Thursday, January 30, 2020

نتنياهو ملك العالم وليس ملك إسرائيل وحدها

نتنياهو ملك العالم وليس ملك اسرائيل وحدها
 أصبح واضحا أمام الجميع أن العالم بقطبية الامريكي والروسي يريد أن يرى نتنياهو رئيسا للحكومة الاسرائيلية بعد أن يحقق الفوز في انتخابات الكنيست القادمة. أعترف مسبقا باني لا أملك أي تفسير مقنع لهذه الظاهرة المستهجنة فنحن نعيش في عصر عبثي، عصر سياسة اللامعقول. لقد آن الأوان لكي نلقي بكل الكتب التي تحتوي على النظريات السياسية التي تعلمناها وراء ظهورنا من كتب أفلاطون وأرسطو مرورا بمفكري عصر النهضة من أمثال فولتير وروسو ومنتسكيو وغيرهم وحتى هيغل وماركس ومكيافيلي وباقي المفكرين المعاصرين. ذلك لأن جميع هؤلاء المفكرين إتبعوا في أفكارهم وكتاباتهم اسسا منطقية بالرغم من الاختلافات فيما بينهم. بينما المنطق معدوم تماما في السياسة الحالية خصوصا فيما يتعلق بالثلاثي نتنياهو، ترامب وبوتين. 
لقد عمل كل من ترامب وبوتين كل ما كان في مقدرتهما لمساعدة نتنياهو للفوز بالانتخابات التي جوت مرتين في العام الماضي وكأنهما هما المرشحان. وها هما يحاولان مرة اخرى وبهمة اشد من المرات السابقة مساعدته للفوز في الانتخابات القادمة.
ها هي قائمة جزئية لما قدمه ترامب من مساعدات انتخابية لنتنياهو: نقل السفارة الأمريكية للقدس، الاعتراف بشرعية المستوطنات، الاعتراف بضم الجولان لاسرائيل، وأخيرا ما يسمى صفقة القرن التي تلبي كافة مطالب نتنياهو وسياسة حكومته اليمينية مثل الاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لاسرائيل، ضم كافة المستوطنات وغور الأردن، التنكر لحق العودة، تقسيم ما تبقى من الضفة إلى محميات تسمى دولة فلسطين..
أما بوتين رئيس ثاني اكبر قوة عالمية، وفي الوقت نفسه زعيم ما يسمى بمحور المقاومة صاحب اليد الطولى في تدمير سوريا وسفك دماء شعبها، فقد تبين أنه ليس أكثر من طرطور عند نتنياهو، حيث قام بجره من بين أربعين زعيم عالمي  جاؤوا لحضور مهرجان الهولوكوست إلى غرفة جانبية لمقابلة والدة مهربة مخدرات تقبع في أحد سجون موسكو ليلتزم امامها باطلاق سراح بنتها. ولم يكن هذا هو العمل الوحيد الذي قدمه بوتين لنتنياهو لكي يفوز بالانتخابات فقد سبق ذلك إعادة الدبابة الاسرائيلية التي أخذتها القوات السورية في معركة السلطان يعقوب وإعادة رفات الجندي الاسرائيلي زخاريا باومل هذا بالإضافة لوقوفه وقفة المتفرج (وربما التنسيق سرا) إزاء الغارات الاسرائيلية المتكررة على الاراضي السورية حتى بعد أن تسببت احدى هذه الغارات بسقوط طائرة روسية ومقتل كافة أفراد طاقمها. لا يتصرف هؤلاء الثلاثة كرؤساء دول بل كرؤساء عصابة مافياوية واحدة.
طبعا لا بد أن نذكر هنا ولو بكلمات قليلة مساهمات الملوك والرؤساء العرب لبقاء نتنياهو في الحكم خصوصا دويلات الخليج والسعودية ومصر، فالقصة معروفة  ولا حاجة هنا للخوض بكافة تفاصيلها .
أمام هذا الحلف الدولي الدنس لا بد من حلف يضم ويوحد كافة الشعوب التي تناضل من أجل حريتها.


