Thursday, May 26, 2016

تعلم كيف تقول كلمة "لا"



تعلم كيف تقول كلمة "لا"
علي زبيدات – سخنين

قد يقول البعض حالما يقع بصره على هذا العنوان: ما هذا الكلام السخيف؟ من منا لا يعرف كلمة لا؟ أليست جميع مصائبنا من كثرة ما رددنا هذه الكلمة؟ فقد قلنا لا لقرار التقسيم فخسرنا معظم فلسطين. وقلنا لا لقرار مجلس الامن ٢٤٢ وهكذا خسرنا كل فلسطين. وبعد ذلك تبنينا نظرية اللاءت الثلاثة التي تقول: لا صلح، لا اعتراف ولا تفاوض مع اسرائيل. هل ما زال احد يذكر هذه اللاءات التي صدرت عن الانظمة المهزومة في مؤتمر الخرطوم حتى تنقذ نفسهامن المحاسبة ومن تحمل مسؤولية الهزيمة؟ ما صدقنا حتى جاءت اجواء اوسلو وتحررنا من هذه اللاءات وكل لا. فالصلح اصبح خيارنا الاستراتيجي وقدمنا كل ما نملك من كلمات "نعم" للوصول اليه ولكن للاسف الشديد اسرائيل رفضت الصلح معنا وردتنا خائبين، ولكنها قبلت منا بكل ترحاب وسرور التخلي عن لاء الاعتراف ولاء المفاوضات التي استبدلناها بنعم مطلقة. جاءت اتفاقيات أوسلو وعلمتنا أن نقول نعم خصوصا وأن مصر قد سبقتنا وقالت نعم في كامب ديفيد وخرجت من اللعبة، ولحقتها الاردن مع انها كانت خارج اللعبة اصلا. فهل هناك من يلومنا عندما لحقنا حالنا وقلنا نعم لقرار ٢٤٢ و٣٣٨ وباقي القرارات وللمفاوضات التي لا تنتهي ولاوهام سلام اتفاقيات أوسلو؟
هذه هي باختصار حكاية القيادة الفلسطينية ( وربما الجماهير الفلسطينية ايضا) التي محت من ذاكرتها كلمة "لا" واستبدلتها بكلمة "نعم" بطريقة تذكرني بقصص سمعتها من العديد من الاخوة والرفاق في السجون الاسرائيلية ممن لم يستطيعوا الصمود أكثر تحت وطأة التعذيب واختاروا الاعتراف ببعض التهم الموجهة اليهم على أمل عدم الاعتراف بالتهم الرئيسية. ولكن النتائج كانت دائما عكسيا والاعترافات تتالت حتى نهايتها المأساوية، كما يقول مثلنا الشعبي: مسبحة وفرطت.
الواقع الان، يشير الى أن الزعامة الفلسطينية قد انكسر عمودها الفقري حتى عجزت عن قول لا أمام هذا السيل الجارف الذي يطالبها بالتنازلات والمزيد من التنازلات. لنأخذ بعض الحالات على سبيل المثال: بعد تعثر مفاوضات اوسلو، الامر الذي كان متوقعا، اجتمعت الدول العربية في بيروت عام ٢٠٠٢ واصدرت مبادرتها الشهيرة للسلام واعدة دولة اسرائيل بالعلاقات الطبيعية مع جميع الدول العربية اذا ما وافقت على الانسحاب من الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧ واقامة الدولة الفلسطينية. ويبدو أن الزعماء العرب قد شاهدوا فلم "العراب" الامريكي قبل اصدار مبادرتهم هذه وكأنهم قدموا لاسرائيل "اقتراحا لا يمكن رفضه". سارعت الزعامة الفلسطينية بالترحيب وقبول مبادرة العربية، غير أن دولة اسرائيل التي تعلمت أن تقول لا ألقت بها في سلة المهملات. فيما بعد "طورت" الدول العربية مبادرتها لكي تتلاءم مع ميول اليمين الصهيوني الذي بسط هيمنته بقبولها مبدأ تبادل الاراضي الذي يتيح ضم الكثل الاستيطانية في الضفة الغربية لاسرائيل. ومع ذلك بقيت هذه الاخيرة متمسكة بتعنتها الرافض. وفيما بعد تنازلت الدول العربية مدعومة فلسطينيا عن حق عودة اللاجئين كمطلب اساسي إلى جانب العديد من الاغراءات كالعلاقات السرية والعلنية والتعاون في القضايا الامنية والمخابراتية والاقتصادية وغيرها. ولكن اسرائيل تعلمت جيدا كيف تقول "لا" وتصر عليها لانها تعرف أن الطرف الاخر لا يعرف الا أن يقول نعم.
على ضوء وصول مفاوضات ربع القرن الاخير إلى طريق مسدود جاءت المبادرة الفرنسية، هذا اذا استطعنا ان نسميها مجازا مبادرة، ومتى كانت فرنسا قادرة على أن تطلق مبادرات أصلا بينما فشلت قوى عظمى مثل امريكا وروسيا في انجاح المفاوضات التي رعتها لسنوات طويلة. مرة اخرى احتضنت الزعامة العربية والفلسطينية هذه المبادرة بحرارة بينما رفضتها اسرائيل مع انها لا تكلفها شىء. فكل ما تقوله هذه المبادرة هو عقد مؤتمر دولي لاستئناف المفاوضات على أمل أن يتوصل الطرفان الى تسوية بدون تدخل اي طرف آخر.
وأخيرا وليس آخرا مبادرة عبد الفتاح السيسي للسلام على غرار السلام المصري – الاسرائيلي الذي حقق وسوف يحقق حسب قوله الانجازات العظيمة للبلدين. مرة اخرى خرجت القيادة الفلسطينية من جلدها تقبيلا واحتضانا لهذه المبادرة خصوصا وان اسرائيل لم ترفضها مباشرة وعلنا. وشرعت كافة الاطراف بالتحضير لمؤتمر قمة يجمع السيسي ونتنياهو ومحمود عباس، ومن اجل ذلك اعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية نيته بتوسيع حكومته لتضم المعسكر الصهيوني المعتدل . حتى تكلم عدد من المراقبين والمحللين عن قيام تحالف ثلاثي مصري – اسرائيلي – فلسطيني ليس لحل النزاع العربي الاسرائيلي فحسب بل لمحاربة "الارهاب" في المنطقة ايضا. ولكن نتنياهو كعادته علم السيسي ومحمود عباس، كما علم اوباما وهلاند من قبل، درسا في أن يقول "لا"حتى عندما لا قولها علنا، بعد أن ابقى بالمعسكر الصهيوني خارج حكومته وادخل ليبرمان الذي هدد بتفجير السد العاللي واغراق مصر مع سكانها.
من أجل هذه الاسباب ولاسباب عديدة اخرى يجب أن نعود ونتعلم كيف نقول "لا" من الولادة وحتى الممات.

