Tuesday, April 20, 2021

  الشطرنج والسياسة في العالم العربي

علي زبيدات - سخنين


الشطرنج هي لعبة حربية ومن هذا المنطلق فأنا أكرهها. ولكنها لعبة حربية بدون سفك دماء وبدون تدمير شامل حقيقي أو قتل حقيقي ومن هذا المنطلق أحبها. الشطرنج لعبة عنصرية تقوم على أساس طبقي رجعي، لكل قطعة مكانتها وامتيازاتها ولا يمكن الحياد عنها مهما كانت الاسباب ومن هذا المنطلق أكرهها. ولكن، من جهة أخرى، لديها ديناميكية فريدة من نوعها حيث تسمح بالتغيرات الطبقية في طبيعة أدواتها، فالجندي المثابر الذي يخترق صفوف العدو ويصل إلى اعماقه يترقى الى اعلى المرتبات ومن هذا المنطلق احبها. الشطرنج،من حيث المبدأ، لعبة رجعية هدفها الأول والأخير الحفاظ على حياة الملك حتى لو تطلب ذلك التضحية بحياة كل القطع ومن هذا المنطلق أكرهها. ولكن من جهة أخرى وبالرغم من أهمية الملك فهو في غاية الضعف فلا يستطيع أن يتحرك إلا بمحدودية وكأنه معاق وهو بحاجة دائمة لمن يحميه ومن هذا المنطلق أحبها. الشطرنج تعلمنا التفكير والمزيد من التفكير لذلك احبها. ولكنها في الوقت نفسه تعلمنا التفكير في كيفية تدمير الآخر لذلك أكرهها. الشطرنج تعلمنا التخطيط وما أحوجنا للتخطيط وتوسع من مجال أفقنا المستقبلي وما أحوجنا لذلك أيضا نظرا للكهف المظلم الذي نعيش فيه ومن هذا المنطلق أحبها. ولكن التخطيط الذي تعلمنا اياه هدفه نصب الكمين للإيقاع بخصومنا (مؤامرة) وتساعدنا على امتلاك بعد النظر لنرى مساوئ غيرنا.

وهكذا كما ترون يوجد بيني وبين الشطرنج قصة حب وكراهية تشبه  أعظم قصص الحب تراجيدية في التاريخ البشري. من هذا لمنطلق كونت نظرية خاصة ملخصها: أن الحب الكبير الذي لا يلازمه كراهية كبيرة لا يمكن أن يكون حباً حقيقياً.

كانت هذه العلاقة بيني وبين الشطرنج طبيعية، من وجهة نظري على الأقل، حتى بدأ السياسيون العرب يتعلمون لعبة الشطرنج ويمارسونها في سياساتهم. فكان أول ما فعلوه انهم قضوا قضاء مبرما على كل جانب كنت أحبه في هذه اللعبة وقدسوا كل ما كنت أكرهه. فجأة اصبح القتل حقيقياً وسفك الدماء حقيقياً وحرق الارض وتدمير المدن والقرى حقيقيا. التفكير أصبح حصرا على إيجاد أنجع الوسائل لقمع التفكير الحر والتخطيط هدفه حفظ الملك (النظام) وقمع كل محاولة تهدف للارتقاء بالشعب وتحسين ظروف معيشته. وقد عملت هذه النخبة السياسية المتنفذة كل ما تستطيعه من أجل بقاء الملك ملتصقا بكرسيه حتى بعدما يصل هذا الملك إلى مرحلة التبول على نفسه.

من أجل الحفاظ على هذه اللعبة المحبوبة (المكروهة) وهي بالمناسبة لعبتي المفضلة يجب التخلص من هذه الطغمة السياسية المثقفة التي جيرت قواعد الشطرنج لخدمة الأنظمة الاستبدادية.