Friday, November 30, 2007

قرار التقسيم باطل باطل باطل



تقول الاسطورة أن الملك سليمان (والذي رفع الى مرتبة الانبياء في الثقافة الاسلامية ) عندما سأله الرب عما يريده لم يطلب حياة مديدة ولم يطلب الثروات والسلطة والانتصار على أعدائه كما يطلب باقي الملوك، بل طلب من ربه أن يعطيه قلبا حكيما يميز بين الخير والشر لكي يحكم بين الشعب "المختار" الثقيل. وقد فرح الرب بهذا الطلب ومنحه ما أراد بالاضافة الى ما لم يطلب.
وقد ظهرت حكمته في اليوم التالي عندما أتته إمرأتان تدعي كل منها انها أم لطفل حي متنازع عليه. فأمر سليمان بغحضار سيف وقطع الطفل الحي الى نصفين لكي تأخذ كل أم نصفه. فطلبت الام الحقيقية من الملك أن يعطي الطفل الحي للمرأة الاخرى ويبقيه حيا، بينما قبلت المرأة الاخرى مبدأ التقسيم حتى ولو قتل الطفل ( يمكن قراءة تفاصيل هذه الاسطورة في سفر الملوك)
ويعتبون على الشعب الفلسطيني أنه رفض تقسيم وطنه وتقطيع أوصاله ومنح أكثر من نصفه الى عصابة عنصرية متطرفة، بينما ينهالون بالمديح على تلك العصابة التي وافقت على قرار التقسيم.
في الذكرى الستين لهذا القرار المشؤوم يجب أن نعود ونؤكد رفضنا القاطع والصارم له وإعتباره باطلا وغير شرعي.
1) قرار التقسيم لا يمثل الشرعية الدولية كما يدعون وكما وقع في هذا الفخ العديد من الفلسطينيين والعرب والاجانب. العكس هو الصحيح، هذا القرار هو نقض لكل شرعية سماوية، إخلاقية، حقوقية وسياسية. لقد تم أتخاذ هذا القرار عن طريق الضغط والابتزاز والخداع الذي مارسته العصابات الصهيونية وبريطانيا والولايات المتحدة. هل يحق لأحد أن يمزق ويقسم وطنا لشعب مسالم لم يقترف أي جريمة حتى بدون أخذ رايه؟ أي شرعية هذه؟
2) قرار التقسيم كان أيضا جريمة ليس في حق الشعب الفلسطيني فحسب بل في حق الانسانية جمعاء. هذا القرار مهد الطريق لتهجير شعب بأكمله وسلب ونهب ارضه وهدم بيوته. فلو كانت هناك شرعية دولية حقيقية وحد أدنى من العدالة لوجب إنزال أشد العقوبات على متخذي مثل هذا القرار الاجرامي المجحف.
3) زرع هذا القرار بذور الصراع الذي لا ينتهي وجلب الحروب المستمرة للمنطقة ولشعوبها، فهو قرار أحمق وإجرمي من الناحية السياسية أيضا.
4) لم يأت هذا القرار لحل مشكلة إنسانية وهي إيجاد مأوى آمن للناجين اليهود من المحرقة النازية، لو كان الامر كذلك فلماذا أغلقت الدول الاوروبية وأمريكا حدودها أمام هؤلاء الناجين وزجوا بهم في هذه البقعة المأهولة؟

