Wednesday, October 29, 2014

بناؤون آخر زمن

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000007840 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000007824
بناؤون آخر زمن
علي زبيدات – سخنين
اذكر عندما كنت طفلا صغيرا قد ساعدت وبعض اخوتي جدي على بناء جدار من الحجارة (سنسلة) على حدود ارضنا. وبعد ساعات من العمل الشاق وبعد أن أخذ العرق يتصبب من جبهاتنا وانتهينا من العمل جاء جدي ولكز الحجارة بعكازه فانهارت جميعها، واخذ يوبخنا قائلا: هل تسمون هذه سنسلة؟ أم " كعكور" من الحجارة؟ كل شغلكم " تكعكر بتكعكر”. وقد اعجبتني هذه الكلمة. وعندما كبر اخوتي واصبح بعضهم معلمين عمار كنت اسمع جدي بين الحين والآخر عندما يغضب يصيح بهم٬ هذا شغل تكعكر وليس شغل عمار. مرت سنوات كثيرة منذ ذلك الوقت ولكن كما يبدو ظلت هذه الكلمة محفورة في ذاكرتي وانفجرت مرة واحدة عندما قرأت مقالة زميلي في الكتابة في هذه الجريدة عودة بشارات بعنوان: "الحجر الذي اهمله البناؤون اصبح رأس الزاوية". حاولت ان ابحث في الفواميس المتوفرة لدي عن معنى كلمة "كعكر" ومشتقاتها ولكني لم اجد المعنى الذي قصده جدي والذي عشش في ذاكرتي كل هذه السنين. وبما ان المسألة ليست شخصية فإني اسمح لنفسي أن اقول للزميل بشارات أن حجرك هذا ليس سوى تكعكر بتكعكر وهو سوف ينهار من اول ضربة عكاز للاجىء فلسطيني عائد ولن يصلح ابدا لأن يكون رأس الزاوية ولن يصبح كذلك حتى ولو نشرت مقالك هذا في جريدة هآرتس والغارديان وليس فقط في صحيفة حديث الناس ومهما تملق هذا المقال اليساريين الصهاينة من مجموعة مبادرة جنيف وروج لحسنات تبادل الاراضي من مدرسة ليبرمان وخطة كلنتون لتفسيم الفدس لكي تصبح عاصمة للدولتين.
المقصود طبعا بحجر الزاوية هو حل الدولتين لشعبين على اساس الاعتراف بقرار التقسيم والفرارت الاخرى التي تلته مثل قرار ٢٤٢ و٣٣٨ التي تهضم الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني وتمنح الكيان الصهيوني الكولونيالي الشرعية. لا يجوز في كل مرة أن نعود ونكتب التاريخ من جديد ونفصل الحقيقة على مقاسنا. لم يعترف الحزب الشيوعي الاسرائيلي (الفلسطيني في ذلك الوقت) بقرار التقسيم لانه كان الحزب الوحيد الواعي للموامرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني واراد بكل ما يملك من قوة انقاذ ما يمكن انقاذه كما يدعي الان ، بل بكل بساطة لانه تلقى اوامر من موسكو في اعقاب الخطاب الصهيوني للمندوب السوفياتي في الام المتحدة أندريه غروميكو بضرورة الاعتراف بالدولة العبرية الوليدة. ما قاله الكاتب من أن الشيوعيين قد دفعوا ثمنا باهضا بسبب تأييدهم لقرار التقسيم صحيح تماما. وكان الثمن هو نبذهم من شعبهم وفي الوقت نفسه تسديد ضربة قاصمة لكافة الاحزاب الشيوعية العربية. ويتوهم الكاتب ان شأنهم قد ارتفع مرة اخرى في اعقاب قبول العالم بحل الدولتين بما فيه الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن كل الحقائق تؤكد على ان شأن كل من قبل بحل الدولتين هو الذي انخفض وخصوصا بعد انتقال العالم العربي من معسكر اللاءات الثلاثة إلى معسكر ال ٩٩٪ من اوراق االحل في يد امريكا وانتقال منظمة التحرير الفلسطينية من معسكر الكقاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين إلى معسكر الحياة مفاوضات.
حجر الاعتراف بقرار التفسيم الذي بني عليه الاعتراف بدولة اسرائيل ومن ثم حقها بالحدود الآمنة وحقها في هضم حقوق الشعب الفلسطيني كما جاءت في القرارات اللاحقة واتفاقيات اوسلو المختلفة كيف يمكن لمثل هذا الحجر أن يكون رأس الزاوية؟
الحجر الذي اهمله البناؤون هو حجر الثورة الشعبية طويلة الامد وهو الذي سوف يصبح رأس الزاوية.

