Wednesday, December 25, 2013

المعركة على رمية


المعركة على رمية
علي زبيدات – سخنين

بدأت المعركة لمواجهة سياسة التطهير العرقي التي تتعرض لها قرية رمية الفلسطينية الجليلية غير المعترف بها بتأخير يزيد على عشرين سنة على أقل تقدير. وحتى هذه البداية المتأخرة جاءت مترددة وخجولة تحمل بين طياتها مساوىء وسلبيات القيادة السياسية ممثلة بلجنة المتابعة وبعض الاحزاب السياسية العربية. هكذا تراجعت لجنة المتابعة في نشاطها الاول عن البرنامج الذي وضعته بنفسها بالغاء المظاهرة القطرية التي كان من المفروض أن تنطلق من أمام بلدية كرمئيل والاكتفاء باعتصام خطابي في قرية رمية. ولولا تواجد مجموعات شبابية متمردة على هذه القيادات البالية ومحاولاتها أن تطرح قضية رمية بالشكل اللائق لمر هذا الاعتصام مرور الكرام ولانتهى تماما مع انتهاء خطاب آخر متكلم.
لم اشارك شخصيا في نشاطات الاسبوع الاخير ذلك بسبب ظروف طارئة خارجة عن ارادتي ولكني علمت بالتفاصيل من أصدقاء مشاركين ومما نشر في وسائل الاعلام المحلية. حسب رأيي كانت خلاصة هذه النشاطات تؤكد ما قلته في مناسبات عديدة حول ضرورة الزج بلجنة المتابعة، بصفتها الراهنة كهيئة تمثيلية على الساحة الفلسطينية المحلية، في كافة القضايا المصيرية التي تواجه جماهيرنا ولكن بشرط معارضة انفرادها بقيادة هذه النشاطات بل والعمل على مصادرة هذه القيادة منها ومنحها لمن يستحقها من القيادات الشبابية الاكثر تقدما.
أذكر انني مع مجموعة من الرفاق كنا قد قمنا بزيارة رمية قبل سنوات طويلة وبالتحديد بعد الاعلان عن الاتفاق بين بلدية كرمئيل ومديرية اراضي اسرائيل (المنهال) وبين سكان رمية بتخصيص ٣٠ قسيمة بناء بمحاذاة ولكن خارج كرمئيل وبعض التعويض عن الاراضي الزارعية. وشعرت أن بعض السكان وبعض الرفاق المتواجدين كانوا فرحين بهذا الاتفاق. ولكني عبرت عن موقفي امام جميع المتواجدين بأن هذا الاتفاق سيئ وهو يتضمن الموافقة على التطهير العرقي وأن اتفاق موقع من قبل المنهال وبلدية كرمئيل ونائب عربي في الكنيست الاسرائيلي لا يساوي الورق المكتوب عليه، وأن الحل الوحيد هو حق أهالي رمية المطلق في بناء بيوتهم على اراضيهم. واذكر أن احد الرفاق اتهمني بالمزاودة حتى على اصحاب الحق انفسهم. خلال هذه الفترة عدت الى رمية مرات عديدة ودائما برفقة وفود أو مجموعات اجنبية من خلال برنامج لزيارة القرى المهجرة والقرى غير المعترف بها. وكانت جميع هذه الوفود والمجموعات، وبعد القاء نظرة عابرة على العمارات الحديثة التي تطوق قرية رمية من كافة الجهات ، والقاء نظرة اخرى على براكيات القرية، وبعد شرح بسيط بأن اراضي القرية لا تختلف من حيث وضعها القانوني عن الاراضي المحيطة بها حيث العمارات الحديثة وان الخلاف الوحيد يكمن في هوية السكان،تغادر القرية ولسان حالها يقول: يحق لاهالي هذه القرية بناء بيوتهم على اراضيهم.
يجب الا ننسى للحظة واحدة أن كرمئيل هي جزء من سياسة تهويد الجليل الحكومية. ويجب ألا ننسى انها قامت على اراض مصادرة من قرى الشاغور: مجد الكروم، دير الاسد، البعنة، نحف والتجمعات البدوية ومن ضمنها قرية رمية. وكان الهدف المباشر من بنائها قي هذه البقعة بالذات هو قطع التواصل الفلسطيني في الشاغور الذي يقلق حكومات إسرائيل المتعاقبة بواسطة تكثيف الاستيطان الصهيوني في الطريق الرئيسية التي تربط البحر الابيض المتوسط ببحيرة طبريا (طريق عكا – طبريا). هذه سياسة صهيونية واحدة يشترك فيها اليسار والوسط واليمين الصهيوني. كان حزب العمل هو المبادر في اقامة كرمئيل منذ اواسط الستينات. وكان عامي الدار رئيس البلدية خلال ربع القرن الاخير من زعماء هذا الحزب حتى التحق بحزب كاديما أسوة برئيسه شمعون بيرس وجمع من حوله زمرة من العنصريين وهو اليوم يقود معركة التطهير العرقي في رمية بالتواطوء مع بعض مؤيديه في الوسط العربي.
المعركة لانقاذ قرية رمية هي قضية وطنية من الدرجة الاولى وكل حل لا يضمن مستقبلها في مكانها التاريخي هو فشل بل هزيمة. وهذا هو التحدي الكبير التي تقف امامه الفعاليات والقيادات الشبابية.

Thursday, December 12, 2013

نيلسون مانديلا بين الاسطورة والحقيقة

 
نيلسون مانديلا بين الاسطورة والحقيقة
علي زبيدات – سخنين
جرت العادة كلما توفي شخص المبالغة في كيل المديح له بلا حساب حتى ولو لم يقم في حياته بشيء يذكر يستحق عليه المدح أو يكاد. أما اذا كان هذا الشخص قد قام في حياته باعمال كثيرة يستحق عليها المدح فإن المبالغة قد تصل الى درجة اللامعقول ويصبح هذا الشخص اسطورة بعد مماته وربما في حياته ايضا. مما لا شك فيه أن نلسون مانديلا قد قدم في حياته اعمالا جليله يستحق عليها كل التقدير والثناء تضعه في صف واحد مع عظام هذا العصر، ولكن عندما يصبح المديح نفاقا صادر عن اشخاص كانوا طوال حياتهم ضد ما يمثله مانديلا من نضال ضد التمييز والعنصرية ومن أجل الحرية لشعبه ولباقي الشعوب المضطهدة لا بد من وقفة نقدية تحفظ للرجل كرامته وتفضح نوايا المنافقين السيئة.
بشكل عام اعتقد بصحة الحديث الذي يقول: "أذكروا محاسن موتاكم"، بغض النظر عن ضعفه أو قوته، ولكني لا اقبل الشق الآخر منه الذي يقول: "وكفوا عن مساويهم". محاسن مانديلا يعرفها الجميع وقد نشرتها مختلف وسائل الاعلام في شتى ارجاء العالم منذ وفاته وحتى تأبينه. وها أنا آخذ على عاتقي الدور العاق الذي لا يحظى بأية شعبية وهو عدم الكف عن المساوئ.
احسب رأيي، كان أسوأ عمل قام به مانديلا هو عدم السير بالثورة حتى النهاية. الثورة تعني التغيير الجذري للنظام القائم بكافة اشكاله وجوانبه، وفى حالة جنوب افريقيا القضاء التام على نظام الفصل العنصري قضاء تاما وليس على جانبه السياسي فقط وبشكل محدود وجزئي. كان بالامكان السير بالثورة حتى تحقيق النصر الكامل والحاسم من غير تقديم أية تنازلات للأقلية الكولونيالية العنصرية ولحلفائها الدوليين. كان لهذا العمل السيء الذي قاده مانديلا، وفي أحيان كثيرة من خلال التصادم مع زملائه في المؤتمر الوطني الافريقي، نتائج وخيمة على تطور البلاد بعد الاطاحة السياسية بنظام الابرتهايد على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء:
داخليا، الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الاغلبية السوداء والاقلية البيضاء التي فقدت احتكارها للسلطة السياسية ما زالت شاسعة بل تزداد اتساعا. وخارجيا، انضمام جنوب افريقيا إلى نادي المنظومة الرأسمالية بعدما اختارت الانحياز التام الى اقتصاد السوق وتشجيع الاستثمار الاجنبي على حساب تطوير الاقتصاد المحلي. فليس من باب الصدفة انه بعد مرور عقدين من سقوط الابرتهايد تصل نسبة البطالة الى ٢٤٪ ومعدل دخل السود لا يتجاوز سدس دخل البيض هذا بالاضافة الى تفاقم الامراض وانتشار الجريمة.
شارك عشرات الآلاف في مراسم تأبين مانديلا معبرين عن مشاعرهم الحقيقية اتجاه الشخص الذي قضى جل حياته مناضلا من أجل حرية شعبه، بالمقابل شارك عشرات القياديين المحليين والدوليين الذين احتلوا الواجهة. من بينهم آخر ثلاثة رؤساء امريكيين الذين تابعوا طريق اسلافهم في قمع حرية الشعوب وشن الحروب الامبريالية. ومن بينهم الرئيس الفرنسي الاشتراكي الذي يحاول اعادة الاستعمار الفرنسي إلى القارة السوداء بشن الحروب وتأجيج النزاعات في مالي ووسط افريقيا ودول أخرى. ومن بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي قال أن مانديلا كان "قائدا ومقاتلا من أجل حرية شعبه وكان رمزا للتحرر من الاستعمار" بينما هو ليس سوى "قائد" متعاون مع اعداء شعبه ورمز الخضوع للاستعمار.
اما السيئة الاخيرة لمانديلا والتي لا يمكن الكف عنها هو موقفه من دولة إسرائيل. من المعروف أن هذه الدولة كانت من اشد أنصار نظام الابرتهايد حتى يومه الاخير، هذا النظام الذي كان مثلها الاعلى حيث بذلت كل ما في وسعها لتطبيقه على الشعب الفلسطيني. واذا تجاوزنا بعض التصريحات الانشائية التي تنتقد السياسة الاسرائيلية من جهة وتتضامن مع فلسطين من جهة أخرى، نرى أن موقف النظام الجديد اتجاه دولة اسرائيل لم يتغير من حيث الجوهر عن موقف نظام الفصل العنصري. لقد ذهلت عندما قرأت المقابلة التي اجرتها صحيفة يديعوت أحرونوت مع مانديلا عام ١٩٩٨ وأعادت نشرها مؤخرا. حيث يقول بعد أن قرأ كتاب "التمرد" لمناحم بيغين بأن " نضالنا كان يشبه بجوانب عديدة نضال المنظمات الصهيونية في زمن الانتداب" وأنه تعلم الكثير من هذا الكتاب وطبق اجزاء منه، بينما يصف بن غوريون بالزعيم الكبير اما عن بيرس فيقول: "مع كل مقابلة مع بيرس أتعلم شيء جديد ويكون مصدر الهام لي فهو رجل عظيم".
بالرغم من هذه المساوئ، لا يساورني الشك للحظة واحدة بأن محاسن مانديلا التي يجب أن نتذكرها هي الثابتة وهي الوحيدة الحقيقية. وكل ما عداها مصيره للزوال.