تزامنت الذكرى ال60 لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 والمعروف بقرار تقسيم فلسطين بإنعقاد مؤتمر انابوليس. حيث تجتمع زمرة من الفلسطينيين يدعمهم من على شاكلتهم من حكام البلدان العربية مع المغتصبين الاسرائيليين مدعومين من الامبريالية الامريكية وذلك لبيع ما تبقى من فلسطين في المزاد العلني وبأبخس الاثمان.
الدول العربية التي صوت من كان منها مستقلا إستقلالا شكليا عام 1947 ضد قرار التقسيم قامت عمليا بتعبيد الطريق الذي أدى ليس الى تقسيم فلسطين عمليا فحسب بل الى ضياعها بالكامل وتشريد شعبها. لم يتغير على دورها شيء يذكر فقد كانت هذه الدول صنيعة الاستعمار في وقته وهي ما زالت كذلك الآن. ونحن نقول ونكرر القول لهذه الانظمة العميلة: كفاكم ما قمتم به من خيانة في فقدان فلسطين، كفوا شركم عنا، الشعب الفلسطيني لن يسامحكم وشعوبكم سوف تحاسبكم وتعاقبكم عاجلا أم آجلا. أما الزمرة المهرولة من الفلسطينيين والتي تلث وراء مفاوضات وهمية ووعود سرابية فهي أعلم الناس بمدى إفلاسها، وانها تقامر بمكانتها وحياتها.
يقول البعض على الشعب الفلسطيني أن يكون واقعيا وألا يتمسك بالشعارات الفارغة (الثوابت الوطنية أصبحت شعارات فارغة) وأن يعترفوا بإختلال ميازين القوى على الساحة المحلية والعالمية، وأن يقبلوا بالنزر القليل المتاح أفضل من أن يخسروا الكل. هذا المنطق الانهزامي أثبت عقمه وفشله. تستطيع الشعوب أن تقلب الواقع رأسا على عقب ما دامت مؤمنة بعدالة قضيتها، قوة الشعب الفلسطيني بعدالة قضيته فإذا فقد ايمانه هذا فقد كل شيء حتى الحلم في مستقبل أفضل.
على الشعب الفلسطيني أن يهتف في هذه المناسبة وبصوت عال يسمعه الداني والقاصي، العدو والصديق، صوت يخترق الارض ويصل أعالي السماء، صوت يصمت المهرولين والمتساقطين، صوت واحد يقول: إن قرار التقسيم باطل باطل باطل

موضة حل الدولة الواحدة



لقد أصبح واضحا لدى العديد من السياسيين والاكاديميين الذين يتعاطون بالسياسة أن الحل الذي طبلوا له وزمروا لسنوات طويلة، والمعروف بحل الدولتين، قد بات مستحيلا. اذ أن التعنت دولة إسرائيل ورفضها الانسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالاضافة الى الاستيطان الصهيوني على مدى 40 عاما والذي غير معالم الضفة الغربية والقدس، جعل الكلام عن حل الدولتين يبدو عدميا حتى بالنسبة لمروجيه. بات واضحا أن هذا الحل حتى في افضل تجلياته سوف يبقي اسرائيل كدولة وحيدة والى جانبها محميات مقطعة الاوصال، معزولة ومخترقة، ويستطيع الجانب الفلسطيني اذا شاء أن يسميها دولة، او حتى أمبراطورية.
لفترة من الزمن برز شعار الدولة الديموقراطية العلمانية في فلسطين التاريخية كشعار نضالي بديل لحل الدولتين، الا أن المبادرين برفع هذا الشعار والقائمين عليه ما زالو يراوحوا مكانهم وعجزوا بل فشلوا في تطوير هذا الشعار وجعله مشروعا سياسيا قابلا للتطبيق. وما حصل هو العكس تماما، فقد أصبح هذا الشعار وبتسميات مختلفة ملجأ للعديد من الهاربين من الشعار الاول (حل الدولتين) بعد أن تيقنوا من استحالة تطبيقه، وركبوا على موجة الدولة الواحدة لكي يتمسكوا بمواقعهم المهتزة ليس إلا.
اسوق هذه المقدمة بمناسبة عقد مؤتمر مؤخرا في لندن تتحت عنوان: "تحدي الحدود: دولة واحدة في اسرائيل/فلسطين" حيث مثل به نخبة من النجوم الاكاديميين الفلسطينيين والاسرائيليين والاجانب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: البروفيسور نديم روحانا، مدير مركز مدى صاحب وثيقة حيفا التطبيعية والذي ينادي بالدولة ثنائية القومية في إطار دولة اسرائيل، والدكتور أسعد غانم من جامعة حيفا ومركز ابن خلدون والذي يغير مواقفه السياسية بنفس السهولة التي يغير بها بدلاته الانيقة، وهو ايضا ينادي اليوم بالدولة ثنائية القومية، والدكتور نور مصالحة والمؤرخ إلان بابيه الذين قدما ابحاثا محمودة حول سياسة التهجير والتطهير العرقي للحركة الصهيونية خصوصا خلال حرب عام 1948، هذا بالاضافة الى عدد كبير من الناشطين والاكادميين الآخرين.
الدولة الواحدة التي يتكلم عنها جميع هؤلاء هي في الحقيقة دولة إسرائيل محسنة، طبعة جديدة منقحة، فالجميع يتغاضى عن كون إسرائيل كيانا استعماريا إستيطانيا يقوم على ايديولوجية عنصرية أو يمر على هذه الحقيقة الدامغة مرور الكرام. تستطيع إسرائيل بقدرة قادر أن تتحول الى دولة لكل مواطنيها، الى دولة ثنائية القومية والى دولة ديموقراطية علمانية، كل ما في الامر يجب إقناع حكامها بضرورة ومصداقية هذا الحل، والتغيير سوف يأتي من نفسه.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ولا أدعي بمقدرتي أن أوفر الجواب الشافي بهذه الجالة عليه هو: هل تستطيع دولة إسرائيل أن تخرج من جلدها وأن تغيير طبيعيتها الكولولونيالية العنصرية؟ هل تستطيع أن تكون دولة المستوطن، الناهب للأرض وفي الوقت نفسه دولة اللاجئ والمهجر والذي يرزح تحت الاحتلال؟ هل يمكن وهل يعقل المساواة بين الظالم والمظلوم؟ بين المستعمر (بالكسرة) والمستعمر (بالفتحة)؟
ماذا تعني الدولة ثنائية القومية التي ينادون بها؟ عن أي قوميتين يتكلمون؟ هل هي القومية العربية واليهودية؟ ام العربية ولاسرائيلية؟ ولماذا لا يتكلمون عن دولة متعددة القوميات؟، وهذا اقرب الى الواقع الذي فرضه الاستيطان الصهيوني الذي جلب مستوطينين من عشرات القوميات. وبالرغم من كافة الجهود الصهيونية على مدى 60 عاما لصهر هذه القوميات في بوتقة واحدة الا ان الفشل في هذا المجال ظاهر امام كل من يريد أن يرى، واذا ما زال احدهم يشك في ذلك فاليسأل المهاجرين الروس والاثيوبيين والمغاربة واليمنيين وهلم جرا.
حسب المفهوم الليبرالي للمروجين الجدد للدولة الواحدة، تستطيع إسرائيل بكل بساطة أن تدعي بأنها دولة ديموقراطية علمانية، فما الجديد الذي يجلبه هؤلاء؟ والحق يقال أن الدعاية الصهيونية قد حققت نجاحا كبيرا في إقناع العالم بأنها الدولة الديموقراطية العلمانية الوحيدة بالمنطقة وأن كونها دولة يهودية في الوقت نفسه لا يتناقض مع كونها دولة ديموقراطية وعلمانية.
إن مثل هؤلاء الاكادميين والناشطين الذين يعقدون مثل هذه المؤتمرات يسدون خدمة مجانية عظمى للدولة العنصرية التي يتهمونها هم انفسهم بإتباع سياسة التطهير العرقي. نحن كشعب فلسطيني مشرد ومهجر وواقع تحت الاحتلال يجب ألا نقع في هذه المصيدة. الدعوة للإعتراف بنا كأقلية (قومية) (أصلانية) وما شابه هذه الفلذكات الكلامية، هي مصيدة هدفها سلخنا عن عمقنا الفلسطيني والعربي من جهة ومنح الشرعية للأغلبية الصهيونية من جهة أخرى. الكلام حول تحويل إسرائيل الى دولة جميع مواطنيها هو أيضا مصيدة إذ كيف يعقل أن تصبح دولة المستوطنين العنصرية التي اقترفت جرائم لا تحصى ولا تعد أن تكون في الوقت ذاته دولة الشعب المحتل واللاجئ؟
الدولة الديموقراطية العلمانية اذا لم تكن تعني تحرير الارض والانسان فأنها تكون كذبة عظمى يجب فضحها ونبذها.