Wednesday, October 22, 2014

الثورة والثورة المضادة في ظل العولمة

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009427 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009411
الثورة والثورة المضادة في ظل العولمة
علي زبيدات – سخنين

لنفترض ان العالم فعلا قد اصبح قرية صغيرة، كما يدعي العديد من المفكرين والكتاب الغربيين وغير الغربييين، في ظل ثورة الاتصالات في كافة المجالات التي قربت القطب الشمالي من القطب الجنوبي والغت المسافات بين الشرق والغرب، فما الذي تغيير في هذه القرية العالمية الصغيرة؟ ما زال معظم سكانها يسكنون في أحياء الفقر المدقع كما كانوا يعيشون من قبل، يعانون من الامراض والمجاعات والامية والتخلف. في هذه القرية ما زالت أقلية صغيرة جدا تسكن في أحياء راقية تستحوذ على السلطة وعلى الثروات. ومن تسول له نفسه من سكان الاحياء الفقيرة للانتقال الى الاحياء الراقية سوف يواجه بالجدران العالية والقوانين الصارمة وربما القتل والموت غرقا. اما اذا حاولوا الاحتجاج على اوضاعهم المزرية وغياب العادلة الاجتماعية وتحسين مستوى حياتهم، سيقوم سكان الاحياء الراقية، بسهولة آكثر بسبب قربهم، بقصفهم بالصواريخ والقنابل الذكية وغيرها من مختلف الاسلحة المتطورة.
في هذه القرية الصغيرة، مسموح للاحياء الراقية ان تقيم الاحلاف العسكرية لكي تحمي ثرواتها وسلطتها وتشكل جيوشا يتم ارسالها لاخماد كل تمرد معاد لها. وفي الوقت نفسه تستكثر وتستنكر ان تتعاون بعض العصابات في الاحياء الفقيرة فيما بينها وتصفها بالارهاب وذلك يعني الحق في القضاء عليها. يعني مسموح للولايات المتحدة الامريكية ان تشكل جيشا دوليا مدججا باحدث الاسلحة وترسله لمحاربة تنيظيم داعش في العراق وسوريا وتستنكر انضمام بعض الافراد من اماكن اخرى الى هذا التنظيم.
مما لا شك فيه، وليس في ذلك اية غرابة، ان تحتوي الاحياء الراقية في هذه القرية العالمية الصغيرة على كل شيء جميل من ابنية ومؤسسات ومسارح ودور سينما واماكن ترفيه واستجمام ومجمعات تجارية ومطاعم فاخرة. بينما تنغل شوارع الاحياء الفقيرة بالاجرام والمخدرات والجوع. ثورة الاتصالات والمعلومات الالكترونية والفضائيات اختصرت المسافات وكشفت الاسرار ولكنها لم تغير كثيرا في طبيعة هذا العالم الاقتصادية والسياسية. المأساة الحقيقية أن سكان الاحياء الفقيرة ما زالو،ا بالرغم من وضوح الصورة، يحتجون على هذا الوضع بتدمير وقتل بعضهم البعض، واذا صدف ان تصادموا مع سكان الاحياء الراقية فانهم غالبا ما يلجؤون الى طرق خاطئة تعود عليهم بالضرر.
