Wednesday, September 30, 2015

اوبرا الثلاثة قروش تعرض في الامم المتحدة



اوبرا الثلاثة قروش تعرض في الامم المتحدة
على زبيدات – سخنين

استعرت اسم مسرحية برتولت بريخيت (The three penny opera) لوصف المهرجان المسرحي التراجوكوميدي الدولى الذي نشهده منذ اسبوعين على منصة الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها السبعين. لست هنا بصدد الخوض في مدى راهنية المسرحية التي كتبها واخرجها الكاتب الالماني بريخت في عام ١٩٢٨ ومقارنتها بالمسرحية التي يكتبها ويخرجها اليوم زعماء كرتنا الارضية. للتذكير فقط، تدور كلتا المسرحيتين حول فقدان القيم والاخلاق خصوصا في السياسة في عالم يسيطر عليه الفساد، حيث كبار رجال السياسة والثروة يعيشون على هواهم، لا يحاسبهم أو يلاحقهم احد، بينما يتعرض الصغار الذين يتصارعون من اجل البقاء لملاحقة مستمرة. كل ما ابتغبته من استعارة العنوان هو التأكيد على ان المسرحية الراهنة رخيصة بكل المقاييس حتى أن قيمتها بالكاد تصل الى ثلاثة قروش (ربما كان للقرش بعض القيمة في عام ١٩٢٨).
اكتب هذه المقالة قبل الاستماع إلى خطابي محمود عباس وبنيامين نتنياهو اللذين بالكاد يلعبان دور كومبارس في هذه المسرحية. فلن تخيف قنبلة عباس احدا كما لن تقنع فلذكة نتنياهو احدا.
لنبدأ من النهاية، عندما اقول أن عباس ونتنياهو يقومان بدور الكومبارس في هذه المسرحية الدولية فهو ليس استخفافا بهذا الدور ابدا، خصوصا بالنسبة لنا نحن الذين نسكن في هذه البقعة من الارض. فكل ممثل مهما كان كبيرا في اعيننا يشعر بقيمة هائلة اذا ما شارك احد النجوم العالميين مهما كان دوره تافها.
عندما يصرح محمود عباس مرارا وتكرار بأن التنسيق الامني مع اسرائيل هو مقدس ويتعهد ألا تكون هناك انتفاضة جديدة طالما بقى في منصبه فأي قنيلة يمكن أن يلقيها؟ في احسن الحالات ستكون قنبلة صوتية حول التحرر من بعض قيود أوسلو التي تحررت منها اسرائيل منذ زمن طويل أو حول تقليص التنسيق الامني في بعض المواضيع الهامشية. قد يطالب الامم المتحدة مجددا بالاعتراف بدولة فلسطين وقد ويطالب بايقاف الاستيطان ووضع جدول زمني للانسحاب الاسرائيلي ويهدد باللجوء الى محكمة العدل الدولية لمقاضاة السرائيل وربما سيطلب التصويت على هذه المطالب لكي ينتقل الملف الى مجلس الامن ليحظى بالفيتو الامريكي. وبماذا سيرد نتنياهو على هذه المطالب أو على هذه الافتراءات من وجهة نظره؟ سيقول بانه يمد يده للسلام ويطالب بالعودة الى طاولة المفاوضات ويتهم الطرف الاخر بعرقلة المساعي السلمية والتحريض والكراهية. هذه المقاطع المملة الى درجة الغثيان من المسرحية لن تحظى اعجاب أحد.
