Wednesday, March 28, 2018

ألأرض - ذكريات وخواطر

ألارض - ذكريات وخواطر
علي زبيدات - سخنين

ها هي الذكرى ال42 ليوم الأرض تداهمنا من غير استئذان. من كان شابا في ذلك اليوم مثلي أصبح  اليوم كهلا أو عجوزا  هذا إذا لم يكن قد قضى نحبه. صبايا وشباب الجيل الحالي ولدوا بعد يوم الارض الاول ومعلوماتهم عنه لم تأت من مصدر مباشر بل جاءت من الأقارب أو من الآخرين أو مما قرأوه حول هذا الموضوع.  وبذلك يكونون قد عاشوا ذكرى يوم الأرض وليس يوم الأرض نفسه. وكما هو معروف يوجد هناك فرق بين الشيء وبين ذكراه، بين يوم الارض وذكرى يوم الأرض. وغالبا ما يكون الفرق شاسعا.  عندما نقول: الاسبوع القادم يوم الارض أو غدا يوم الارض نقول ذلك من باب المجاز وليس الحقيقة.
في يوم الارض الاول، كنت أقضي محكومية من ست سنوات في سجن الرملة. لذلك كانت مساهمتي وباقي الاسرى متواضعة جدا تكاد لا تذكر، واقتصرت على عدم تناول الطعام وعدم الخروج للنزهة اليومية ومدتها ساعة واحدة في ساحة السجن، وفي المساء كانت هناك نقاشات حول الأرض داخل الزنازين. كانت معلوماتنا عما حدث في يوم الارض ضئيلة جدا، مستمدة حصريا من بعض وسائل الإعلام الاسرائيلية الوحيدة المتاحة في ذلك الوقت (جريدة عبرية ونشرة أخبار في التلفزيون الاسرائيلي). بعد أسبوعين فقط خلال زيارة الاهل، علمت أن بنت خالي خديجة شواهنة وهي من جيلي كانت من بين الذين استشهدوا.
يوم الأرض الأول الذي شهدته شخصيا كان في عام 1982 أي بعد مرور ست سنوات على يوم الارض الاول. وقد لمست أن روح يوم الارض النضالية ما زالت حاضرة ومهيمنة على الأجواء خصوصا بين الشباب. حيث كانت الشرطة، قبيل يوم الارض بايام، تلاحق بعض الناشطين وتعتقلهم اعتقال استباقي. وكان تواجد الشرطة على مشارف البلد الذي يستضيف النشاط المركزي مكثفا وكثيرا ما كانت تمنع دخول أو تعتقل متضامنين جاؤوا من قرى أخرى. أما على المستوى الرسمي فقد كان التقهقر واضحا. كانت لجنة الدفاع عن الأراضي تلفظ أنفاسها الاخيرة بعد أن أنهكتها تناقضاتها وصراعاتها الداخلية وبعد أن قررت الاحزاب والحركات السياسية ورؤساء المجالس المحلية برعاية تشجيع من المؤسسات الحكومية تصفيتها نهائيا. في السنة نفسها انبثقت لجنة المتابعة العليا التي أخذت على عاتقها، من ضمن ما أخذته، جميع مهام لجنة الدفاع عن الأراضي. وأظن أنه بعد اربعة عقود على وجود هذه اللجنة الجديدة - القديمة يمكن الجزم بأنها فشلت في أن تشكل بديلا أفضل. ولكن هذا موضوع آخر. بالاضافة إلى ذلك وجدت صراعا شرسا بين الاحزاب والمجموعات المختلفة على إرث يوم الارض: كان الكل يدعي أنه هو الذي فجر وقاد يوم الارض وينفي دور الآخرين. تمشيا مع المثل الشعبي الذي يقول للنجاح ألف أب بينما الفشل يتيم.
 في بداية سنوات الثمانين عادت الروح النضالية ليوم الأرض لتنتعش من جديد، ولكنها لم تصل أبدا إلى ما وصلت إليه في اليوم الأول. وكان السبب الرئيسي لهذا "الانتعاش" هو أن دولة إسرائيل اضافت إلى رصيدها جريمة نكراء جديدة هي مجزرة صبرا وشاتيلا. ولكن سرعان ما عاد الروتين "النضالي" ليسيطر على الساحة من جديد. واقصد بالروتين النضالي: إحياء الذكرى بمسيرة هادئة (تحت رعاية التنسيق الأمني بين الشرطة والزعامة الرسمية) ومهرجان خطابي. الاستثناء الوحيد كان يوم الارض عام 2000 الذي تم تنظيمه للأول مرة (وآخر مرة) على أراضي سخنين الواقعة تحت نفوذ مجلس اقليمي مسغاف والتي أعلنت السلطات عن نيتها اقامة معسكر عليها. كانت النتائج صادمة للطرفين: الحكومي والرسمي العربي. فلم يتوقع أحد وقوع اشتباكات وصدامات راح ضحيتها آخر شهداء يوم الأرض وهي الشهيدة شيخة ابو صالح بالاضافة إلى عشرات الجرحى والمعتقلين. لقد شكلت أحداث يوم الأرض 2000 الخلفية الملتهبة لمواجهات انتفاضة القدس والاقصى بعد نصف سنة، في بداية أكتوبر/تشرين أول من العام نفسه. حيث سقط 13 شهيدا من الداخل الفلسطيني بالاضافة لمئات الجرحى والمعتقلين. منذ ذلك الحين عملت السلطات الامنية الاسرائيلية والزعامة العربية الرسمية ممثلة بلجنة المتابعة العليا ولجنة السلطات المحلية كل ما تستطيعه لضمان عدم تكرار مثل هذه المواجهات غير مأمونة العواقب (من كلا الطرفين) وللحق أقول: لقد حققا في ذلك نجاحا كبيرا. وهكذا بدأ الشباب والصبايا يصوتون بأرجلهم في ذكرى يوم الارض. فبينما كان عدد المشاركين في مسيرة يوم الأرض يصل إلى عشرين الف وأكثر اصبح العدد بالمئات أو ىآلاف ضئيلة.
في الواقع، لم يعد لدي أي نقد جديد. فكل ما لدي قد قلته وكتبته على مرّ السنوات. لم يبق لدينا سوى ذكرى ليوم أطلقنا عليه يوم الأرض الخالد (ولا أقلل من أهمية الذكرى)  بالاضافة إلى مسيرة متواضعة تنتهي بمهرجان خطابي ناري. لا اريد ان استبق الاحداث: ربما الامل الوحيد في استعادة الروح النضالية ليوم الارض سوف يأتي من خلال ربطه بيوم النكبة. أي ربط الأرض بالعودة. وقد تكون تجربة مسيرة العودة في غزة نقطة تحول وفاتحة في الاتجاه الصحيح. ومن الضروري العمل على فتح جبهات مشابهة في الضفة الغربية أيضا. لم يعد يوم الارض أسيرا لحدوده الجغرافية المحلية بل أصبح يوما وطنيا فلسطينيا شاملا. لنجعل من 30 آذار وحتى 15 أيار يوما نضاليا واحدا.
    