ليس لدي مشكلة في اعتبار العالم قد اصبح حقا قرية صغيرة. فهذا لا ينفي ضرورة الثورات وامكانيتها بل يؤكدها، وفي الوقت نفسه لا ينفي مخاطر الثورات المضادة. كل ما هنالك انه يجب اعادة صياغة الثورات وهذا موضوع قائم بذاته وليس هنا المكان المناسب للخوض في تفاصيله. كما يجب اعادة صياغة وفهم طرق واساليب مواجهة الثورات المضادة. من الواضح ان النظام الرأسمالي العالمي المهيمن على هذه "القرية" قد استطاع ان يشكل تحالفا واسعا لحماية نفسه من السقوط، مما يستدعي القوى الثورية ان تعمل على تشكيل تحالف دولي مضاد لمواجهة هذا الحلف الذي يجسد قوى الثورة المضادة. وهذا يتطلب مسبقا تحديد قوى الثورة واهدافها. العديد من التنظيمات التي تلبس قناع الثورة هي في الحقيقة جزء من الثورة المضادة تمت صناعتها في معامل الطبقة المهيمنة واستغلالها لخدمة مصالحها. تنظيم داعش مثلا وغيره من التنطيمات الطائفية والسلفية لا يمكن اعتباره من قوى الثورة بل من قوى الثورة المضادة، صراعها مع قوى اخرى مضادة للثورة هو نسبي بينما صراعها مع قوى الثورة هو مطلق.
حتى قبل ثورة الاتصالات والمعلومات، كانت هناك محاولات جادة لبناء تحالف ثوري في مواجهة التحالف الرجعي المضاد. من اهم هذه المحاولات الدفاع عن الثورة في اسبانيا بين اعوام ١٩٣٦-١٩٣٩ من قبل ثوار أمميين. انخراط العديد من الثوار الامميين في الثورة الفلسطينية في السبعينيات هو ايضا من ضمن هذه المحاولات. كذلك لا يمكن تجاهل محاولات القائد الثوري الخالد تشي جيفارا في بناء حركة ثورية عالمية في كل من امريكا اللاتينية وافريقيا وآسيا. المشكلة في تنظيمات مثل داعش لا تكمن قي ضمها لمقاتلين من عدة بلدان بل في طبيعتها الرجعية التي تلقي بها خارج المعسكر الثوري. لم يعد هناك قضايا محلية ومن الوهم حلها على صعيد محلي فقط. اذا كان العالم اصبح قرية صغيرة فعلينا العم على تنظيف قريتنا من القاذورات.

Wednesday, October 15, 2014

عقولنا في خطر

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009381 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009365
عقولنا في خطر
علي زبيدات – سخنين
واخيرا تحركت لجنة المتابعة ودعت الناس إلى "يوم النفير" للقدس والاقصى. ولا يخطئن احد بان يوم النفير هذا يعني ما يوحي اليه اسمه: التعبئة العامة وحث الناس على القيام لمحاربة العدو حتى تحرير القدس والاقصى. بل هو مجرد دعوة متواضعة لمسيرة استنكار على تصاعد الانتهاكات الاسرائيلية تنتهي باعتصام ومؤتمر صحفي تستطيع به زعامات لجنة المتابعة ان تحافظ على القليل مما تبفى من ماء الوجه بعد الانتفادات الشديدة التي تلقتها في اعقاب فشل نشاطها الاخير بمناسبة هبة القدس والاقصى، خصوصا وان معظم هذه الزعامات كما يقول المثل: لا في العير ولا في النفير. بالاضافة للاستنكارات شديدة اللهحة، طالبت هذه الزعامات الاردن (النظام الملكي الذي ينسق كل سياسته مع اسرائيل) بإن يتحمل مسؤوليته ويمارس سيادته الادارية في الاقصى بشكل فعلي كما ناشدت السلطة الفلسطينية (ربما من خلال التنسيق الامني) بالوقوف امام مسؤوليتها التاريخية والدفاع عن الاقصى رسميا وشعبيا.
لا يمكن فهم هذا لتحرك الاخير بمعزل عن مهرجانات الحركة الاسلامية المتعاقبة سنويا في ام الفحم أو كفر كنا او غيرها من مدن الداخل الفلسطيني تحت شعار "الافصى في خطر". حيث يتم حشد عشرات الآلاف من المؤمنين، والذين يريدون حقا رؤية مقدساتهم حرة، واغراقهم بالخطابات الملتهبة والشعارات الرنانة. منطقيا، اذا كان الاقصى في خطر أو اذا كانت القدس في خطر أو اذا كان أي شيء بالعالم في خطر فهذا يعني انه ما زال على ما يرام وفي حالة جيدة وان هناك خطر أو اخطار تتهدده ويجب الاسراع لدرء هذا الخطر أو هذه الاخطار عنه قبل فوات الاوان. الاقصى محتل منذ نصف قرن والقدس محتلة منذ نصف قرن. الاقصى تعرض للحرق في الماضي وانتهكت حرمته مرات لا تعد ولا تحصى اما القدس فقد تم تهويدها منذ زمن طويل، قبل الاستيلاء على بعض البيوت في الشيخ جراح او في سلوان. القدس فقدت طبيعتها وهويتها الفلسطينية بعد تدمير واخلاء احياء كاملة وتهجير الالاف من اهلها وبناء المستوطنات على اراضيها ومن حولها. ما تبقى من القدس العربية ليس اكثر من احياء حزينة وتعيسة تكاد أن تكون ميتة ليلا. وما زلتم تقولون الاقصى في خطر؟ والقدس في خطر؟ كلا، عقولكم في خطر، عقولنا في خطر.
كل مهرجاناتكم، ومسيراتكم ومؤتمراتكم الصحفية لن تجدي فتيلا اذا لم تكن جزأً لا يتجزأ من مسيرة النضال الوطني من أجل العودة والتحرير. حتى الان الامر ليس كذلك. دغدغة عواطف المؤمنين الدينية لا تكفي لتحرير الاقصى او القدس او اي شبر من فلسطين. وتقولون الافصى ليس ملكا للشعب الفلسطيني فحسب أو للأمة الاعربية فحسب، بل للأمة الاسلامية التي تعد أكثر من مليارد ونصف انسان وتنطوي تحت كنف منظمة المؤتمر الاسلامي التي تضم ٥٧ دولة.حسناً، جميع هذه الدول بدرجات متفاوتة ولكن بدون استثناء تحافظ على علاقات وطيدة مع إسرائيل وتقدم لها الدعم المباشر وغير المباشر لتكريس احتلالها. لجنة القدس المنبثقة عن هذا المؤتمر ويرأسها الملك المغربي تقيم علاقات حميمة مع محتلي القدس. حركات الاسلام السياسي بكل انتماءاتها الطائفية والمذهبية تحارب في كل ارجاء العالم ضد بعضها البعض وضد غيرها ولكنها لا تجرؤ حتى على التفكير بالاقتراب من القدس. الدول العربية المتحالفة مع امريكا واسرائيل ترسل طائراتها لقصف مواقع عربية بينما تقع القدس على مرمى حجر منها ولا تحرك ساكنا لنصرتها. علماء المسلمين يفتون ليس فقط بقتل بعض الحكام المسلمين بل ايضا بقتل مواطنين مسلمين وينشطون لكي يروا فتواهم تتحقق ويصمتون صمت اهل القبور عندما يتعلق ذلك باسرائيل. لم يعد هناك حاجة الى مستشرقين وصليبيين وصهاينة وماسونيين ومحافظين جدد لتشويه صورة الاسلام، فالاسلاميون الجدد قاموا بهذه المهمة على افضل وجه.
لست متدينا، واذا كان هذا الصراع صراع ديني صرف فلا يوجد افضل من الجلوس على الجدار والتفرج، لأن عقلي يرفض لا يستوعب: لماذا يوجد هناك أصلا اماكن اسلامية مقدسة وأماكن مسيحية مقدسة أخرى يهودية مقدسة وجميعهم يعبدون الرب ذاته؟. حرية الاقصى وحرية القدس هي جزء لا يتجزأ من حرية فلسطين كل فلسطين.

