نكبة داخل نكبة
علي زبيدات - سخنين
اسمحوا لي أن استبق هذا المقال بمقدمة قصيرة قد تبدو للوهلة الأولى خارج السياق. أنا لست من بين صانعي القرار في مجتمعنا، ولست حتى من المقربين منهم. وأكثر من ذلك، عادة لا تربطني بهم علاقة طيبة. لذلك أنا متاكد سلفا أن الموقف الذي سوف أعبر عنه كتابة هنا لن يترجم إلى قرار، خصوصا وأن قرار آخر قد أتخذ بهذا الموضوع ونال موافقة جميع المعنيين، ولا أظن أن أحدهم سوف يسعى إلى تغييره. بالرغم من هذه المقدمة فأنا مصر على حقي في طرح موقفي حتى وإن أغاظ البعض ومن بينهم من أطمح برضاه.
نقف على أعتاب الذكرى السبعين للنكبة. ومن المفروض أن تختلف هذه الذكرى عن السنوات الاخرى، وليس فقط بسبب الرقم: 70 بل أيضا وبالاساس ما حدث من تطورات سياسية متعلقة بالقضية الفلسطينية بشكل عام وبالقدس تحديدا. كما هو معروف لم يكتف دونالد ترامب وحكومته بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها، بل إختار ذكرى النكبة لكي يتم هذا النقل. السبب الرئيسي الذي دفع ترامب أن يتخذ هذا القرار هو الرد الفاتر والتعيس عربيا وفلسطينيا على اعترافه الأول. على الصعيد العربي لم يتجاوز الرد الادانات اللفظية وحتى هذه تم التعبير عنها باستحياء، بينما في الوقت عمليا كان التنسيق يزداد عمقا والتطبيع يزداد وقاحة، ولم يكن الموقف الفلسطيني أفضل بكثير، بل حسب رأيي كان أخطر من الموقف العربي لكثرة النفاق الذي يرافقه. كنا نستيقظ صباحا على بيان صادر من أحد أركان السلطة يقول بأن الموقف الأمريكي انفضح نهائيا، ولم تعد أمريكا وسيطا منزها أو راعيا للعملية السلمية. وفي المساء يصدر بيان آخر عن أحد أقطاب هذه السلطة نفسها ليقول: لا يمكن الاستغناء عن الدور الامريكي. وفي صباح اليوم الذي يليه يتم الإعلان عن مقاطعة زيارة نائب الرئيس الامريكي، وفي مساء اليوم نفسه يتم تسريب أخبار عن لقاءات محتملة مع موظفين أمريكيين كبار. يعلن عن التوجه للأمم المتحدة وفي الوقت نفسه يعلن عن الاستعداد لمتابعة المفاوضات الماضية. والاهم من كل ذلك عدم تذكير هذه السلطة بقرارات المجلس المركزي وإلى أين وصلت الأمور. أما في الداخل الفلسطيني فقد اكتفينا بمسرحية إبعاد النواب العرب من الكنيست. ألا يشكل هذا الواقع العربي الفلسطيني نكبة داخل نكبة؟
كانت الحكومة الاسرائيلية هي الوحيدة التي استغلت تطور الأحداث المتسارعة لصالحها إلى أبعد الحدود. فقد تلقفت اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لها ونيته على نقل سفارته اليها بلهفة ووصفته بالخبر التاريخي. أما تصريحه الأخير بنقل السفارة في ذكرى "استقلال" الدولة أي في ذكرى النكبة فقد أوصلها إلى قمة النشوة وصرحت أمام العالم أن الاحتفالات هذا العام لن تكون كمثل باقي الاعوام بل سوف تكون أضخم وافخم احتفالات عرفتها الدولة منذ قيامها.