Thursday, March 22, 2018

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا

لنتحدث قليلا عن عنصريتنا
علي زبيدات - سخنين

هناك يوم اسمه: "اليوم العالمي للقضاء على العنصرية" أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أكثر من نصف قرن وبالتحديد في عام 1966 . يصادف هذا اليوم اليوم الأول من فصل الربيع وعيد الأم في البلدان العربية أي في 21 من شهر آذار. كما هو واضح للجميع، بعد مرور نصف قرن، لم نقض على العنصرية بل هي التي تقضي علينا يوميا بعد أن استفحلت ووصلت شراستها إلى درجة لم يعد بالإمكان مواجهتها. لن أتطرق هنا، لا من قريب ولا من بعيد، للعنصرية على الصعيد العالمي. لن أتكلم عن نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا الذي استمد هذا اليوم اسمه وشرعيته من المجازر التي اقترفها ذاك النظام في حينه. ولن أتكلم عن العنصرية في أمريكا "زعيمة العالم الحر" وما فعلته بالشعوب الاصلانية والمهاجرين من أصل أفريقي، لاتيني، اسيوي وغيرهم. حتى انني لن اتطرق الى العنصرية التي تمارسها الصهيونية منذ 70 سنة ضد شعبنا الفلسطيني. لا حاجة لأحد بما أكتبه في هذا المجال فالعالم يفيض بالكتب والمقالات والوثائق في هذا الموضوع وجميعها في متناول اليد.
أود أن اقتصر الكلام في هذه السطور القليلة على عنصريتنا نحن. ما المقصود بكلمة نحن؟ المقصود نحن العرب، أو إذا شئتم الشعوب العربية أو الامة العربية أو البلدان العربية، اختاروا التسمية التي تلائمكم. طبعا سيكون هناك من يقطب حاجبيه متسائلا: وهل نحن عنصريون؟ تساؤل ينضح بالانكار وقد يتابع: ولكن كيف يعقل أن نكون عنصريين ونحن ضحايا العنصرية التي يشنها العالم علينا؟ مما لا شك فيه أنه يوجد هناك الكثير من الحقيقة في كوننا ضحايا للعنصرية، ولكن من يقول أن ضحية العنصرية لا يكون هو الآخر عنصريا؟ وقد يتفوق أحيانا على من يمارس العنصرية ضده؟ وأكثر من ذلك: من يضمن ألا يكون مدعو مناهضة العنصرية عنصريين متسترين أو مكشوفين؟ لقد آن الأوان أن ننزع القناع الفضيلة ونكشف وجهنا العنصري أمام شمس الحقيقة ونكف عن الاختباء وراء عدم الاعتراف والبحث عن التبريرات والتهرب من المسؤولية.
أريد هنا أن أتطرق إلى ثلاثة أشكال أساسية من أشكال عنصريتنا والتي أصبح السكوت عنها جريمة في حق شعوبنا أولا ومن ثم في حق الانسانية جمعاء:
العنصرية على أساس عرقي وقومي: جميع الأقليات العرقية والقومية في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وبدون استثناء تتعرض للتمييز العنصري.  الأمازيغ في المغرب "العربي" ووضع كلمة العربي هنا بين هلالين  مقصودة نظرا لكون الامازيغ هم سكان البلاد الاصليين، يتعرضون لشتى أنواع التمييز حتى أنهم يمنعون في بعض الاماكن من الكلام أو التعليم بلغتهم الاصلية. وهكذا حال الاكراد في المشرق العربي وباقي الاثنيات الصغيرة مثل اليزيديين والشركس والارمن والتركمان وغيرهم. القومية العربية فكرا وممارسة فشلت مرارا وتكرارا في إيجاد حل ديمقراطي لمسألة الأقليات يقوم على أساس المساواة والمواطنة الكاملة. وهذا الفشل هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف العالم العربي بجميع مركباته.
