من
طائرة ليلى إلى طائرة مريم
علي
زبيدات – سخنين
في
٢٨ آب ١٩٦٩ قامت المناضلة الفلسطينية
المعروفة ليلى خالد بخطف طائرة امريكية
من روما كانت متجهة الى اثينا واجبرتها
على التوجه الى فلسطين المحتلة والتحليق
فوق مدينة حيفا مسقط رأسها والتي حرمت من
رؤيتها منذ أن هجرتها مع عائلتها في عام
النكبة ومن ثم التوجه الى دمشق حيث تم
اخلاء الطائرة من ركابها وتفجيرها على
ارض المطار.
بعد
٤٥ سنة قامت الاماراتية مريم المنصوري
بقيادة طائرة حربية امريكية الصنع من
طراز أف ١٦ وقصف مواقع تابعة لتنظيم الدولة
الاسلامية في سوريا كجزء من التحالف
الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة
لمحاربة ما يسمى بالارهاب الاسلامي.
العملية
التي قادتها ليلى خالد دمغت بالارهاب اما
هي فقد فازت على لقب "خاطفة
الطائرات" من
قبل كافة وسائل الاعلام الاجنبية وحتى
العربية ، بالرغم من انها لم تخطف سوى
طائرة واحدة بينما باءت محاولتها الثانية
لخطف طائرة اسرائيلية بعد سنة من العملية
الاولى بالفشل، وبعدها توقفت الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين التي تنتمي اليها
ليلى خالد عن استعمال هذا الاسلوب من
النضال.
اما
عمليات القصف التي قامت بها مريم المنصوري
لمواقع عربية خدمة للسياسة الامريكية
فقد وصفت بالبطولية والاسوأ من ذلك:
يريدونها ان تصبح
رمزا ومقياسا لتقدم المرأة الاماراتية
بل المرأة العربية بشكل عام.
لا ادري ما البطولة
بقيادة طائرة حربية، حتى وإن قادتها امرأة
، اذا لم تكن دفاعا عن وطنها او تحرير اراض
محتلة من وطنها بل لتنفيذ سياسة امبريالية
هدفها الاول والاخير تمزيق البلدان
العربية واحكام الهيمنة الامريكية –
الاسرائيلية عليها.
هذه
المفارقة بين الحالتين، بين الطائرتين
وبين المرأتين تلخص المسيرة الحثيثة نحو
الحضيض التي قطعناها في نصف القرن الاخير،
حيث انقلبت الفيم والمبادئ الى نقيضها:
حيث اصبحت محاربة
الامبريالية تطرفا وارهابا بينما اصبحت
خدمتها مقياسا للديمقراطية والتقدم
والتحرر.
لم
تخترع ليلى خالد ورفاقها عمليات خطف
الطائرات فمثل هذه العمليات بدأت منذ زمن
بعيد وهي ما زالت مستمرة الى يومنا هذا.
ربما ما اخترعته
ليلى خالد أو على الاقل حاولت اختراعه هو
أن تجبر الطائرات الامريكية والاسرائيلية
على حمل مأساة الشعب الفلسطيني المشرد
وليس فقط على حمل الاسلحة الفتاكة التي
تقصف بها مدنه وقراه وتقتل ابناءه.
لقد كانت ليلى خالد
ورفاقها بشهادة الاعداء قبل الاصدقاء من
احرص الناس على سلامة الركاب المدنيين
حتى ولو كان ثمن ذلك تعريض سلامتهم للخطر.
لقد ارادت ان تقول
للعالم بكل بساطة: حسنا،
اذا لم استطع رؤية وطني الا اذا خطفت طائرة
وحلقت بها في سمائه فلماذا احرم من ذلك؟
واذا كان العالم يغمض عينيه ولا يريد رؤية
ملايين اللاجئين بينما خطف طائرة أو عشرة
طائرات تجبره على فتحها فما السيئ في
خطفها؟ واذا كان خطف الطاـئرات مثل خطف
الجنود هو الطريق الوحيد الذي يضمن اطلاق
سراح الاسرى الذين ضحوا بحريتهم من أجل
قضيتهم العادلة فما المانع من خطف
الطائرات؟.
بدأ
النقاش حول جدوى خطف الطائرات منذ اليوم
الاول، ليس داخل صفوف الجبهة الشعبية
فحسب بل امتد ليشمل التنظيمات الاخرى
والعديد من المناضلين المستقلين وقد كان
الرأي الغالب حتى ممن ايدوه في مرحلة
سابقة بانه يلحق الضرر بالنضال الفلسطيني
العام ويجب ايقافه، بينما آمنت فئة صغيرة
بإن خطف طائرات العدو واعوانه شكل من
اشكال النضال لا يمكن الاستغناء عنه في
ظل الظروف الراهنة. واستمرت
هذه الفئة بامكانياتها المحددودة ممارسته
لفترة قصيرة من الزمن. على
كل حال، لست هنا بصدد العودة الى هذا
النقاش أو إلى فتحه على مصراعيه من جديد.
ولكني في هذا النقاش
وخلال سنوات طويلة لم انف انحيازي الكامل
لاشكال النضال المتعددة ومن ضمنها خطف
الطائرات. هذه
الاشكال التي صقلت الصورة المثالية
للفدائي وفي الوقت نفسه لا انفي اشمئزازي
من بعض الاشكال "النضالية"
التي تمخضت عن خلق
الصورة المثالية حالة للمرتزقة التي
ارادوها بديلا للفدائي.
بالرغم من مرور
حوالي نصف قرن واعتزالها لخطف الطائرات
ما زالت ليلي خالد رمزا للفدائي بينما
مريم المنصوري لن تكون اكثر من صورة مهتزة
للمرتزقة.
No comments:
Post a Comment