Monday, December 21, 2009

ضد الديموقراطية، ضد حقوق الإنسان


علي زبيدات - سخنين

في العصر الحديث يوجد هناك ثلاث دول تدعي وتفتخر بأنها نموذج يحتذى به للنظام الديمقراطي وهي بريطانيا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. هذا الادعاء الذي أصبح حقيقة لا يقبل الجدل ويدرس كعلم في كافة المراحل التعليمية من المدارس الابتدائية إلى الجامعات ومراكز الأبحاث كان كافيا لأقولها لكل من يريد أن يسمع: أنا ضد الديمقراطية.
بريطانيا، تاريخها مظلم حالك السواد بالرغم من أن الشمس لم تكن تغيب عن إمبراطوريتها. بنت حضارتها واقتصادها وتطورها , على احتلال بلدان عديدة في شتى أرجاء العالم واستعباد شعوبها ونهب ثرواتها وخيراتها. هذا بالإضافة إلى الحروب العديدة التي شنتها في أوروبا وأفريقيا وأسيا وأمريكا والى الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال هذه الحروب. هل لأنها حددت صلاحية الملك ونقلت صلاحيته إلى رئيس الحكومة الذي يمثل الحزب الأكبر والذي ينتخب كل عدة سنوات أصبحت دولة ديمقراطية نزيهة؟
النموذج الثاني للديمقراطية، الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت على جماجم المواطنين الأصليين من الهنود الحمر بعد أن شنت عليهم حرب إبادة تعتبر من أبشع حروب الإبادة في تاريخ البشرية طالت الإنسان والحضارة واللغة وتتقزم أمامها كافة حروب الإبادة السابقة. وهي الآن تتعامل مع الديمقراطية كسلعة رأسمالية للتصدير إلى جانب الأسلحة الفتاكة التي تصدرها. جرائم الولايات المتحدة الأمريكية "الديمقراطية" أكثر من أن تحصى وتعد، بدءا بإبادة المواطنين الأصلين مرورا باستعباد ملايين الزنوج الذين خطفوا من أفريقيا وتم الإلقاء بهم في حقول التبغ والقطن والمناجم وحتى الحروب العديدة المستمرة والتي لم تسلم منها بقعة على الكرة الأرضية. هل هذا الدولة لأنها كتبت في وثيقة استقلالها " أن جميع البشر خلقوا متساوين وأن بعض الحقوق غير قابلة للتصرف ومنها الحق في الحياة والحرية والبحث عن السعادة" أصبحت نموذجا للديمقراطية؟ بالرغم من أن كل خطوة خطتها منذ يوم استقلالها في الرابع من تموز عام 1766 وحتى يومنا هذا تؤكد عكس ما كتبته تماما: إذ أن جميع البشر لم يخلقوا متساوين، فمنهم من خلق وبيده سلاح القمع والهيمنة ومنهم من خلق عبدا أو محتلا أو لاجئا أو مطاردا. وإن جميع الحقوق قابلة للتصرف بما فيها حق الحياة والحرية والبحث عن السعادة عن طريق إتعاس الآخرين.م هل أصبحت نموذجا للديمقراطية لأنها تنتخب كل خمس سنوات الرئيس الذي اختارته الشركات الكبرى والتي أنفقت ملايين الدولارات لتضعه في الواجهة؟
الضلع الثالث في هذا المثلث الديمقراطي غير المقدس، ثالثة الأثافي، هي دولة إسرائيل. التي بنت نظامها الديمقراطي جدا جدا على الأرض التي نهبتها من تحت أقدام الشعب الفلسطيني في وضح النهار وعلى مرأى العالم أجمع وبمباركة ما يسمى بالشرعية الدولية، بعد أن شتته وألقت فيه بالمنافي، أصبحت واحة من الديمقراطية في وسط صحراء من الاستبداد والطغيان العربي. ولكن يبدو أن الديمقراطية الإسرائيلية لا تتعارض مع سياسة التطهير العرقي ومع سياسة السلب والنهب وكبت الحريات والقتل والزج في السجون بل على العكس، تنسجم معها تمام الانسجام.