Thursday, May 19, 2016

الامن مقابل السلام



الامن مقابل السلام
علي زبيدات – سخنين

التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في السنوات الاخيرة العديد من الاسرائيليين: طلاب، أعضاء كنيست، صحفيين، جمعيات، وفود حزبية، طواقم تلفزبون وراديو، افراد. كان هدفه من كل هذه اللقاءات كما عبر عنه مرارا: التوجه إلى الرأي العام الاسرائيلي ومخاطبته بشكل مباشر خصوصا بعد وصول المفاوضات الرسمية إلى طريق مسدود، على أمل أن يؤثر الرأي العام الاسرائيلي على متخذي القرارات في الحكومة الاسرائيلية. وقد لاقت هذه السياسة على الساحة الفلسطينية المؤيدين والمعارضين على حد سواء. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في كل مقابلة مع وفد اسرائيلي يهتم باطلاق تصريحات مثيرة للجدل فلسطينيا واسرائيليا منها على سبيل المثال لا الحصر: التنسيق الامني مقدس، وهو لمصلحة الفلسطينيين قبل ان يكون مصلحة للاسرائيليين، التعاون في مكافحة الارهاب وازالة التحريض، ادانة كل اشكال الارهاب والتطرف، تفتيش حقائب الطللاب من قبل احهزته الامنية بحثا عن السكاكين، احباط لكل عملية ضد الاحتلال مهما كان طابعها، معارضته المطلقة لاية انتفاضة جديدة، وحتى استماعه اليومي للموسيقى الاسرائيلية وخصوصا لموشي الياهو ذلك المغني العظيم. لست هنا بصدد ذكر كل هذه اللقاءات وتفاصيلها، فالشبكة العنكبوتية تنضح بها اما بالمواقع الاسرائيلية واما بالمواقع الفلسطينية. ولست هنا بصدد تحليل او تقييم هذه اللقاءات والتصريحات وهل خدمت بالفعل سياسته المعلنة ام لا، هل أثرت على الرأي العام الاسرائيلي؟ وهل اثر هذا بدوره على متخذي القرارات؟.
ولكن لفت انتباهي بشكل خاص لقاءه الاخير مع وفد حزب ميرتس الصهيوني اليساري بزعامة امينه العام موشي راز. حيث استعمل محمود عباس معادلة قديمة- جديدة لا ادري ان كانت من باب الصدفة ام انها كانت مدروسة ومخطط لها جيدا، فقد صرح عند استقباله للوفد، وانا اقتبس: "نحن بحاجة للسلام وكذلك الاسرائيليون بحاجة للامن". وقد ذكرتني هذه الجملة بجملة أخرى شهيرة كانت اساسا للمفاوضات العربية – الاسرائيلية والفلسطينية – الاسرائيلية: الارض مقابل السلام. وهنا اصبحت: الامن مقابل السلام. الامن للاسرائيليين مقابل السلام للفلسطينيين.
من يتمعن في هذا التصريح قليلا يستنتج بان الفلسطينيين ليسوا بحاجة للامن. وان الاحتلال، قتل المواطنين بدم بارد، الاعتقالات الجماعية والفردية، هدم البيوت، المستوطنات والمستوطنين، الجواجز، وكأن كل ذلك لا يهدد أمن الفلسطينيين. فالامن هو مطلب اسرائيلي ، الم يطالبوا دوما بدولة آمنة وحدود آمنة وكانوا في جميع مفاوضاتهم والاتفاقيات التي وقعوها يشددون ويصرون على الامن والاجراءات الامنية. لا علاقة للفلسطينيين بالامن لا من قريب ولا من بعيد. وكأنهم هم الذين يحتلون إسرائيل ويحاصرون مدنها ويشكلون خطرا داهما على المواطنين وعلى المستوطنين. أي باختصار حسب هذه المعادلة الجديدة: الاسرائيليون بحاجة إلى الامن أما الفلسطينيون فهم بحاجة إلى السلام، أي ان تتركوهم يعيشون بسلام لوحدهم، لا مطالب اخرى لديهم، لا يوجد هناك حق عودة ولا تحرير اراض منهوبة ولا يحزنون.
بما ان الفلسطينيين يشكلون خطرا على امن اسرائيل، واسرائيل تمنع الفلسطينيين من العيش بسلام فإن المعادلة الصحيحة لحل النزاع في المنطقة يكمن قي هذه الصيغة العبقرية: الامن مقابل السلام. تنسجم هذه النظرية مع باقي التصريحات التي ادلى بها رئيس السلطة امام وفد حزب ميرتس الصهيوني اليساري الذي يشكل حسب اوساط عربية وفلسطينية واسعة فلسطينيا حليفا في النضال المشترك من اجل التوصل الى "سلام شامل ودائم على اساس الدولتين المتجاورتين". لم يبخل هذا اللقاء بمثل هذه التصريحات "الجانبية": إدانة كل اشكال الارهاب والتطرف" "التعاون في الامن ومكافحة الارهاب" وغيرها. الاعتراف بحاجة الاسرائيليين إلى الامن بهذه الصورة يعطي تبريرا ومصداقية للسياسة الاجرامية التي تمارسها الدولة الصهيونية في حق الشعب الفلسطيني. فمن يفقد الامن تكون اعماله مهما بلغت من وحشية دفاعا عن النفس بما في ذلك حصار غزة وبناء جدار الفلصل العنصري ونشر الحواجز والقتل بدم بارد. لذلك ارى بتصريح محمود عباس هذا خطرا يفوق كل ما تفوه به عن التنسيق الامني وعن التخلي عن كافة اشكال النضال بما فيه النضال السلمي الذي ينادي به قولا ويعارضه فعلا.
الفلسطينيون هم الذين بحاجة للامن وللسلام اللذان تنتهكما دولة اسرائيل.