من اعظم انجازات محمود عباس منذ ترؤسه للسلطة الفلسطينية انه جعل من القضية الفلسطينية برمتها قضية هامشية ليس على الصعيد الدولي فحسب بل اقليميا ومحليا ايضا. وهذا ينعكس على المناقشات الجارية في الجمعية العامة. احتلت مسألة سوريا أو على الاصح مسألة النزاع الدولي على سوريا بين عملاقي الهيمنة الامبريالية الاولوية دوليا ومحليا في هذه المرحلة. كنا في الماضي نقول: القضية الفلسطينية هي القضية العربية الاولى وكانت اكثر الانظمة عمالة لا تجرؤ على ان تقول عكس ذلك. هل ما زال احد يذكر كيف طرد الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة من فلسطين بعد أن القى خطابا في اريحا عام ١٩٦٥ يدعو فيه إلى قبول قرار التقسيم والتوصل إلى اتفاق سلمي مع اسرائيل؟ وكيف في الوقت نفسه عمت المظاهرات الغاضبة معظم العواصم العربية؟ اليوم ، تقيم معظم الدول العربية علاقات حميمة ومتينة سرا ام علنا مع اسرائيل، ليس هذا فحسب بل اصبحت كل قضية محلية هي القضية الاولى لكل دولة عربية على حدة او لمجموعة من الدول. مثلا بالنسبة لدول التعاون الخليجي الذي ترأسه السعودية الصراع في اليمن استوجب التدخل العسكري الامر الذي لم تفكر به اطلاقا في فلسطين، وكذلك التدخل بالصراع في سوريا والعراق. الصراع على السلطة في مصر جعل من اسرائيل حليفا استراتيجبا ومن فلسطين عدوا. النزاع المغربي الجزائري او المغربي الصحراوي هو الاهم بالنسبة للمغرب العربي. وهكذا في باقي الدول العربية الاخرى. قد يقول البعض: ولكن الشعوب العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الاولى. ربما، ولكن ما دامت هذه الشعوب ترزح تحت انظمة استبدادية تقمع ابسط الحريات لن يتغير على هذا الواقع شيئا. شعب فاقد الحرية لا يستطيع ان يساعد شعبا آخرا للحصول على حريته مهما كانت العلاقات التاريخية القومية والدينية والثقافية التي تربطهما ببعضهما البعض. من هذا المنطلق سيكون خطاب عباس اليوم هامشيا مهما بلغت اوهامه بأهميته. ولا اظن اني ساضطر إلى تغيير كلامي هذا بعد الاستماع للخطاب.
لقد استمعنا إلى خطابات الكبار: أوباما وبوتين، نجما المسرحية التي لا تساوي حتى قرشا واحدا. وهنا تبرز نبوءة بريخت حيث توكل لاكبر مثيري الحروب في عصرنا الراهن مهمة الحفاظ على السلم العالمي. في الصراع الشرس للهيمنة على العالم، سيكون الطرفان مستعدين للقتال حتى المواطن السوري الاخير بحجة انقاذ الشعب السوري، وسوف يتنقلان بصراعهما هذا على طول الكرة الارضية وعرضها.
الطريق الوحيد امام الشعوب المضطهدة لنيل حريتها واستقلالها هو طريق رفض الهيمنة ورفض التبعية وتوحيد النضال ضد هذا النظام الامبريالي العالمي المتوحش.



Thursday, September 17, 2015

ضد الداعشية العلمانية



ضد الداعشية العلمانية
علي زبيدات سخنين
تنويه مسبق: هذه السطور ليست ردا على مقال كتبه أحدهم أو على خطاب القاه آخر وبالتالي هي ليست دفاعا عن احد أو هجوما على احد. كل ما اتوخاه منها لا يتعدى التعبير عن وجهة نظري الشخصية من خلال المشاركة في النقاش حول موضوع طرح بقوة في الفترة الاخيرة ويهدد بجرفنا إلى متاهات لا احد يعرف أين وكيف سوف ترسي ينا. وقد اخترت من بين كل المصطلحات المتداولة في هذا النقاش (وهو في الحقيقة يسمى مجازا نقاش) مصطلح أو شعار "الاسلام هو الحل" مقابل شعار "العلمانية هي الحل".
في الاونة الاخيرة برزت الداعشية (نسبة إلى تنظيم داعش) كآخر صرعة في تطبيق شعار "الاسلام هو الحل" من خلال الاعلان عن اقامة دولة الخلافة. فإذا كان جوهر هذه الداعشية هو التكفير، الاقصاء، واحتكار الحقيقة وبالتالي تحليل محاربة وقتل كل معارض. فإن مثل هذه الظاهرة موجودة عند بعض العلمانيين وهذا ما ادعوه بالداعشية العلمانية. قد يحتج بعض العلمانيين قائلين: الداعشية ظاهرة تلتصق بحركات الاسلام السياسي التي تدعو إلى إعادة الخلافة وتعمل على تحقيقها بواسطة القتل والذبح بينما تشكل العلمانية نقيض ذلك تماما حيث يلبي النظام العلماني مهما كان رديئا فهو معظم شروط الحرية الفردية ويضمن الحقوق الجمعية للاقليات. للاسف الشديد لا رصيد لمثل هذا الكلام. لا ارى هناك فرقا بين اسلامي داعشي ينعت كل من يخالفه في المعتقد أو في الرأي بالكفر وبين علماني داعشي ينعت كل من يخالفه في التفكير أو الموقف بالظلامية. وبالتالي لا ارى هناك فرقا بين متدين داعشي يدعو الى محاربة الكفار وبين علماني داعشي يدعو إلى محاربة الظلاميين. التعصب الاعمى يجعل من المتدين والعلماني إخوة في الداعشية.
قرأت لبعض العلمانيين من يقول موجها كلامه للعلمانيين الاخرين بأن يتخلوا عن الخجل والخوف واللامبالة والجبن والرقابة الذاتية الهدامة ويحضهم على التصدي للمد الاسلامي السياسي حتى تصبح حربا ضارية. هذه هي الداعشية العلمانية. ولو قبلتها بعد قراءتي لمثل هذه الاقوال، بصفتي علماني كان من المفروض أن أخرج إلى الشارع شاهرا سكيني طاعنا عن جنب وطرف كل من أظنه داعشي لعين.
لا اظن أن الاسلام السياسي بشتى اشكاله يشكل نقيضا للعلمانية السياسية، بل يشكلان في الحقيقة وهجهين لعملة واحدة. واذا كان هناك ثمة تناقض بينهما فهو شكلي وقد يتحول احدهما بسرعة إلى الآخر. فكما انتج الاسلام السياسي منذ ظهوره انظمة قمعية فاشية كذلك انتجت العلمانية انظمة ديكتاتورية فاشية. وكما انتج الاسلام انظمة تدافع عن العدالة الاجتماعية كذلك انتجت العلمانية مثل هذه الانظمة، هذا بقدر ما تسمح به طبيعة الانظمة من منظور تاريخي، فكل الانظمة في نهاية المطاف اجهزة قمع تخدم الطبقات الحاكمة.
ليس الارهاب حكرا على تنظيمات الاسلام السياسي على طراز داعش بل هناك عدد لا يحصى من التنظيمات والانظمة الارهابية العلمانية. عندما نقول أن امريكا ام الارهاب أو إسرائيل إم الارهاب يجب ألا ننسى أن هاتين الدولتين تصنف نقسها بأنها دول علمانية.
ينبغي على كل واحد مننا قبل أن يشن حربا ضارية على داعشية غيره أن يواجه اولا الداعشي الذي يعشش في داخله. من حق كل واحد أن يتبنى المعتقدات التي يختارها ومن حقه الا يقبل الامور مسلما بها، من حقه أن يطرح الاسئلة حول كل شيء وأن يصل إلى اجوبة مختلفة فلا احد يملك أجوبة نهائية حيال أية مسألة. ولكن في الوقت نفسه يجب أن نتعلم كيف نعيش سوية في ظل كل هذا الاختلاف.
العلمانية لا تعني أكثر فصل الدين عن الدولة، وهي بهذا المفهوم تعني تحرير الدين من بطش الدولة وتحرير الدولة من استبداد الدين. العلمانية لا تعني بأي حال من الاحوال محاربة الدين كما ان الدين لا يعني محاربة العلمانية. الصراع بين الدين والعلمانية هو صراع وهمي. الصراع الحقيقي هو الصراع الطبقي بين الطبقات المسحوقة والطبقات الحاكمة، بين الدول الامبريالية وبين الشعوب التي تناضل من اجل الحرية والاستقلال.
الفكر الثوري هو ذلك الفكر الذي يوحد الطبقات المسحوقة والشعوب المضطهدة ويضيئ الطريق أمامها حتى تنال حريتها. وهذا هو الفكر الذي نحن بأمس الحاجة اليه.

Thursday, September 10, 2015

السعودية ودول الخليج - استقرار سياسي أم هدوء يسبق العاصفة؟



السعودية ودول الخليج - استقرار سياسي أم هدوء يسبق العاصفة؟
علي زبيدات – سخنين

عندما بدأت رياح التغيير تعصف بالدول العربية قبل خمس سنوات كنت من بين المتفاجئين من ان هذه الرياح قد بدأت بالدول الاكثر حداثة والتي كنا نطلق عليها دولا تقدمية استطاعت في مراحل سابقة أن تثور على انظمتها الملكية وتشكل جمهوريات، وتقفز عن الدول ذات الانظمة الملكية كنا ننعتها بالرجعية والتبعية للامبريالية. ولكن بعد مراجعة قصيرة لافكارنا المسبقة بان السبب فبطل العجب. لقد تناولت هذا الموضوع في الماضي من عدة جوانب وكانت الخلاصة بشكل عام أن الفرق بين الانظمة الملكية والانظمة الجمهورية هو نسبي جدا خصوصا على ضوء محاولات بعض هذه الجمهوريات جعل انظمتها وراثية على غرار الانظمة الملكية، وبقيت الظروف الخاصة الداخلية والخارجية لتلعب الدور الحاسم وتصنع الفرق.
اليوم وفي ظل ما يحدث في سوريا والعراق واليمن يحول هذه القضية إلى سؤال ملح: هل حقا تتمتع السعودية ودول الخليج الاخرى بالاستقرار السياسي؟ أم ان ما نراه امام اعيننا ليس سوى سراب وان هذا الهدوء الظاهري يبشر بعواصف عاتية لن تبقي ولن تذر؟
لا اخفي ان امنيتي على الصعيد الشخصي كانت أن تهب رياح التغيير على السعودية أولا وليس على تونس أو مصر أو اية دولة عربية اخرى. فلو سقط النظام السعودي قبل خمس سنوات لتغير وجهة المنطقة من المحيط الى الخليح تغيرا جذريا. حسب رأيي يوجد هناك أربعة أسباب رئيسية أبقت امنيتي هذه في نطاق الامنيات، وهي:
١- الدخل الخيالي من النفط: الاستقرار الاقتصادي يجلب في اعقابه استقرارا سياسيا ولو إلى حين. فقد اتاح للطبقة الحاكمة ان تكسب ولاء قطاعات واسعة من الشعب كما استطاعت أن ترشي قطاعات اخرى. هذا الدخل الخيالي من النفط يتبخر الآن بسبب تدخلات النظام المباشرة في سوريا واليمن والتي تكلفه غاليا، بالاضافة إلى صقفات التسلح الجنونية. حيث بلغ العجز في ميزانية الدولة مؤخراا رقما خياليا يقدر ب١٣٠ مليارد دولار.
٢- تخصص السعودية ميزانية خياليه للحفاظ على امنها، تنفق الفسم الاكبر منه على التسلح حيث تعتبر رابع اكبر دولة في مجال التسلح اذ وصل إلى ٥٧ مليار دولار، مما اتاح لها بناء اجهزة امنية قادرة على اجكام سيطرتها على الشعب وعلى البلاد. ولكن في المدة الاخيرة وخصوصا بعد تدخلها العسكري المباشر في اليمن بدأت هذه الالة بالتصدع ليس بسبب تكلفة هذه الحرب المادية التي بلغت اكثر من ٣٠ مليار دولار فحسب بل بسبب خسائرها البشرية ايضا.