قد يقول البعض أن الديمقراطية شيء وأن الأنظمة التي تطلق على نفسها أنظمة ديمقراطية هي شيء آخر. حيث يوجد هناك دوما فجوة بين النظرية والتطبيق. وأن العيب يكمن في التطبيق وليس في النظرية. وهكذا بالرغم من معرفتنا بطبيعة هذه النماذج تبقى "الديمقراطية" حلمنا المقدس المفقود.
أنا أحد الناس الذين يكفرون بالديمقراطية نظرية وتطبيقا. إذا كان التطبيق على هذه الدرجة من السوء ولفترة طويلة من الزمن، فلا بد أن يكون الخلل في النظرية أيضا. الديمقراطية لغويا هي كذبة رائجة ومنطقيا تنطوي على تناقض داخلي: إذا كان الشعب هو الحاكم فمن هو المحكوم إذن؟ وما ضرورة أن يمارس الشعب الحكم على نفسه؟ هذه الكذبة قديمة قدم الديمقراطية نفسها. في اليونان القديمة عندما كانوا يستعملون كلمة شعب لم يكن العبيد والنساء محسوبين على هذا الشعب. إذن حل التناقض يكمن في تعريف كلمة الشعب: بالنسبة للأمريكيين المهاجرين ذوي الأصول الأوروبية هم الشعب، أما السكان الأصليين فهم خارج الشعب، بل أعداء الشعب وبالتالي من الطبيعي إبادتهم. في إسرائيل، المستوطنون الصهاينة هم الشعب، أما الفلسطينيون فهم أعداء الشعب ولا تسري الديمقراطية عليهم. الطبقة الحاكمة هي التي تحدد من هو داخل الشعب ومن هو خارجه. وفي حالات معينة ممكن أن تقصي أشخاصا أو فئات كانت معدودة على الشعب. أثينا القديمة الديمقراطية قررت أن سقراط هو عدو الشعب وقدمت له السم. مما حدا بأفلاطون أن يرفض الديمقراطية ويدعو إلى استبدالها بسلطة الفلاسفة.
في هذه الأيام لم يعد هناك فلاسفة. وإذا وجد البعض فأنهم مغرقون بالرجعية. الديكتاتورية الثورية للطبقات المظلومة هي البديل الوحيد لهذه الكذبة التي تسمى الديمقراطية. الديكتاتورية الثورية التي لا تكتفي بالكلام عن الحقوق غير القابلة للتصرف بل تعمل على تطبيقها. هذه الديكتاتورية الثورية التي يقودها ثوريون ملتزمون تأخذ شرعيتها من الجماهير الثائرة وليس من وثائق ودساتير ميتة بين صفحات الكتب.
كذبة أخرى رائجة في أيامنا هذه جرى الاحتفال بذكراها مؤخرا هي كذبة حقوق الإنسان: بينما كان لاجئو فلسطين في عام النكبة يهيمون على وجوههم باحثين عن مكان يضعوا عليه خيماتهم تبنت الأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 ما يسمى: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الإعلان، الذي أصبح إنجيلا بالنسبة للبلدان "الديمقراطية" و لمنظمات حقوق الإنسان التي انتشرت كالفقع في كل مكان ومعظمها لا يعدو كونها أكثر من حوانيت خاصة تتاجر بهذه السلعة الفاسدة، ينضح من أول كلمة فيه إلى آخر كلمة بالنفاق والتمييز بين إنسان وإنسان. إن تكرار الجملة الممجوجة التي تقول: "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق" لم يغير من منسوب النفاق في هذا الإعلان من المادة الأولى إلى المادة الثلاثين الأخيرة شيئا.
معظم أبناء الشعب الفلسطيني، على سبيل المثال لا الحصر، ولدوا تحت الاحتلال أو في اللجوء وكرامتهم مهانة وحقوقهم مهضومة. وعلى دولة إسرائيل قبل أن توقع على هذا الإعلان كان الأحرى بها أن تكون هي نفسها إنسانية أولا. لا يعقل أبدا أن تقترف دولة إسرائيل والدول "الديمقراطية" الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية جرائم في حق الإنسانية وفي الوقت نفسه تتشدق بحقوق الإنسان وتأتي لتبيعنا بضاعتها الكاسدة في هذا المجال.
عندما يصبح الإنسان أبن نوعه أي عندما يصبح إنسانا يكتسب الحق الأخلاقي للكلام والدفاع عن حقوق الإنسان.