Saturday, January 18, 2020

عرف الشعب طريقه

عرف الشعب طريقه
مع الاحترام للشاعر كامل الشناوي والملحن محمد عبد الوهاب)

في سنوات السبعين والثمانين من القرن الماضي بشرتنا القيادة السوفيتية (للمرة الالف) أن الاتحاد السوفياتي، الدولة  العمالية الاشتراكية الأولى في العالم قد أنجزت المرحلة الاولى من الثورة (الاشتراكية) وها هي تدخل بخطوات راسخة لتحقيق المرحلة الثانية الارقى ألا وهي مرحلة الشيوعية. لمن يشعر ببعده عن هذه المصطلحات والنظريات أذكر بأن المرحلة الاشتراكية التي انبثقت من رحم الراسمالية  تكون متخمة بعناصر راسمالية عديدة من غير الممكن التخلص منها فورا، كالفوارق بين المدينة والقرية، بين العمل الفكري والعمل الجسدي، مثل الفوارق في الأجور وغيرها من الامور ذات البعد التاريخي. لذلك اتفقوا على أن شعار مرحلة الاشتراكية هو: "من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب عمله".
أما في مرحلة الشيوعية حيث تختفي كافة الفوارق المادية والروحية بين المواطنين وتزول كافة مظاهر الاستغلال والقمع والاضطهاد وتسود الحرية والعدالة الاجتماعية والسلام، يتحول الشعار إلى: من كل واحد حسب مقدرته ولكل واحد حسب حاجته. إلا أن الواقع كان على العكس من ذلك تماما. فالبلاد كانت تمر بأزمة اقتصادية خانقة والاشتراكية المزعومة لم تكن أكثر من رأسمالية الدولة، أما دولة العمال فقد تحولت إلى دولة البيروقراطيين الحزبيين، وكانت الحرية بأبسط اشكالها تداس تحت أقدام الكي. جي. بي. وتقبع في  زنازين سيبيريا. 
كذبة إنجاز المرحلة الاشتراكية والارتقاء للمرحلة الشيوعية كانت أكبر من أن يتم إخفائها. وكان المعسكر الرأسمالي الآخر بزعامة أمريكا ومعها الدول الاوروبية المتطورة يعرف كافة التفاصيل. ولم يكتف بهذه التفاصيل بل زاد عليها وبالغ فيها بكل شيء. سميت هذه الفترة بالحرب الباردة: باردة بالنسبة للمعسكرين الرأسماليين ولكنها كانت ساخنة بالنسبة للدول الفقيرة والنامية. حيث عمت الحروب بالوكالة كافة أرجاء العالم لتصفية الحسابات بين المعسكرين المتناحرين على أراضي الغير كما يحدث اليوم تماما.
كانت أبواق النظام السوفياتي تدمغ كل ما يقال بدعايات وأكاذيب وافتراءات غربية مغرضة، وفي الوقت كانت الأبواق التي تدور في فلكه  تتهم كل من يوجه النقد للاتحاد السوفياتي بالعمالة للغرب والامبريالية، حتى التنظيمات والحركات التي كانت تناضل من أجل مجتمع اشتراكي حقيقي لم تنج من هذه الاتهامات.
وبعد أقل من عقد، وخلال شهور معدودة انهارت الامبراطورية انهيارا مدويا  صدم الاصدقاء قبل الاعداء. وتبين أن كل ما قيل لم يكن دعايات امبريالية، أو أن هذه الدعايات كانت صادقة بنسبة كبيرة.
لا تهدف هذه المقدمة الطويلة الخوض في التجربة السوفياتية واسباب فشلها، فهذا موضوع قائم بذاته وقد تناوله الكثيرون بالدراسات والتحليلات. ما يهمني هنا الوضع الراهن في منطقتنا والذي يشبه في الكثير من جوانبه ما حدث حينذاك. فكل تحرك شعبي تقوم به الشعوب العربية ضد أنظمتها الدموية والفاسدة يتم رفضه مباشرة على اعتبار أنه دعاية امبريالية مغرضة أو مؤامرة كونية ضد نظام عربي، وطني ومقاوم، ويدمغ كل من يشارك في هذه الحركات الاحتجاجية مهما كانت بسيطة بالعمالة لهذه القوى الامبريالية. هذا بالرغم من أن الانظمة التي تشتم الامبريالية الآن صباحا ومساء هي التي تخدم النظام الامبريالي العالمي وتعيده الى بلادها بعد أن غادرها.  الغاية الوحيدة لهذه الانظمة هي الحفاظ على حكمها ومن أجل ذلك فهي مستعدة لأن تلبس أي قناع (ديمقراطي، وطني، محارب للفساد، معاد الامبريالية) ومستعدة أن تنزعه كما لبسته بكل بساطة وسهولة. ومن الجهة الاخرى غاية الدول الامبريالية الحفاظ مصالحها ومن أجل ذلك هي الاخرى مستعدة لأن تلبس اي قناع (الحرص على الديمقراطية، الدفاع عن حقوق الإنسان، تقديم المساعدات "الإنسانية"). وعند الضرورة تخلع هذه الاقنعة الواحد تلو الآخر حتى يبين وجهها الحقيقي البشع وتمطر الشعوب بأسلحتها الفتاكة.
على الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال والحياة الكريمة  أن تسير على الدرب الذي يمليه عليها ضميرها  ولا تستمع لما يقوله هذا أو ذاك ولا تلتفت يمينا أو شمالا، فالشعب يعرف طريقه جيدا بالرغم من كل المتكالبين.  