Wednesday, October 08, 2014

كلكم تكفيريون



كلكم تكفيريون
علي زبيدات – سخنين

من يظن أن التكفيرية هي حكر على الجماعات الاسلامية الاصولية فهو مخطىء. ومن يظن أصلا أن التكقيرية تقتصر على السياق الديني فحسب فهو ايضا مخطىء. التكفيرية متجذرة وضاربة اطنابها في كل الجماعات الاصولية: العلمانية، اليهودية، المسيحية، البوذية، في الجماعات القومية، الوطنية، الليبرالية والاشتراكية. لم يعد هناك شبر واحد على هذه الارض لم يلوث بهذه الدرجة او تلك بالتكفيرية. وقد تكون التكفيرية العقائدية (الدينية) ليست اسوأ انواعها، فالفكر التكفيري موجود في كل مكان وفي كل زمان وفي كل مجال. الفكر التفكيري يولد سياسة تكفيرية وممارسة تكفيرية. يقول البعض أن الجماعات الاسلامية الاصولية اصبحت اكبر منتج ومصدر للارهاب في العالم، حقاً؟ وماذا عن الارهاب الذي تنتجه الولايات المتحدة الامريكية وتصدره الى كافة ارجاء العالم؟ أليس ما يجري في افغانستان وباكستان والعراق وسوريا واليمن والصومال واماكن لا تحصى ولا تعد في مشارق الارض ومغاربها يشكل اضعاف مضاعفة مما تنتجه الجماعات الاسلامية الاصولية مجتمعة؟ وماذا بالنسبة للإرهاب الذي تنتجه وتصدره اسرائيل منذ فيامها وحتى اليوم؟ هذا الارهاب لا يقتصر على قطاع غزة والضفة الغربية ودول الجوار، بل هو موجود في كل مكان إما على شكل اسلحة صناعة اسرائيلية واما على شكل خبراء ومدربين ومرتزقة. اما عن الارهاب الذي تنتجه الانظمة العربية معظمه للاستهلاك المحلي وبعضه للتصدير فحدث بلا حرج.
يقولون أن الحركات التكفيرية الاسلامية قد شوهت الوجة الحقيقي السمح للاسلام، وهذا صحيح من حيث الاسساس، ولكن التكفيريين "الديمقراطيين" من امثال امريكا وحلف الناتو واسرائيل الذين يشعلون الحروب العدوانية باسم الديمقراطية ومن أجل نشرها وللدفاع عن حقوق الانسان ألا يشوهون صورة الديمقراطية؟ في هذا العالم الرأسمالي البشع الكل يشوه الصورة التي يزعم انها صورته والتي هي في الحقيقة ليست اكثر من قناع. فالديمقراطي هو اول من يشوه الديمقراطية، والقومي هو اكثر من يشوه القومية والوطني هو اشد من يشوه الوطنية والاشتراكي هو افضل من يشوه الاشتراكية.
تريد الجماعات الاسلامية الاصولية أن تجر الناس للعودة الى ايام السلف الصالح التي ولت من غير رجعة منذ قرون عديدة حتى ولو كان ذلك بحد السيف. بينما تريد الجماعات الاصولية الغربية أن تجر الناس الى "ديمقراطيتها" حتى ولو كان ذلك بالصواريخ والقنابل الذكية واسلحة الدمار الشامل. من يتهم الآخرين بالتكفيرية عليه الا ينسى التكفيرية الخاصة به وإلا أن يصمت. إذ ليس من اللائق الكلام عن التسامح بينما كل ممارساتك تنضح بالتعصب، والكلام عن التعددية وكل تصرفاتك تهدف إلى احتواء الآخرين، والكلام عن حرية الفكر وفي الوقت نفسه تقمع كل فكر يعارض فكرك.
بعيدا عن الشعارات التي لا رصيدا لها، أروني عقيدة أو ايدولوجية لا تكفر غيرها من العقائد والايدولوجيات؟ أروني حزبا سياسيا أو تنظيما لا يكفر غيره؟ في السنوات الاخيرة اتخمنا بالكلام عن الجماعات الاسلامية التكفيرية من داعش وجبهة النصرة وانصار الشريعة وبيت المقدس وعشرات الجماعات المشابهة إلى الاخوان المسلمين والسلفيين على الوانهم وانواعهم. هذا الكلام لا يعدو كونه ذر الرماد في العيون لكي نعمى عن رؤية الصورة كاملة ومن كافة جوانبها وتحويل الانظار عن رؤية الحقيقة كما هي، الحقيقة التي تقول: كلكم تكفيريون.
ما يهمني في هذا الصدد بعض الملاحظات حول تكفيريينا المحليين. ما زلنا نرضخ تحت وطأة التعريف السائد للتكفيرية على اساس ديني ونشير باصبع الاتهام لفكر الاخوان المسلمين والحركات الاسلامية التي تتبنى هذا الفكر كمرجع. ولكني كما اوضحت آنفا: لا يقتصر التكفير على الانتماء الديني. فلدينا احزاب قومية تحتكر الفكر القومي، أو تحاول ذلك على الاقل ، وتكفر غيرها. وهنالك احزاب تجهد نفسها في احتكار الوطنية وتكفر ما عداها، وهناك احزاب تحتكر التقدمية والاشتراكية وغيرها ليس سوى رأسمالي رجعي. والحالة هذه فما الغريب في حالة التشرذم التي نشهدها؟ وما الغريب في أن نفشل بتنظيم مسيرة ذكرى، قكم بالاحرى في مواجهة سياسة تمييز عنصرى فائقة التنظيم والمهنية؟.
يوجد داخل كل فرد فينا تكفيري يجب التخلص منه ومن الافضل قبل أن يكبر ويستفحل ومن ثم الانطلاق نحو الحرية.