ماذا كان موقفنا نحن أصحاب شعار: " يوم استقلالكم هو يوم نكبتنا"؟
...من أجل إحداث طفرة نوعية في الوعي الوطني وحتى نصبح قادرين على تنفيذ حق العودة بشكل فعلي ومن أجل الحفاظ على مسيرة العودة كحدث وطني تشارك فيه مختلف الفعاليات ومنظمات المجتمع المدني قررنا أن تكون مسيرة العودة هذه السنة على أراضي قرية جبع الساحلية…. وذلك بعد أن اكتشف المنظمون أنه بعد عشرين سنة وبعد عشرين مسيرة عودة لم تكن هناك مسيرة في أية قرية مهجرة من قرى الساحل الفلسطيني. لا اقصد هنا ولا بأي حال من الأحوال غمط جهود المنظمين وتفانيهم لإنجاح المسيرة، فاحترامهم في مكانه مطروح. كل ما هنالك هو نقد للقرار السياسي المتخذ وهو حق مشروع للجميع.
بإختصار شديد، موقفي بجرأة وصراحة: الرد المناسب على الموقف الأمريكي - الإسرائيلي هو أن تكون مسيرة العودة هذه السنة، في الذكرى ال70 للنكبة في القدس وفقط في القدس.
الساحل لنا تماما مثل الجليل والمثلث والنقب، وقد أنتظر عشرين سنه ويستطيع أن ينتظر سنة أخرى. وعلى فكرة، الساحل الفلسطيني الذي أهمل حتى الان هل هو المنطقة الوحيدة التي أهملت بهذا المعنى؟ في قضاء الرملة يوجد 58 قرية مهجرة فلماذا لم نفكر حتى الآن بتنظيم مسيرة عودة في هذا القضاء؟ ويوجد 38 قرية فلسطينية مهجرة في قضاء القدس فلماذا لم نفكر حتى الآن ولو بمسيرة واحدة في ذكرى النكبة في قضاء القدس؟ وحتى عندما نتكلم عن الساحل الفلسطيني، هل نعني الساحل الذي يمتد من رأس الناقورة إلى غزة؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نستثني قرى الساحل المهجرة في قضاء يافا مثلا؟ أخشى أن يكون هناك إعتبارات أخرى. الاعتبار الأول الذي اصبح واضحا للجميع هو أن اختيار المكان خاضع للعلاقات الحساسة مع السلطة: من أجل الحصول على تصريح للمسيرة تحتفظ الشرطة بحق الفيتو على المكان والمسار أيضا. وهكذا اصبحت مسيرات العودة في السنوات الاخيرة وكأنها رحلة جبارة في احضان الطبيعة. وتساورني بعض الشكوك حول وجود اعتبارات اخرى اشد خطورة، وأتمنى أن أكون مخطئا، وفي حالة الخطأ سوف اقدم اعتذاري لكل من يشعر بأني ظلمته: هل أحد هذه الاعتبارات هو أن غالبية المهجرين من قرى (قضاء القدس، الرملة، غزة، طولكرم) لم يعودوا من سكان "اسرائيل"، أي ليسوا من "فلسطينيي الداخل" وبالتالي فهم ليسوا ضمن حساباتنا؟ على غرار فصل شهداء انتفاضة القدس والاقصى الثلاثة عشر واحتكار إحياء ذكراهم بشكل منفصل عن باقي الشهداء، بحجة "الدولة التي تقتل مواطنيها"؟
القدس تنتظر موقفا جريئا. تصوروا لو أن عشرات الالاف تجمعوا وساروا بين بيوت لفتا المهدمة، أو في شوارع دير ياسين أو عين كارم أو المالحة إحياء لذكرى النكبة! ولا أريد أن أقول: تصوروا مسيرة في الاحياء الفلسطينية التي تم تهجيرها عام 1948 مثل الطالبية، القطمون، مأمن الله، المصرارة وغيرها! هل تستطيعون تخيل قوة الرسالة التي سوف تصل إلى أذان ترامب ونتنياهو؟
القرار التاريخي ينبغي أن يرد عليه بقرار تاريخي مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، أليس كذلك؟
هل يستطيع متخذي القرارات في مجتمعنا أن يتفوقوا على أنفسهم لمرة واحدة ويقرروا بصوت واحد: ذكرى النكبة ومسيرة العودة هذه السنة في القدس. ما زال هناك متسع من الوقت لتغيير القرار بقرار افضل. الضغط الشعبي هو الضمان الوحيد لمثل هذا التغيير.
No comments:
Post a Comment