Wednesday, April 29, 2009

النكبة بين الذاكرة والذكرى والفعل




كما أن بعض الاحداث قادرة على تغيير حياة شخص بصورة جذرية هناك أحداث قادرة على تغيير حياة شعب باكمله بصورة جذرية. مما لا شك فيه أن أحداث عام النكبة والنتائج التي تمخضت عنها قد غيرت حياة الشعب الفلسطيني الى درجة خروجه أو إخراجه عن مسار تطوره التاريخي الطبيعي والإلقاء به في خضم الصراع من أجل البقاء في ظروف قاسية اقل ما توصف به انها تفوق قدراته الطبيعية.
انا الآن لست بصدد تحليل أحداث النكبة وتحديد مسبباتها ونتائجها، فقد كتب الكثير في هذا المجال، والكثير مما هو ضروري لم يكتب بعد.اردت فقط أن الفت الانتباه الى بعض الظواهر السلبية التي لصقت بهذه الذكرى وتلقي بضلالها السلبية الى إمكانية عودة الشعب الفلسطيني الى حياته الطبيعية ككل شعوب الارض.
بالنسبة لنا كجماهير فلسطينية وقعت تحت الاحتلال منذ عام 1948 وبقيت منغرسة على ارضها بالرغم من كل سياسات التهجير من جهة والتهويد من جهة اخرى، هناك ثلاثة أحداث كونت ذاكرتنا الجماعية حتى أصبحت مكونا هاما في هويتنا الوطنية والتي ما زالت تربطنا بباقي جماهير شعبنا الفلسطيني والعربي. هذه الاحداث هي: عام النكبة ويوم الارض وإنتفاضة الاقصى. وليس من باب الصدفة أن تقوم جماهيرنا، بغض النظر عن إنتماءاتها الحزبية ومشاربها الاجتماعية، سنويا بإحياء ذكرى هذه الاحداث بالرغم من النواحي السلبية التي رافقتها مع مرور الزمن.
الذاكرة الجماعية التي تنغرس عميقا في وجدان وعقل الجماهير هي سلاح ضروري في الصراع من أجل البقاء والوجود لكل شعب. ولكن آفة هذه الذاكرة أنه قد يعلوها غبار الزمن وتتعرض للتشوية والاضمحلال.
حسب رأيي، أكبر خطر تتعرض له الذاكرة الجماعية هو تحولها الى مجرد ذكرى وتبتعد عن دائرة الفعل الخلاق الذي يجعل من الذاكرة نبراسا لنضال الشعب، الذي يجعل منها الضوء الذي يضيئ ذلك النفق القاتم الذي يمر به شعبنا حاليا. وأخشى أن ذاكرتنا الجماعية التي خلقتها الاحداث الثلاثة المذكورة تتحول بخطى سريعة لكي تتحول الى مجرد ذكرى روتينية، فصولها معروفة مسبقا. البرنامج هو نفسه: في كل سنة نختار قرية مهجرة من بين القرى ال530 التي دمرت عام النكبة. نستمع الى بعض الخطابات المجترة من بعض القيادات المهزوزة، نهتف ونرفع الشعارات التي تؤكد على ضرورة التمسك بحق العودة، نبكي على الاطلال ومن ثم نعود الى بيوتنا راضين عن أنفسنا ننتظر الذكرى في السنة القادمة لكي نخرج البرنامج نفسه من الدرج، نمسح عنه بعض الغبار ونلمعه قليلا. وهكذا دواليك. ونرتاح الى سحر العادة وراحة الروتين بعد أن تحولت الذاكرة الى مجرد ذكرى والنكبة مستمرة.
الذاكرة لكي تبقى حية بحاجة الى فعل، الى خلق وإبداع. وبهذه المناسبة اقول: بما أن ذكرى النكبة فضية وطنية من الدرجة الاولى يجب عدم تركها لمجموعة معينة مهما بلغ تفاني وإخلاص هذه المجموعة. لا يعقل أن تنفرد جمعية "الدفاع عن حقوق المهجرين" المدعومة من قبل لجنة المتابعة على علاتها بتنظيم هذه الذكرى سنويا ويتم إقصاء قطاعات حية من جماهيرنا.
لقد طرحت بالماضي كما طرح غيري عدة أفكار التي قد تدخل بعض الروح التجديدية على هذه الذكرى وتكون في صلبها. مثلا: إمكانية العودة الفعلية الى إحدى القرى المهجرة من خلال نصب الخيم أو الكرفانات وخوض معركة إعلامية على المستوى المحلي والدولي لإنجاح مثل هذه المحاولة. إلا أن الجمعية أقصت هذه الافكار حتى من غير مناقشتها.
العودة لن تقدم الى شعبنا على طبق من ذهب أو فضة من أحد وهي لن تأتي إلا عن طريق المقاومة والنضال. لذلك مسيرة العودة يجب أن تكون جزءا لا يتجزء من نهج المقاومة، يجب أن تكون رافعة للعمل الوطني الخلاق وألا تنزلق الى روتين العادة كما يحدث اليوم. جماهيرنا على أتم الاستعداد لإستخدام طرق جديدة في النضال ويجب عدم الاختباء وراء مزاعم عدم جاهيزية الجماهير كما يحدث في باقي المناسبات.
لماذا بعد 12 مسيرة عودة لم يتم حتى الآن أختيار مدينة فلسطينية مهجرة بالكامل مثل طبريا، صفد، بيسان او جزئيا مثل يافا، حيفا، عكا، اللد والرملة؟ لماذا لم يتم حتى الآن إختيار قرية تقوم على أنقاضها مستوطنة صهيونية مثل الخالصة، الجاعونة، أجزم وغيرها الكثير؟ هل من باب الصدفة أم لتحاشي المواجهة مع المستعمرين؟ أم خوفا من عدم الحصول على تصريح من الشرطة؟
النكبة أكبر من تحصر في قوالب ضيقة معدة مسبقا، النكبة أكبر من أن تصبح مجرد ذكرى سنوية. إننا نعيش النكبة يوميا، نتنفسها مع الهواء وتجري في عروقنا كالدماء وتستحوذ على عواطفنا وعقولنا فلماذا نخاف أن نعبر عنها؟ هل يجب علينا أن نكبتها داخلنا ونقمع كل محاولة لإنطلاقها أم علينا تفجيرها حمما وبراكين في وجه البشرية التي تفقد إنسانيتها؟

