نيلسون
مانديلا بين الاسطورة والحقيقة
علي
زبيدات – سخنين
جرت
العادة كلما توفي شخص المبالغة في كيل
المديح له بلا حساب حتى ولو لم يقم في
حياته بشيء يذكر يستحق عليه المدح أو
يكاد. أما
اذا كان هذا الشخص قد قام في حياته باعمال
كثيرة يستحق عليها المدح فإن المبالغة
قد تصل الى درجة اللامعقول ويصبح هذا
الشخص اسطورة بعد مماته وربما في حياته
ايضا. مما
لا شك فيه أن نلسون مانديلا قد قدم في
حياته اعمالا جليله يستحق عليها كل التقدير
والثناء تضعه في صف واحد مع عظام هذا
العصر، ولكن عندما يصبح المديح نفاقا
صادر عن اشخاص كانوا طوال حياتهم ضد ما
يمثله مانديلا من نضال ضد التمييز والعنصرية
ومن أجل الحرية لشعبه ولباقي الشعوب
المضطهدة لا بد من وقفة نقدية تحفظ للرجل
كرامته وتفضح نوايا المنافقين السيئة.
بشكل
عام اعتقد بصحة الحديث الذي يقول:
"أذكروا محاسن
موتاكم"،
بغض النظر عن ضعفه أو قوته، ولكني لا اقبل
الشق الآخر منه الذي يقول:
"وكفوا عن
مساويهم". محاسن
مانديلا يعرفها الجميع وقد نشرتها مختلف
وسائل الاعلام في شتى ارجاء العالم منذ
وفاته وحتى تأبينه. وها
أنا آخذ على عاتقي الدور العاق الذي لا
يحظى بأية شعبية وهو عدم الكف عن المساوئ.
احسب
رأيي، كان أسوأ عمل قام به مانديلا هو عدم
السير بالثورة حتى النهاية.
الثورة تعني التغيير
الجذري للنظام القائم بكافة اشكاله
وجوانبه، وفى حالة جنوب افريقيا القضاء
التام على نظام الفصل العنصري قضاء تاما
وليس على جانبه السياسي فقط وبشكل محدود
وجزئي. كان
بالامكان السير بالثورة حتى تحقيق النصر
الكامل والحاسم من غير تقديم أية تنازلات
للأقلية الكولونيالية العنصرية ولحلفائها
الدوليين. كان
لهذا العمل السيء الذي قاده مانديلا، وفي
أحيان كثيرة من خلال التصادم مع زملائه
في المؤتمر الوطني الافريقي، نتائج وخيمة
على تطور البلاد بعد الاطاحة السياسية
بنظام الابرتهايد على الصعيدين الداخلي
والخارجي على حد سواء:
داخليا،
الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين
الاغلبية السوداء والاقلية البيضاء التي
فقدت احتكارها للسلطة السياسية ما زالت
شاسعة بل تزداد اتساعا.
وخارجيا، انضمام
جنوب افريقيا إلى نادي المنظومة الرأسمالية
بعدما اختارت الانحياز التام الى اقتصاد
السوق وتشجيع الاستثمار الاجنبي على حساب
تطوير الاقتصاد المحلي.
فليس من باب الصدفة
انه بعد مرور عقدين من سقوط الابرتهايد
تصل نسبة البطالة الى ٢٤٪ ومعدل دخل السود
لا يتجاوز سدس دخل البيض هذا بالاضافة
الى تفاقم الامراض وانتشار الجريمة.
شارك
عشرات الآلاف في مراسم تأبين مانديلا
معبرين عن مشاعرهم الحقيقية اتجاه الشخص
الذي قضى جل حياته مناضلا من أجل حرية
شعبه، بالمقابل شارك عشرات القياديين
المحليين والدوليين الذين احتلوا الواجهة.
من بينهم آخر ثلاثة
رؤساء امريكيين الذين تابعوا طريق اسلافهم
في قمع حرية الشعوب وشن الحروب الامبريالية.
ومن بينهم الرئيس
الفرنسي الاشتراكي الذي يحاول اعادة
الاستعمار الفرنسي إلى القارة السوداء
بشن الحروب وتأجيج النزاعات في مالي ووسط
افريقيا ودول أخرى. ومن
بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس
الذي قال أن مانديلا كان "قائدا
ومقاتلا من أجل حرية شعبه وكان رمزا للتحرر
من الاستعمار" بينما
هو ليس سوى "قائد"
متعاون مع اعداء
شعبه ورمز الخضوع للاستعمار.
اما
السيئة الاخيرة لمانديلا والتي لا يمكن
الكف عنها هو موقفه من دولة إسرائيل.
من المعروف أن هذه
الدولة كانت من اشد أنصار نظام الابرتهايد
حتى يومه الاخير، هذا النظام الذي كان
مثلها الاعلى حيث بذلت كل ما في وسعها
لتطبيقه على الشعب الفلسطيني.
واذا تجاوزنا بعض
التصريحات الانشائية التي تنتقد السياسة
الاسرائيلية من جهة وتتضامن مع فلسطين
من جهة أخرى، نرى أن موقف النظام الجديد
اتجاه دولة اسرائيل لم يتغير من حيث الجوهر
عن موقف نظام الفصل العنصري.
لقد ذهلت عندما
قرأت المقابلة التي اجرتها صحيفة يديعوت
أحرونوت مع مانديلا عام ١٩٩٨ وأعادت
نشرها مؤخرا. حيث
يقول بعد أن قرأ كتاب "التمرد"
لمناحم بيغين بأن
" نضالنا
كان يشبه بجوانب عديدة نضال المنظمات
الصهيونية في زمن الانتداب"
وأنه تعلم الكثير
من هذا الكتاب وطبق اجزاء منه، بينما يصف
بن غوريون بالزعيم الكبير اما عن بيرس
فيقول: "مع
كل مقابلة مع بيرس أتعلم شيء جديد ويكون
مصدر الهام لي فهو رجل عظيم".
بالرغم
من هذه المساوئ، لا يساورني الشك للحظة
واحدة بأن محاسن مانديلا التي يجب أن
نتذكرها هي الثابتة وهي الوحيدة الحقيقية.
وكل ما عداها مصيره
للزوال.
No comments:
Post a Comment