ما انبثق عنها وتستمتع ببعض ما جلبته هذه الاتفاقيات. الانتخابات هي من إفرازات أوسلو الخبيثة التي تخدع أوساط واسعة من الشعب الفلسطيني ويجب تعريتها. الانتخابات في ظل الاحتلال ليست تعبيرا عن الديمقراطية ولا عن الوعي السياسي، بل العكس من ذلك تماما هدفها الرضوخ للأمر الواقع، واقع الاحتلال.
اتفاقيات أوسلو سقطت منذ زمن طويل ولكن عقلية أوسلو المترعة بالأوهام والتفريط ما زالت تعشش في رؤوس الأوساط المتنفذة التي تتلاعب بمصير الشعب الفلسطيني. مقاومة هذه العقلية لا يقل من حيث الأهمية عن مقاومة الاحتلال.