Monday, December 14, 2009

القدس الواحدة هي العاصمة الابدية لفلسطين


علي زبيدات – سخنين

المعادلة بسيطة: من قبل في الماضي ومن يقبل في الحاضر تقسيم فلسطين فلن يكون غريبا عليه أن يقبل تقسيم القدس. ومن وجد ألف تبرير لماذا يجب القبول بتقسيم فلسطين فلن يعجز عن إيجاد ألف تبرير آخر لماذا يجب تقسيم القدس والرضا بما تتنازل لنا عنه إسرائيل لتقوم عليها عاصمة الدولة الفلسطينية. منذ أن تناولت وسائل الإعلام خبرا مشكوك بمصداقيته يفيد بأن السويد تقود تحركا أوروبيا غير مسبوق بصدد اعتراف الاتحاد الأوروبي بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، والمسئولين الفلسطينيين في السلطة من الرئيس إلى اصغر موظف في مكاتب المنظمة في أوروبا يكادون أن يشقوا ثيابهم طربا وفرحا.
لكن كالعادة، تمخض الجبل فولد فأرا. حيث تبين أن بيان الاتحاد الأوروبي لا يتناول لا من قريب ولا من بعيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو بالقدس المحتلة كعاصمتها، بل يجتر المواقف المعروفة للإتحاد الأوروبي منذ عقود والتي تدعو: "إسرائيل والفلسطينيين إلى تسوية وضع القدس على أنها عاصمة الدولتين في المستقبل" كيف تتم تسوية وضع القدس ومتى يأتي هذا المستقبل؟ يبقى ذلك في عالم الغيب.
في خضم هذا الجدل الملتهب على الساحة المحلية والإقليمية والدولية أرى من الواجب أن يقوم شخص واحد على الأقل، وأتطوع أن أكون هذا الشخص، ليقول للاهثين وراء سراب الدولة والعاصمة على الساحة الفلسطينية أولا وللإجماع القومي الإسرائيلي ثانيا من ثم للإتحاد الأوروبي وللعالم أجمع: أن القدس بشرقها وغربها، بجنوبها وشمالها، بقديمها وحديثها هي مدينة واحدة، مدينة عربية فلسطينية، سواء كانت عاصمة لدولة أو لدولتين أو لم تكن، سواء كانت مقدسة للأديان السماوية الثلاثة أم لم تكن. هذه المدينة مثلها مثل الوطن بأسره غير قابلة للقسمة مهما نهشتها الكلاب البشرية ومزقت أشلاءها قوى الظلم في هذه المرحلة التاريخية أو تلك.
لقد روجت دولة إسرائيل، منذ قيامها على الأقل، لكذبة راجت على جميع الأصعدة حتى أصبحت بمثابة بديهية مفروغ منها لا تحتاج لأي برهان تقول: أن القدس الغربية أو القدس الجديدة هي مدينة يهودية إسرائيلية. وقد ساهم النظام العربي والفلسطيني الرسمي في ترويج هذه الكذبة وأقتصر كلامهما على القدس القديمة أو الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 وقامت بضمها.