Thursday, May 12, 2016

هل تعلمنا شيئا من النكبة؟



هل تعلمنا شيئا من النكبة؟
علي زبيدات – سخنين

كلما افتربت ذكرى النكبة كلما راودني ولاحقني سؤال افتراضي لا استطيع الهروب من وجهه: لنفرض جدلا أن النكبة لم تحدث في عام ١٩٤٨ بل تحدث في هذه الايام أمام اعيننا، هل يا ترى ستكون النتيجة مختلفة؟ هل نستطيع أن نمنع النكبة، الامر الذي اخفقنا في منعه في تلك الايام؟ حسب رأيي، لا يحتاج الجواب إلى الكثير من التمعن والتفكير: إننا نعيش اليوم نكبة اشد واعتى من نكبة ١٩٤٨. وهذا ليس تشاؤما وفي الوقت نفسه ليس مجرد تحليل للواقع انه محاولة لوصف ما نراه ونسمعه ونحسه في كل يوم بل في كل ساعة ولحظة. النكبة الاولى اودت ب ٧٨٪ من فلسطين أما النكبة الحالية فلم تكتف باجتياح كامل التراب الفلسطيني بل وجرفت العالم العربي باسره ايضا. كنا نعيش نكبة فلسطين أما اليوم فإننا نعيش نكبة العرب اجمعين.
ماهي الدروس التي تعلمناها من النكبة الاولى؟ هل تعلمنا من أخطائنا؟ هل اعترفنا اصلا بأننا ارتكبنا الاخطاء؟ واذا كانت هناك أخطاء واعتراف باقترافها هل استوعبناها حقا وعملنا على تصحيحها؟ وبما انه سؤال يجر سؤال، اتابع: هل عرفنا نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا؟ هل عملنا شيء للتخلص من نقاط ضعفنا وبالمقابل عملنا على تعزيز نقاط قوتنا؟ هل عرفنا نقاط ضعف عدونا ونقاط قوته واستوعبناها لتغيير موازين القوى المختلة بيننا؟ قلنا في الماضي أن احد الاسباب الرئيسية لنكبتنا كان التآمر الاستعماري – الصهيوني لسلب وطننا وتشريد شعبنا. وماذا نفعل اليوم؟ اننا نرتمي في احضان الامبريالية والصهيونية لا بل نداس تحت اقدامها. وقلنا ان زعامتنا رجعية ومتخلفة تلهث وراء السلطة والمال ، وماذا عن زعامتنا اليوم، يخزي العين عنها؟ وقلنا أن الدول العربية قد خذلتنا بل وتآمرت علينا، وماذا يحدث اليوم؟ ليتها اكتفت بالخذلان والتآمر، انها اليوم تصفي بعضها البعض. قلنا: لقد كنا مجتمعا اقطاعيا متخلفا، واليوم ما زلنا مجتمع اقطاعي ولكن بدون اقطاع بعد ضياع الارض. ما زالت العقلية الاقطاعية بل العبودية معششة في عقولنا، وما زالت العائلية والطائفية تنخر في مجتمعاتنا حتى النخاع.