٣- نجاحها في نقل الصراعات السياسية إلى خارج بلادها وحرصها على بقائها هناك. السبب الحقيقي وراء دعمها التنظيمات الاسلامية المسلحة في سوريا ليس تقديم المساعدة للشعب السوري بحصل على حريته وحقوقه وبالتأكيد ليس محاربة نظام الاسد لكونه ديكتاتوريا، بل السبب الحقيقي ابقاء هذه التنظيمات بعيدة عن تهديد نظامه. وهذا السبب هو نفسه وراء التدخل المباشر في اليمن. ولكن كما يقول المثل الغربي: ستعود الطيور لتأوي في بيوتها (chicken come home to roost).
٤- الحماية الامبريالية: ليس سرا أن القواعد العسكرية الامريكية المليئة بالجنود المدججين بالسلاح تنتشر في السعودية وفي باقي دول الخليج. صحيح أن مهمتها الاولى الحفاظ على المصالح الامبريالية الامريكية ولكن مما لا شك فيه ان الحفاظ على هذه الانظمة هو جزء من هذه المصالح. ولن يتقاعس الجيش الاسرائيلي ايضا عن تقديم الحماية لهذه الانظمة.
هذه الاسباب الاربعة تنطبق مع بعض الاختلافات في التفاصيل على دول الخليج الاخرى وخصوصا الامارات، قطر والكويت. للوهلة الاولى وعلى ضوء الاسباب المذكورة تبدو عملية التغيير وكأنها مستحيلة، ولكن في الوقت نفسه وللاسباب نقسها تبدو عملية التغيير حتمية. هذه الحالة بالضبط يمكن وصفها بالهدوء الذي يسبق العاصفة.
النفط الذي يتحول الان الى دولارات هو نفسه الذي سوف يشعل الحرائق في السعودية ودول الخليج الاخرى. الجيوش المدججة بالسلاح والاجهزة الامنية لن تصمد امام الجماهير الثائرة التى سوف تخترع طرقا جديدة للمواجهة والنضال. وقد تعود لاستعمال الطرق الكلاسيكبةاالتي عرفتها شعوب العالم التي ناضلت من اجل حريتها واستقلالها مثل العودة إلى حرب العصابات وحرب المدن والانتفاضات الشعبية المسلحة وغير المسلحة، والحرب طويلة الامد وغيرها. لن تبقى السعودية ودول الخليج تلك الجزيرة الآمنة وسط هذا البحر الهائج لفترة طويلة، فالنفط ينضب والاموال تنفذ والحماية الامبريالية تزول. وحينذاك ستكون الحرب الاهلية الدائرة قي سوريا والعراق واليمن وبالرغم من كل كوارثها وفظائعها، بمثابة نزهة استجمامية اذا ما قورنت بالحرب في شوارع الرياض وجدة والدوحة وابو ضبي.
بقي أن نتمنى أن يسود الاستقرار الحقيقي والرخاء بعد ركود هذه العاصفة.

