Monday, August 03, 2020

التجار من النوع الثالث

التجار من النوع الثالث
نعم، كفى متاجرة بالقضية السورية والفلسطينية
تنويه: هذا المقال ليس مجرد رد على مقالة رجا اغبارية.
هناك مثل شامي شعبي معروف، وعندما اقول شامي اقصد أيضا أنه فلسطيني، يقول المثل: هناك ثلاثة أنواع من التجار: تاجر وتويجر وأخرى التجار. بالرغم من تحفظي الفكري والسياسي على الدور التي تقوم به طبقة التجار في المجتمعات الطبقية ولكن من أنا لكي أعارض حكمة الشعب المستمدة من تجاربه الحياتية اليومية على مدى قرون والتي ميزت بين هذه الأنواع الثلاثة؟ فالتاجر الحقيقي المحترم قد يلعب دورا ايجابيا في تطور، رخاء وازدهار مجتمعه وفي كثير من الأحيان يضحي بماله وحياته من أجل غيره لأنه يعلم أن مصلحته الخاصة كتاجر وعلى المدى البعيد مرتبطة عضويا بمصالح أبناء شعبه. للاسف، هذا النوع من التجار أصبح نادرا وفي طريقه للانقراض خصوصا في عالمنا العربي. وهناك التويجر المتذبذب الذي ينظر تارة إلى أعلى وتارة إلى أسفل. امكانياته محدودة، فإذا كانت الجماهير في حالة من الرخاء والاستقرار النسبيين نراه يرتقي ولكن عندما تبدأ الازمات تعصف بالمجتمع نراه يتجه نحو الحضيض. التويجرون في الظروف التي تسود عالمنا العربي هم أيضا في حالة اضمحلال مستمر. النوع الثالث، اسمحوا لي هذه المرة ألا أذكر اسمه كاملا خوفا من أن يخدش حياء ذوي الحساسية المفرطة واصحاب الذوق الرفيع من الناشطين المثقفين الذين يطلقون على أنفسهم "مثقفين عضويين" ولنكتف هنا بتسميته "تجار النوع الثالث". يعيش هذا النوع حالة نمو وازدهار ويتمدد بسرعة تفوق انتشار فيروس الكورونا. لذلك اعذروني إذا اقتصرت الحديث في هذا المقال المقتضب على هذا النوع.
إسم هذا النوع من التجار كما لا يخفى على أحد يوحي بأن حاسة الشم لديه هي الحاسة القوية وهذا أمر طبيعي نظرا لالتصاقه بمؤخرة الجهة التي توفر له بيتا دافئا. وقد طور تجار هذا النوع طرقا عديدة تساعدهم تحمل الروائح الكريهة المنبعثة من المصدر الواقع فوق أنوفهم مباشرة. منهم من أدمن على الرائحة ولم يعد يشعر بها بل يظنها عطرا ويستمتع باستنشاقها، ومنهم من يتحملها طمعا بالحصول على بعض الدولارات لقاء عمله في التلميع والتنظيف والتطبيل ومنهم من يتقبلها خوفا من قمع وإرهاب الاجهزة الامنية وآخرون لهم مآرب أخرى لا تعد ولا تحصى.
يقول الرفيق رجا اغبارية في مستهل مقالته: "أنا مع سوريا الشعب والجيش والنظام". لا أدري كيف ضبطت معه وضع هذه العناصر المتناقضة في سلة واحدة. لم استغرب أن يضع الشعب في البداية، فهذا أمر متداول عند كل السياسيين القدماء والحاليين، التقدميين والرجعيين. هل مر بكم سياسي واحد لا يضع الشعب في المرتبة الأولى؟ مع أن هذا الشعب لم يذكر في المقال سوى مرة وبشكل عابر. وهنا أسأل الرفيق رجا: هل نصف الشعب السوري (على الأقل) من نازحين ولاجئين وقابعين في السجون هم جزء من الشعب السوري أم هم مجرد إرهابيين وبيئة حاضنة للإرهاب؟ فإذا اعترفت بأنهم جزء من الشعب السوري فهل النظام الذي تدافع عنه يتحمل مسؤولية (ولو جزئية) عن احوالهم وعن مصيرهم؟ ألا زلت تستشهد بالفكر الماركسي "الثوري" الذي يشدد على طبيعة التناقضات بين الشعب والنظام في المجتمع الطبقي؟
أما بالنسبة للجيش، الثاني في الترتيب، فله عادة طابع مزدوج فهو من جهة هم كأفراد ابناء الجماهير الكادحة تم تجنيدهم بالأساس عن طريق الإكراه ومن جهة أخرى هو مؤسسة عنيفة في يد النظام. وعندما يختل التوازن بين الشعب والنظام على الجيش أن يقرر إما العودة إلى احضان الشعب حيث ينتمي وإما ينحاز للنظام الذي يموله ويستخدمه. في سوريا لم يعد هناك أصلا جيش بالمفهوم المالوف للكلمة. هناك فيالق متخاصمة لها ولاءات اقليمية ودولية، هناك ميليشيات وعصابات لا تعرف ولا تعترف بمصطلح "حماة الديار" بعد أنا استبدلته بمصطلح "جيش التعفيش".
يتابع رجا اغبارية: " النظام هو الوحيد في المنطقة الذي يحارب الاستعمار العالمي المتعولم، ويشكل قاعدة أساسية لمقاومة الاستعمار الصهيوني في فلسطين تاريخيا وحاضرا". يا ساتر تستر. لقد ذكرتني بالعماد مصطفى طلاس (ابو النياشين) الذي لم يترك سنتمترا واحدا من بدلته العسكرية إلا وغطاه بالنياشين. هذا من غير أن يخوض ولو حربا واحدة. أين الحروب التي شنها النظام ضد الاستعمار العالمي المتعولم؟؟!! لماذا لم نسمع دوي المدافع وأزيز الرصاص؟أما بالنسبة لمقاومة الاستعمار الصهيوني فلا ضير أن تسأل أصدقائك في الجولان السوري المحتل عن المقاومة التي قدمها النظام.
ولكن اشد ما يثير الغرابة هو نقد الموقف الروسي:  "رغم أن وضع تحرير سوريا يسير على وقع خطوات الدبّ الروسي البطيئة ومتعدّدة المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة، إلاّ أن دورها كان حاسمًا في صمود سوريا، وإنني من جمهور المناصرين غير المكتفين من الدور الروسي الذي نلمس أحيانًا أنه غير معنيّ بحسم كل معارك سوريا من أجل تحريرها من المحتلين"...الرفيق رجا يريد من الدب الروسي أن يسرع خطواته وألا يكتفي بدوس وتدنيس حميميم واللاذقية وطرطوس بل سوريا بكاملها. هذه هي المرة الاولى التي أسمع فيها أن قيادي وطني يدعو الى استعمار بلاده بحجة تحريرها. ما الفرق بين الذين جاؤوا للسلطة على الدبابة الامريكية والذي يتمسك بالسلطة بفضل الطائرة الروسية؟ وأخيرا ماذا تعني ب"المصالح والعلاقات المتناقضة في المنطقة"؟؟ لماذا لا تبقها وتقولها بجرأة: العلاقات المميزة بين روسيا واسرائيل وحرص الاولى على أمن وسلامة الثانية؟
التجار من النوع الثالث لا يهمهم بأية مؤخرة يلتصقون. فمنهم من يلتصق بمؤخرة اردوغان لكي يدغدغ مشاعره برائحة الخلافة المزيفة ومنهم من يلتصق بمؤخرة ملوك وأمراء البترول من الخليج حيث تبدد دولارات النفط الروائح الكريهة ومنهم من يفضل الالتصاق بمؤخرة أمريكا واسرائيل مباشرة إما طلبا للسلطة وإما حفاظا على السلطة.
نعم، سوريا العروبة وقلب العروبة النابض سوف تنتصر وفلسطين سوف تنتصر وتتحرر ولكن بعد التخلص من خرى التجار.