Wednesday, December 04, 2013

تضامن إيه اللي انت جاي تقول عليه


تضامن إيه اللي انت جاي تقول عليه
علي زبيدات – سخنين
مع الاعتذار مسبقا للسيدة أم كلثوم. في الاسبوع الماضي وبالتحديد في ٢٩ تشرين الثاني احتفلت الامم المتحدة ككل سنة بما يسمى ب"يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني". وقد شاركها هذا الاحتفال في اماكن مختلفة على سطح الكرة الارضية بعض الاوساط الفلسطينية والعربية الرسمية وبعض المؤيدين هنا وهناك.
تعود بي الذاكرة إلى عام ١٩٧٧ عندما اتخذت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا بتحويل ذكرى تقسيم فلسطين إلى احتفال بيوم "للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني". منذ اليوم الاول بدا لي هذا القرار مشبوها كباقي قرارات الامم المتحدة التي نفذت والتي لم تنفذ. كنا في سجن الرملة المركزي عندما اتخذ هذا القرار وقد استقبله معظم السجناء السياسيين وخصوصا المنتمين للفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم تنطيم فتح بالتصفيق والهتافات والفرح. فقد وصفوه بالانتصار الباهر جاء تتويجا للنضالات والانجازات. كنت من القلائل الذين اعتبروا هذا القرار انتصارا لنهج التسوية الذي أخذ ينتشر ويترعرع على الساحة الفلسطينية منذ سنوات. حيث تحول هذا اليوم من يوم كفاحي يرفض قرار التقسيم المجحف الذي أسس ومهد لقيام الكيان الصهيوني بعد حوالي نصف سنة الى يوم احتفالي بانتصارات وهمية وانجازات زائفة ووعود ما لها رصيد. ما زلت اذكر النقاشات الطويلة التي فجرها هذا القرار والقت بظلالها السلبية على حياة جميع الاسرى. كان المؤيدون يصرخون في وجهي: "يا أخي كن متفائلا، العالم باسره يتضامن معنا، أنظر إلى النصف الملآن من الكأس”. وكنت أجيب: هذا القرار يتضامن مع اسرائيل وليس مع فلسطين، وليس من باب الصدفة انهم اختاروا هذا اليوم الذي يصادف قرار التقسيم. يريدون منا أن ننسى هذا التاريخ، بل أسوأ من ذلك يريدون منا أن نحتفل به. والكأس ليس نصفه ملآن ونصفه فارغ، بل هو فارغ ولا يوجد سوى قطرة أو قطرتين في قاعه.
كنت أتمنى، بعد مرور ٣٦ عاما على هذا القرار، أن أكون مخطئا وأن التضامن مع الشعب الفلسطيني حقا يكتسح هذا العالم الابكم، الاصم، الاعمى الذي يتسربل بجلد أقسى من جلد التماسيح. ولكن للأسف لم أكن مخطئا. فكلما زاد هذا "التضامن" كلما اهدرت حقوق الشعب الفلسطيني. وجل ما اخشاه في اعقاب القرار بجعل العام القادم "سنة دولية للتضامن مع الشعب الفلسسطيني" أن تكون السنة القادمة سنة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية عن طريق فرض التسوية الاسرائيلية – الامريكية على الشعب الفلسطيني. على ضوء ما يجري حولنا من احداث لم يعد ذلك مستبعدا: فالسلطة الفلسطينية تتضامن مع اسرائيل من خلال الاستمرار بالمفاوضات العبثية بينما عمليات التهويد والاستيطان تسير على قذم وساق. والدول العربية تتضامن مع اسرائيل ليس فقط من خلال مبادرتها التعيسة للسلام بل أيضا من خلال تحالفها العسكري معها لمواجهة الخطر الايراني – الشيعي الموهوم. وما يسمى بالمجتع الدولي هو الاخر يتضامن مع إسرائيل من خلال تبنيه للتسويات التي تهضم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
شكرا للامم المتحدة، نحن في غنى عن مثل هذا التضامن. نحن بأمس الحاجة إلى تضامن من نوع آخر. نحن بحاجة الى تضامن الجماهير الشعبية في كل مكان وهي تتحدى حكوماتها وتقف علنا الى جانب الشعب الفلسطيني ونضاله في سبيل تحصيل حقوقه المشروعة كاملة. نحن بحاجة الى تضامن الشعوب العربية الذي لن يصبح فعالا الا بعد اسقاط الانظمة العميلة. ولكننا اولا وقبل كل شيئ نحن بحاجة ماسة للتضامن مع انفسنا كشعب فلسطيني واحد وموحد. ما يجري في النقب والجليل هو نفسه ما يجري في القدس وأرجاء الضفة الغربية وغزة. سياسة الاقتلاع والتهجير هي واحدة بالنسبة للاجئين والمهجرين والذين ما زالوا متشبثين بأرضهم.
الحجر الذي رفضه البناؤون في ٢٩ تشرين الثاني عام ١٩٤٧ ما زال مرفوضا ولن يصبح أبدا رأس الزاوية كما تريده اليوم معظم الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية. هذا الحجر بكل بساطة لا يصلح للبناء. والبناؤون الذين يصرون على استعماله عليهم أن يبحثوا لانفسهم عن مهنة أخرى لانهم غير جديرين ببناء اعمدة راسخة للوطن.