Tuesday, January 14, 2020

إلى اليمين در

إلى اليمين در
قبل أن نتكلم عن اليمين الإسرائيلي دعونا نتكلم قليلا عن اليمين الفلسطيني. 
لعل الشعار الرئيسي لحركة فتح، أكبر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التنظيم "الحاكم" (على الاقل حاليا في الضفة الغربية) والتي تعتبر نفسها مفجرة الثورة الفلسطينية الحديثة من خلال انطلاقتها في 1/1/196، كان وما زال: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية". هذا ما كان يتلقنه كوادر وأسرى في السجون الاسرائيلية (وانا هنا اتكلم عن تجربتي الخاصة). حسب هذا الشعار، لم تفرق إسرائيل في عام النكبة بين غني وفقير، بين عامل ورأسمالي، بين فلاح واقطاعي وبين تقدمي ومحافظ. كل هؤلاء كانوا سواسية في التشرد واللجوء وعلى حركة فتح أن تقودهم جميعا بعد أن توحدهم في تنظيم واحد. طبعا لا مفر من تعدد الآراء والافكار والنظريات والمواقف السياسية ولكن كل ذلك يجب أن يتم داخل إطار الحركة فقط. هكذا قام منظرو حركة فتح بالاعتراف بوجود تيارات يسارية ووسطية ويمينية داخلها وأنها مفتوحة أمام كافة الفلسطينيين من شتى الانتماءات. فهناك التيار اليساري الذي مثله لفترة ناجي علوش ومنير شفيق (ذو الميول الماوية الذي أصبح فيما بعد منظرا اسلامويا) وهناك تيار اليمين المحافظ المنبثق عن الإخوان المسلمين أو على الأقل ذو الخلفية الاخوانية ورموزه ياسر عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وهناك التيار الوطني الليبرالي ومن رموزه ابو اياد وابو اللطف وغيرهما. ما وحد جميع هؤلاء في تنظيم واحد هو رفضهم فكرة الصراع الطبقي وفكرة ربط النضال الوطني بالنضال الاجتماعي. ولكن حركة فتح لم تستطع أن تصمد أمام المصطلحات التي كانت سائدة (عالميا) حينذاك وقد تم نعتها بيمينها ووسطها ويسارها باليمين الفلسطيني.
يعود مصدر هذه التسمية إلى ثلاثة تنظيمات أعلنت عن نفسها بأنها تمثل "قوى اليسار" وهي: 1- الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي أصبح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حزب الشعب). 2- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (المنبثقة عن حركة القوميين العرب). 3.الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المنشقة عن الجبهة الشعبية.