العنصرية على أساس ديني وطائفي، وهي لا تقل من حيث خطورتها عن الشكل الأول بل في كثير من الاحيان وفي بعض الاماكن تفوقه خطورة. لا يوجد هناك ديانة لا تتبنى موقفا عنصريا من ديانة أخرى. ولا يوجد هناك طائفة لا تتبنى موقفا عنصريا من طائفة أخرى. ومما يزيد الطين بلة هو انكار كافة الديانات وكافة الطوائف لهذه العنصرية. إذ لا يمكن ستر الواقع بورقة توت بالية من الشعارات المزيفة حول التسامح والاخوة والتعايش والحوار بين الاديان. هيا أعطوني طائفة واحدة متسامحة مع طائفة أخرى. أعطوني ديانة واحدة أو مذهب واحد يتقبل غيره؟ حتى داخل الديانة الواحدة لم يعد هناك أي تسامح، وإلا ماذا نسمي حرب داحس والغبراء الجديدة بين السنة والشيعة؟ ولا أريد أن أتكلم أكثر عن العلاقات المتبادلة بين باقي الطوائف من اسلامية ودرزية وقبطية ومارونية وارثوذكسية وعلوية وغيرها.
العنصرية ضد المرأة: قد يحتج البعض ويقول أن الاسلام قد منح المرأة كافة حقوقها وأن المرأة المسلمة تتمتع بحقوق غير موجودة حتى في أكثر البلدان تقدما. من غير الخوض في نقاش ديني لا أول له ولا آخر، قد يكون الإسلام منح المرأة بعض الحقوق عند ظهوره ولكن عاد المسلمون وصادروا هذه الحقوق باسم الإسلام نفسه. تعاني المرأة العربية المسلمة وغير المسلمة اليوم من التمييز العنصري في كافة مجالات الحياة: في البيت والمجتمع والدولة. بعد مرور أكثر من قرن على اختراع السيارة ما زالت المرأة العربية في بعض الأماكن تمنع من قيادتها وعندما قررت أخيرا السماح لها بذلك أعتبرنا ذلك انجازا تاريخيا. علاوة على أن المرأة العربية أكثر نساء الارض تعرضا للتحرش الجنسي في البيت والشارع وأماكن العمل.
بالاضافة لهذه الاشكال الاساسية الثلاثة حيث تظهر عنصريتنا بابشع صورها يوجد هناك اشكال اخرى عديدة للعنصرية لا يتسع المجال لذكر كلها، ولكني ساكتفي بالاشارة إلى بعضها فيما يتعلق بواقعنا الفلسطيني الخاص. هناك عنصرية مقيتة في تعاملنا مع بعض كأبناء شعب واحد يحمل قضية واحدة. طالما رايت بأم عيني وسمعت باذني عندما نقول ضفاوي أو غزاوي نقولها بكثير من العنجهية والاستعلاء وهذا توجه عنصري مرفوض بتاتا وله نتائج سلبية وخيمة على هويتنا ووحدة نضالنا. وأكثر من ذلك، طالما سمعت عن ظواهر ذات طابع عنصري ضد المهجرين في القرى التي استوعبتهم بعد تهجيرهم من قراهم عام النكبة. من العار أن تبقى هذه الظاهرة بعد 70 عاما حتى وإن لم تأخذ أشكالا عنيفة في أغلب الأحيان. هذا بالاضافة للعنصرية الطائفية التي تتحكم بالعلاقات بين طوائف شعبنا المختلفة والتي نكنسها عادة تحت البساط ولكنها تنفجر  بين الحين والآخر في وجوهنا ونجبن عن مواجهتها بشكل عقلاني مسؤول.
طبعا منسوب العنصرية يختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر ومن بلد لآخر، فمنها ما يصل إلى حد الابادة الجماعية ومنها ما يبقى كلاميا. ولكن المطلوب ليس خفض منسوب العنصرية بل القضاء عليها نهائيا. حسب رأيي يوجد داخل كل فرد فينا عنصري صغير، يمكن أن ينمو ويستفحل حتى يسيطر علينا تماما ويمكن أن نحاربه حتى نقضي عليه نهائيا. ومن هنا يجب أن نبدأ: مكافحة العنصرية على المستوى الفردي لأن المجتمع في نهاية المطاف مكون من أفراد. فقط أفراد أحرار قادرون على بناء وطنا حرا.  