Wednesday, November 27, 2013

قلقيلية، الجدار ونحن

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011781 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011765
قلقيلية، الجدار ونحن
على زبيدات
أمضيت معظم الاسبوع الاخير في مدينة قلقيلية وفي بعض القرى التابعة لها برفقة صحفية هولندية جاءت لكي تحضر تصوير فلم وثائقي عن الجدار يبث في احدى القنوات الهولندية الرئيسية. وبينما كنا جالسين مع رئيس قسم العلاقات العامة في بلدية قلقيلية وبعض الموظفين وصل صحفيان قادمان من كندا للغاية نفسها وقد انضما الينا في جلسة نقاش وحوار عن الجدار استمرت بضع ساعات. وقد علمنا أنه في السنة الاخيرة قد زار قلقيلية ومحافظتها وفود من بلجيكا، الدنمارك وفرنسا برفقة طواقم تصوير. طبعا هذه الوفود والطواقم التلفزيونية والصحفية الاجنبية لن توقف جدار الفصل العنصري ولن تزحزحه من مكانه قيد انملة ولكن ذلك يعكس اهتمام العالم بالجدار الذي بدأ بناءه في هذه المنطقة بالذات منذ أكثر من ١٠ سنوات.
بصفتي متابع لوسائل الاعلام العربية المحلية لا أظلم احدا اذا قلت أن موقفنا من هذا الجدار مخزي للغاية يتراوح بين اللامبالة المطلقة وبين التجاهل المقصود. ولا انكر أنني شعرت بالخجل وانا اتكلم مع الصحفيين الاجانب عن مدى اهتمامهم بالقضية الفلسطينية بشكل عام وبقضية الجدار بشكل خاص. في الحقيقة شعرت أيضا ببعض الخجل من نفسي حيث كنت اعتبر نفسي من المطلعين والمهتمين بقضايا جدار الفصل العنصري، وحتى هذه التسمية لا توافيه حقه، وتبين بعد أن تكلمت مع العديد من المزارعين والعمال والموظفين والطلاب والشباب بإني أكاد لا اعرف شيئا.
لن اتوقف هنا عند المعلومات العامة عن الجدار والتي يمكن معرفتها في العديد من المواقع الاعلامية، هذه المعلومات التي طالما استعملناها في دعايتنا المتحجرة ضد الجدار والتي تكاد لا تصل الى قلوب ومشاعر احد: حول آلاف الدونمات المصادرة لاقامة الجدار نفسه والطرق الالتفافية وحول الاف الدونمات الزاعية التي بقيت خلف الجدار واصبح مجرد الوصول اليها قضية قائمة بذاتها وحول آلاف الاشجار التي اقتلعت وشبكات الري التي دمرت. ولكني سأكتفي هنا ببعض الحالات التي تخترق الحيز الوطني على اهميته لكي تصبح حالات انسانية صرفة.
الجدار المتعرج الذي يحاصر قلقيلية وبعض قراها كان، من ضمن اهدافه، تأمين حياة سعيدة لمستوطنة الفي منشيه والتي تعتبر ثالث أكبر مستوطنة في الضفة الغربية. وقد ابقى هذا الجدار بعض القرى الفلسطينية في الجانب الاسرائيلي من بينها تجمعين بدويين هما عرب ابو فردة وعرب الرمادين. الوضع في هذين التجمعين لا يوصف: لا ماء، لا كهرباء ولا مدارس أو خدمات طبية. يكفي أن تقف على ارض عرب ابو فردة وتلقي نظرة على الفي منشيه لكي تجد نفسك امام منظر سوريالي لا يمكن فهمه. جمعية الاغاثة الطبية في قلقيلية تقوم مرة كل اسبوعين بزيارة هاتين القريتين وتقدم بعض الخدمات الطبية للسكان بواسطة عيادة متنقلة تقدم ابسط الخدمات. انضممنا، أنا والصحفيين الاجانب الى هذه الزيارة. للوصول الى هاتين القريتين لا بد من المرور عبر الحاجز. إحدى المجندات على الحاجز طلبت بأدب جوازات السفر من الصحفيين الاجانب، في المقعد الخلفي من السيارة كانت تجلس سيدة عربية من قلقيلية، هي التي تدير اعمال جمعية الاغاثة الطبية، وحاصلة على تصريح لعبور الحاجز. فما كان من المجندة الا الصراخ في وجهها:"افتح الشباك، أين التصريح؟" فأجابت السيدة: "لماذا تصرخين هكذا؟بامكانك الطلب من غير صراخ، ها هو التصريح".أمام هذا الموقف لم استطع السكوت فقلت للمجندة باللغة العبرية: ألا تخجلين؟ انها في سن أمك". فأجابت بكل وقاحة: "ولكن أمي ليست عربية". وكان ثمن تدخلي التوقف جانبا والتعرض لتفتيش دقيق وشامل. لقد مررنا عبر هذا الحاجز ثلاث مرات وفي كل مرة كانت هناك حادثة لا علاقة لها بالامن كما يدعون ولكن اهانة من أجل الاهانة لا غير. تصوروا حياة من يضطر لعبور هذا الحاجز يوميا.
زرنا قرية تدعى عزون عتمة أو بالاحرى اردنا زيارتها لتوصيل طالب يتعلم في قلقيلية الى بيته. وصلنا مدخل القرية الذي هو عبارة عن بوابة مغلقة يحرسها مجموعة من الجنود. توقفنا للفحص. فقال الجندي المسؤول: "انت تملك هوية اسرائيلية ممنوع الدخول بتاتا، وانتم الصحفيين الاجانب يجب أن تحصلوا على تصريح من الادارة المدنية، فقط سكان هذه القرية يستطيعون الدخول". للمعلومات فقط قرية عزون عتمة مغلقة من جميع النواحي بالجدار والمخرج الوحيد هو تلك البوابة.
زرنا قرى أخرى: حبلة، راس عطية، كفر ثلث، النبي الياس، عزبة طبيب، جيوس وقرى أخرى لم نستطع زيارتها اما لضيق الوقت واما بسبب الحواجز. وفي كل قرية يوجد هناك حكاية بل حكايات. تكلمنا مع الكثيرين وكل واحد كان يحكي لن اعن تجربته الخاصة مع الجدار ومع الحواجز ومع المستوطنين. السلطة الفلسطينية لا تحرك ساكنا وتكتفي بالشجب والادانة اللفظية نهارا والتنسيق الامني ومطاردة المقاومين ليلا. ما يسمى بالمجتمع الدولي هو الآخر يقتصر على ترديد بعض عبارات اللوم اللطيف حول لا شرعية الجدار وعرقلته لل"عملية السلمية". ونحن هنا نغط في بحر من اللامبالاة. لماذا لا نتحرك ابتداء من الطيبة والطيرة وجلجولية وكفر قاسم التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قلقيلية وقراها وانتهاء بالناصرة وسخنين وباقي المدن والقرى العربية؟.

Wednesday, November 13, 2013

الحرب التي يحاول الجميع أن ينساها



الحرب التي يحاول الجميع أن ينساها
علي زبيدات – سخنين

سنة مرت على الحرب الاجرامية الاخيرة التي شنتها دولة إسرائيل على قطاع غزة والتي سمتها عملية عامود السحاب تيمنا بالاسطورة التوراتية المعروفة والتي اطلقت عليها حكومة حماس حجارة السجيل تيمنا باسطورة دينية أخرى. وبغض النظر عن التسميات وبدون الخوض فيما إذا كانت هذه التسميات أساطير أم حقائق كل حسب معتقداته، فالجريمة تبقى هي الجريمة: أكثر من ١٦٠ شهيدا معظمهم من المدنيين ومن بينهم ٤١ طفلا ومئات الجرحى هذا بالاضافة الى الدمار الرهيب في البنى التحتية من مساكن ومؤسسات رسمية واهلية،كل ذلك في غضون ثمانية أيام.
يعود اليوم المسؤول الاول عن هذه الجريمة، رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلى موقع الجريمة و يصرح أمام جنوده بأن دولة إسرائيل استطاعت في اعقاب هذه العملية أن تعيد الردع في المنطقة إلى نصابه وتقلص العمليات الهجومية على الجيش الاسرائيلي وعلى المستوطنات المتاخمة لقطاع غزة إلى ٩٨٪. ولكنه لم يذكر من قريب أو من بعيد أن هذا الانخفاض الذي يتبجح فيه بالعمليات كان بفضل اتفاق الهدنة المبرم مع حكومة حماس بوساطة وكفالة مصر والولايات الامريكية المتحدة وليس كنتيجة مباشرة للحرب الاجرامية أو للردع الاسرائيلي. يبقى المكسب الاساسي لرئيس الحكومة الاسرائيلية ولشركائه في هذه الجريمة: وزير الدفاع السابق ايهود براك، وزير الخارجية السابق والحالي افيغدور ليبرمان ورئيس أركان الجيش بني غانتس، انهم وبالرغم من ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية قد نجوا من أية محاكمة أو حتى محاسبة، بل على العكس فقد تمت مكافأتهم بالاوسمة والنياشين من قبل العالم الرسمي مما يجعل هذا العالم شريكا فعليا في الجريمة. فقد نشرت امريكا حمايتها على هذا العدوان منذ بدايته وحتى نهايته، اسوة بكافة الاعتداءات الاسرائيلية السابقة. ولم يكف المسؤولون الامريكان من رئيس الدولة إلي وزيرة الخارجية إلى باقي الموظفين الكبار عن الكلام حول "حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها" وكأن للفلسطيني حتى ولو كان طفلاصغيرا لا يوجد لديه نفس يدافع عنها. الدول الاوروبية هي الاخرى شاركت بهذه الجريمة بترديدها للكذبة الاسرائيلية حول الدفاع عن النفس ومنحها للمعتدين دعما غير محدود في كافة المجالات. العالم العربي الرسمي، بما فيه انظمة الربيع العربي، هو الاخر شارك مشاركة فعالة في هذه الجريمة بوقوفه موقف المتفرج وفي أحسن الاحوال موقف الوسيط ولم تغير كافة تصريحات الادانة والشجب اللفظية من هذا الواقع شيئا. كذلك لا ننسى الموقف الفلسطيني الرسمي فقد كان هو الأخر أكثر من مخزي ولا أظن أن كلمة تواطوء تكفي لإعطائه حقه.
نقطة الضوء الوحيدة في هذا المشهد المظلم هو الصمود الاسطوري الذي سطره كل فرد من ابناء شعبنا الفلسطيني في غزة على مدى أمثر من اسبوع من القصف والقتل والدمار مدعوما بخروج الآلاف إن لم يكن الملايين من الجماهير الشعبية في كافة انحاء العالم.
تحاول دولة اسرائيل وكافة وسائل الاعلام المحلية والدولية التي تدور في فلكها تجاهل ونسيان الذكرى الاولى لهذه الحرب لكي لا تذكرها بالجرائم المقترفة ولكنها في الوقت نفسه تقف على اتم الاستعداد لتبرير أية جريمة تقترفها دولة إسرائيل مستقبلا. بالمقابل تحافظ حكومة حماس في غزة هي الاخرى على بروفيل منخفض في هذه الذكرى وتكاد لا تتطرق اليها. فالتهدئة قد طالت ولم تغيير قيد انمله في واقع الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، بل ربما ازداد هذا الحصار شراسة. الوساطة المصرية انتهت مع سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر وتحولت الى انحياز كامل للموقف الاسرائيلي. حيث تم اغلاق المعابر بصورة لم يسبق لها مثيل بل وأكثر مما كانت تتوقعه اسرائيل نفسها، هذا بالاضافة للحرب التي تشنها السلطات المصرية على الانفاق مما يجعل الحصار شاملا.
على خلاف كافة الهيئات الرسمية، الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده لم ولن ينسى جرائم عملية "عامود السحاب" كما لم ولن ينسى جرائم حرب "الرصاص المصبوب" من قبل وباقي الجرائم المرتكبة في حقه منذ النكبة وحتى اليوم. وهو لن يغفر لأية جريمة ما دام مسلسل الجرائم مستمرا.
الحصار الغاشم على غزة سوف يسقط مهما طال، ومهما استعملت إسرائيل من اسلحة لفرضه واقترفت من جرائم ومهما بلغ صمت العالم وتواطؤه. لا يوجد هناك خيار امام الشعب الفلسطيني سوى انتزاع حريتة وتحقيق عودته واستقلاله.

