Wednesday, May 04, 2016

الصهيونية بين السامية واللاسامية



الصهيونية بين السامية واللاسامية
علي زبيدات – سخنين
لنفترض جدلا أن العرب لا يمتون للسامية بأية صلة، وأن اللاسامية هو مصطلح لا يعنيهم من قريب أو من بعيد، فهو ليس سوى مصطلح ولد في اوروبا ويتعلق حصرا باليهود. للعرب والمسلمين يوجد مصطلح اوروبي آخر هو الاسلامفوبيا. بالنسبة لي شخصيا هذا الافتراض ليس جدليا فحسب، لطالما تساءلت هل سأكون لا أنا لو كنت ساميا أو حاميا أو آريا أو أي عنصر آخر؟ وبما أن الجواب كان دائما بالنفي تنازلت عن كل حقوقي بالسامية عن طيب خاطر. على كل حال، لقد فاز اليهود بهذا اللقب الحصري بالرغم من اتفاق عدد كبير من المؤرخين ومن بينهم مؤرخين يهود (شلومو زاند على سبيل المثال) على أن معظم اليهود في هذه الايام لا يمتون بأية صلة للجنس السامي. ولكن يبدو أن الواقع في مثل هذه الامور لا اهمية له. وأن اهمية الاساطير تفوق بما لا يقاس أهمية الواقع. تعرض اليهود على مر العصور ، وهنا بدون الخوض في تعريف اليهود الامر الذي عجز عنه ذوو الشأن انفسهم، لموجات من التمييز والعنصرية والكراهية والعدائية. طبعا لا يمكن فصل هذه الموجات عن سياقها التاريخي والجغرافي والحضاري. لم تكن هذه الظاهرة في يوم من الايام فريدة من نوعها فقد تعرض لها العديد من المجموعات البشرية بسبب انتماءاتها الاثنية او لون بشرتها أو مستوى تطورها الافتصادي، الاجتماعي والسياسي. ان دل ذلك على شيء فإنه يدل على ان الجنس البشري لم يحقق جوهره الانساني بعد، أي أن الانسان ما زال بعيدا عن أن يكون ابن جنسه. من هنا يجب مقاومة كافة انواع التمييز العنصري هذا اذا اردنا أن نكون انسانيين. من هذا المنطلق يجب رفض اللاسامية ومحاربتها كأيدولوجية عنصرية تؤسس عليها سياسات وممارسات عنصرية.
في نهاية القرن التاسع عشر، قامت حركة سياسية اطلقت على نفسها الحركة الصهيونية تهدف حسب ادعاءاتها الى تحرير "الشعب اليهودي" من براثن اللاسامية واستقلاله في دولة مستقلة خاصة به. ولكن سرعان ما وجدت هذه الحركة نفسها في ورطة مع نفسها اولا ومع محيطها ثانيا. اذ لم تجد امامها شعبا يهوديا بل وجدت طوائف يهودية تنتمي بشكل او بآخر للشعوب التي تعيش بين ظهرانيها. غير أن السياق التاريخي على ضوء نمو وترعرع الحركات القومية في اوروبا اوجد مناخا ملائما لنمو وترعرع الحركة الصهيونية ايضا، خصوصا وان اهداف الحركة الصهيونية قد تلاقت مع اهداف الدول الاستعمارية الرئيسية التي ساعدتها في تحقيق اهدافها.
منذ البداية، لم تدخل الحركة الصهيونية في صراع مع اللاسامية، بل على العكس تماما فسرعان ما ظهر الانسجام واضحا بين كلا الحركتين حتى اصبحتا بمثابة وجهين لعملة واحدة. فاللاسامية تقول بأن اليهود لا ينتمون للشعوب الاوروبية حيث يعيشون وبالتالي عليهم أن يرحلوا. وتقول الصهيونية الشيء نفسه ربما بكلمات اخرى: انتم على حق، اليهود لا ينتمون لهذه الشعوب لانهم يشكلون شعبا مختارا وعليهم أن يرحلوا لاقامة دولتهم الخاصة. فإذا كانت اللاسامية عنصرية في ايدولوجيتها وممارساتها فإن الصهيونية هي ايضا بالضرورة عنصرية في اديولوجيتها وفي ممارساتها. لم يترك الرعيل الاول من زعماء الحركة الصهيونية دولة او زعيم اوروبي مهما كانت لاساميته الا وطلبوا مساعدته لتحقيق اهدافهم. وهذا ما لا ينكره احد من الصهاينة بعد قرن وربع من قيام الحركة الصهيونية، حيث قام هرتسل شخصيا باتصالات مباشرة مع القيصر الالماني والروسي والسلطان العثماني طالبا دعمهم لاقامة الدولة اليهودية، اذن، لماذا اقامت دولة اسرائيل، وهي الحركة الصهيونية في اعلى مراحل تطورها، الدنيا ولم تقعدها عندما صرح كين ليفنغستون، عمدة لندن السابق واحد قيادات حزب العمال البريطاني عندما صرح بأن هتلر بعد وصوله للسلطة في المانيا قد دعم الصهيونية في مطلبها لترحيل يهود المانيا والدول المجاورة لها للدولة اليهودية المقترحة؟ اذا كان ليفنغستون لاساميا وتصريحاته لاسامية فإن هرتسل نفسه قد سبقه باللاسامية عندما طلب من القيصر الروسي ترحيل اليهود ومن السلطان العثماني استقبالهم.
تقول الدعاية الاسرائيلية أن كل عداء للصهيونية وكل نقد للسياسة الاسرائيلية هو لاسامية. فاللاساميون الجدد يختبئون وراء شعارات معاداة الصهيونية. بينما في الواقع هي التي تختبئ وراء اليهودية كديانة فتخلط الاوراق وتطمس الفوارق بين الصهيونية كحركة سياسية واليهودية كدين، كمجموعة معتقدات. ما زالت هناك اوسساط واسعة من اليهود في شتى ارجاء العالم ترفض الصهيونية كنظرية وممارسة جملة وتفصيلا فهل هؤبلء ايضا لاساميون؟ لست من انصار حزب العمال البريطاني فهو حسب رأيي حزب رأسمالي امبريالي لا يمت للطبقة العاملة الا بالاسم. ولكن الحملة الاسرائيلية الاخيرة على هذا الحزب وكأنه يقود اللاسامية الاوروبية هي حملة غريبة ومشبوهة. عندما تقول ناز شاه، عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال البريطاني ان افضل حل للنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني هو نقل اسرائيل إلى امريكا، فهذا القول قمة اللاسامية أما عندما يقبل مؤسس الحركة الصهيونية اقامة دولة اليهود في اوغندا فهذا موضوع عادي يمكن مناقشته حسب نجاعة تنفيذه. ليطرح اقتراح ناز شاه بشكل جدي على الاسرائيليين وليقرروا بانفسهم اذا كان هذا الاقتراح لاسامي ام لا، ولن تستغربوا المفاجآت في النتائج. اما زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين فهو متهم باللاسامية لانه صرح، لا ادري متى، بانه صديق لحماس ولحزب الله.
انا شخصيا ضد الحركة الصهيونية كحركة سياسية وضد اليهودية كمجموعة معتقدات. ولكن الفرق شاسع في الموقف من الحركات السياسية ومن المعتقدات (الاديان). فبينما الاول يخضع لقانون الصراع السياسي يخضع الثاني لمبدأ حرية المعتقدات. المشاكل تبدأ في اصرار بعض الحركات السياسية على خلط وزج المعتقدات بالصراع السياسي، وهذا ما تفعله الصهيونية حتى الآن بنجاح ملموس. وهذا أيضا ما تحاول فعله حركات الاسلام السياسي الراهنة. حرية المعتقدات الدينية مثلها مثل حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي، يجب الدفاع عنها حتى في حالة اختلافك معها او رفضك لها. حرية المعتقدات لا تنفي الصراع فيما بينها، كل ما هنالك، ينبغي ان يبقى هذا الصراع في اطار فكري عقائدي. فاذا تحول إلى صراع سياسي ستكون نتائجه وخيمة على كافة الاطراف المتصارعة.
الصراع الفلسطيني – الصهيوني هو صراع سياسي من حيث الجوهر حتى يتم حله بما ينسجم مع التطور التاريخي. ولكن في الوقت نفسه يجب الحذر من تلك الحركات التي تلتقي مع الصهيونية سياسيا من جهة وتعمل على تحويل الصراع إلى صراع ديني من جهة اخرى.


1 comment:

Anonymous said...

اوافق من الناحية النظرية على ضرورة ابعاد الدين عن السياسة ولكن الا تعتقد ان الدين في القضية الفلسطينية هو ورقة في يد الفلسطينيين في مواجهة اسرائيل مثلا قضية المسجد الاقصى تثير تضامن مئات الملايين في العالم الاسلامي مع القضية الفلسطينية وهذا امر مهم جدا