Thursday, March 15, 2018

النظام يريد إسقاط الشعب

النظام يريد إسقاط الشعب
علي زبيدات - سخنين

سوف أكف منذ اليوم عن إدانة الانظمة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية، انتقادها والتهجم عليها. وسوف اصب جام غضبي من الآن وصاعدا على الشعوب العربية وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني. كما أعترف أمام العالم أجمع انني قد ظلمت هذه الانظمة، جمهورية كانت أم ملكية وتلك التي بين بين والتي لا أدري كيف أصنفها كالسلطة الفلسطينية، التقدمية منها والرجعية، الوطنية والعميلة، الديمقراطية والاستبدادية، الدينية والعلمانية. وها أنا أعلن توبتي وأطلب السماح والغفران. هذه الانظمة المباركة من غير استثناء أليست هي أولي الأمر منا؟ وما علينا إلا اطاعتها طاعة عمياء حتى وإن كانت على خطأ. فهذه الانظمة مكونة من الطبقات والنخب المتعلمة، المثقفة، الراقية والمتحضرة على عكس الشعوب التي تتكون من الرعاع والطبقات المختلفة، القذرة والمثيرة للشغب والمشاكل. أليست الانظمة هي التي توفر لنا لقمة العيش؟ وتحافظ على سلامتنا واستقرارنا، تقودنا في الطريق السليم، تحافظ على صحتنا وحياتنا وتدافع عن أمننا من الأعداء المتربصين لنا؟. كم نحن جاحدون للجميل ناكرون للمعروف! نبصق في الصحن الذي يطعمنا وفي البئر الذي يروي ضمأنا.
من الآن وصاعدا سأكون أكبر نصير للأنظمة العربية وسوف أدعو الله أن يكون في عونها وينصرها على شعوبها الجاحدة. كما أناشد هذه الانظمة أن تضرب شعوبها بيد من حديد، لأنها ليست أكثر من دفيئة لتفريخ الإرهابيين والمندسين الذين لا يتورعون عن إحراق الأخضر واليابس وإغراق البلاد في دوامة الفوضى والفقر. ومن لا تنفع معه القوة سوف ينفع معه المزيد من القوة. لقد أثبت التاريخ أن الشعوب العربية لا تستطيع العيش بهدوء وسلام إلا إذا بقيت تحت بسطار الحكام المستبدين الطغاة. أنظروا ماذا حدث في العراق بعد زوال حكم صدام حسين؟ تفرقوا أيدي سبأ وعادوا قبائل وعشائر، سنة وشيعة، عربا واكراد وتركمان وأزيديين و آشوريين. وماذا حدث في ليبيا بعد مقتل القذافي؟ أصبحوا كعصابات الغرب المتوحش الجميع يطلق النار على الجميع. وها هم يحاولون منذ سنوات اسقاط نظام بشار الأسد القومي الممانع لكي يكون مصير سوريا كمصير العراق وليبيا. ويطالبون بإسقاط نظام السيسي حتى تعود مصر لكي تصبح لقمة سائغة في أفواه الإخوان المسلمين. وأكثر من ذلك يطالبون بتقويض الانظمة الملكية من المغرب مرورا بالأردن وحتى السعودية ودول الخليج، وهي أنظمة تعتبر نموذجا للاستقرار والامن والرفاهية. ألا يكفي أن هذه الانظمة تواجه مؤامرات كونية وتتصدى للأعداء من كل حدب وصوب فبدل أن تلتف الشعوب العربية حول حكامها تقوم بطعنها من الخلف؟