Wednesday, November 06, 2013

وعود العرب أشد شؤما من وعد بلفور



وعود العرب أشد شؤما من وعد بلفور
علي زبيدات – سخنين

لم اقرأ شيئا عن وعد بلفور في اللغة العربية إلا وكان مقرونا بكلمة مشؤوم. لا ادري من كان اول من استعمل هذه الكلمة وكيف اصبحت ملاصقة له وكأنها جزء لا يتجزأ من تسميته الاصلية، حتى بت اتوهم وكأن بلفور هو نفسه صاحب هذه التسمية وقد بدأ رسالته ب: "عزيزي البارون روتشيلد إليك هذا الوعد المشؤوم...." بحثت في معاجم اللغة العربية لعلي أجد معنى غامضا لهذه الكلمة البسيطة فلم أجد شيئا غير مألوف. الشؤم والتشاؤم هو توقع الشر والنحس والمكروه والتطير، وهي جميعها تعابير موغلة بالذاتية والعاطفية البدائية ولكنها لا تصلح ابدا لتحليل تصريح سياسي صادر عن مسؤول حكومي يعبر عن موقف سياسي. حتى الآن وبعد مرور ٩٦ سنة لم أقرأ باللغة العربية أي تحليل سياسي عن هذا الوعد. أنا بصراحة لا أومن بالشؤم ولا بالتيمن خصوصا في السياسة. ومما لم يعد يطاق أن يقوم أحد المسؤولين الفلسطينيين أو العرب في هذه الذكرى ممن يتبنون وينشرون وعودا أشد شؤما بما لا يقاس عن وعد بلفور. فهذا مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية والتي لم تعد تملك شيئا من التحرير سوى اسمها ينتقد وعد بلفور الصادر عن دولة استعمارية منذ حوالي القرن ويعمي عن رؤية وعود أوسلو (وليس وعدا واحدا) بعد عشرين عاما كيف تمنح الشرعية للحركة الصهيونية لاقامة: "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". وذاك مسؤول آخر في جامعة الدول العربية يناشد في هذه المناسبة بضرورة تصحيح الغبن الصادر عن وعد بلفور بتبني ما يسمى بمبادرة السلام العربية وهو يعلم أو لا يعلم، وهذه مصيبة في كلتا الحالتين، أن هذه المبادرة أشد شؤما بدرجات من وعد بلفور. وأدعو المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية أن يراجعوا وعد بلفور مرة أخرى ويقارنوه بوعودهم: على الاقل ينص وعد بلفور بصريح العبارة بأن على اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين: "ألا تنتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع فيها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين" بينما تفرط اتفاقيات أوسلو ومبادرة السلام العربية بأبسط الحقوق المدنية والدينية للفلسطينيين. لقد آن الاوان لهذا العهر السياسي وهذا النفاق الاخلاقي أن ينتهي مرة واحدة والى الابد. كفى اختباءا وراء مصطلحات عاطفية مبتذلة الهدف الوحيد من استعمالها هو التنصل من المسؤولية التاريخية. فوعد بلفور قبل أن يكون مشؤوما كان قرارا سياسيا مدروسا. فقد كان بلفور وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت يعرف تمام المعرفة أن الفلسطينيين يشكلون الغالبية العظمى من سكان البلاد بينما عدد المستوطنون اليهود لم يتجاوز بضعة آلاف، ولكن لضرورات راهنة ولاطماع استعمارية مستقبلية فضل الحركة الصهيونية على جميع القيادات العربية، والتي فشلت حتى في اقناع الانجليز بمقدرتهم على خدمة الامبراطورية البريطانية بشكل أفضل من الحركة الصهيونية. وليس من باب الصدفة أن تتنصل من تعهدات مكماهون للعرب بالاستقلال بينما يتم الوفاء للحركة الصهيونية لتحقيق حتى حلمها بإقامة كيانها.
في عام ١٩١٥ قدمت بريطانيا ووعودها باستقلال البلدان العربية اذا ما انضمت للحرب ضد الدولة العثمانية، بعد ذلك بسنة أي في عام ١٩١٦ قامت بريطانيا وفرنسابنكث هذه الوعود في اتفاقية سايكس – بيكو السرية لتقسيم المنطقة فيما بينهما، وبعد ذلك بسنة أي في عام ١٩١٧ اصدرت وعد بلفور بخصوص تبني المشروع الصهيوني. في البداية رفض العرب تصديق هذه التغيرات فبريطانيا صديقة العرب، والاخلاق الانجليزية تمنعها من الغدر بأصدقائها، وبعد ذلك أخذت تبحث لها عن تبريرات: فهذا وعد مشؤوم سوف تتراجع عنه، وتلك سياسة خاطئة سوف تصححها بنفسها عندما تعلم أين تكمن مصالحها الحقيقية ومن سيكون الافضل في حمايتها. وكانت السياسة العربية طوال فترة الانتداب تدور في هذا الفلك أي اقناع بريطانيا في تفضيلها على الحركة الصهيونية لخدمة مصالحها، حتى جاء الشيخ عزالدين القسام وقلب هذه المعادلة رأسا على عقب واعتبر الاستعمار البريطاني أخطر من الحركة الصهيونية نفسها.
في منطقتنا العربية، التاريخ يعيد نفسه مرتين، ولكن ليس كما قال كارل ماركس مرة بطريقة مأساوية ومرة بطريقة هزلية، بل يعيد نفسه مرة بطريقة مأساوية ومرة بطريقة أشد مأساوية. القيادات العربية ومن ضمنها قيادات تضع على وجوهها أقنعة قومية ووطنية تعتبر من أحفاد بلفور وسايكس وبيكو الشرعيين أكثر من القيادات الصهيونية. من يريد حقا أن يتخلص من شؤم وعد بلفور عليه أولا وقبل كل شيء أن يتخلص من الشؤم الذي يتلبسه من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه

Wednesday, October 30, 2013

الأيدي الملطخة بالدماء الزرقاء



الايدي الملطخة بالدماء الزرقاء
علي زبيدات – سخنين
أليس من سخرية الاقدار أن يتم اطلاق سراح٢٦ أسيرا فلسطينيا، "ملطخة أيديهم بالدماء" حسب القاموس الاسرائيلي، بينما تحيي الجماهير الفلسطينية ذكرى مجزرة كفر قاسم؟ لم تكن هذه المجزرة كما يعرف الجميع الاولى في تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية التى تحولت الى دولة محترمة يطلب ودها القاصي والداني، بل سبقتها مجازر عديدة، ولم تكن الاخيرة فقد أعقبتها مجازر عديدة وكل الدلائل تشير إلى انها لن تتوقف مستقبلا أيضا. علي كل حال، لست هنا بصدد ذكر كافة هذه المجازر إو قياس كمية الدماء المسفوكة من الشعب الفلسطيني ولكن الخلاصة التي لا بد أن يتوصل اليها كل مراقب يتحلى بالقليل من الموضوعية: إذا كانت أيدي هؤلاء الاسرى المحررين ملطخة بالدماء فإن أجسام آسريهم من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم تقطر بالدماء. ولكن يبدو أن دماء الاسرائيليين على غرار دماء ملوك ونبلاء القرون الوسطى هي دماء زرقاء، كيف لا وهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار؟ بينما دماء الفلسطينيين ليست حتى حمراء كباقي دماء البشر بل هي أشبه ما تكون بالمياة المسكوبة سدى على جوانب الطرقات. هذا بالطبع من غير التطرق الى أسباب سفك الدماء من كلا الطرفين إذ لا يعقل المقارنة بين من يدافع عن نفسه وبيته وأرضه وبين من يغزو ويشرد الآخرين ويحتل وطنه.
بما أن هذه المسألة حساسة جدا بالنسبة للجميع، أقترح مد خط فاصل بين إطلاق سراح الاسرى على الصعيد الشخصي وبين تجارة الاسرى أو عملية التبادل التجاري بالاسرى بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل. على الصعيد الشخصي، إطلاق سراح كافة الاسرى من غير قيد أو شرط هو حق تكفله كافة القوانين الدولية التي تعترف بشرعية النضال من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وتحمل الجانب المعتدي وليس المعتدى عليه المسؤولية الاولى والاخيرة عن سفك الدماء. تبدأ المشكلة عندما يتحول هذا الحق إلى تجارة بين فرقاء يتحركون وفق المبدأ الرأسمالي حول الربح والخسارة.
الدفعة الثانية من الاسرى المحررين بعد تجديد المفاوضات لا تشير إلى أي تقدم في المفاوضات نفسها، على العكس من ذلك تماما فكلا الطرفين يؤكدان بأن المفاوضات لم تتقدم قيد أنملة. وربما هذا الوضع بالذات هو السبب الرئيسي وراء اطلاق سراح هذه الدفعة في هذا الوقت بالذات. بالنسبة للسلطة الفلسطينية التي تعرف تمام المعرفة أكثر من غيرها عبثية هذه المفاوضات وطريقها المسدود من قبل أن تخوضها، هذا بالرغم من كل التنازلات التي قدمتها، فلم يعد لديهاشيء تلوح به أمام جمهورها سوى اطلاق سراح ٢٦ أسيرا مما يتيح الفرصة أمام رئيسها ليقول إنه سوف يستمر بالمفاوضات حتى اطلاق سراح كافة الاسرى. بالنسبة للطرف الاسرائيلي، وبعيدا عن ضجة التي يثيرها اليمين الصهيوني المتطرف حول الايدي الملطخة بالدماء، فهو يضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة يظهر لما يسمى بالمجتمع الدولي وخصوصا أمريكا وأوروبا بأنه ملتزم ب"العملية السلمية" ويقدم ثمنا باهضا لهذا الالتزام، ومن أخرى يستمر في سياستة الرامية الى تهويد ما تبقى من القدس العربية والاراضي الفلسطينية المحتلة. فقبل أن يستنشق الاسرى النفس الاول من نسيم الحرية كانت الحكومة الاسرائيلية تبادر إلى بناء ١٥٠٠ شقة جديدة في القدس بالاضافة الى مشاريع أخرى هدفها محو المعالم الفلسطينية من المدينة، وهذا ما فعلته خلال اطلاق سراح الدفعة الاولى قبل عدة أشهر وهذا ما ستفعله خلال في الدفعة الثالثة والرابعة أيضا. هل هذه هي الصفقة التي لا يريد الطرفان الاعتراف بها رسميا: ٦٠ شقة استيطانية مقابل كل أسير محرر؟
حسب اتفاقيات أوسلو من قبل عشرين سنة كان من المفروض أن يتم إطلاق سراح جميع الاسرى بالاضافة الى قيام دولة فلسطينية مستقلة والاعلان عن نهاية الصراع العربي الاسرائيلي. ولكن شيء من هذا لم يحصل. اختطاف جندي اسرائيلي واحد أمن اطلاق سراح أسرى أكثر مما أمنته مفاوضات على مدار عشرين سنة. أقترح هنا ألا نحمل رئيس السلطة أكثر مما يستطيع أن يحمل، وفي كل مرة يطلق سراح بعض الاسرى نصرخ: وماذا مع أسرى الداخل؟ وماذا مع أسرى القدس؟ فالرجل يصرح بكل مناسبة ومن غير مناسبة انه ضد اعمال المقاومة التى يقوم بها هؤلاء الاسرى فكيف ترجون منه أن يعمل على تحريرهم بدون صفقات تعود عليه ببعض الفوائد السياسية على الاقل؟ من يؤمن بأن المفاوضات سوف تتمخض في نهاية المطاف عن حل عادل للقضية الفلسطينية فمن حقه أن يؤمن بأنها سوف تكفل اطلاق سراح كافة الاسرى. ومن يؤمن بأن حل القضية لا يمكن انجازه الا من خلال الاستمرار بالنضال التحرري الثوري فإن قضية الاسرى تبقى عنصرا أساسيا من هذا النضال.

Wednesday, October 23, 2013

انتهى الصراع على فقاقيع الهواء


انتهى الصراع على فقاقيع الهواء
علي زبيدات – سخنين

لم اشارك في احتفالات المرشح الفائز بكرسي رئيس البلدية التي اقضت مضاجع البلد منذ معرفة النتائج وحتى شروق الشمس وذلك لأني لم أكن شريكا في هذا الفوز. ولن اشارك في الاحتفالات القادمة التي مما لا شك فيه سوف تشمل على كل ما لذ وطاب. ولكني اذا ما صادفت الرئيس المنتخب صدفة فلن ابخل عليه بكلمة مبروك بعد تذكيره بواجبه. بالمقابل لن اشارك المرشح الخاسر في اتراحه، ليس من باب الشماتة لا سمح الله بل لأني هنا أيضا لم أكن شريكا في خسارته. وقد ابادر بتعزيته اذا ما قابلته صدفة. تقاعست عن النضال، على عكس ٩٠٪ من ابناء بلدي الذين خاضوا "معركة" الانتخابات البلدية ببطولة فائقة، ودفنت نفسي في زاوية مظلمة مقاطعا الانتخابات، وهذه بحد ذاتها تعد خيانة عظمى في قاموس الثورة. ولكني لست نادما على هذا الموقف. واكثر من ذلك فقد قررت أن احبس نفسي في المنزل يوميين اضافيين على الاقل وألا اخرج للشارع حتى تعود البلد التي اعرفها الى طبيعتها بعد أن تتنظف جدرانها من صور المرشحين التى نافس صور نجوم هوليوود من حيث الفخامة والالوان الزاهية وسيارتها من الاعلام وشوارعها من الاوراق، وحتى تزول التجمعات "الشبابية" من الساحات العامة ومن امام بيوت المرشحين.
يقص علينا جبران خليل جبران في احدى قصصه القصيرة قصة الثعلب الذي خرج من مأواه عند شروق الشمس فتطلع الى ظله منذهلا فقال: "سأتغذا اليوم جملا" ثم مضى في سبيله باحثا عن جمل يلتهمه الصباح كله، وعند الظهيرة تفرس في ظله ثانية وقال: "بلى، ان فأرة واحدة تكفيني". بعد أن تبخرت الدعاية الانتخابية، وانتهت المهرجانات، وتوقف التلويح بالكوفية، وغابت الشمس التي كتبوا عليها اسم البلد وفترت الهمة القوية من كثرة الشد، عاد المرشحون الفائزون منهم والخاسرون الى حجمهم الطبيعي. النسيج الاجتماعي والقيم الاخلاقية التي تم انتقائها حجرا حجرا وبنيت مدماكا مدماكا خلال خمس سنوات تم هدمها خلال شهر واحد. على غرار المثل الذي يقول: يحتاح الجسر الكبير إلى سنوات لبنائه وإلى دقائق معدودة لتفجيره. كل ذلك باسم الديمقراطية التي تعني في قاموسنا الديماغوغية والرشوات وشراء الذمم وغياب الوعي. لا بأس فأمامنا خمس سنوات لاعادة بنائها او ترميمها لكي نهدمها من جديد في الانتخابات القادمة بعد خمس سنوات.
السياسة التي خططت لها الدولة وفصلتهاعلى مقاسنا قمنا بتطبيقها على انفسنا بحذافيرها. كمن يقع بالفخ بارادته ويغلق على نفسة كافة الابواب مقابل بعض الفتات التي تقدمه لنا مؤسسات هذه الدولة التي ندمغها صباحا مساء بالعنصرية والتمييز. ولا مانع بأن نعلل انفسنا بالكذب والاوهام ونقول: جئنا لنقدم الخدمات (والكرامة) لابناء بلدنا. هل يوجد هناك رئيس بلدية أو مجلس محلي واحد انتخب على اساس تحدي هذه المؤسسات وسياستها العنصرية؟ لا أظن. ولكن بالمقابل هناك العديد من الرؤساء الذين انتخبوا حصرا لتنفيذ سياسة الدولة في مدننا وقرانا من وراء قناع الوطنية وتقديم الخدمة للمواطنين.
لقد قيل الكثير وكتب الكثير عن غريزة حب السلطة عند الانسان، حب الهيمنة والسيطرة، حب الظهور، حب الذات والتشبث بالرأي، حب الجلوس والالتصاق بالكرسي. ولكن الغريب أن هذه الغريزة تنمو وتترعرع عندنا في ظل خضوع تام للمؤسسة الاسرائيلية التي تدوس على كرامتنا يوميا. فإذا اردتم ان تمارسوا حب الجاه والسلطان فعليكم أن تتحرروا ولو قليلا أولا. لا يوجد ابشع من خادم وضيع يمارس السيادة والهيمنة على غيره.
انتهت الانتخابات المحلية بما انتهت عليه. كل الاخبار بالتفصيل الممل موجودة في الجرائد والمواقع الاخبارية وباقي وسائل الاعلام المرئي والمسموع. وجيد انها انتهت مع اني كنت افضل ألا تبدأ. لا حاجة للتحليل والتقييم: لماذا فاز هذا وخسر ذاك ولماذا ما زلنا نسير كالقطيع وراء راع يحترف حبه لذاته ولماذا نتهافت على الصناديق ضعف جيراننا أصحاب السلطة الحقيقية في هذه البلاد. كل شيء واضح واذا لم يكن واضحا للجميع فأمامنا خمس سنوات لتتضح لنا الصورة بكافة ملامحها وسماتها. عندما تتفجر فقاقيع الهواء بين اصابعنا ونشعر بأقدامنا مرة اخرى ترتطم بأرض الواقع سوف نتوصل جميعنا للنتيجة نفسها وهي أن هذه الدولة لا تمت لنا ولا نمت لها بصلة.
من يريد أن يحتفل ب"انتصاره" فليحتفل ومن يريد أن يترك وشأنه لمواجهة خسارته فليفعل. أما أنا فسوف الجأ لبعض الوقت الى الحزن والتفكير.

Wednesday, October 09, 2013

حرب الشعب جيش الشعب


حرب الشعب جيش الشعب
علي زبيدات – سخنين
"الدرس الاكبر الذي تعلمناه من تجاربنا في معركة ديان بيان فو هو أن أمة ضعيفة، صغيرة وجيش شعبي، قررت أن تنهض، توحد صفوفها وتحارب من أجل الاستقلال والسلام، سوف تمتلك القوة الكاملة من أجل دحر القوى المعتدية حتى ولو كانت قوة إمبريالية مثل الامبريالية الفرنسية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية". الجنرال فو نغوين جياب.
توفي هذا الجنرال الاسطورة، بطل استقلال فيتنام وبلدان الهند الصينية عن عمر يناهز ١٠٢ عاما. لقد مرمغ الجنرال جياب، الذي كان الساعد الايمن للزعيم هوشي منه، أنف أكبر قوتين امبرياليتين عرفهما التاريخ المعاصر في اوحال مستنقعات فيتنام ضاربا درسا قي كيفية انتزاع الحرية والاستقلال قدمه إلى كافة الشعوب المضطهدة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية. لقد كان الجنرال جياب واحدا من أعظم ثلاثة ثوار في دول العالم الثالث إلى جانب ماو تسي تونغ وتشي جيفارا، الذين رسموا وشقوا الطريق على صعيد النظرية والممارسة أمام الشعوب المضطهدة لكي تقف شامخة الهامة وتطرد الامبرياليين من اوطانها.
بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن هناك حركة ثورية واحدة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية بل في اوروبا وامريكا الشمالية ايضا لم تتأثر ولم تتعلم من هذا الثالوث الثائر. فلسطين لم تكن استثناء، ما زلت اذكر كيف كنا نحن الاسرى السياسيين في منتصف سنوات السبعين في سجن الرملة المركزي، وبغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية، نجلس في حلقة واسعة نقرأ ونناقش ونتعلم مما تيسر لنا من مواد شحيحة كتبها هؤلاء العظماء وتسربت داخل السجن. ما زلت اذكر كم كنت محظوظا عندما قمت بترجمة بعض الفصول من كتاب للجنرال جياب بعنوان:"حرب الشعب جيش الشعب" وبعض كتابات ماو تسي تونغ من الانجليزية الى العربية. كنا في ذلك الوقت نحلم بأن نحقق دعوة تشي جيفارا الذي قال:"لا حياة خارج الثورة ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر". كنا نتكلم عن حرب التحرير الشعبية طويلة الامد، عن حرب العصابات والحرب المتحركة والحرب الخاطفة وحرب الابادة. كنا نتكلم عن الدفاع الايجابي والدفاع السلبي وعن التراجع الاستراتيجي والهجوم المضاد الاستراتيجي. كنا نتكلم عن دور الحزب الثوري في قيادة الجماهير، تعبئتها، تثقيفها وتسليحها. هذه المصطلحات سرعان ما تلاشت من الساحة الفلسطينية حتى انقرضت تماما وحلت مكانها مصطلحات "السلطة الوطنية"، "الدولة المستقلة"، المفاوضات، المؤتمرات وقرارات الامم المتحدة والمجتمع الدولي وغيرها من المصطلحات التي وأدت الثورة الفلسطينية وهي في مهدها. وقد بدأت هذه المصطلحات تكتسح الساحة الفلسطينية منذ أن تبنت القيادة الفلسطينية ما سمي في حينه (عام ١٩٧٤)بالبرنامج المرحلي. وكلما تفاقمت واستفحلت كانت توصف بالانتصارات هكذا كانت دعوة ياسر عرفات الى الامم المتحدة في جنيف لكي يعترف بقرار ٢٤٢ ويدين "الارهاب" انتصارا. وخطاب غصن الزيتون والبندقية في نيويورك انتصارا، وجلوس المنظمة مع امريكا مباشرة انتصارا واعلان الاستقلال الوهمي في الجزائر انتصارا، واجهاض الانتفاضة لصالح اتفاقيات أوسلوا انتصارا. وهكذا توالت الانتصارات حتى كدنا في ظل القيادة "الحكيمة" لمحمود عباس أن عراة أمام التاريخ والقضية ونفقد حتى ورقة التين التي تغطي عوراتنا.
نعود إلى الثائر الحقيقي الجنرال جياب: وهو على فكرة لم يصبح جنرالا لأنه تخرج من احدى الكليات العسكرية كما هو حال معظم جنرالات العرب الذين تخرجوا من الكليات العسكرية الغربية ولم يتعلموا سوى لغة الخنوع، بل اصبح جنرالا لأنه آمن بأن عنجهية وغطرسة المعتدين لا يتم سحقها الا بواسطة عنفوان وتضحيات الجماهير الكادحة وطبق ذلك على أرض الواقع. تسع سنوات من حرب الشعب بقيادة جيش الشعب تتوجت في عام ١٩٥٤ في معركة ديان بيان فو بالانتصار العظيم الذي لم يبق امام المستعمر الفرنسي الا أن يعض على ذيله ويغادر فيتنام ذليلا مهزوما. الا ان الحرب لم تنته عند هذا الحد فقد ابتليت فيتنام بعدو اشد عنجهية وغطرسة وشراسة وهي الامبريالية الامريكية الصاعدة، التي لم تكتف بأخذ مكان الامبريالية الفرنسية بل عملت على تقسيم البلاد إلى شمال وجنوب وهذا الامر لا يقبله ثائر حقيقي كالجنرال جياب. لقد ظنت امريكا أن سياسة البطش والارض المحروقة وابادة قرى بكاملها سوف تؤمن لها النصر. ولكن بعد عشر سنوات من النضال الاسطوري كان مصير امريكا اسوأ بما لا يقاس من مصير الفرنسيين. فقد افاق عمال فيتنام وعمال العالم اجمع في الاول من ايار عام ١٩٧٥ ولم يجدوا جنديا أجنبيا واحدا على ارض فيتنام بعد ان جرت فلولهم ذيول الهزيمة والذل وهم يهرولون للحاق بآخر طائرة . وهكذا بعد ما يقارب نصف قرن ما زالت امريكا تعاني من عقدة فيتنام ولا يبدو انها ستتحرر منها لسنوات طويلة قادمة.
في هذه الايام الحالكة من تاريخ شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية ما احوجنا الى نبراس ثوري كالجنرال جياب.