الحركة الصهيونية تعلمت شيئا من النكبة التي حلت بيهود اوروبا اثناء الحكم النازي، تعلمت انها يجب أن تقيم دولة عصرية وجيش قوي. ليس فقط انها حققت ذلك في فترة قياسية بل على شكل بلغ أعلى درجات الوحشية ايضا وذلك بحجة عدم السماح بتكرار ما حدث. وبالمقابل، ماذا فعلنا نحن؟ قلنا بأعلى صوتنا ان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالفوة، ورددنا بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ولكن، وبفترة قياسية كذلك تخلينا عن كل هذه الاوهام واعلناها بانه لا طريق سوى طريق المفاوضات والمزيد من المفاوضات، مفاوضات الان ومفاوضات الى الابد.
باختصار، لم نتعلم شيئا من النكبة، حتى ما كنا نعرفه قبل النكبة قد نسيناه أو القيناه في سله المهملات ووقفنا نبحلق في بعض كالمعهتوين على هامش التاريخ. في ذكرى الحالية للنكبة كما في كل ذكرى سوف نسمع خطابات نارية تحرق الاخضر واليابس، سوف نتناول كمية من المخدرات اللفظية تكفينا لكي نتخدر حتى ذكرى السنة القادمة.
كلنا نعترف ونردد بمناسبة وبغير مناسبة بأن النكبة مستمرة منذ عام ١٩٤٨ وهي لم تتوقف حتى هذا اليوم، وهذا صحيح. ولكننا نسينا أن نقول بأن النكبة مستمرة ليس فقط لأن دولة اسرائيل مستمرة في سياسة التطهير العرقي التي اتبعتها منذ اليوم الاول لقيامها، بل أيضا بسبب اصرارنا على التشبث بالفكر والعقلية والممارسات التي انتجت النكبة الاولى.
لم تنتقل اوروبا من القرون الوسطى إلى العصر الحديث بسبب الثورات السياسية التي اجتاحتها من الثورة الفرنسية وحتى الثورة الروسية مرورا بباقي الثورات، بل بسبب الثورات الفكرية والاقتصادية التي سبقتها. الثورات السياسية لم تكن سوى تحصيل حاصل. مأساتنا اننا نريد أن نغير العالم بما فيه عالمنا بافكار أكل الدهر عليها وشرب وبأدوات كان يستعملها الانسان في العصر الحجري. اذا كان هناك ثمة بصيص من النور في نهاية النفق الدامس فانه لن يصدر الا عن زند فكر تحرر من وهم المعرفة وانطلق إلى المعرفة ذاتها. فكر يلقي بالاشياء المسلم بها من وراء ظهره ويضع كل شيء امام المحك، فكر يبدع ويخلق ويصنع ولا يستكين إلى روتين العادة. عندها فقط نستطيع ان نتحدى النكبة ونزيل آثارها.

