Wednesday, November 06, 2013

وعود العرب أشد شؤما من وعد بلفور



وعود العرب أشد شؤما من وعد بلفور
علي زبيدات – سخنين

لم اقرأ شيئا عن وعد بلفور في اللغة العربية إلا وكان مقرونا بكلمة مشؤوم. لا ادري من كان اول من استعمل هذه الكلمة وكيف اصبحت ملاصقة له وكأنها جزء لا يتجزأ من تسميته الاصلية، حتى بت اتوهم وكأن بلفور هو نفسه صاحب هذه التسمية وقد بدأ رسالته ب: "عزيزي البارون روتشيلد إليك هذا الوعد المشؤوم...." بحثت في معاجم اللغة العربية لعلي أجد معنى غامضا لهذه الكلمة البسيطة فلم أجد شيئا غير مألوف. الشؤم والتشاؤم هو توقع الشر والنحس والمكروه والتطير، وهي جميعها تعابير موغلة بالذاتية والعاطفية البدائية ولكنها لا تصلح ابدا لتحليل تصريح سياسي صادر عن مسؤول حكومي يعبر عن موقف سياسي. حتى الآن وبعد مرور ٩٦ سنة لم أقرأ باللغة العربية أي تحليل سياسي عن هذا الوعد. أنا بصراحة لا أومن بالشؤم ولا بالتيمن خصوصا في السياسة. ومما لم يعد يطاق أن يقوم أحد المسؤولين الفلسطينيين أو العرب في هذه الذكرى ممن يتبنون وينشرون وعودا أشد شؤما بما لا يقاس عن وعد بلفور. فهذا مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية والتي لم تعد تملك شيئا من التحرير سوى اسمها ينتقد وعد بلفور الصادر عن دولة استعمارية منذ حوالي القرن ويعمي عن رؤية وعود أوسلو (وليس وعدا واحدا) بعد عشرين عاما كيف تمنح الشرعية للحركة الصهيونية لاقامة: "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". وذاك مسؤول آخر في جامعة الدول العربية يناشد في هذه المناسبة بضرورة تصحيح الغبن الصادر عن وعد بلفور بتبني ما يسمى بمبادرة السلام العربية وهو يعلم أو لا يعلم، وهذه مصيبة في كلتا الحالتين، أن هذه المبادرة أشد شؤما بدرجات من وعد بلفور. وأدعو المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية أن يراجعوا وعد بلفور مرة أخرى ويقارنوه بوعودهم: على الاقل ينص وعد بلفور بصريح العبارة بأن على اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين: "ألا تنتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع فيها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين" بينما تفرط اتفاقيات أوسلو ومبادرة السلام العربية بأبسط الحقوق المدنية والدينية للفلسطينيين. لقد آن الاوان لهذا العهر السياسي وهذا النفاق الاخلاقي أن ينتهي مرة واحدة والى الابد. كفى اختباءا وراء مصطلحات عاطفية مبتذلة الهدف الوحيد من استعمالها هو التنصل من المسؤولية التاريخية. فوعد بلفور قبل أن يكون مشؤوما كان قرارا سياسيا مدروسا. فقد كان بلفور وزير الخارجية البريطاني في ذلك الوقت يعرف تمام المعرفة أن الفلسطينيين يشكلون الغالبية العظمى من سكان البلاد بينما عدد المستوطنون اليهود لم يتجاوز بضعة آلاف، ولكن لضرورات راهنة ولاطماع استعمارية مستقبلية فضل الحركة الصهيونية على جميع القيادات العربية، والتي فشلت حتى في اقناع الانجليز بمقدرتهم على خدمة الامبراطورية البريطانية بشكل أفضل من الحركة الصهيونية. وليس من باب الصدفة أن تتنصل من تعهدات مكماهون للعرب بالاستقلال بينما يتم الوفاء للحركة الصهيونية لتحقيق حتى حلمها بإقامة كيانها.
في عام ١٩١٥ قدمت بريطانيا ووعودها باستقلال البلدان العربية اذا ما انضمت للحرب ضد الدولة العثمانية، بعد ذلك بسنة أي في عام ١٩١٦ قامت بريطانيا وفرنسابنكث هذه الوعود في اتفاقية سايكس – بيكو السرية لتقسيم المنطقة فيما بينهما، وبعد ذلك بسنة أي في عام ١٩١٧ اصدرت وعد بلفور بخصوص تبني المشروع الصهيوني. في البداية رفض العرب تصديق هذه التغيرات فبريطانيا صديقة العرب، والاخلاق الانجليزية تمنعها من الغدر بأصدقائها، وبعد ذلك أخذت تبحث لها عن تبريرات: فهذا وعد مشؤوم سوف تتراجع عنه، وتلك سياسة خاطئة سوف تصححها بنفسها عندما تعلم أين تكمن مصالحها الحقيقية ومن سيكون الافضل في حمايتها. وكانت السياسة العربية طوال فترة الانتداب تدور في هذا الفلك أي اقناع بريطانيا في تفضيلها على الحركة الصهيونية لخدمة مصالحها، حتى جاء الشيخ عزالدين القسام وقلب هذه المعادلة رأسا على عقب واعتبر الاستعمار البريطاني أخطر من الحركة الصهيونية نفسها.
في منطقتنا العربية، التاريخ يعيد نفسه مرتين، ولكن ليس كما قال كارل ماركس مرة بطريقة مأساوية ومرة بطريقة هزلية، بل يعيد نفسه مرة بطريقة مأساوية ومرة بطريقة أشد مأساوية. القيادات العربية ومن ضمنها قيادات تضع على وجوهها أقنعة قومية ووطنية تعتبر من أحفاد بلفور وسايكس وبيكو الشرعيين أكثر من القيادات الصهيونية. من يريد حقا أن يتخلص من شؤم وعد بلفور عليه أولا وقبل كل شيء أن يتخلص من الشؤم الذي يتلبسه من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه

No comments: