Thursday, September 03, 2015

كنا بنكبة صرنا بنكبتين، حلوة يا بلدي



كنا بنكبة صرنا بنكبتين، حلوة يا بلدي
على زبيدات – سخنين
من لا يعرف لماذا اطلنقنا على عام ١٩٤٨ اسم عام النكبة؟ أظن الجميع يعرف لماذا. وعندما اقول الجميع لا اقصد جميع الفلسطينيين او جميع العرب فحسب بل جميع العالم ايضا. قد يكون هناك من لا يريد أن يسمع أو أن يرى أو أن يعترف، لجميع هؤلاء لا ضير من التذكير: عام ١٩٤٨ هو عام نكبة فلسطين لان فيه تم اقتلاع وتشريد معظم الشعب الفلسطيني، حوالي ٨٠٠ ألف مواطن من مجموع مليون ونصف، ومن لم يقتلع ويشرد وقع تحت الاحتلال، هذا بالاضافة إلى سلب ونهب وطنه واقامة كبان كولونيالي عليه بعد أن دمر اكثر من ٥٠٠ قرية ومدينة فلسطينية.
ما حدث حتى الان في سوريا وما زال يحدث امام اعيننا وامام أعين العالم هو أيضا نكبة، وهذه النكبة أكبر بكل المقاييس من نكبة فلسطين: ١٢ مليون لاجئ حتى الان، نصفهم تقريبا خارج وطنهم والنصف الاخر لاجئين داخل الوطن، وعندما نقول ١٢ مليون لاجئ هذا بعني اكثر من نصف الشعب السوري. هذا بالاضافة إلى مقتل ٢٥٠ ألف مواطن وجرح مئات آلاف المواطنين وتدمير مئات القرى والمدن والمنشآت. أليست هذه نكبة؟ عالمنا العربي مليئ بالنكبات من ليبيا و الجزائر وتونس مرورا بمصر والسودان وحتى العراق واليمن وحتى الدول العربية الاخرى التي تنعم حتى الان بالامن والاستقرار، مثل السعودية ودول الخليج والاردن هي الاخرى منكوبة بانظمتها وحكامها. ولكنها ليست موضوعنا هنا.
فكما أن نكبة فلسطين مستمرة منذ ٦٧ سنة حيث ما زال اللاجئون مشتتين في شتى انحاء العالم ومنهم من جدد لجوءه عدة مرات وما زال الكيان الصهيوني يعمل بلا ملل أو كلل لترسيخ مشروعه الاستيطاني على حساب من تبقى من أهل فلسطين على ارضه، فإن نكبة سوريا هي الاخرى مستمرة، ومخطئ من يظن انها مستمرة منذ اربعة سنوات فقط. ما حدث حتى الان من دمار وتهجير كاف لاعادة سوريا على الاقل قرن من الزمن إلى الوراء. لا ارى أي نور في نهاية هذا النفق المظلم، لا يوجد بوادر لحل سلمي أو لحسم عسكري. الحرب الدائرة في سوريا لم تعد حربا بين نظام ديكتاتوري وشعب يتوق للحرية، فالشعب إما لاجئ واما مقتول أو ينتظر اللجوء أو القتل. وهي ليست حربا بين نظام بحارب للحفاظ على سلطته وبين معارضة ارهابية مسلحة تريد انتزاع هذه السلطة. الحرب الدائرة في سوريا هي حرب عالمية مصغرة بروح وتقاليد الحرب الباردة بين معسكرين امبرياليين وحلفائهما. يتكون الععسكر الاول من أمريكا (وعندما اقول امريكا أشمل إسرائيل بشكل اوتوماتيكي)، الاتحاد الاوربي، السعودية ودول الخليج، وكل طرف يلعب الدور المخصص له. ويتكون المعسكر الثاني من روسيا، ايران، الصين وجلفائها المحليين.ليس النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة سوى ادوات تتحكم بها قيادة هذين المعسكرين لصالحها. في هذه الحرب القذرة كل الوسائل مشروعة. ولا اقصد هنا وسائل القتل من أجل القتل والتدمير من أجل التدمير فحسب، بل ايضا الحرب الاقتصادية، الطائفية، الدينية والاعلامية. يحارب كلا المعسكرين حسب دعايته من أجل انقاذ الشعب السوري والحفاظ على وطنه سالما موحدا، حيث انقاذ الشعب السوري يعني قتله أو تشريده والحفاظ على وطنه يعني تدميره.
كما أن قضية اللاجئين بكل ابعادها هي محور القضية الفلسطينية، كذلك فإن قضية اللاجئين السوريين اصبحت محور الحرب الدائرة في سوريا. وهذه القضية بحد ذاتها نكبة. من ينبش صفحات التاريخ لا بد أن يجد صورا للاجئين فلسطينيين وهم في طريقهم إلى مخيمات اللجوء ويرى بعض الشبه في طريق اللاجئين السوريين. وعندما اقول بعض الشبه أعني أن ما حدث عام ١٩٤٨ يعد لعب اطفال بالمقارنة لما يجري الان. وهذا ليس تقليلا من شأن واهمية ما جرى عام ١٩٤٨ بل التأكيد على فظاعة ما يجري في عام ٢٠١٥. هل أقول أن اللاجئين الفلسطينيين كانوا محظوظين في مخيمات غزة والضفة والاردن ولبنان وسوريا، اذا ما قارناها بمخيمات اللاجئين السوريين في تركبا والاردن ولبنان وفي طريقهم للمخيمات "الراقية" في اوروبا حيث اصبح الموت غرقا أمرا عاديا؟
لا بد هنا من التوقف عند دموع التماسيح التي تذرفها اوروبا وبغزارة على اللاجئين السوريين. من نافل القول التأكيد على دور الاتحاد الاوروبي في خلق النكبة السورية ومن ضمنها نكبة اللاجئين من خلال مصالحها وسياستها الامبريالية. عملت اوروبا كل ما تستطيعه لاغلاق حدودها في وجه اللاجئين حتى بعد غرق الالاف على شواطئها. يقوم اللاجئ الهارب مع عائلته من لهيب الحرب بمسيرة اصعب من المسيرة الصينية الكبرى ابان الحرب الاهلية: يصل أولا إلى تركيا ويستقل من هناك سفينة مهترئة تنقله إلى الجزر اليونانية، البعض يغرق في عرض البحر والبعض يصل إلى الشاطئ، ويتابع رحيله الى الشمال حيث يقطع الحدود المكدونية المغلقة ويصل إلى صربيا ومنها إلى المجر حيث يواجه جدارا من الاسلاك الشائكة واذا تخطاها يمنع من ركوب القطار المتجه إلى الشمال، سلوفاكيا تعلن انها لن تستقبل اللاجئين المسلمين، تزدهر تجارة وصناعة التهريب، شاحنات التبريد التي تقطع الحدود تصبح وسيلة تهريب يدفع ثمنها بالارواح. هولندا تصرح بانها سوف تقطع جميع خدماتها عن كل لاجئ لا يتم قبوله، دول أخرى تحذو حذوها. زعيمة اوروبا بدون منازع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل تذرف دموع التماسيح على مأساة اللاجئين ولكن تصريحاتها تنزع القناع عن وجهها ليتكشف على حقيقته، فتؤكد على ضرورة حماية ومراقبة الحدود الاوروبية وعلى ضرورة طرد غير المقبولين، وتوجه اسهمها إلى الدول العربية التي لا تستقبل اللاجئين بالرغم من كونها اقرب. وبذلك تتجاهل أن ثلاث دول فقيرة في المنطقة وهي لبنان والاردن وتركيا تستقبل ٤ ملايين لاجئ سوري، بينما دول اوروبا الغنية مجتمعة لا تتحمل استقبال ٨٠٠ ألف لاجئ وتتنازع فيما بينها لاقتسام هذا العبء الذي يعتبر أكبر خطر يواجهه الاتحاد الاوروبي.
كنا بنكبة فلسطين وها نحن مع نكبة سوريا، فكم نكبة تحتاج الشعوب العربية لكي تستفبق، تنفض الغبار المتراكم على جبينها وتلتحق بركب الحضارة؟

No comments: