السعودية
ودول الخليج - استقرار
سياسي أم هدوء يسبق العاصفة؟
علي
زبيدات – سخنين
عندما
بدأت رياح التغيير تعصف بالدول العربية
قبل خمس سنوات كنت من بين المتفاجئين من
ان هذه الرياح قد بدأت بالدول الاكثر
حداثة والتي كنا نطلق عليها دولا تقدمية
استطاعت في مراحل سابقة أن تثور على
انظمتها الملكية وتشكل جمهوريات، وتقفز
عن الدول ذات الانظمة الملكية كنا ننعتها
بالرجعية والتبعية للامبريالية.
ولكن بعد مراجعة
قصيرة لافكارنا المسبقة بان السبب فبطل
العجب. لقد
تناولت هذا الموضوع في الماضي من عدة
جوانب وكانت الخلاصة بشكل عام أن الفرق
بين الانظمة الملكية والانظمة الجمهورية
هو نسبي جدا خصوصا على ضوء محاولات بعض
هذه الجمهوريات جعل انظمتها وراثية على
غرار الانظمة الملكية، وبقيت الظروف
الخاصة الداخلية والخارجية لتلعب الدور
الحاسم وتصنع الفرق.
اليوم
وفي ظل ما يحدث في سوريا والعراق واليمن
يحول هذه القضية إلى سؤال ملح:
هل حقا تتمتع
السعودية ودول الخليج الاخرى بالاستقرار
السياسي؟ أم ان ما نراه امام اعيننا ليس
سوى سراب وان هذا الهدوء الظاهري يبشر
بعواصف عاتية لن تبقي ولن تذر؟
لا
اخفي ان امنيتي على الصعيد الشخصي كانت
أن تهب رياح التغيير على السعودية أولا
وليس على تونس أو مصر أو اية دولة عربية
اخرى. فلو
سقط النظام السعودي قبل خمس سنوات لتغير
وجهة المنطقة من المحيط الى الخليح تغيرا
جذريا. حسب
رأيي يوجد هناك أربعة أسباب رئيسية أبقت
امنيتي هذه في نطاق الامنيات، وهي:
١-
الدخل الخيالي من
النفط: الاستقرار
الاقتصادي يجلب في اعقابه استقرارا
سياسيا ولو إلى حين. فقد
اتاح للطبقة الحاكمة ان تكسب ولاء قطاعات
واسعة من الشعب كما استطاعت أن ترشي قطاعات
اخرى. هذا
الدخل الخيالي من النفط يتبخر الآن بسبب
تدخلات النظام المباشرة في سوريا واليمن
والتي تكلفه غاليا، بالاضافة إلى صقفات
التسلح الجنونية. حيث
بلغ العجز في ميزانية الدولة مؤخراا رقما
خياليا يقدر ب١٣٠ مليارد دولار.
٢-
تخصص السعودية
ميزانية خياليه للحفاظ على امنها، تنفق
الفسم الاكبر منه على التسلح حيث تعتبر
رابع اكبر دولة في مجال التسلح اذ وصل إلى
٥٧ مليار دولار، مما اتاح لها بناء اجهزة
امنية قادرة على اجكام سيطرتها على الشعب
وعلى البلاد. ولكن
في المدة الاخيرة وخصوصا بعد تدخلها
العسكري المباشر في اليمن بدأت هذه الالة
بالتصدع ليس بسبب تكلفة هذه الحرب المادية
التي بلغت اكثر من ٣٠ مليار دولار فحسب
بل بسبب خسائرها البشرية ايضا.
٣-
نجاحها في نقل
الصراعات السياسية إلى خارج بلادها
وحرصها على بقائها هناك.
السبب الحقيقي
وراء دعمها التنظيمات الاسلامية المسلحة
في سوريا ليس تقديم المساعدة للشعب السوري
بحصل على حريته وحقوقه وبالتأكيد ليس
محاربة نظام الاسد لكونه ديكتاتوريا،
بل السبب الحقيقي ابقاء هذه التنظيمات
بعيدة عن تهديد نظامه.
وهذا السبب هو نفسه
وراء التدخل المباشر في اليمن.
ولكن كما يقول
المثل الغربي: ستعود
الطيور لتأوي في بيوتها (chicken
come home to roost).
٤-
الحماية الامبريالية:
ليس سرا أن القواعد
العسكرية الامريكية المليئة بالجنود
المدججين بالسلاح تنتشر في السعودية وفي
باقي دول الخليج. صحيح
أن مهمتها الاولى الحفاظ على المصالح
الامبريالية الامريكية ولكن مما لا شك
فيه ان الحفاظ على هذه الانظمة هو جزء من
هذه المصالح. ولن
يتقاعس الجيش الاسرائيلي ايضا عن تقديم
الحماية لهذه الانظمة.
هذه
الاسباب الاربعة تنطبق مع بعض الاختلافات
في التفاصيل على دول الخليج الاخرى وخصوصا
الامارات، قطر والكويت.
للوهلة الاولى
وعلى ضوء الاسباب المذكورة تبدو عملية
التغيير وكأنها مستحيلة، ولكن في الوقت
نفسه وللاسباب نقسها تبدو عملية التغيير
حتمية. هذه
الحالة بالضبط يمكن وصفها بالهدوء الذي
يسبق العاصفة.
النفط
الذي يتحول الان الى دولارات هو نفسه الذي
سوف يشعل الحرائق في السعودية ودول الخليج
الاخرى. الجيوش
المدججة بالسلاح والاجهزة الامنية لن
تصمد امام الجماهير الثائرة التى سوف
تخترع طرقا جديدة للمواجهة والنضال.
وقد تعود لاستعمال
الطرق الكلاسيكبةاالتي عرفتها شعوب
العالم التي ناضلت من اجل حريتها واستقلالها
مثل العودة إلى حرب العصابات وحرب المدن
والانتفاضات الشعبية المسلحة وغير
المسلحة، والحرب طويلة الامد وغيرها.
لن تبقى السعودية
ودول الخليج تلك الجزيرة الآمنة وسط هذا
البحر الهائج لفترة طويلة، فالنفط ينضب
والاموال تنفذ والحماية الامبريالية
تزول. وحينذاك
ستكون الحرب الاهلية الدائرة قي سوريا
والعراق واليمن وبالرغم من كل كوارثها
وفظائعها، بمثابة نزهة استجمامية اذا
ما قورنت بالحرب في شوارع الرياض وجدة
والدوحة وابو ضبي.
بقي
أن نتمنى أن يسود الاستقرار الحقيقي
والرخاء بعد ركود هذه العاصفة.
No comments:
Post a Comment