أهالي القدس يعرفون جيدا أن "القدس الجديدة" بنيت على أنقاض ما لا يقل عن 15 حيا فلسطينيا أصيلا وأن جميع مؤسسات الدولة الصهيونية من كنيست إلى المحكمة العليا إلى مقر رئيس الدولة إلى متحف "يد وشم" وغيرها قائمة على أنقاض هذه الأحياء. وأن الأحياء الجديدة الأخرى التي بنتها الدولة بعد عام النكبة قامت على أراض فلسطينية مغتصبة ومحتلة. حسب علمي، لم يحضر المستوطنون الصهاينة الذين غزوا فلسطين بأعداد متزايدة في أعقاب الانتداب البريطاني الأرض في جيوبهم أو على ظهور السفن التي نقلتهم بل استولوا عليها بواسطة كافة أساليب الغش والسرقة ومن ثم بواسطة القوة العسكرية.
طبعا لم تكتف إسرائيل بسلب واحتلال الأراضي الفلسطينية التي قامت عليها القدس الغربية بل واصلت سياسة التطهير العرقي المنهجية لتهويد كامل مدينة القدس بعد إكمال احتلالها وضمها عام 1967. كانت سياستها هذه واضحة منذ البداية ولم تحاول حتى التستر عليها، فقط المكفوفين في السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية لا يبصرون ذلك، وهي أن مصير القدس لن يكون أفضل من مصير يافا وحيفا وعكا واللد والرملة. التهويد يجب أن يصل إلى كل مكان وكل مجال. هكذا بدأت بإفراغ القدس القديمة من سكانها العرب بدءا بما يسمى بالحي اليهودي وهو حي فلسطيني أصيل وجلب المستوطنين إليه ومن ثم انتشار البؤر الاستيطانية السرطانية في كافة أرجا القدس من جبل الطور إلى جبل المكبر ومن سلوان إلى حي رأس العامود إلى حي الثوري والشيخ جراح. هذا بالإضافة إلى المستوطنات التي ألحقت بالقدس مثل معاليه ادوميم، بسغات زئيف، التلة الفرنسية جبل أبو غنيم وغيرها من ضواحي القدس وأراضيها.
إذن، عن أية عاصمة يتحدثون؟ ولا يغرنك الشعارات، ففي سياق هذا المزاد العلني المعروض حاليا فلن تكون مفاجأة أن تصبح أبو ديس هي مدينة القدس وهي العاصمة. المفاوضون الفلسطينيون يتبعون المثل البدائي الذي يقول: أطلب الكثير لكي تحصل على القليل. لم ننس بعد تصريح الناطق باسم رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة وهو يقول:"قد نتنازل عن السيادة في الحرم القدسي لمصلحة طرف ثالث".
إذا كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي احتلت وألحقت القدس بصورة غير شرعية حسب كافة القوانين الدولية والأخلاقية، تكرر ليل نهار وأمام كل من يريد أن يسمع، بأن القدس "الموحدة" هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل، فلماذا نجبن نحن أصحاب الحق والأرض ولا نقول لكل من يريد أن يسمع: أن القدس الواحدة هي عاصمة فلسطين الأبدية؟