بالنسبة للحزب الشيوعي الفلسطيني وبالرغم من هامشيته على أرض الواقع فهو يمثل "الشرعية اليسارية" إذا صح التعبير لكونه عضوا في الكومنترن وعلاقته المميزة التي تتسم بالخضوع التام للحزب الشيوعي السوفياتي. فقد هذا الحزب معظم شعبيته في أعقاب قبوله لقرار تقسيم فلسطين واعترافه لاحقا بدولة اسرائيل المنبثقة عن الحركة الصهيونية العالمية. مع تطور الأحداث التي تسببت في تراجع العلاقات بين الاتحاد السوفياتي واسرائيل تبنى الحزب الشيوعي الفلسطيني سياسة نقدية تجاه اسرائيل ولكن من غير أن يسحب اعترافه بشرعية قيامها وأخذ يتقرب من اليمين الفلسطيني خصوصا كلما اقترب هذا اكثر فأكثر لحل سياسي سلمي للقضية الفلسطينية. حافظ على رفضه للنضال المسلح كطريق للتحرر. وهكذا انضم الحزب الشيوعي الفلسطيني (الشعب) كليا لمعسكر اليمين مع احتفاظه ببعض المصطلحات والشعارات اليسارية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شكلت الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب، وجدت نفسها في مأزق نظري وعملي. فالحركات القومية أثبتت عجزها عن مواجهة إسرائيل بعد أن تلقت الهزيمة تلو الأخرى وفي المقابل كان اليسار الثوري على الصعيد العالمي (وليس المحلي او الاقليمي) في حالة مد ويحقق الانتصارات في فيتنام، كوبا وأماكن اخرى في العالم. هكذا قررت أن تترك فكرها القومي وتتبنى ما سمته بالاشتراكية العلمية (الماركسية) وأعلنت عن نفسها التنظيم اليساري الجذري على الساحة الفلسطينية. ولكنها لم تستطع على أرض الواقع أن تتخلى عن فكرها القومي ولم تنجح في تبني الماركسية ومن هنا نبع تخبطها على صعيد النظرية والممارسة. فقد تبنت النظرية الستالينية التي تدعو الى تقسيم الثورة الى مرحلتين: الاولى، مرحلة التحرر الوطني والثانية، مرحلة التحرر الاجتماعي (الاشتراكية). في المرحلة الاولى لا بد من تشكيل جبهة وطنية تشمل كافة التنظيمات والقبول بقيادة البرجوازية (التي أطلق عليها إسم البرجوازية الوطنية) لقيادة وإنجاز هذه المرحلة. وهكذا أخذت تتبنى المواقف اليمينية أكثر فأكثر وتبررها بشعارات يسارية موروثة من عصر آل إلى الزوال.
انشقت الجبهة الديمقراطية عن الجبهة الشعبية على خلفية اتهامها للقيادة بالفشل من التحرر من الفكر القومي من جهة والفشل في تبني الاشتراكية العلمية من جهة أخرى. وأعلنت عن نفسها أنها هي التنظيم الاشتراكي الوحيد على الساحة الفلسطينية. ولكن سرعان ما وجدت نفسها تلعب دور يسار فتح خارج فتح. بدأ ذلك علنا في أعقاب تبني البرنامج المرحلي الذي ساهمت في صياغته في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني ومن ثم رفع شعار السلطة الوطنية الذي طرح لاحقا بأشكال مختلفة في مؤتمر جنيف ومن ثم كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو. وتشكل اليوم طرف أساسي في اليمين الفلسطيني من خلال مشاركتها الفعالة  بسلطة أوسلو.
الخلاصة في كلمتين: لقد تحول شعار: "لا يمين ولا يسار في الثورة الفلسطينية"، إلى: جميع التنظيمات الفلسطينية هي يمين.