Sunday, November 18, 2007

استقلال أم إستهبال؟؟



من حق الشعوب أن تحلم بالحرية والاسقلال. ومن حقها، لا بل من واجبها أن تناضل من أجل تحقيق هذا الحلم. ومن واجب قيادة هذه الشعوب أن تقود هذا النضال حتى يتحول الحلم الى حقيقة. ولكن عندما يصبح الحلم كابوسا، عندما يصبح وهما وسرابا، عندما يصبح كذبة كبرى عندئذ على الشعوب أن تستيقظ من هذا الكابوس وتنبذ ذاك الوهم وتفضح تلك الكذبة وتحاسب قياداتها التي أوصلتها الى هذا الوضع المزري.
هذه هي حالتنا مع " إعلان استقلال دولة فلسطين" الذي مر عليه قرابة العشرين عاما. لا دولة، لا استقلال ولا يحزنون. بل هو وبكل بساطة: إستهبال. يطالبوننا بإن نحتفل بهذه الكذبة كل سنة وأن نفرح ونغني ونرقص. قد يقول البعض إن اعلان الاستقلال كان خطوة رمزية على إعتبار ما سيكون وليس على اعتبار ما كان أو ما هو كائن، خصوصا وأنه اتخذ من قبل أعلى مؤسسة في منظمة التحرير الفلسطينية "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" وهو المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة نوفمبر 1988 في الجزائر. من يروج مثل هذه التبريرات يراهن على ضعف ذاكرة الجماهيرمن جهة وقوة الجهاز الدعائي الديماغوغي للقيادة الفاسدة والعاجزة من جهة أخرى.
كيف ظهر هذا الاستقلال المزعوم الى النور عام 1988 وما هي الظروف السياسية الفلسطينية والعربية والدولية التي كانت سائدة في ذلك الوقت؟، والاهم من ذلك كله، ماذا كان الهدف الحقيقي من الاعلان عنه؟.
التسويات التصفوية التي تفرط بالحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني في وطنه وعلى أرضه قديمة قدم القضية نفسها. ولم تبدأ في أوسلو ولن تنتهي في أنابوليس. وإنخراط فئات متنفذة في قيادة الشعب الفلسطيني وتعاطيها مع هذه التسويات هو الآخر ليس جديدا. فقد سبق الاعلان عن "وثيقة الاستقلال" فترة طويلة من التحضير لقبول تسوية من هذا النوع. العلامة الفارقة في هذه المسيرة التصفوية الطويلة كان تبني ما يسمى البرنامج المرحلي ألذي اتخذه المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة عام 1974 وطرح ما يسمى "السلطة الوطنية" والذي في خطوطه العريضة ينبذ حلم تحرير فلسطين ويكتفي بإقامة سلطة على أي بقعة ينسحب عنها جيش الاحتلال الاسرائيلي. وعمليا جاء هذا البرنامج تحضيرا للأنخراط بالمفاوضات التي بدأت بين إسرائيل والدول العربية في جنيف. غير أن الطرف الفلسطيني عاد بخفي حنين ولن تفيده التنازالات التي قدمها فتيلا، ولم يحظ حتى بتلق دعوة لحضور هذه المفاوضات التي تمخضت بعد عدة سنوات عن إتفاقيات كامب ديفيد بين النظام الساداتي وإسرائيل.
لم تكن التنازلات التي قدمها الجانب الفلسطيني كافية لكي ترضي إسرائيل وحلفائها الامريكيين والاسرائليين وطالبوا بالمزيد من هذه التنازلات. التي سرعان ما جاءت على شكل حملة " سلام" فلسطينية في نهاية السبعينات والثمانينات. هل ما زال أحد يذكر تحركات عصام السرطاوي وسعيد حمامي وعزالدين قلق وغيرهم من ممثلي المنظمة الذين قادوا هذه الحملة في أوروبا؟ في المقابل كان الرد الاسرائيلي، بعد التوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد وتحييد مصر عن الصراع، إجتياح لبنان عام 1978 وإحتلال بيروت وطرد المنظمات الفلسطينية منها عام 1982. من كان يظن أن الممارسات الاسرائيلية سوف تعيد قيادات هذه التنظيمات الى طريق النضال خاب أمله، ما حدث كان عكس ذلك تماما. فقد تسارعت وتيرة التنازلات عن الثوابت الوطنية.
في هذه الاثناء وصل السيل عند الشعب الفلسطيني الزبى وفجر إنتفاضته الشعبية والتي كانت تسير بخطى واثقة ومتسارعة على طريق التمرد المدني والسياسي، الامر الذي أربك ليس إسرائيل وحلفاءها فحسب، بل القيادة الفلسطينية المتنفذة أيضا، التي خافت أن تخرج الامور عن هيمنتها. وكان من الضروري التحرك بسرعة للجم الانتفاضة وترويضها. ويا لسخرية الاقدار فقد دعيت الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر نوفمبر 1988 بدورة الانتفاضة التي مر على انطلاقتها حوالي سنة، وأرادت القيادة أن تقطف ثمار الانتفاضة مبكرا، فجاء الاعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية، لكي ترضي جماهير الانتفاضة من جهة ولكنها كانت لذر الرماد في العيون من جهة أخرى، لأن وراء الاكمة كان ما وراءها، والدوافع الحقيقية لهذا الاعلان كان التستر عن المفاوضات التي قطعت مرحلة لا بأس بها بين قيادة المنظمة والادارة الامريكية. فبعد أقل من شهر دعي ياسر عرفات لإلقاء خطاب امام مؤتمر نظمته الامم المتحدة في جنيف وهناك لأول مرة وبشكل رسمي وعلني أعلن ابو عمار بأن الشعب الفلسطيني يقبل بقرار 242 و 338 ويدين كافة أشكال الارهاب. وكان ذلك ما تريده الادارة الامريكية برئاسة رونالد ريغان لكي تبدأ بحاور مباشر مع منظمة التحرير. وهكذا قضينا على الانتفاضة الشعبية الاولى من خلال إحتضانها، وكانت إتفاقيات أوسلو القبلة المميتة.
كاتب وثيقة "الاستقلال" وضع أمامه وثيقة "إستقلال" أخرى هي وثيقة الاستقلال الاسرائلية. وأخذ ينقل عنها وكأنه طالب يغش بالامتحان. الاسلوب نفسه، الافكار نفسها، وحتى بعض الجمل نفسها. تقمص هذا الكاتب الذي من المفروض أن يمثل الشعب الضحية شخصية المستوطن الصهيوني. ركزت الوثيقة على الروابط العاطفية التي تربط الشعب الفلسطيني بوطنه، ركزت على دولة وهمية وتجاهلت المقاومة التي كانت في أوجها. مرت بحق العودة مرور الكرام، كرست الاعتراف بدولة إسرائيل وأعتبرت قرار التقسيم مرجعية بالرغم من إجحافه.
سامحوني، أنا شخصيا لن أحتفل بمثل هذا الاستقلال المزيف. الاستقلال النابع من صلب النضال، الاستقلال الذي يتوج مسيرة التحرير المظفرة هو الوحيد الذي يستحق الاحتفال به.

