Thursday, May 12, 2016

هل تعلمنا شيئا من النكبة؟



هل تعلمنا شيئا من النكبة؟
علي زبيدات – سخنين

كلما افتربت ذكرى النكبة كلما راودني ولاحقني سؤال افتراضي لا استطيع الهروب من وجهه: لنفرض جدلا أن النكبة لم تحدث في عام ١٩٤٨ بل تحدث في هذه الايام أمام اعيننا، هل يا ترى ستكون النتيجة مختلفة؟ هل نستطيع أن نمنع النكبة، الامر الذي اخفقنا في منعه في تلك الايام؟ حسب رأيي، لا يحتاج الجواب إلى الكثير من التمعن والتفكير: إننا نعيش اليوم نكبة اشد واعتى من نكبة ١٩٤٨. وهذا ليس تشاؤما وفي الوقت نفسه ليس مجرد تحليل للواقع انه محاولة لوصف ما نراه ونسمعه ونحسه في كل يوم بل في كل ساعة ولحظة. النكبة الاولى اودت ب ٧٨٪ من فلسطين أما النكبة الحالية فلم تكتف باجتياح كامل التراب الفلسطيني بل وجرفت العالم العربي باسره ايضا. كنا نعيش نكبة فلسطين أما اليوم فإننا نعيش نكبة العرب اجمعين.
ماهي الدروس التي تعلمناها من النكبة الاولى؟ هل تعلمنا من أخطائنا؟ هل اعترفنا اصلا بأننا ارتكبنا الاخطاء؟ واذا كانت هناك أخطاء واعتراف باقترافها هل استوعبناها حقا وعملنا على تصحيحها؟ وبما انه سؤال يجر سؤال، اتابع: هل عرفنا نقاط ضعفنا ونقاط قوتنا؟ هل عملنا شيء للتخلص من نقاط ضعفنا وبالمقابل عملنا على تعزيز نقاط قوتنا؟ هل عرفنا نقاط ضعف عدونا ونقاط قوته واستوعبناها لتغيير موازين القوى المختلة بيننا؟ قلنا في الماضي أن احد الاسباب الرئيسية لنكبتنا كان التآمر الاستعماري – الصهيوني لسلب وطننا وتشريد شعبنا. وماذا نفعل اليوم؟ اننا نرتمي في احضان الامبريالية والصهيونية لا بل نداس تحت اقدامها. وقلنا ان زعامتنا رجعية ومتخلفة تلهث وراء السلطة والمال ، وماذا عن زعامتنا اليوم، يخزي العين عنها؟ وقلنا أن الدول العربية قد خذلتنا بل وتآمرت علينا، وماذا يحدث اليوم؟ ليتها اكتفت بالخذلان والتآمر، انها اليوم تصفي بعضها البعض. قلنا: لقد كنا مجتمعا اقطاعيا متخلفا، واليوم ما زلنا مجتمع اقطاعي ولكن بدون اقطاع بعد ضياع الارض. ما زالت العقلية الاقطاعية بل العبودية معششة في عقولنا، وما زالت العائلية والطائفية تنخر في مجتمعاتنا حتى النخاع.
الحركة الصهيونية تعلمت شيئا من النكبة التي حلت بيهود اوروبا اثناء الحكم النازي، تعلمت انها يجب أن تقيم دولة عصرية وجيش قوي. ليس فقط انها حققت ذلك في فترة قياسية بل على شكل بلغ أعلى درجات الوحشية ايضا وذلك بحجة عدم السماح بتكرار ما حدث. وبالمقابل، ماذا فعلنا نحن؟ قلنا بأعلى صوتنا ان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالفوة، ورددنا بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين ولكن، وبفترة قياسية كذلك تخلينا عن كل هذه الاوهام واعلناها بانه لا طريق سوى طريق المفاوضات والمزيد من المفاوضات، مفاوضات الان ومفاوضات الى الابد.
باختصار، لم نتعلم شيئا من النكبة، حتى ما كنا نعرفه قبل النكبة قد نسيناه أو القيناه في سله المهملات ووقفنا نبحلق في بعض كالمعهتوين على هامش التاريخ. في ذكرى الحالية للنكبة كما في كل ذكرى سوف نسمع خطابات نارية تحرق الاخضر واليابس، سوف نتناول كمية من المخدرات اللفظية تكفينا لكي نتخدر حتى ذكرى السنة القادمة.
كلنا نعترف ونردد بمناسبة وبغير مناسبة بأن النكبة مستمرة منذ عام ١٩٤٨ وهي لم تتوقف حتى هذا اليوم، وهذا صحيح. ولكننا نسينا أن نقول بأن النكبة مستمرة ليس فقط لأن دولة اسرائيل مستمرة في سياسة التطهير العرقي التي اتبعتها منذ اليوم الاول لقيامها، بل أيضا بسبب اصرارنا على التشبث بالفكر والعقلية والممارسات التي انتجت النكبة الاولى.
لم تنتقل اوروبا من القرون الوسطى إلى العصر الحديث بسبب الثورات السياسية التي اجتاحتها من الثورة الفرنسية وحتى الثورة الروسية مرورا بباقي الثورات، بل بسبب الثورات الفكرية والاقتصادية التي سبقتها. الثورات السياسية لم تكن سوى تحصيل حاصل. مأساتنا اننا نريد أن نغير العالم بما فيه عالمنا بافكار أكل الدهر عليها وشرب وبأدوات كان يستعملها الانسان في العصر الحجري. اذا كان هناك ثمة بصيص من النور في نهاية النفق الدامس فانه لن يصدر الا عن زند فكر تحرر من وهم المعرفة وانطلق إلى المعرفة ذاتها. فكر يلقي بالاشياء المسلم بها من وراء ظهره ويضع كل شيء امام المحك، فكر يبدع ويخلق ويصنع ولا يستكين إلى روتين العادة. عندها فقط نستطيع ان نتحدى النكبة ونزيل آثارها.

1 comment:

Anonymous said...

للاسف انا متشائم الامور ترجع الى الوراء بدل ان تتقدم. يبدو لي ان الطريقة الوحيدة التي يمكن ان تحفزنا على التغيير هي في حدوث انفجار داخلي في اسرائيل مثل حرب اهلية او حدث خارجي يغير في قواعد اللعبة و يقلب موازين القوى. اذا لم يحدث ذلك قريبا فنحن ماضون نحو الفناء كشعب للاسف