Wednesday, October 02, 2013

التطبيع الثقافي في السينما الاسرائيلية - الفلسطينية



التطبيع الثقافي في السينما الاسرائيلية -الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين
لست ناقدا سينمائيا ولا علاقة لي بأي مجال يتعلق بالسينما من اخراج أو تمثيل أو كتابة سيناريو او أي شيء آخر اللهم سوي اني من عشاق مشاهدة الافلام. من هذا المنطلق، وبعد أن شاهدت الحملة الاسرائيلية المحمومة لاختراق الوعي الفلسطيني بواسطة ما يسمى بالسينما المشتركة الاسرائيلية الفلسطينية، قررت أن اكتب هذه السطور على أمل أن يقوم بعض المحترفين في النقد السينمائي بدراسة هذه الظاهرة وفضح مخاطرها وجوهرها التطبيعي.
عندما كنت يافعا بالسن كنت مغرما بمشاهدة افلام رعاة البقر الامريكية وكم صفقت للبطل جون وين وهو يطلق النار على الهنود الحمر ويرديهم قتلى بالعشرات . فهو ورجاله من حملة المسدسات يمثلون الخير بينما يمثل الهنود بسكاكينهم ورماحهم الشر المطلق وبالتالي لا بد من ابادتهم عن بكرة أبيهم. وكنت اشاهد افلام العنف الامريكية واتماثل مع البطل الامريكي (رامبو وغيره) وهو يقتل الفيتناميين بالجملة وكأنهم حشرات ضارة.
فيما بعد اكتشفت كم كنت سخيفا وانا اشاهد مثل هذه الافلام واتماثل مع ابطالها. تغيرت نظرتي وبدأت انتقي الافلام بما يتلاءم مع تطور وعيي السياسي. ولكن بالمقابل السينما الامريكية هي الاخرى تطورت فلم تعد تصنع افلاما تصور قتل الهنود بالجملة بل على العكس أنتجت افلاما تتعاطف مع الهنود وتصور قسوة المستوطنين الامريكيين تجاههم. وبدأت تصنع افلاما ضد الحرب وتصف الجرائم الامريكية في فيتنام وغيرها من البلدان. ولكنها استمرت في دس السم في الدسم وهذه المرة بصورة ذكية قد تنطلي على اشد المشاهدين وعيا وكان هدفها النهائي التركيز على تفوق الحضارة الغربية والقيم الغربية. هذا ما تحاول السينما الاسرائيلية صنعه اليوم من خلال موجة التطبيع السينمائي وآخر هذه المحاولات وليس اولها هو فيلم "بيت لحم" للمخرج الاسرائيلي يوفال ادلر وكاتب السيناريو العربي علي واكد والذي حاز على جائزة اقضل فلم اسرائيلي (أوفير) وبذلك تم اختياره ليمثل اسرائيل في مهرجان الاوسكار المعروف. يؤكد المخرج الاسرائيلي وكاتب السيناريو العربي أن الفيلم ليس سياسيا أصلا ولا يفضل طرفا على طرف آخر فلا يوجد هناك اسود وابيض في الفيلم بل يصف المنطقة الرمادية التي تظهر الطابع الانساني للاحتلال.أالا تدعي دولة اسرائيل منذ سنوات طويلة بانها تمارس احتلالا متنورا وحضاريا في الاراضي الفلسطينية؟ والا تدعي بأن جيشها هو الاكثر اخلاقية من جيوش العالم وان سلاحه من أطهر الاسلحة؟ طبعا الاحتلال مهما كان متنورا والجيش مهما كان اخلاقيا والسلاح مهما كان طاهرا فهي غير معصومة عن الخطأ. وهذه الاخطاء يمكن نقدها وهذا ما يفعله هذا الفيلم وباقي افلام التطبيع. وهذا بدورة يعتبر برهان قاطع على ديمقراطية الدولة. من اجل ذلك تكون الدولة على اتم استعداد لتمويل جزئي او كامل للفيلم عن طريق " الصندوق لتشجيع افلام نوعية أصلية" أو أية مؤسسة اسرائيلية اخرى.
السينما بصفتها وسيلة اعلامية فنية راقية تتمتع بقوة سحرية تجعلها قادرة على تشوية الحقائق والتلاعب بالعواطف وتجعلك بدون أن تشعر تتماثل مع الشرير الذي يقوم بدور البطولة بعد أن تحوله الى رمز للخير وتحاول أن تجد له الاعذار والتبريرات وتجد نفسك تتفهمه وتغفر له اخطاءه. هذا الشعور انتابني ايضا وأنا أشاهد فيلم " خمس كاميرات مكسورة" للمخرج الاسرائيلي جي دافيدي بالتعاون مع عماد برناط. وبالرغم من أن الطرفين قد اتفقا على وصف الفيلم بأنه فيلم فلسطيني بشكل كامل يصف نضال قرية بلعين ضد جدار الفصل العنصري على مدار سبع سنوات الا أن السفير الاسرائيلي في امريكا في سياق تمنياته للفيلم بالفوز أصر على أن الفيلم اسرائيلي حاز علي تمويل اسرائيلي رسمي وبصفته هذه خاض المنافسة للحصول على جائزة الاوسكار كأحسن فلم احنبي.
محاولات اسرائيل التطبيعية في السينما والتي تشهد في السنوات الاخيرة مدا خطيرا بدأت في ثمانينات القرن الماضي ولم تنقطع حتى اليوم واذكر على سبيل المثال لا الحصر الافلام التالية: خربة خزعة، خمسين، وراء القضبان، جسر ضيق جدا، عجمي وغيرها.
دولة اسرائيل بحاجة لهذا التطبيع السينمائي لفك عزلتها السياسية المتنامية على الصعيد الدولي، لتجميل وجهها الذي بشعته جرائم الحرب التي اقترفتها، للترويج لديمقراطيتها المزيفة ولتبرئتها من العنصرية والفاشية وكونها مصدرا لتأجيج الفتن والحروب ومصدرا لتهديد السلام العالمي.
يجب الحذر من هذا التطبيع الثقافي للسينم بحجة المشاركة، وفضحه في كافة وسائل الاعلام ومناهضته على جميع الاصعدة، ودعوة المهنيين في هذا المجال لكي يقوموا بدورهم كما ينبغي.