التطبيع والاسرلة وجهان لعملة واحدة



استوقفني مؤخرا خبر تناقلته بعض وسائل الاعلام أثار إستغرابي وعجزت عن فهمه بالرغم من بساطته. يقول عنوان الخبر: "محمود عباس يطالب الدول العربية والاسلامية تجنب التطبيع مع اسرائيل". للوهلة الاولى ظننت أن هناك ثمة خطأ لغوي أو مطبعي، ربما سقطت سهوا كلمة صغيرة مما تنضح به لغتنا العربية ولكن بمقدورها أن تقلب معنى الجملة. وقلت: ربما كان عنوان الخبر: "محمود عباس يطالب الدول العربية والاسلامية عدم تجنب التطبيع مع إسرائيل" فسقطت كلمة "عدم" سهوا مما قلب المعنى رأسا على عقب.
ولكي أتأكد من ذلك قرأت الخبر من عدة مصادر وكلها ذكرت "تجنب التطبيع" من غير كلمة "عدم". فقلت إذن لا بد ان يكون الخبر برمته ليس أكثرمن نكتة سمجة من ابداع أحد الاعلاميين الخبثاء الساخرين. ولكن وكالة انباء الشرق الاوسط التي نشرت هذا الخبر وباقي المواقع التي تلقفته أبعد ما تكون عن السخرية والنكات. يعني أن الخبر بشكله المنشور صحيح. وهذا يعني بدوره أن السيد محمود عباس يستخف بعقول العرب والمسلمين أجمعين وفي شتى أنحاء العالم. وبالعربية العامية أن الرجل يستهبلنا.
كيف يطالب العرب والمسلمين بتجنب التطبيع وهو يختلي كل خميس برئيس حكومة اسرائيل أولمرت لساعات لا يعرف أحد ما يدور بينهما سوى الله رب العالمين؟ بينما تواصل الحكومة الاسرائيلية جرائمها في غزة ونابلس وجنين والخليل حيث يسقط يوميا شهداء وجرحى ومعتقلين يقوم السيد عباس بإحتضان اولمرت وكأن ما يجري حوله يجري على كوكب آخر. حتى اننا لم نعد نسمع الادانات الروتينية التي كان يطلقها المسؤولون في السلطة الفلسطينية. واكثر من ذلك، فالتنسيق والتعاون بين السلطة والاحتلال ينشط على قدم وساق ويشمل كافة المجالات وجميع الاصعدة. فهناك التنسيق الامني الذي يطارد المقاومة ويجردها من سلاحها، وهناك تنسيق فرض الحصار على غزة وتصعيده بالعقوبات الجماعية، وهناك التنسيق السياسي لتحضير مؤتمر الخريف. تتم هذه الامور في وضح النهار وتتناولها كافة وسائل الاعلام المحلية والعالمية، وجميعنا يسمعها ويقرأها. اليست هذه تطبيعا ؟.
ولكي لا أظلم محمود عباس، فلم أكتف بقراءة عنوان الخبر ووجدت في جسد الخبر أنه يضيف: "…إلا اذا انسحبت (اسرائيل) من الاراضي العربية المحتلة عام 1967 ووافقت على حل عادل لمشكلة اللاجئين".
وهذا عذر أقبح من ذنب. اذ أن رئيس الحكومة الاسرائيلية وكافة وزرائه يعلنون على الملأ صباحا ومساء، للقاصي والداني، لمن يهمه الامر ولمن لا يهمه أنه لا انسحاب من كافة الاراضي المحتلة، وانه لا حق للاجئين بالعودة.
فلماذا يا سيادة رئيس السلطة لا تبدأ بنفسك وتتجنب أنت وحكومتك وأجهزتك الامنية التطبيع مع اسرائيل حتى توافق على مطالبك المتواضعة هذه؟ ألم تسمع المثل العربي الذي يقول: لا تنه عن خلق وتأتي بمثله عار عليك إن فعلت عظيم؟
يقول الكثيرون من الدول العربية والاسلامية: اذا كنتم انتم الفلسطينيون، اصحاب القضية، أشد الناس حرصا على التطبيع وتمارسونه ليل نهارا، سرا وعلانية، فبأي حق تطالبوننا بتجنب التطبيع؟ لماذا ما هو مسموح لكم ممنوع علينا؟ أيها المراؤون، كيف تشيرون الى القذى في أعيننا وتتجاهلون الخشبة في أعينكم؟
كيف يطالب محمود عباس الدول العربية بتجنب التطبيع مع اسرائيل وفي يترجى السعودية والدول العربية "المعتدلة" الا تقاطع مؤتمر الخريف. ويدعو مصر والاردن وباقي الدول العربية والاسلامية الى تبني مشروع السلام الامريكي – الاسرائيلي.

يجب ملاحقة المطبعين الفلسطينيين وفضحهم أمام الجماهير. وإعادة القضية الى مسارها الصحيح
الاسم الآخر للتطبيع فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل هو الاسرلة. جميع الاحزاب العربية الاسرائيلية والجمعيات والمؤسسات ليس فقط انها تسير في ركب الاسرلة ولكنها تعمل أيضا بلا كلل أو ملل، من حيث تدري أو لا تدري على أسرلة الجماهير الفلسطينية وتشويه هويتها الوطنية.
وكما في المناطق الفلسطينية الاخرى، فإن زعامة هذه الاحزاب والجمعيات تستهبلنا وتستخف بعقولنا، تختبئ وراء قناع مزيف من الوطنية أو القومية او الاسلامية ولكنها في الحقيقة تروج للأسرلة. فهذه لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية ولجنة رؤساء المجالس المحلية تصدر وثيقة أطلقت عليها اسم التصور المستقبلي، وذلك على حد زعمها لترتيب العلاقة بين الدولة والمواطنين الفلسطينيين، ومن ثم قامت عدالة بنشر وثيقة مشابهة تحت مسمى "الدستور الديموقراطي" وتبعها مركز مدى بوثيقة حيفا، وكلها وثائق أسرلة بإمتياز ولم ولن يستطيع أي قناع "وطني" أن يخفي هذه الحقيقة الدامغة. في هذا السياق، أعجبني خطاب محمد بركة في حضرة محمود عباس عندما زاره وفد من لجنة المتابعة العليا للتوسط وحل النزاع الدموي الناشب بين فتح وحماس. قال بركة موجها كلامه الى محمود عباس: " اننا لسنا معك، وانما نحن مع المشروع الوطني الفلسطيني ومن أجل تحقيقه، وطالما انك متمسك بهذا المشروع فنحن نؤيدك".
المشروع "الوطني الفلسطيني" الذي يتمسك به كل من بركة وعباس ذو طبيعة واحدة وهو الاعتراف باسرائيل كتجسيد لحق "الشعب البهودي في تقرير مصيره" والقبول بدويلة مسخ للشعب الفلسطيني. وكما قال المثل: الطيور على اشكالها تقع.
إن مقاومة التطبيع والاسرلة شرط مسبق وضروي من أجل التمسك بالحقوق الطبيعية للشعب الفلسطين في تحرير أرضه والعودة اليها. وأن التطبيع والاسرلة هو المقدمة الاولى للتفريط بهذه الحقوق.