Wednesday, December 25, 2013

المعركة على رمية


المعركة على رمية
علي زبيدات – سخنين

بدأت المعركة لمواجهة سياسة التطهير العرقي التي تتعرض لها قرية رمية الفلسطينية الجليلية غير المعترف بها بتأخير يزيد على عشرين سنة على أقل تقدير. وحتى هذه البداية المتأخرة جاءت مترددة وخجولة تحمل بين طياتها مساوىء وسلبيات القيادة السياسية ممثلة بلجنة المتابعة وبعض الاحزاب السياسية العربية. هكذا تراجعت لجنة المتابعة في نشاطها الاول عن البرنامج الذي وضعته بنفسها بالغاء المظاهرة القطرية التي كان من المفروض أن تنطلق من أمام بلدية كرمئيل والاكتفاء باعتصام خطابي في قرية رمية. ولولا تواجد مجموعات شبابية متمردة على هذه القيادات البالية ومحاولاتها أن تطرح قضية رمية بالشكل اللائق لمر هذا الاعتصام مرور الكرام ولانتهى تماما مع انتهاء خطاب آخر متكلم.
لم اشارك شخصيا في نشاطات الاسبوع الاخير ذلك بسبب ظروف طارئة خارجة عن ارادتي ولكني علمت بالتفاصيل من أصدقاء مشاركين ومما نشر في وسائل الاعلام المحلية. حسب رأيي كانت خلاصة هذه النشاطات تؤكد ما قلته في مناسبات عديدة حول ضرورة الزج بلجنة المتابعة، بصفتها الراهنة كهيئة تمثيلية على الساحة الفلسطينية المحلية، في كافة القضايا المصيرية التي تواجه جماهيرنا ولكن بشرط معارضة انفرادها بقيادة هذه النشاطات بل والعمل على مصادرة هذه القيادة منها ومنحها لمن يستحقها من القيادات الشبابية الاكثر تقدما.
أذكر انني مع مجموعة من الرفاق كنا قد قمنا بزيارة رمية قبل سنوات طويلة وبالتحديد بعد الاعلان عن الاتفاق بين بلدية كرمئيل ومديرية اراضي اسرائيل (المنهال) وبين سكان رمية بتخصيص ٣٠ قسيمة بناء بمحاذاة ولكن خارج كرمئيل وبعض التعويض عن الاراضي الزارعية. وشعرت أن بعض السكان وبعض الرفاق المتواجدين كانوا فرحين بهذا الاتفاق. ولكني عبرت عن موقفي امام جميع المتواجدين بأن هذا الاتفاق سيئ وهو يتضمن الموافقة على التطهير العرقي وأن اتفاق موقع من قبل المنهال وبلدية كرمئيل ونائب عربي في الكنيست الاسرائيلي لا يساوي الورق المكتوب عليه، وأن الحل الوحيد هو حق أهالي رمية المطلق في بناء بيوتهم على اراضيهم. واذكر أن احد الرفاق اتهمني بالمزاودة حتى على اصحاب الحق انفسهم. خلال هذه الفترة عدت الى رمية مرات عديدة ودائما برفقة وفود أو مجموعات اجنبية من خلال برنامج لزيارة القرى المهجرة والقرى غير المعترف بها. وكانت جميع هذه الوفود والمجموعات، وبعد القاء نظرة عابرة على العمارات الحديثة التي تطوق قرية رمية من كافة الجهات ، والقاء نظرة اخرى على براكيات القرية، وبعد شرح بسيط بأن اراضي القرية لا تختلف من حيث وضعها القانوني عن الاراضي المحيطة بها حيث العمارات الحديثة وان الخلاف الوحيد يكمن في هوية السكان،تغادر القرية ولسان حالها يقول: يحق لاهالي هذه القرية بناء بيوتهم على اراضيهم.
يجب الا ننسى للحظة واحدة أن كرمئيل هي جزء من سياسة تهويد الجليل الحكومية. ويجب ألا ننسى انها قامت على اراض مصادرة من قرى الشاغور: مجد الكروم، دير الاسد، البعنة، نحف والتجمعات البدوية ومن ضمنها قرية رمية. وكان الهدف المباشر من بنائها قي هذه البقعة بالذات هو قطع التواصل الفلسطيني في الشاغور الذي يقلق حكومات إسرائيل المتعاقبة بواسطة تكثيف الاستيطان الصهيوني في الطريق الرئيسية التي تربط البحر الابيض المتوسط ببحيرة طبريا (طريق عكا – طبريا). هذه سياسة صهيونية واحدة يشترك فيها اليسار والوسط واليمين الصهيوني. كان حزب العمل هو المبادر في اقامة كرمئيل منذ اواسط الستينات. وكان عامي الدار رئيس البلدية خلال ربع القرن الاخير من زعماء هذا الحزب حتى التحق بحزب كاديما أسوة برئيسه شمعون بيرس وجمع من حوله زمرة من العنصريين وهو اليوم يقود معركة التطهير العرقي في رمية بالتواطوء مع بعض مؤيديه في الوسط العربي.
المعركة لانقاذ قرية رمية هي قضية وطنية من الدرجة الاولى وكل حل لا يضمن مستقبلها في مكانها التاريخي هو فشل بل هزيمة. وهذا هو التحدي الكبير التي تقف امامه الفعاليات والقيادات الشبابية.

Thursday, December 12, 2013

نيلسون مانديلا بين الاسطورة والحقيقة

 
نيلسون مانديلا بين الاسطورة والحقيقة
علي زبيدات – سخنين
جرت العادة كلما توفي شخص المبالغة في كيل المديح له بلا حساب حتى ولو لم يقم في حياته بشيء يذكر يستحق عليه المدح أو يكاد. أما اذا كان هذا الشخص قد قام في حياته باعمال كثيرة يستحق عليها المدح فإن المبالغة قد تصل الى درجة اللامعقول ويصبح هذا الشخص اسطورة بعد مماته وربما في حياته ايضا. مما لا شك فيه أن نلسون مانديلا قد قدم في حياته اعمالا جليله يستحق عليها كل التقدير والثناء تضعه في صف واحد مع عظام هذا العصر، ولكن عندما يصبح المديح نفاقا صادر عن اشخاص كانوا طوال حياتهم ضد ما يمثله مانديلا من نضال ضد التمييز والعنصرية ومن أجل الحرية لشعبه ولباقي الشعوب المضطهدة لا بد من وقفة نقدية تحفظ للرجل كرامته وتفضح نوايا المنافقين السيئة.
بشكل عام اعتقد بصحة الحديث الذي يقول: "أذكروا محاسن موتاكم"، بغض النظر عن ضعفه أو قوته، ولكني لا اقبل الشق الآخر منه الذي يقول: "وكفوا عن مساويهم". محاسن مانديلا يعرفها الجميع وقد نشرتها مختلف وسائل الاعلام في شتى ارجاء العالم منذ وفاته وحتى تأبينه. وها أنا آخذ على عاتقي الدور العاق الذي لا يحظى بأية شعبية وهو عدم الكف عن المساوئ.
احسب رأيي، كان أسوأ عمل قام به مانديلا هو عدم السير بالثورة حتى النهاية. الثورة تعني التغيير الجذري للنظام القائم بكافة اشكاله وجوانبه، وفى حالة جنوب افريقيا القضاء التام على نظام الفصل العنصري قضاء تاما وليس على جانبه السياسي فقط وبشكل محدود وجزئي. كان بالامكان السير بالثورة حتى تحقيق النصر الكامل والحاسم من غير تقديم أية تنازلات للأقلية الكولونيالية العنصرية ولحلفائها الدوليين. كان لهذا العمل السيء الذي قاده مانديلا، وفي أحيان كثيرة من خلال التصادم مع زملائه في المؤتمر الوطني الافريقي، نتائج وخيمة على تطور البلاد بعد الاطاحة السياسية بنظام الابرتهايد على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء:
داخليا، الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الاغلبية السوداء والاقلية البيضاء التي فقدت احتكارها للسلطة السياسية ما زالت شاسعة بل تزداد اتساعا. وخارجيا، انضمام جنوب افريقيا إلى نادي المنظومة الرأسمالية بعدما اختارت الانحياز التام الى اقتصاد السوق وتشجيع الاستثمار الاجنبي على حساب تطوير الاقتصاد المحلي. فليس من باب الصدفة انه بعد مرور عقدين من سقوط الابرتهايد تصل نسبة البطالة الى ٢٤٪ ومعدل دخل السود لا يتجاوز سدس دخل البيض هذا بالاضافة الى تفاقم الامراض وانتشار الجريمة.
شارك عشرات الآلاف في مراسم تأبين مانديلا معبرين عن مشاعرهم الحقيقية اتجاه الشخص الذي قضى جل حياته مناضلا من أجل حرية شعبه، بالمقابل شارك عشرات القياديين المحليين والدوليين الذين احتلوا الواجهة. من بينهم آخر ثلاثة رؤساء امريكيين الذين تابعوا طريق اسلافهم في قمع حرية الشعوب وشن الحروب الامبريالية. ومن بينهم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الذي يحاول اعادة الاستعمار الفرنسي إلى القارة السوداء بشن الحروب وتأجيج النزاعات في مالي ووسط افريقيا ودول أخرى. ومن بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي قال أن مانديلا كان "قائدا ومقاتلا من أجل حرية شعبه وكان رمزا للتحرر من الاستعمار" بينما هو ليس سوى "قائد" متعاون مع اعداء شعبه ورمز الخضوع للاستعمار.
اما السيئة الاخيرة لمانديلا والتي لا يمكن الكف عنها هو موقفه من دولة إسرائيل. من المعروف أن هذه الدولة كانت من اشد أنصار نظام الابرتهايد حتى يومه الاخير، هذا النظام الذي كان مثلها الاعلى حيث بذلت كل ما في وسعها لتطبيقه على الشعب الفلسطيني. واذا تجاوزنا بعض التصريحات الانشائية التي تنتقد السياسة الاسرائيلية من جهة وتتضامن مع فلسطين من جهة أخرى، نرى أن موقف النظام الجديد اتجاه دولة اسرائيل لم يتغير من حيث الجوهر عن موقف نظام الفصل العنصري. لقد ذهلت عندما قرأت المقابلة التي اجرتها صحيفة يديعوت أحرونوت مع مانديلا عام ١٩٩٨ وأعادت نشرها مؤخرا. حيث يقول بعد أن قرأ كتاب "التمرد" لمناحم بيغين بأن " نضالنا كان يشبه بجوانب عديدة نضال المنظمات الصهيونية في زمن الانتداب" وأنه تعلم الكثير من هذا الكتاب وطبق اجزاء منه، بينما يصف بن غوريون بالزعيم الكبير اما عن بيرس فيقول: "مع كل مقابلة مع بيرس أتعلم شيء جديد ويكون مصدر الهام لي فهو رجل عظيم".
بالرغم من هذه المساوئ، لا يساورني الشك للحظة واحدة بأن محاسن مانديلا التي يجب أن نتذكرها هي الثابتة وهي الوحيدة الحقيقية. وكل ما عداها مصيره للزوال.