Wednesday, April 01, 2009

العودة الى كهف أفلاطون


شهدت منطقتنا هذا الاسبوع وفي يوم واحد تقريبا ثلاثة أحداث تلقي ظلالها على الوضع الراهن وتعكس آفاق تطور الاحداث السياسية على الصعيد المحلي والمنطقي والدولي. هذه الاحداث الثلاثة هي: مؤتمر القمة العربية في الدوحة، تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة وإحياء الذكرى ال33 ليوم الارض.
لست بصدد تناول هذه الاحداث بالشرح والتحليل والاسهاب بالنقد والتعليق كما جرت العادة عند الصحفيين والكتاب ولكن تزامن هذه الاحداث ومجرياتها اثارت بي تأملات فلسفية صوفية نقلتني الى الماضي السحيق وحطت بي امام كهف افلاطون الشهير.
ما هي علاقة افلاطون وكهفه بهذه الاحداث؟
من المعلوم اننا نعيش في عصر المعلومات، المعلومات السريعة والشاملة. حيث ان الشبكة العنكبوتية قد اغرقتنا بكميات هائلة من المعلومات من شتى انحاء العالم وبسرعة قصوى. فما يكاد يحصل شيء في أحد اطراف العالم مهما كان تافها او عظيما إلا وتنقله هذه الشبكة الى باقي الاطراف. هذا ناهيك عن القنوات الفضائية التي تنقل لنا الحدث مباشرة بالصوت والصورة. ولكنها وبصورة عكسية تعيد الى ذاكرتنا القانون الاول في التفكير الديالكتيكي حول وحدة وصراع الاضداد. فكلما إزدادت المعلومات قلت الحقائق. فإذا أخذنا مؤتمر القمة العربية الاخير في الدوحة (وهو مؤتمر القمة الثالث أو الرابع في غضون بضعة اشهر) كمثل وجدنا قدر هائل من المعلومات على الشبكة والجرائد والبث المباشر على الفضائيات، ولكن أين الحقائق؟ هل حقا تمت المصالحة بين الملوك والرؤساء العرب؟ هل حقا سوف يقوم المؤتمرون بإعادة بنا غزة؟ هل تقدم العرب خطوة واحدة في طريق مواجهة التحديات الصادرة من إسرائيل بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟ هل اصبحوا أكثر استعدادا للتعامل مع الادارة الامريكية الجديدة؟ إذن، المعلومات الغزيرة تغطي الحقائق بدل أن تكشفها.
الامر نفسه ينطبق على تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة. المعلومات حولها بلا نهاية. من لا يعرف الفرسان الثلاثة الذين سوف يقودون هذه الدولة في المرحلة القادمة، نتنياهو، براك وليبرمان؟ تاريخهم وسياستهم وافكارهم معروفة. ولكن اين الحقائق؟ هل ستواصل هذه الحكومة المفاوضات والتمسك بعملية السلام كما تدعي أم انها تحضر لشن حرب جديدة في المنطقة كما يظن آخرون؟ هل الترانسفير لفلسطينيي الداخل الذي رفع رايته ليبرمان أصبح وشيكا أم انه لم يكن سوى دعاية انتخابية؟ هل سيقوم ليبرمان بتناول العشاء الفاخر مع حسني مبارك في أحد منتجعات شرم الشيخ أم يدعه يذهب الى الجحيم كما قال السنة الماضية؟ وهل سنقدم، نحن فلسطينيو الداخل، آيات الولاء والاخلاص للدولة أم سوف تسحب المواطنة المشوهة من تحت أقدامنا. وهل براك هو رجل حرب أم رجل سلام؟ هل يشكل الجناح اليساري المتعقل في الحكومة أم انه يميني أكثر من اليمين المتطرف؟
وعلى صعيدنا المحلي وفي أعقاب إحياء الذكرى ال33 ليوم الارض من حقنا أن نتساءل: هل مسيرة ال10 كم من سخنين الى دير حنا قد قربتنا من الارض أم انها مؤشر على فقداننا للارض الى الابد؟ وهل كلما كبر حجم العلم الفلسطيني الذي حمله أحد الاحزاب العربية القومية جدا جدا والتي تؤمن بإمكانية تحقيق مشروعها القومي من خلال دهاليز الكنيست، هو دليل على زيادة أم نقص بالانتماء القومي الحقيقي؟
التأمل في هذه الامور نقلتني الى كهف افلاطون. القيت نظرة الى الداخل فرأيت زعماءنا العرب مقيدين بالسلاسل داخل الكهف. يبدوا واضحا انهم يرفلون بهذه السلاسل منذ ولادتهم. لا يستطيعون حراكا. عيونهم مصوبة الى أحد جدران الكهف. من خلفهم تشتعل نار لا يرونها ولكنها كافية لكي تلقي بظلال الاشياء على الجدار. وبسبب العادة والالفة وعدم خروجهم من الكهف يظنون أن الظلال والاشباح التي تتراقص على الحائط هي حقيقة الاشياء.
هنا تنتهي المقارنة بين الزعماء العرب وبين أهل كهف افلاطون. حيث أن أفلاطون يكسر السلاسل ويطلق سراح المحتجزين ويخرجهم الى النور، بالرغم من انهم في البداية لايستطيعون النظر الى النور ويعانون من ألم في عيونهم. ولكن مع الوقت يتعودون ويرون الامور على حقيقتها رويدا رويدا. بينما فضل الزعماء العرب البقاء للعيش في ظلمات الكهف مكبلين بالاصفاد طوال حياتهم حيث الامن والطمانينة.
الا يوجد زعيم عربي واحد يمتلك الجرأة ليحطم قيوده، يخرج من الكهف ويواجه النور؟
قال أحد الفلاسفة العرب المتصوفين:" كلما إتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" أما عندنا فقد إنعدمت الرؤيا تماما وأصبحت العبارة سلاحنا الوحيد.