حسنا فعلت الانظمة العربية عندما تعلمت الدرس وجعلت من الكيان الصهيوني قدوتها ومرشدها حتى تفوقت عليه. فهي مثله واحة من الديمقراطية والرخاء ما دام المواطنون صامتين مطيعين. هل سمعتم أن إسرائيل قد قتلت أو سجنت أو هجرت فلسطينيا "جيدا" مطيعا، لا يتدخل في السياسة ولا يمس بأمن الدولة؟ ولكن هذا الكيان هو الاخر يضرب كل فلسطيني بيد من حديد إذا ما حاول أن يتحداه ويتمرد على قوانينه بحجة المطالبة بحقوقه الطبيعية. الحق الطبيعي الوحيد الذي تستطيع أن تحصل عليه في هذه الواحة، أو على الاصح الحق الذي يمنح لك هو أن تبقى على قيد الحياة لكي تخدم الطبقة الحاكمة الراقية. أليس هذا ما يقوله لنا ويؤمن به رئيس السلطة الفلسطينية عندما يصرح بمناسبة ومن غير مناسبة: الانتفاضة جلبت لنا الويلات، ولن يكون هناك انتفاضة جديدة من أي شكل كانت ما دام موجودا في السلطة. ومن يسمع يصدق انها سلطة. نعم شعوبنا العربية متخلفة وإلا لما افرزت مثل هؤلاء الحكام. نعم، شعوبنا العربية متخلفة وإلا لما صبرت على هؤلاء الحكام ساعة واحدة ولا اقول العمر كله.
ولكن لحظة، فأنا لست من أنصار الحديث، ولا أدري مدى قوته وصحته، الذي يقول: "كما تكونوا يولى عليكم".
يبدو أن بعض الامور قد غابت عني: الشعوب العربية ليست هي من ولت هذه الانظمة الفاسدة المستبدة عليها. النظام الرأسمالي العالمي مجسدا بالامبريالية الغربية هو الذي ولى هذه الانظمة على الشعوب. إذن، ليست شعوبنا "المتخلفة" هي التي انتجت هذه الانظمة الفاسدة المستبدة. بل العكس هو الصحيح: هذه الانظمة هي التي تعمل بدون كلل أو ملل على إبقاء شعوبنا متخلفة. لقد اقتنت هذه الانظمة الاسلحة الفتاكة وبنت جيوشا جرارة ليس دفاعا عن شعوبها بل دفاعا عن كراسيها، واستحوذت على ثروات وخيرات البلد لتترك الشعوب فريسة للفقر والجوع والمرض. سياسة الترهيب التي سلكتها منذ اللحظة الاولى لاستلامها الحكم انتجت الارهاب. 
النظام يريد إسقاط الشعب وإلا سقط هو. وقد آن الأوان أن يعرف كل مواطن أين مكانه الصحيح.


Thursday, March 08, 2018

ثوري! أحبك أن تثوري



ثوري! أحبك أن تثوري

علي زبيدات - سخنين

أعرف أن الكتابة عن المرأة بشكل عام وعن المرأة الفلسطينية (والعربية) بشكل خاص، بمناسبة يوم المرأة العالمي، أمر محفوف بالمخاطر واشبه ما يكون كمن يتجول في حقل ألغام، خصوصا عندما تكون الكتابة نقدية وليست مسحا للجوخ وكيلا للمدائح كما هي العادة عندنا. طبعا، الشعور بالخطر لا يصدر عن المرأة نفسها. فالمرأة على الراس والعين عربية كانت أم غير عربية، في آذار أو في غير آذار. ولكنه يصدر عن الحركات والتنظيمات "النسوية" التي تزعم الدفاع عن حقوق المرأة والنهوض بمكانتها حتى أصبحت تنافس الحركات والتنظيمات السياسية من حيث العدد ومن حيث عدم الفائدة 