Thursday, September 03, 2015

كنا بنكبة صرنا بنكبتين، حلوة يا بلدي



كنا بنكبة صرنا بنكبتين، حلوة يا بلدي
على زبيدات – سخنين
من لا يعرف لماذا اطلنقنا على عام ١٩٤٨ اسم عام النكبة؟ أظن الجميع يعرف لماذا. وعندما اقول الجميع لا اقصد جميع الفلسطينيين او جميع العرب فحسب بل جميع العالم ايضا. قد يكون هناك من لا يريد أن يسمع أو أن يرى أو أن يعترف، لجميع هؤلاء لا ضير من التذكير: عام ١٩٤٨ هو عام نكبة فلسطين لان فيه تم اقتلاع وتشريد معظم الشعب الفلسطيني، حوالي ٨٠٠ ألف مواطن من مجموع مليون ونصف، ومن لم يقتلع ويشرد وقع تحت الاحتلال، هذا بالاضافة إلى سلب ونهب وطنه واقامة كبان كولونيالي عليه بعد أن دمر اكثر من ٥٠٠ قرية ومدينة فلسطينية.
ما حدث حتى الان في سوريا وما زال يحدث امام اعيننا وامام أعين العالم هو أيضا نكبة، وهذه النكبة أكبر بكل المقاييس من نكبة فلسطين: ١٢ مليون لاجئ حتى الان، نصفهم تقريبا خارج وطنهم والنصف الاخر لاجئين داخل الوطن، وعندما نقول ١٢ مليون لاجئ هذا بعني اكثر من نصف الشعب السوري. هذا بالاضافة إلى مقتل ٢٥٠ ألف مواطن وجرح مئات آلاف المواطنين وتدمير مئات القرى والمدن والمنشآت. أليست هذه نكبة؟ عالمنا العربي مليئ بالنكبات من ليبيا و الجزائر وتونس مرورا بمصر والسودان وحتى العراق واليمن وحتى الدول العربية الاخرى التي تنعم حتى الان بالامن والاستقرار، مثل السعودية ودول الخليج والاردن هي الاخرى منكوبة بانظمتها وحكامها. ولكنها ليست موضوعنا هنا.
فكما أن نكبة فلسطين مستمرة منذ ٦٧ سنة حيث ما زال اللاجئون مشتتين في شتى انحاء العالم ومنهم من جدد لجوءه عدة مرات وما زال الكيان الصهيوني يعمل بلا ملل أو كلل لترسيخ مشروعه الاستيطاني على حساب من تبقى من أهل فلسطين على ارضه، فإن نكبة سوريا هي الاخرى مستمرة، ومخطئ من يظن انها مستمرة منذ اربعة سنوات فقط. ما حدث حتى الان من دمار وتهجير كاف لاعادة سوريا على الاقل قرن من الزمن إلى الوراء. لا ارى أي نور في نهاية هذا النفق المظلم، لا يوجد بوادر لحل سلمي أو لحسم عسكري. الحرب الدائرة في سوريا لم تعد حربا بين نظام ديكتاتوري وشعب يتوق للحرية، فالشعب إما لاجئ واما مقتول أو ينتظر اللجوء أو القتل. وهي ليست حربا بين نظام بحارب للحفاظ على سلطته وبين معارضة ارهابية مسلحة تريد انتزاع هذه السلطة. الحرب الدائرة في سوريا هي حرب عالمية مصغرة بروح وتقاليد الحرب الباردة بين معسكرين امبرياليين وحلفائهما. يتكون الععسكر الاول من أمريكا (وعندما اقول امريكا أشمل إسرائيل بشكل اوتوماتيكي)، الاتحاد الاوربي، السعودية ودول الخليج، وكل طرف يلعب الدور المخصص له. ويتكون المعسكر الثاني من روسيا، ايران، الصين وجلفائها المحليين.ليس النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة سوى ادوات تتحكم بها قيادة هذين المعسكرين لصالحها. في هذه الحرب القذرة كل الوسائل مشروعة. ولا اقصد هنا وسائل القتل من أجل القتل والتدمير من أجل التدمير فحسب، بل ايضا الحرب الاقتصادية، الطائفية، الدينية والاعلامية. يحارب كلا المعسكرين حسب دعايته من أجل انقاذ الشعب السوري والحفاظ على وطنه سالما موحدا، حيث انقاذ الشعب السوري يعني قتله أو تشريده والحفاظ على وطنه يعني تدميره.