Wednesday, December 02, 2009

أوهام الدولة وحقيقة المقاومة


علي زبيدات – سخنين

عندما تستحوذ الأوهام على رؤوس بعض الناس تصبح أخطر من الحقيقة ويصبح من الصعب بل في بعض الأحيان من المستحيل استئصالها. وهم الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ليس جديدا بل هو قديم قدم القضية الفلسطينية نفسها. ولكنه في ذلك الوقت كان من نصيب أفراد أو أحزاب هامشية منبوذة على الصعيد الشعبي لا تمتلك القرار. أما اليوم فأنه يستحوذ بشكل مرضي على عقول شريحة واسعة من الزعامة المستنفذة للشعب الفلسطيني.
الحملة الأخيرة على هذا الصعيد بدأها سلام فياض، رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية قبل عدة أشهر عندما نشر برنامج حكومته من خلال وثيقة أطلق عليها اسم: "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" وزعم أنه سيبني مؤسسات الدولة المستقلة خلال سنتين حيث ستقوم هذه الدولة بغض النظر عن نتائج المفاوضات مع إسرائيل. وقد بدأ واضحا أن هذه الوثيقة تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة ولا تتعارض جوهريا مع تصور رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو للدولة الفلسطينية والسلام الاقتصادي الذي يعرضه.
هذه الأوهام انتشرت مثل النار في الهشيم وبلغت ذروتها عندما صرحت السلطة على لسان كبير مفاوضيها، صائب عريقات، عن نيتها إعلان الدولة المستقلة من طرف واحد والتوجه إلى مجلس الأمن من أجل الاعتراف بهذه الدولة. بالرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المبدئية على مثل هذه الدولة الوهمية إلا أن موقفهما المعلن هو ضرورة أن تكون هذه الدولة نتيجة للمفاوضات بين الطرفين. ولكن كالعادة فأن الاتحاد الأوروبي يحسن ذر الرماد في العيون ويظهر بعض المرونة في موقفه، حيث تزحزح قليلا عن موقفه السابق الذي يقول بأن ظروف الإعلان عن الدولة الفلسطينية لم تنضج بعد، إلى موقف يقول بأنه على استعداد للاعتراف بهذه الدولة وبالقدس الشرقية كعاصمة لها. وسوف يتخذ قرارا بهذا الشأن الأسبوع القادم خلال اجتماع لوزراء خارجيته. أما الموقف الأمريكي فما زال مطابقا للموقف الإسرائيلي الذي يحتم عودة الفلسطينيين للمفاوضات بدون شروط مسبقة لكي يتم تفصيل الدولة الفلسطينية على مقياس الزعامة الفلسطينية بما تسمح به إسرائيل فقط. على كل حال، يبدو واضحا أن التفاوت في هذه المواقف جاء من باب تقسيم الأدوار والهدف واحد هو تصفية القضية الفلسطينية نهائيا لصالح إسرائيل باسم الحل السلمي.
طبعا، نحن هنا، الفلسطينيون القاطنون في الأراضي المحتلة عام 1948 لسنا بمعزل عن هذه الأوهام بل العكس هو الصحيح حيث تنخر بنا حتى النخاع. قسم لا يستهان به تأسرل نهائيا إلى أقصى ما تسمح به قوانين وواقع الدولة العنصرية، وقسم كبير آخر أصبح هجينا يلهث وراء إيجاد المعادلة، الوهمية في حد ذاتها، بين هويته الإسرائيلية والفلسطينية. وهذا القسم يتبوأ الآن زعامة الجماهير الفلسطينية في هذا الجزء من الوطن المحتل من خلال لجنة المتابعة العليا والأحزاب العربية الإسرائيلية الممثلة في الكنيست وغير الممثلة به ومن خلال باقي المؤسسات. هذه الزعامة تعاني هي الأخرى من صرع أوهام الدولة وتمنح دعمها اللامحدود، مع كونه تافها، لزعامة السلطة في جهودها التسووية.
في الحقيقة حالة هؤلاء المصابين بوهم الدولة تثير الشفقة. فدولة إسرائيل تضرب بعرض الحائط أبسط أوهامهم ولا تكن ذرة احترام لتوسلاتهم ولاستعدادهم تقديم المزيد من التنازلات. تدعهم يهيمون وراء أوهامهم السرابية وطرق أبواب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بينما تتابع هي تنفيذ خططها المعلنة في تهويد القدس وتطوير وتوسيع المستوطنات وإكمال بناء الجدار العازل. أي أنها تزرع الحقائق على ارض الواقع، على كل بقعة تطؤها أقدام الجندي الإسرائيلي. هذه الحقائق التي نواجهها نحن باللهث وراء الأوهام.
عندما يكون هناك احتلال الحقيقة الوحيدة المتبقية هي مقاومة هذا الاحتلال. هذه القاعدة لم تخترعها إسرائيل ولم يخترعها الفلسطينيون. بل هي حقيقة أكدتها وتؤكدها تجارب الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها واستقلالها في مشرق الأرض ومغربها. فقط بعد دحر الاحتلال يمكن الكلام عن الكماليات الأخرى مثل الدولة والسلام والتطور والبناء. ما دام الاحتلال جاثما على صدور الناس يمنعهم حتى من التنفس بشكل طبيعي فإن الكلام عن أمور أخرى غير كنس الاحتلال أولا لا يصب إلا في بحر الأوهام.
الاستمرار في طريق المقاومة مهما كانت هذه الطريق شاقة ومهما كلفت من تضحيات ومن آلام هو الطريق الوحيد للتخلص من الأوهام والانتقال إلى الحقيقة. وكما يقول المثل العربي: آخر العلاج الكي. وها نحن نقف أمام آخر العلاج: إما أن تصفى القضية نهائيا، فيبقى اللاجئون لاجئين إلى الأبد وتبقى الأرض محتلة إلى الأبد وإما أن تنهض الأمة من محرقتها كالعنقاء وتتابع مسيرة الحرية.