Wednesday, October 01, 2014

من طائرة ليلى إلى طائرة مريم



من طائرة ليلى إلى طائرة مريم
علي زبيدات – سخنين
في ٢٨ آب ١٩٦٩ قامت المناضلة الفلسطينية المعروفة ليلى خالد بخطف طائرة امريكية من روما كانت متجهة الى اثينا واجبرتها على التوجه الى فلسطين المحتلة والتحليق فوق مدينة حيفا مسقط رأسها والتي حرمت من رؤيتها منذ أن هجرتها مع عائلتها في عام النكبة ومن ثم التوجه الى دمشق حيث تم اخلاء الطائرة من ركابها وتفجيرها على ارض المطار.
بعد ٤٥ سنة قامت الاماراتية مريم المنصوري بقيادة طائرة حربية امريكية الصنع من طراز أف ١٦ وقصف مواقع تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا كجزء من التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة لمحاربة ما يسمى بالارهاب الاسلامي.
العملية التي قادتها ليلى خالد دمغت بالارهاب اما هي فقد فازت على لقب "خاطفة الطائرات" من قبل كافة وسائل الاعلام الاجنبية وحتى العربية ، بالرغم من انها لم تخطف سوى طائرة واحدة بينما باءت محاولتها الثانية لخطف طائرة اسرائيلية بعد سنة من العملية الاولى بالفشل، وبعدها توقفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تنتمي اليها ليلى خالد عن استعمال هذا الاسلوب من النضال.
اما عمليات القصف التي قامت بها مريم المنصوري لمواقع عربية خدمة للسياسة الامريكية فقد وصفت بالبطولية والاسوأ من ذلك: يريدونها ان تصبح رمزا ومقياسا لتقدم المرأة الاماراتية بل المرأة العربية بشكل عام. لا ادري ما البطولة بقيادة طائرة حربية، حتى وإن قادتها امرأة ، اذا لم تكن دفاعا عن وطنها او تحرير اراض محتلة من وطنها بل لتنفيذ سياسة امبريالية هدفها الاول والاخير تمزيق البلدان العربية واحكام الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية عليها.
هذه المفارقة بين الحالتين، بين الطائرتين وبين المرأتين تلخص المسيرة الحثيثة نحو الحضيض التي قطعناها في نصف القرن الاخير، حيث انقلبت الفيم والمبادئ الى نقيضها: حيث اصبحت محاربة الامبريالية تطرفا وارهابا بينما اصبحت خدمتها مقياسا للديمقراطية والتقدم والتحرر.
لم تخترع ليلى خالد ورفاقها عمليات خطف الطائرات فمثل هذه العمليات بدأت منذ زمن بعيد وهي ما زالت مستمرة الى يومنا هذا. ربما ما اخترعته ليلى خالد أو على الاقل حاولت اختراعه هو أن تجبر الطائرات الامريكية والاسرائيلية على حمل مأساة الشعب الفلسطيني المشرد وليس فقط على حمل الاسلحة الفتاكة التي تقصف بها مدنه وقراه وتقتل ابناءه. لقد كانت ليلى خالد ورفاقها بشهادة الاعداء قبل الاصدقاء من احرص الناس على سلامة الركاب المدنيين حتى ولو كان ثمن ذلك تعريض سلامتهم للخطر. لقد ارادت ان تقول للعالم بكل بساطة: حسنا، اذا لم استطع رؤية وطني الا اذا خطفت طائرة وحلقت بها في سمائه فلماذا احرم من ذلك؟ واذا كان العالم يغمض عينيه ولا يريد رؤية ملايين اللاجئين بينما خطف طائرة أو عشرة طائرات تجبره على فتحها فما السيئ في خطفها؟ واذا كان خطف الطاـئرات مثل خطف الجنود هو الطريق الوحيد الذي يضمن اطلاق سراح الاسرى الذين ضحوا بحريتهم من أجل قضيتهم العادلة فما المانع من خطف الطائرات؟.
بدأ النقاش حول جدوى خطف الطائرات منذ اليوم الاول، ليس داخل صفوف الجبهة الشعبية فحسب بل امتد ليشمل التنظيمات الاخرى والعديد من المناضلين المستقلين وقد كان الرأي الغالب حتى ممن ايدوه في مرحلة سابقة بانه يلحق الضرر بالنضال الفلسطيني العام ويجب ايقافه، بينما آمنت فئة صغيرة بإن خطف طائرات العدو واعوانه شكل من اشكال النضال لا يمكن الاستغناء عنه في ظل الظروف الراهنة. واستمرت هذه الفئة بامكانياتها المحددودة ممارسته لفترة قصيرة من الزمن. على كل حال، لست هنا بصدد العودة الى هذا النقاش أو إلى فتحه على مصراعيه من جديد. ولكني في هذا النقاش وخلال سنوات طويلة لم انف انحيازي الكامل لاشكال النضال المتعددة ومن ضمنها خطف الطائرات. هذه الاشكال التي صقلت الصورة المثالية للفدائي وفي الوقت نفسه لا انفي اشمئزازي من بعض الاشكال "النضالية" التي تمخضت عن خلق الصورة المثالية حالة للمرتزقة التي ارادوها بديلا للفدائي. بالرغم من مرور حوالي نصف قرن واعتزالها لخطف الطائرات ما زالت ليلي خالد رمزا للفدائي بينما مريم المنصوري لن تكون اكثر من صورة مهتزة للمرتزقة.