كما أن قضية اللاجئين بكل ابعادها هي محور القضية الفلسطينية، كذلك فإن قضية اللاجئين السوريين اصبحت محور الحرب الدائرة في سوريا. وهذه القضية بحد ذاتها نكبة. من ينبش صفحات التاريخ لا بد أن يجد صورا للاجئين فلسطينيين وهم في طريقهم إلى مخيمات اللجوء ويرى بعض الشبه في طريق اللاجئين السوريين. وعندما اقول بعض الشبه أعني أن ما حدث عام ١٩٤٨ يعد لعب اطفال بالمقارنة لما يجري الان. وهذا ليس تقليلا من شأن واهمية ما جرى عام ١٩٤٨ بل التأكيد على فظاعة ما يجري في عام ٢٠١٥. هل أقول أن اللاجئين الفلسطينيين كانوا محظوظين في مخيمات غزة والضفة والاردن ولبنان وسوريا، اذا ما قارناها بمخيمات اللاجئين السوريين في تركبا والاردن ولبنان وفي طريقهم للمخيمات "الراقية" في اوروبا حيث اصبح الموت غرقا أمرا عاديا؟
لا بد هنا من التوقف عند دموع التماسيح التي تذرفها اوروبا وبغزارة على اللاجئين السوريين. من نافل القول التأكيد على دور الاتحاد الاوروبي في خلق النكبة السورية ومن ضمنها نكبة اللاجئين من خلال مصالحها وسياستها الامبريالية. عملت اوروبا كل ما تستطيعه لاغلاق حدودها في وجه اللاجئين حتى بعد غرق الالاف على شواطئها. يقوم اللاجئ الهارب مع عائلته من لهيب الحرب بمسيرة اصعب من المسيرة الصينية الكبرى ابان الحرب الاهلية: يصل أولا إلى تركيا ويستقل من هناك سفينة مهترئة تنقله إلى الجزر اليونانية، البعض يغرق في عرض البحر والبعض يصل إلى الشاطئ، ويتابع رحيله الى الشمال حيث يقطع الحدود المكدونية المغلقة ويصل إلى صربيا ومنها إلى المجر حيث يواجه جدارا من الاسلاك الشائكة واذا تخطاها يمنع من ركوب القطار المتجه إلى الشمال، سلوفاكيا تعلن انها لن تستقبل اللاجئين المسلمين، تزدهر تجارة وصناعة التهريب، شاحنات التبريد التي تقطع الحدود تصبح وسيلة تهريب يدفع ثمنها بالارواح. هولندا تصرح بانها سوف تقطع جميع خدماتها عن كل لاجئ لا يتم قبوله، دول أخرى تحذو حذوها. زعيمة اوروبا بدون منازع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تذرف دموع التماسيح على مأساة اللاجئين ولكن تصريحاتها تنزع القناع عن وجهها ليتكشف على حقيقته، فتؤكد على ضرورة حماية ومراقبة الحدود الاوروبية وعلى ضرورة طرد غير المقبولين، وتوجه اسهمها إلى الدول العربية التي لا تستقبل اللاجئين بالرغم من كونها اقرب. وبذلك تتجاهل أن ثلاث دول فقيرة في المنطقة وهي لبنان والاردن وتركيا تستقبل ٤ ملايين لاجئ سوري، بينما دول اوروبا الغنية مجتمعة لا تتحمل استقبال ٨٠٠ ألف لاجئ وتتنازع فيما بينها لاقتسام هذا العبء الذي يعتبر أكبر خطر يواجهه الاتحاد الاوروبي.
كنا بنكبة فلسطين وها نحن مع نكبة سوريا، فكم نكبة تحتاج الشعوب العربية لكي تستفبق، تنفض الغبار المتراكم على جبينها وتلتحق بركب الحضارة؟