Saturday, January 11, 2020

الثورات هي التي تغير مجرى التاريخ

الثورات هي التي تغير مجرى التاريخ 
اغتيال قاسم سليماني في بغداد والرد الإيراني هيمنا على أخبار الأسبوع الأخير وقد طفحت وسائل التواصل الاجتماعي (بالاضافة لوسائل الاعلام العادية الاخرى) بالتحليلات والتعقيبات حتى وصل الاستقطاب الموجود أصلا إلى اقصى مداه. في هذا الأسبوع بالذات كانت صلتي بالانترنت محدودة نظرا لتواجدي خآرج البلاد في زيارة خاصة وانشغالي بأمور أخرى. ولكني بالطبع تابعت تطور الاحداث بقدر ما اتاحته لي الظروف. حتى ظن البعض ممن يعرفون مواقفي الثابتة حول ما يدور في منطقتنا بأني قد غيرت مواقفي جذريا بعد هذين الحدثين خصوصا الموقف من النظام الايراني ومن الصراع الامريكي - الايراني في المنطقة، حتى تساءل أن بعض الأشخاص الذين يطفون على شبر من الماء إذا ما كنت قد بلعت لساني وآثرت الصمت. اليوم وبعد أن عدت إلى ممارسة حياتي الطبيعية كان لا بد من تسجيل النقاط الاولية التالية:
1- كنت وما زلت أرفض التدخلات الاجنبية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية في منطقتنا بكافة أشكالها ومضامينها. هذا على الصعيد النظري مع علمي أن الموقف المبدئي لا يكفي لمنع هذه التدخلات.
2- كنت أتمنى أن تقوم الشعوب من خلال نضالها التحرري بمحاكمة قياداتها التي اقترفت الجرائم بحقها ولا تدعها لمجرم آخر (الامريكي في حالتنا هذه) وقد عبرت عن هذا الموقف في عدة مناسبات مثل إغتيال اسامة بن لادن والبغدادي ومؤخرا قاسم سليماني. الشعوب هي صاحبة الحق بملاحقة ومحاكمة هؤلاء قضائيا أو/ وميدانيا. في ظل الاستقطاب المذكور كانت المواقف متفاوتة فمنهم من أيد ومنهم من عارض حسب مواقفه المعلنة من الصراع العام.
3- أغتيل قاسم سليماني في بغداد قادما من بيروت ومن دمشق  فهو يمثل اليد العسكرية لنظام الملالي . في هذه الاماكن يعيث التدخل الاجنبي (الايراني أحدها) فسادا بالتوافق مع باقي الأطراف أحيانا والصراع  فيما بينها أحيانا أخرى. قاسم سليماني ومن خلفه النظام الايراني لم يكن بمعزل عن هذه التحالفات والصراعات ومن ضمنها مع الجانب الأمريكي. يجب الا ننسى انه على بعد كيلومترات قليلة من إغتيال سليماني (مطار بغداد) يوجد قاعدة عسكرية امريكية متطورة أقيمت بدعوة وموافقة الحكومة العراقية وحلفائها في طهران وربما كانت هذه القاعدة اليد المباشرة في الاغتيال. أنصار محور ما يسمى المقاومة يهاجمون بحق دول المنطقة التي تحتضن قواعد عسكرية أمريكية مثل قطر، الامارات والسعودية ولكنهم يخرسون ويغضون الطرف عن قواعدها في العراق. بعض النشطاء السياسيين "القوميين والوطنيين" تخونهم ذاكرتهم وينسون أن حكام بغداد الحاليين قد وصلوا للسلطة على ظهور الدبابات الامريكية وبمباركة ايرانية. الاحتلال الأمريكي للعراق مستمر بدون انقطاع منذ عام 2003. وفي السنوات الاخيرة أصبح احتلالا مشتركا امريكيا- ايرانيا. أنا لست ممن يقولون بأن الصراع الأمريكي الايراني هو مسرحية، على العكس من ذلك بل هو صراع وحشي وشرس هدفه الاستفراد بالفريسة والتهامها (في حالتنا هذه العراق). ولكن يتخلل هذا الصراع الشرس اتفاقيات، تفاهمات وتحالفات باشكال مختلفة.
4- قد تكون اليد المباشرة التي طالت سليماني أمريكية ومدعومة اسرائيليا ولكن من السذاجة حصرها في هذا الإطار فقط. هل يمكن استبعاد الدور الروسي بعد أن خرجت الخلافات الروسية - الايرانية إلى العلن في سوريا؟ وهل يمكن استبعاد أجنحة داخل النظام الاسدي بين مؤيدة لإيران ومؤيدة لروسيا؟ بل هي يمكن استبعاد الصراع داخل اروقة النظام الايراني ذاته؟ راجعوا مواقفكم على ضوء من المستفيد من اغتيال سليماني وسوف تفاجئون انفسكم.
5- وأخيرا، الرد الايراني. من يعتنق شعار: "الموت لامريكا، الموت لاسرائيل" سوف يخجل من هذا الرد فما بالكم بالمعارضين؟ قامت أبواق المؤيدين لنظام الملالي بتزييف التاريخ لكيل المدائح على هذا الرد الهزيل حتى ادعت بعضها أن استهداف القاعدة الامريكية هو الأول من نوعه بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر والذي كان سببا مباشرا لدخول أمريكا الحرب العالمية الثانية،  متجاهلين الحرب في كوريا في بداية الخمسينات والتي كبدت الجيش الأمريكي خسائر فادحة متجاهلين الحرب الفيتنامية التي استمرت لأكثر من عقد وكبدت الجيش الامريكي عشرات آلاف القتلى، هذا بالاضافة للحرب في لاوس وكمبوديا وحتى افغانستان الفقيرة.
يبدو أن ترامب كان صادقا عندما قال: " لم تنتصر إيران في أية حرب شنتها ولكنها لم تخسر أية مفاوضات". أغلب الظن أن إغتيال سليماني سيكون ورقة في يد النظام الإيراني للمساومة في مفاوضات مستقبلية وليس لتصعيد الصراع العسكري معها. هنا في فلسطين نلمس هذه السياسة منذ زمن طويل، فبعد كل عدوان تشنه اسرائيل على غزة أو تقوم بإغتيال أحد قادة الفصائل تعلن عن رغبتها بعدم التصعيد العسكري واستعدادها للتوصل الى هدنة طويلة واتفاقيات سياسية. راجعوا التصريحات الاسرائيلية منذ اغتيال احمد ياسين والرنتيسي مرورا بسعيد صيام والجعبري وحتى بهاء ابو العطا. فكل هدنة طويلة كانت أم قصيرة، بواسطة المخابرات المصرية وأطراف أخرى، كانت تأتي بعد عدوان أو عملية إغتيال وكان الطرف المعتدى عليه يلبسها قناعا بالرد ببعض الصواريخ الكرتونية وذلك للاستهلاك المحلي. فهل تعلمت أيران في ردها على اغتيال سليماني من حركة حماس والجهاد؟ لا تستغربوا أن تكون خاتمة اغتيال سليماني بداية انفراج سياسي بين ايران وامريكا ومن خلفها إسرائيل وبمشاركة أطراف أخرى.
لقد أصبحت البلدان العربية مسرحا للحرب بالوكالة بين القوى العالمية أو الاقليمية ومرتعا لتصفية حسابات هذه القوى على حساب الشعوب العربية. بالرغم من موقفي الرافض للحروب الامبريالية الرجعية ولكن إذا اصرت الدول الامبريالية والرجعية على شن حروبها   فلتفعل ذلك على أراضيها. إذا أرادت إيران أن تلعب دور البطولة فالاسطول الخامس الامريكي أقرب إليها من بغداد.
وفي جميع الأحوال ينبغي على الشعوب المضطهدة أن تحول الحروب الامبريالية والرجعية إلى حروب تحررية.