Wednesday, May 04, 2016

الصهيونية بين السامية واللاسامية



الصهيونية بين السامية واللاسامية
علي زبيدات – سخنين
لنفترض جدلا أن العرب لا يمتون للسامية بأية صلة، وأن اللاسامية هو مصطلح لا يعنيهم من قريب أو من بعيد، فهو ليس سوى مصطلح ولد في اوروبا ويتعلق حصرا باليهود. للعرب والمسلمين يوجد مصطلح اوروبي آخر هو الاسلامفوبيا. بالنسبة لي شخصيا هذا الافتراض ليس جدليا فحسب، لطالما تساءلت هل سأكون لا أنا لو كنت ساميا أو حاميا أو آريا أو أي عنصر آخر؟ وبما أن الجواب كان دائما بالنفي تنازلت عن كل حقوقي بالسامية عن طيب خاطر. على كل حال، لقد فاز اليهود بهذا اللقب الحصري بالرغم من اتفاق عدد كبير من المؤرخين ومن بينهم مؤرخين يهود (شلومو زاند على سبيل المثال) على أن معظم اليهود في هذه الايام لا يمتون بأية صلة للجنس السامي. ولكن يبدو أن الواقع في مثل هذه الامور لا اهمية له. وأن اهمية الاساطير تفوق بما لا يقاس أهمية الواقع. تعرض اليهود على مر العصور ، وهنا بدون الخوض في تعريف اليهود الامر الذي عجز عنه ذوو الشأن انفسهم، لموجات من التمييز والعنصرية والكراهية والعدائية. طبعا لا يمكن فصل هذه الموجات عن سياقها التاريخي والجغرافي والحضاري. لم تكن هذه الظاهرة في يوم من الايام فريدة من نوعها فقد تعرض لها العديد من المجموعات البشرية بسبب انتماءاتها الاثنية او لون بشرتها أو مستوى تطورها الافتصادي، الاجتماعي والسياسي. ان دل ذلك على شيء فإنه يدل على ان الجنس البشري لم يحقق جوهره الانساني بعد، أي أن الانسان ما زال بعيدا عن أن يكون ابن جنسه. من هنا يجب مقاومة كافة انواع التمييز العنصري هذا اذا اردنا أن نكون انسانيين. من هذا المنطلق يجب رفض اللاسامية ومحاربتها كأيدولوجية عنصرية تؤسس عليها سياسات وممارسات عنصرية.
في نهاية القرن التاسع عشر، قامت حركة سياسية اطلقت على نفسها الحركة الصهيونية تهدف حسب ادعاءاتها الى تحرير "الشعب اليهودي" من براثن اللاسامية واستقلاله في دولة مستقلة خاصة به. ولكن سرعان ما وجدت هذه الحركة نفسها في ورطة مع نفسها اولا ومع محيطها ثانيا. اذ لم تجد امامها شعبا يهوديا بل وجدت طوائف يهودية تنتمي بشكل او بآخر للشعوب التي تعيش بين ظهرانيها. غير أن السياق التاريخي على ضوء نمو وترعرع الحركات القومية في اوروبا اوجد مناخا ملائما لنمو وترعرع الحركة الصهيونية ايضا، خصوصا وان اهداف الحركة الصهيونية قد تلاقت مع اهداف الدول الاستعمارية الرئيسية التي ساعدتها في تحقيق اهدافها.
منذ البداية، لم تدخل الحركة الصهيونية في صراع مع اللاسامية، بل على العكس تماما فسرعان ما ظهر الانسجام واضحا بين كلا الحركتين حتى اصبحتا بمثابة وجهين لعملة واحدة. فاللاسامية تقول بأن اليهود لا ينتمون للشعوب الاوروبية حيث يعيشون وبالتالي عليهم أن يرحلوا. وتقول الصهيونية الشيء نفسه ربما بكلمات اخرى: انتم على حق، اليهود لا ينتمون لهذه الشعوب لانهم يشكلون شعبا مختارا وعليهم أن يرحلوا لاقامة دولتهم الخاصة. فإذا كانت اللاسامية عنصرية في ايدولوجيتها وممارساتها فإن الصهيونية هي ايضا بالضرورة عنصرية في اديولوجيتها وفي ممارساتها. لم يترك الرعيل الاول من زعماء الحركة الصهيونية دولة او زعيم اوروبي مهما كانت لاساميته الا وطلبوا مساعدته لتحقيق اهدافهم. وهذا ما لا ينكره احد من الصهاينة