لا أخفي عنكم/ن أنني ترددت كثيرا قبل كتابة هذه السطور فالمثل يقول: ابعد عن الشر وغني له ولا يقول: ارقص بين الالغام وتوقع في كل خطوة أن ينفجر بين قدميك لغم وتمنى أن تخرج سالما. ولكني بعد أن قرأت خبر إحياء يوم المرأة العالمي في الكنيست حسمت  أمري وقررت المضي في الكتابة حتى لو أغاظت هذه الكتابة بعض "المناضلات" من أجل حرية وتقدم المرأة

جاء في الفقرة الاولى من الخبر كما نقله موقع الجبهة، وانا اقتبس:" بمبادرة النائبة عايدة توما- سليمان رئيسة اللجنة البرلمانيّة للنهوض بمكانة المرأة والمساواة الجندريّة (الجبهة- القائمة المشتركة) نظّمت الكنيست، أمس الثلاثاء، يومًا خاصًا على شرف يوم المرأة العالمي، تخلّله جلسة خاصّة في لجنة مكانة المرأة حول القرار 1325 لدور النساء في حل الصراعات، توزيع ورود وبطاقات معايدة لعاملات شركات المقاولة في الكنيست، جلسة خاصة في الهيئة العامّة للكنيست ومهرجان مركزي بحضور المئات حول  ضرورة تعزيز التمثيل النسائي في انتخابات السلطات المحليّة القادمة

طبعا بحكم موقعها، كرئيسة اللجنة البرلمانية فالنائبة توما - سليمان لا تمثل المرأة العربية الفلسطينية فحسب بل تمثل النساء في إسرائيل عامة. أي أن الكنيست من خلال هذه اللجنة تعمل على النهوض بمكانة المرأة ومن أجل المساواة الجندرية. أما أنا فارى على العكس من ذلك تماما، هل يحق لي؟ ارى أن الكنيست تعمل على الانحطاط بمكانة المرأة وتعمل على تخليد التمييز الجندري من خلال دورها في انحطاط مكانة المجتمع ككل. بموقفي هذا اصطدم بباقي التنظيمات النسوية التي تصفق لهذه اللجنة البرلمانية وتشارك في نشاطاتها ومهرجانها. لقد قلت في السابق وها أنا أقولها مرة أخرى أن وجود نساء عربيات كنائبات في الكنيست الصهيوني لا يمكن أن تكون مقياسا على تقدم وتحرر المرأة العربية. بل على العكس من ذلك، إن دل على شيء فإنه يدل على عدم وعيها السياسي والوطني. إذ كيف تتحرر المرأة الفلسطينية عن طريق من يضع في معصميها قيود التمييز والاستغلال؟

عندما تتكلم هذه اللجنة على لسان رئيستها عن دور المرأة في "حل الصراعات والوصول إلى أتفاقيات سلام" بهذه الثقة وذلك الحماس ألا تشاهد زميلاتها من الاحزاب اليمينية وغير اليمينية كيف تؤججن الصراعات وكيف يحرضن على الحروب؟ هل يجوز الكلام أصلا عن النساء بشكل مجرد بغض النظر عن انتماءاتهن الطبقية والسياسية والايديولوجية؟ هل يكفي انتقاد الحكومة بانها لا تطبق قرار الامم المتحدة 1325 وفي الوقت نفسه التغاضي عن دور النساء الموجودات في الحكومة أو في الاحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي؟

الموقف نفسه صحيح فيما يتعلق بالشق الثاني من المهرجان حول " تعزيز تمثيل النساء في السلطات المحلية". مرة أخرى، لا أجد في مثل هذا "التعزيز" مقياسا لتحرر وتقدم المرأة الفلسطينية. سلطاتنا المحلية في ظل هذا النظام هي أوكار للفساد بكل ما تعنيه كلمة فساد من معنى. إذا كانت نسبة المتنافسات النساء في البلديات والمجالس المحلية العربية لا تتجاوز أل 4% فإنها 4% أكثر من اللازم

المرأة العربية تستطيع أن تتقدم، تنهض بمكانتها وتحرر نفسها وفي الوقت نفسه تخدم شعبها ومجتمعها بدون أن تكون نائبة في الكنيست أو عضو في مجلس بلدي. كيف؟ يجب توجيه هذا السؤال للحركات والتنظيمات والجمعيات النسوية التي تنمو وتتكاثر في مجتمعنا كالفقع بعد يوم ماطر، لعل لديها بعض الاجوبة 

حاليا، كل جمعية نسوية تحتفل بيوم المرأة العالمي، فرحة بما لديها، توزع عليهن الورود، تقيم المهرجانات الخطابية التي تعلمتها من الأحزاب السياسية وتطلق شتائمها بشكل عشوائي ذات اليمين وذات الشمال. ليس من باب الصدفة أن معظم الناشطات في هذه الجمعيات هن في الوقت نفسه إما عضوات وإما عضوات سابقات في الأحزاب السياسية. وفي النهاية يرددن من غير كلل أو تعب: الثامن من آذار، يوم المرأة العالمي، هو يوم نضالي. نعم، انه يوم نضالي ولكن نضال عن نضال يفرق.

:وأخيرا، لا أجد أجمل من كلمات نزار قباني التي بدأت بها للختام
ثوري أحبك أن تثوري"
ثوري على شرق السبايا والتكايا والبخور
ثوري على التاريخ وانتصري على الوهم الكبير
لا ترهبي أحدا، فإن الشمس مقبرة النسور
"ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير

كل آذار وأنتن والثورة بخير 





Friday, March 02, 2018

نكبة داخل نكبة

نكبة داخل نكبة
علي زبيدات - سخنين
اسمحوا لي أن استبق هذا المقال بمقدمة قصيرة قد تبدو للوهلة الأولى خارج السياق. أنا لست من بين صانعي القرار في مجتمعنا، ولست حتى من المقربين منهم. وأكثر من ذلك، عادة لا تربطني بهم علاقة طيبة. لذلك أنا متاكد سلفا أن الموقف الذي سوف أعبر عنه كتابة هنا لن يترجم إلى قرار، خصوصا وأن قرار آخر قد أتخذ بهذا الموضوع ونال موافقة جميع المعنيين، ولا أظن أن أحدهم سوف يسعى إلى تغييره. بالرغم من هذه المقدمة فأنا مصر على حقي في طرح موقفي حتى وإن أغاظ البعض ومن بينهم من أطمح برضاه.
نقف على أعتاب الذكرى السبعين للنكبة. ومن المفروض أن تختلف هذه الذكرى عن السنوات الاخرى، وليس فقط بسبب الرقم: 70 بل أيضا وبالاساس ما حدث من تطورات سياسية متعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام وبالقدس تحديدا. كما هو معروف لم يكتف دونالد ترامب وحكومته بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها، بل إختار ذكرى النكبة لكي يتم هذا النقل. السبب الرئيسي الذي دفع ترامب أن يتخذ هذا القرار هو الرد الفاتر والتعيس عربيا وفلسطينيا على اعترافه الأول. على الصعيد العربي لم يتجاوز الرد الادانات اللفظية وحتى هذه تم التعبير عنها باستحياء، بينما في الوقت عمليا كان التنسيق يزداد عمقا والتطبيع يزداد وقاحة، ولم يكن الموقف الفلسطيني أفضل بكثير، بل حسب رأيي كان أخطر من الموقف العربي لكثرة النفاق الذي يرافقه. كنا نستيقظ صباحا على بيان صادر من أحد أركان السلطة يقول بأن الموقف الأمريكي انفضح نهائيا، ولم تعد أمريكا وسيطا منزها أو راعيا للعملية السلمية. وفي المساء يصدر بيان آخر عن أحد أقطاب هذه السلطة نفسها ليقول: لا يمكن الاستغناء عن الدور الامريكي. وفي صباح اليوم الذي يليه يتم الإعلان عن مقاطعة زيارة نائب الرئيس الامريكي، وفي مساء اليوم نفسه يتم تسريب أخبار عن لقاءات محتملة مع موظفين أمريكيين كبار. يعلن عن التوجه للأمم المتحدة وفي الوقت نفسه يعلن عن الاستعداد لمتابعة المفاوضات الماضية. والاهم من كل ذلك عدم تذكير هذه السلطة بقرارات المجلس المركزي وإلى أين وصلت الأمور. أما في الداخل الفلسطيني فقد اكتفينا بمسرحية إبعاد النواب العرب من الكنيست. ألا يشكل هذا الواقع العربي الفلسطيني نكبة داخل نكبة؟
كانت الحكومة الاسرائيلية هي الوحيدة التي استغلت تطور الأحداث المتسارعة لصالحها إلى أبعد الحدود. فقد تلقفت اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لها ونيته على نقل سفارته اليها بلهفة ووصفته بالخبر التاريخي. أما تصريحه الأخير بنقل السفارة في ذكرى "استقلال" الدولة أي في ذكرى النكبة فقد أوصلها إلى قمة النشوة وصرحت أمام العالم أن الاحتفالات هذا العام لن تكون كمثل باقي الاعوام بل سوف تكون أضخم وافخم احتفالات عرفتها الدولة منذ قيامها.
ماذا كان موقفنا نحن أصحاب شعار: " يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا"؟ 
...من أجل إحداث طفرة نوعية في الوعي الوطني وحتى نصبح قادرين على تنفيذ حق العودة بشكل فعلي ومن أجل الحفاظ على مسيرة العودة كحدث وطني تشارك فيه مختلف الفعاليات ومنظمات المجتمع المدني قررنا أن تكون مسيرة العودة هذه السنة على أراضي قرية جبع الساحلية…. وذلك بعد أن اكتشف المنظمون أنه بعد عشرين سنة وبعد عشرين مسيرة عودة لم تكن هناك مسيرة في أية قرية مهجرة من قرى الساحل الفلسطيني. لا اقصد هنا ولا بأي حال من الأحوال غمط جهود المنظمين وتفانيهم لإنجاح المسيرة، فاحترامهم في مكانه مطروح. كل ما هنالك هو نقد للقرار السياسي المتخذ وهو حق مشروع للجميع.
بإختصار شديد، موقفي بجرأة وصراحة: الرد المناسب على الموقف الأمريكي - الإسرائيلي هو أن تكون مسيرة العودة هذه السنة، في الذكرى ال70 للنكبة في القدس وفقط في القدس.
الساحل لنا تماما مثل الجليل والمثلث والنقب، وقد أنتظر عشرين سنه ويستطيع أن ينتظر سنة أخرى. وعلى فكرة، الساحل الفلسطيني الذي أهمل حتى الان هل هو المنطقة الوحيدة التي أهملت بهذا المعنى؟  في قضاء الرملة يوجد 58 قرية مهجرة فلماذا لم نفكر حتى الآن بتنظيم مسيرة عودة في هذا القضاء؟ ويوجد 38 قرية فلسطينية مهجرة في قضاء القدس فلماذا لم نفكر حتى الآن ولو بمسيرة واحدة في ذكرى النكبة في قضاء القدس؟ وحتى عندما نتكلم عن الساحل الفلسطيني، هل نعني الساحل الذي يمتد من رأس الناقورة إلى غزة؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نستثني قرى الساحل المهجرة في قضاء يافا مثلا؟ أخشى أن يكون هناك إعتبارات أخرى. الاعتبار الأول الذي اصبح واضحا للجميع هو أن اختيار المكان خاضع للعلاقات الحساسة مع السلطة: من أجل الحصول على تصريح للمسيرة تحتفظ الشرطة بحق الفيتو على المكان والمسار أيضا. وهكذا اصبحت مسيرات العودة في السنوات الاخيرة وكأنها رحلة جبارة في احضان الطبيعة. وتساورني بعض الشكوك حول وجود اعتبارات اخرى اشد خطورة، وأتمنى أن أكون مخطئا، وفي حالة الخطأ سوف اقدم اعتذاري لكل من يشعر بأني ظلمته: هل أحد هذه الاعتبارات هو أن غالبية المهجرين من قرى (قضاء القدس، الرملة، غزة، طولكرم) لم يعودوا من سكان "اسرائيل"، أي ليسوا من "فلسطينيي الداخل" وبالتالي فهم ليسوا ضمن حساباتنا؟ على غرار فصل شهداء انتفاضة القدس والاقصى الثلاثة عشر واحتكار إحياء ذكراهم بشكل منفصل عن باقي الشهداء، بحجة "الدولة التي تقتل مواطنيها"؟
القدس تنتظر موقفا جريئا. تصوروا لو أن عشرات الالاف تجمعوا وساروا بين بيوت لفتا المهدمة، أو في شوارع دير ياسين أو عين كارم أو المالحة إحياء لذكرى النكبة! ولا أريد أن أقول: تصوروا مسيرة في الاحياء الفلسطينية التي تم تهجيرها عام 1948 مثل الطالبية، القطمون، مأمن الله، المصرارة وغيرها! هل تستطيعون تخيل قوة الرسالة التي سوف تصل إلى أذان ترامب ونتنياهو؟
القرار التاريخي ينبغي أن يرد عليه بقرار تاريخي مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، أليس كذلك؟ 
هل يستطيع متخذي القرارات في مجتمعنا أن يتفوقوا على أنفسهم لمرة واحدة ويقرروا بصوت واحد: ذكرى النكبة ومسيرة العودة هذه السنة في القدس. ما زال هناك متسع من الوقت لتغيير القرار بقرار افضل. الضغط الشعبي هو الضمان الوحيد لمثل هذا التغيير.