Wednesday, December 04, 2013

تضامن إيه اللي انت جاي تقول عليه


تضامن إيه اللي انت جاي تقول عليه
علي زبيدات – سخنين
مع الاعتذار مسبقا للسيدة أم كلثوم. في الاسبوع الماضي وبالتحديد في ٢٩ تشرين الثاني احتفلت الامم المتحدة ككل سنة بما يسمى ب"يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني". وقد شاركها هذا الاحتفال في اماكن مختلفة على سطح الكرة الارضية بعض الاوساط الفلسطينية والعربية الرسمية وبعض المؤيدين هنا وهناك.
تعود بي الذاكرة إلى عام ١٩٧٧ عندما اتخذت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا بتحويل ذكرى تقسيم فلسطين إلى احتفال بيوم "للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني". منذ اليوم الاول بدا لي هذا القرار مشبوها كباقي قرارات الامم المتحدة التي نفذت والتي لم تنفذ. كنا في سجن الرملة المركزي عندما اتخذ هذا القرار وقد استقبله معظم السجناء السياسيين وخصوصا المنتمين للفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم تنطيم فتح بالتصفيق والهتافات والفرح. فقد وصفوه بالانتصار الباهر جاء تتويجا للنضالات والانجازات. كنت من القلائل الذين اعتبروا هذا القرار انتصارا لنهج التسوية الذي أخذ ينتشر ويترعرع على الساحة الفلسطينية منذ سنوات. حيث تحول هذا اليوم من يوم كفاحي يرفض قرار التقسيم المجحف الذي أسس ومهد لقيام الكيان الصهيوني بعد حوالي نصف سنة الى يوم احتفالي بانتصارات وهمية وانجازات زائفة ووعود ما لها رصيد. ما زلت اذكر النقاشات الطويلة التي فجرها هذا القرار والقت بظلالها السلبية على حياة جميع الاسرى. كان المؤيدون يصرخون في وجهي: "يا أخي كن متفائلا، العالم باسره يتضامن معنا، أنظر إلى النصف الملآن من الكأس”. وكنت أجيب: هذا القرار يتضامن مع اسرائيل وليس مع فلسطين، وليس من باب الصدفة انهم اختاروا هذا اليوم الذي يصادف قرار التقسيم. يريدون منا أن ننسى هذا التاريخ، بل أسوأ من ذلك يريدون منا أن نحتفل به. والكأس ليس نصفه ملآن ونصفه فارغ، بل هو فارغ ولا يوجد سوى قطرة أو قطرتين في قاعه.
كنت أتمنى، بعد مرور ٣٦ عاما على هذا القرار، أن أكون مخطئا وأن التضامن مع الشعب الفلسطيني حقا يكتسح هذا العالم الابكم، الاصم، الاعمى الذي يتسربل بجلد أقسى من جلد التماسيح. ولكن للأسف لم أكن مخطئا. فكلما زاد هذا "التضامن" كلما اهدرت حقوق الشعب الفلسطيني. وجل ما اخشاه في اعقاب القرار بجعل العام القادم "سنة دولية للتضامن مع الشعب الفلسسطيني" أن تكون السنة القادمة سنة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية عن طريق فرض التسوية الاسرائيلية – الامريكية على الشعب الفلسطيني. على ضوء ما يجري حولنا من احداث لم يعد ذلك مستبعدا: فالسلطة الفلسطينية تتضامن مع اسرائيل من خلال الاستمرار بالمفاوضات العبثية بينما عمليات التهويد والاستيطان تسير على قذم وساق. والدول العربية تتضامن مع اسرائيل ليس فقط من خلال مبادرتها التعيسة للسلام بل أيضا من خلال تحالفها العسكري معها لمواجهة الخطر الايراني – الشيعي الموهوم. وما يسمى بالمجتع الدولي هو الاخر يتضامن مع إسرائيل من خلال تبنيه للتسويات التي تهضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
شكرا للامم المتحدة، نحن في غنى عن مثل هذا التضامن. نحن بأمس الحاجة إلى تضامن من نوع آخر. نحن بحاجة الى تضامن الجماهير الشعبية في كل مكان وهي تتحدى حكوماتها وتقف علنا الى جانب الشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل تحصيل حقوقه المشروعة كاملة. نحن بحاجة الى تضامن الشعوب العربية الذي لن يصبح فعالا الا بعد اسقاط الانظمة العميلة. ولكننا اولا وقبل كل شيئ نحن بحاجة ماسة للتضامن مع انفسنا كشعب فلسطيني واحد وموحد. ما يجري في النقب والجليل هو نفسه ما يجري في القدس وأرجاء الضفة الغربية وغزة. سياسة الاقتلاع والتهجير هي واحدة بالنسبة للاجئين والمهجرين والذين ما زالوا متشبثين بأرضهم.
الحجر الذي رفضه البناؤون في ٢٩ تشرين الثاني عام ١٩٤٧ ما زال مرفوضا ولن يصبح أبدا رأس الزاوية كما تريده اليوم معظم الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية. هذا الحجر بكل بساطة لا يصلح للبناء. والبناؤون الذين يصرون على استعماله عليهم أن يبحثوا لانفسهم عن مهنة أخرى لانهم غير جديرين ببناء اعمدة راسخة للوطن.