بعد قرن وربع من قيام الحركة الصهيونية، حيث قام هرتسل شخصيا باتصالات مباشرة مع القيصر الالماني والروسي والسلطان العثماني طالبا دعمهم لاقامة الدولة اليهودية، اذن، لماذا اقامت دولة اسرائيل، وهي الحركة الصهيونية في اعلى مراحل تطورها، الدنيا ولم تقعدها عندما صرح كين ليفنغستون، عمدة لندن السابق واحد قيادات حزب العمال البريطاني عندما صرح بأن هتلر بعد وصوله للسلطة في المانيا قد دعم الصهيونية في مطلبها لترحيل يهود المانيا والدول المجاورة لها للدولة اليهودية المقترحة؟ اذا كان ليفنغستون لاساميا وتصريحاته لاسامية فإن هرتسل نفسه قد سبقه باللاسامية عندما طلب من القيصر الروسي ترحيل اليهود ومن السلطان العثماني استقبالهم.
تقول الدعاية الاسرائيلية أن كل عداء للصهيونية وكل نقد للسياسة الاسرائيلية هو لاسامية. فاللاساميون الجدد يختبئون وراء شعارات معاداة الصهيونية. بينما في الواقع هي التي تختبئ وراء اليهودية كديانة فتخلط الاوراق وتطمس الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، كمجموعة معتقدات. ما زالت هناك اوسساط واسعة من اليهود في شتى ارجاء العالم ترفض الصهيونية كنظرية وممارسة جملة وتفصيلا فهل هؤبلء ايضا لاساميون؟ لست من انصار حزب العمال البريطاني فهو حسب رأيي حزب رأسمالي امبريالي لا يمت للطبقة العاملة الا بالاسم. ولكن الحملة الاسرائيلية الاخيرة على هذا الحزب وكأنه يقود اللاسامية الاوروبية هي حملة غريبة ومشبوهة. عندما تقول ناز شاه، عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال البريطاني ان افضل حل للنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني هو نقل اسرائيل إلى امريكا، فهذا القول قمة اللاسامية أما عندما يقبل مؤسس الحركة الصهيونية اقامة دولة اليهود في اوغندا فهذا موضوع عادي يمكن مناقشته حسب نجاعة تنفيذه. ليطرح اقتراح ناز شاه بشكل جدي على الاسرائيليين وليقرروا بانفسهم اذا كان هذا الاقتراح لاسامي ام لا، ولن تستغربوا المفاجآت في النتائج. اما زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين فهو متهم باللاسامية لانه صرح، لا ادري متى، بانه صديق لحماس ولحزب الله.
انا شخصيا ضد الحركة الصهيونية كحركة سياسية وضد اليهودية كمجموعة معتقدات. ولكن الفرق شاسع في الموقف من الحركات السياسية ومن المعتقدات (الاديان). فبينما الاول يخضع لقانون الصراع السياسي يخضع الثاني لمبدأ حرية المعتقدات. المشاكل تبدأ في اصرار بعض الحركات السياسية على خلط وزج المعتقدات بالصراع السياسي، وهذا ما تفعله الصهيونية حتى الآن بنجاح ملموس. وهذا أيضا ما تحاول فعله حركات الاسلام السياسي الراهنة. حرية المعتقدات الدينية مثلها مثل حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي، يجب الدفاع عنها حتى في حالة اختلافك معها او رفضك لها. حرية المعتقدات لا تنفي الصراع فيما بينها، كل ما هنالك، ينبغي ان يبقى هذا الصراع في اطار فكري عقائدي. فاذا تحول إلى صراع سياسي ستكون نتائجه وخيمة على كافة الاطراف المتصارعة.
الصراع الفلسطيني – الصهيوني هو صراع سياسي من حيث الجوهر حتى يتم حله بما ينسجم مع التطور التاريخي. ولكن في الوقت نفسه يجب الحذر من تلك الحركات التي تلتقي مع الصهيونية سياسيا من جهة وتعمل على تحويل الصراع إلى صراع ديني من جهة اخرى.