Wednesday, September 25, 2013

الانتخابات والذكرى


الانتخابات والذكرى
علي زبيدات – سخنين

تحيي جماهيرنا في هذا الجزء من الوطن المحتل على مستوى قطري وبشكل جمعي ثلاث مناسبات هي: يوم الارض، ذكرى النكبة وذكرى هبة القدس والاقصى. وكان إحياء هذه المناسبات يتعرض دوما إلى حالة من المد والجزر، وفي معظم الاحيان، على الاصح، إلى القليل من المد والكثير من الجزر. وذلك لاسباب عديدة اهمها حسب رأيي الطبيعة المحافظة للهيئات القيادية على كافة المستويات من لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية مرورا بالاحزاب السياسية وحتى لجان وهيئات ما يسمى بالمجتمع المدني. ولكن بالرغم من هذه القيادات وليس بفضلها كانت الجماهير الفلسطينية تشارك بقدر الامكان في احياء هذه المناسبات لانها كانت وما زالت تمس وجدانها وصراعها من أجل البقاء. وكانت الفئات الاكثر وعيا والتزاما من جماهير شعبنا تطالب بالاعتراف بهذه المناسبات الثلاثة كمناسبات وطنية يتم إحيائها على الاقل باعلان الاضراب العام. للأسف الشديد النجاح في هذا المجال محدود جدا والغلبة في النهاية كانت إلى جانب الهيئات القيادية المحافظة.
اليوم نخطو خطوة اخرى الى الوراء. فقد فاجأتنا وسائل الاعلام المحلية بأن اللجنة الشعبية في سخنين والتي تضم كافة الفعاليات السياسية بالاضافة للبلدية ولممثلي ذوي الشهداء قد قررت الغاء المسيرة التقليدية والتي لم تنقطع منذ عام ٢٠٠٠ وفي كثير من السنوات كانت المسيرة المركزية للجماهير العربية وذلك بسبب قربها من الانتخابات المحلية وخوفا من وقوع "احتكاكات بين الاطراف المتنافسة خصوصا بين الشباب الذين يصعب السيطرة عليهم" . وقرأت في الوقت نفسه أن اللجنة الشعبية في عرابة هي الاخرى تناقش الغاء المسيرة للاسباب نفسها. وربما كانت هناك مدن وقرى فلسطينية اخرى ستقتدي بهذا النموذج.
كنت قد كتبت في الماضي وفي مناسبات عديدة ضد محاولات تحجيم هذه الذكرى ابتداء من الاسم الذي اطلق عليها. فمعظم وسائل الاعلام تسميها هبة اكتوبر، بعضها يستعمل هبة القدس والاقصى أو حتى يوم القدس والاقصى ومنها من يكتفي بذكرى الشهداء ال١٣ الذين سقطوا في احداث أكتوبر ٢٠٠٠. وطالبت بأن يكون الاسم الرسمي: "ذكرى انطلاقة انتفاضة القدس والاقصى" والتي تعرف شعبيا بالانتفاضة الثانية. وكنت اعرف مسبقا ان مصير هذه التسمية الفشل ليس فقط جراء معارضة القيادات التقليدية ولا مبالاة الاوساط التقدمية بل ايضا لأن السلطة الفلسطينية قد شنت حربا شرسة على هذه الانتفاضة حتى وصفها ابو مازن بأنها اكبر خطأ وقد دمرتنا، وفي كل مرة تذكر فيه هذه الانتفاضة يتعهد بألا تكون هناك انتفاضة ثالثة مهما كانت الظروف.
وبما أن الانسان لا يستطيع أن يحقق كل ما يتمناه قبلت كالآخرين بالشكل الراهن للذكرى على امل أن يتصاعد النضال وينتقل الى اشكال ارقى مستقبلا. ولكن أن يحصل هذا التراجع؟ حتى الخوف من تنظيم مسيرة؟ ولماذا؟ ليس بسبب تهديدات سلطوية ولكن بسبب الانتخابات المحلية وامكانية حدوث احتكاكات نحن في غنى عنها. هذا الكلام غير مقبول مع كل الاحترام لعائلات الشهداء فالذكرى اصبحت ملكا للجماهير كما اصبح الشهداء انفسهم ملكا للجماهير. قد تكون هناك احتكاكات وقد تكون هناك مشاكل ولكن اصابع الاتهام يجب ان توجه في هذه الحالة للذين خلقوا هذه الاحتكاكات وليس للمسيرة. ومن لا يستطيع أن يسيطر على اتباعه لا يستحق أن يكون مسؤولا عن بلد بكامله.
طبعا يوجد اشكال اخرى للذكرى. يمكن زيارة الاضرحة ووضع اكاليل الورود، ويمكن زيارة ذوي الشهداء، ويمكن تخصيص ساعات تثقيفية في المدارس والتي ثبت حتى الان انها مجرد ضريبة كلامية لا تطبق . ولكن هل هذه الاشكال كافية وتليق بهذه الذكرى؟
في المستقبل قد تأتي الانتخابات متزامنة مع ذكرى يوم الارض مثلا فهل يجب الغاء مسيرة يوم خوفا من وقوع "احتكاكات"؟ . فاذا تقبلنا هذا المنطق فمن الافضل أن نلزم بيوتنا بعد أن نوصد ابوابها فهذه هي الطريقة الافضل الانجع للابتعاد عن النزاعات والمشاحنات.
أنا شخصيا أفضل مسيرة شعبية مع "احتكاكات" على الغاء المسيرة بالمرة. وكم كنت اتمنى أن تكون هناك احتكاكات في جميع مناسباتنا الوطنية بشرط أن توجه للعنوان الصحيح، للذين فرضوا علينا ذكرى هذه المناسبات المأساوية.

Wednesday, September 18, 2013

ذاكرة بين حربين


ذاكرة بين حربين
علي زبيدات – سخنين

من حيث المبدأ أنا ضد الحرب، كل حرب بغض النظر عن تعريفاتها وتصنيفاتها المتعددة: حرب امبريالية، حرب عدوانية، حرب عادلة، حرب تحررية، حرب هجومية، حرب دفاعية، حرب اختيارية، حرب مفروضة، إلى ما هنالك من تصنيفات. الحرب هي الحرب دائما وأبدا: قتلى، جرحى، مشردين، دمار، مجاعات، مصائب، مآسي والقائمة طويلة. ولكن، وهنا يوجد ولكن كبيرة، الحرب موجودة منذ بدء الحضارة البشرية وحتى اليوم، وهي موجودة موضوعيا بغض النظر عن ارادة وتمنيات الغالبية العظمى من بني البشر حتى هؤلاء الذين يحرضون عليها ويشعلونها ويخوضونها. فنحن هنا نقف امام معضلة حقيقية: نكره شيئا ولا نريده ولكننا في الوقت نفسه لا نتوقف عن ممارسته. فما العمل؟
انا شخصيا استسلم: الحروب لن تتوقف ولن تنتهي ما دامت هناك حياة على هذا الكوكب. ولا أومن بمجيء وقت يسكن الذئب به مع الخروف بينما بالكاد يستطيع الانسان أن يسكن مع الانسان. ولن يأتي وقت تتحول به السيوف إلى سكك والرماح الى مناجل بالعكس فالسيوف تتحول إلى دبابات وطائرات مقاتلة ومدافع والرماح تتحول الى صواريخ وقنابل فتاكة. وكلما ازدادت ثرثرتنا عن السلام كلما ازدات الحروب شراسة ووحشية. مرة اخرى: ما العمل؟
لقد وجدت إن افضل طريقة لمنع الحرب أو على الاقل لتحجيم اضرارها الى الحد الادنى هو عكس المعادلة السائدة حاليا: الكلام ضد السلام ومع الحرب. هل يبدو ذلك غير منطقي وغير عقلاني وغير اخلاقي؟ حسنا، اذا كانت ثرثرتنا عن السلام تتمخض عن المزيد من الحروبات الشرسة فلماذا لا نجرب؟
كانت هذه مقدمة ضرورية لكي استوعب ما قرأته في وسائل الاعلام الاسرائيلية في الذكرى الاربعين لحرب اكتوبر ١٩٧٣ والتي يطلقون عليها حرب الغفران ونسميها نحن تارة بحرب رمضان وطورا بحرب تشرين التحررية، وفي الوقت نفسه لكي استوعب ذاكرتي الخاصة عن هذه الحرب. من الواضح أن المجتمع الاسرائيلي بما فيه الجيش الذي وصف في يوم من الايام بالجيش الذي لا يقهر وبعد مرور ٤٠ سنة ما زال يعاني من الصدمة (بأل التعريف) وهذه الصدمة حسب رأيي سوف ترافقه لسنين طويلة قادمة. هذا بالرغم من ان هذه الحرب لم تلحق به أية هزيمة. على العكس ما خسره عسكريا عوضه بربح صاف على الساحة السياسية فيما بعد(اتفاقيات كامب ديفيد، وادي عربة وأوسلو). كان يكفي اسبوع واحد من الهجوم والصمود لكي يدب الرعب في قلبه لاجيال عديدة قادمة ويزيد من عجزه.
لا استطيع أن اتذكر حرب تشرين ١٩٦٧ بدون أن اتذكر حرب حزيران ١٩٦٧ . كنت حينها طالبا سنة أولى في الثانوية عندما دخل علينا مدير المدرسة ونحن نقدم احد الامتحانات قبل العطلة الصيفية وقال لنا: "ظبوا كتبكم ودفاتركم واذهبوا الى البيت، لقد بدأت الحرب". ستة أيام لم تكن كافية لاحتلال ما تبقى من فلسطين بالاضافة الى سيناء والجولان وحسب بل ايضا لالحاق هزيمة جديدة في نفوسنا المهزومة اصلا. لقد أصابتناحرب حزيران في كرامتنا وفي نظرتنا الى انفسنا. كنت أرى الشماتة في عيون كل اسرائيلي حتى عندما اكون متوهما. حرب اكتوبر ١٩٧٣ في اسبوعها الاول اعادت لنا الحياة. الجيش المصري يعبر القناة، يحطم خط بارليف ويجتاح سيناء. الجيش السوري يدخل الجولان، يتجه نحونا ويقترب منا وبدأنا في الجليل نستعد لاستقباله. كان حلما جميلا واللعنة على الذي ايقظنا منه.
بالرغم من تقلبات هذه الحرب لا يمكن بخسها من اهميتها. فالكيان الاسرائيلي لم يتحرر من الصدمة بعد وليس من باب الصدفة انه لم ينتصر في كافة حروبه اللاحقة وقد شن حروبا عديدة بعدها:حروب لبنان ١٩٧٨، ١٩٨٢، ٢٠٠٦ وحروب غزة ٢٠٠٨ و٢٠١٢ . صحيح انه لا يزال يحقق الانتصارات السياسية على الانظمة المهزومة. ولكن هذه الانتصارات من منظور تاريخي ليست سوى فقاعات سرعان ما تتلاشى وتزول.
للأسف الشديد الحروب لن تنتهي وسوف تستمر في التدمير وازهاق الارواح. ولن نستطيع ايقافها عن طريق مفاوضات عبثية أو تدخلات ما يسمى بالمجتمع الدولي.
الحرب على الحرب هي الطريق الوحيدة التي تضمن للشعوب العيش بسلام ولو كان سلاما نسبيا.