Thursday, July 13, 2017

عندما يتحول الكابوس إلى حياة

عندما يتحول الكابوس إلى حياة
علي زبيدات - سخنين

قد يظن البعض اني تلخبطت بترتيب الكلمات واقصد: عندما تتحول الحياة إلى كابوس. وهذه عبارة متداولة ومفهومة للجميع على ضوء ما يجري في بلداننا العربية من قتل مجاني ودمار شامل وسقوط القيم والمبادئ وهيمنة الظلم والاستبداد والتخلف. ولكن لا فقد اخترت هذا الترتيب عن قصد، لأشير إلى إرهاصات حالة أشد وطأة بما لا يقاس مما هو متعارف عليه: عندما يصبح الكابوس هو الحياة ذاتها. في هذه الحالة يصبح الكابوس ابديا لا صحوة منه لأنه يصبح هو حياتنا اليومية، نستيقظ معه، نتناول فطورنا معه، نقضي ساعات نهارنا معه، نتناول عشاءنا معه، نسهر معه وناخذه معنا إلى فراشنا. فالكابوس أصبح حياتنا بكل ما تعنيه كلمة حياة من معنى. في الماضي غير البعيد عشنا تجربة"الحياة تتحول إلى كابوس" وكان شعار تلك المرحلة الذي طالما رددناه متفائلين: إشتدي أزمة تنفرجي. وكنا نظن أن اشتداد أزمتنا وصل إلى أبعد الحدود وقد احترقت كل المسافات حتى لم يعد هناك أي حيز على الأرض أو فضاء في السماء لتشتد أكثر. وآمنا بكل جوارحنا أنه جاء دور الفرج. ولكن كم كنا مخطئين. اتضح أن حيز وفضاء الأزمة مطلق بينما استيعابنا لها وتمنياتنا بالفرج كانت نسبية. ما حدث أن المطلق سحق النسبي من غير رحمة. كلما اشتدت الأزمة كلما ابتعد الفرج حتى تلاشى واندثر.
لم نكن دائما نعيش في هذه الحالة العبثية. هذا لا يعني أنه لم يكن لدينا أزمات عويصة ومستعصية بالعكس فقد كانت لا تعد ولا تحصى، فعلى الصعيد الفلسطيني تعرضنا لنكبة ندر مثيلها في التاريخ المعاصر من دمار وتشريد واحتلال، ولكننا لم نفقد الحلم بالتحرير والعودة والحرية والكرامة، وعلى الصعيد العربي عانينا من هيمنة الاستعمار ومن ثم من سيطرة أنظمة استبدادية متخلفة، ولكن إلى جانب ذلك كان الحلم بالاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية واللحاق بركب الحضارة طاغيا وقويا. مع تطور الأحداث أخذ الحلم يتحول إلى كابوس بدل أن يتحقق ويتحول إلى واقع. العودة اصبحت تهجير ثاني وثالث ورابع. مع كل هزيمة عربية كان هناك تهجير جديد، ومع كل أزمة عربية جاء تهجير جديد: هكذا حصل في الأردن في عام 1970 وفي لبنان عام 1982 وفي الكويت عام 1990 وفي العراق بعد عام 2003 وفي سوريا في هذه الأيام ولا أحد يعرف ماذا يخبئ لنا الغد. حلم العودة تحول إلى كابوس العودة. وهذا الكابوس أصبح هو الحياة اليومية للاجئين. أما المصطلحات الأخرى مثل التحرير والحرية والحياة الكريمة فقد مسخت بشكل لا يمكن تصوره واصبح الانسان العادي يخجل من ذكرها في ظل اتفاقيات "السلام" والتنسيق الأمني والمفاوضات التي يعجز اللسان عن تعريفها وتصنيفها واستشراس الخصومة بين الفرقاء على سلطة وهمية وعلى بعض الفتات المتساقط عن موائد الاعداء. لم يكن وضع العالم العربي أفضل من الوضع الفلسطيني بل في بعض الحالات كان أسوأ بما لا يقاس. فالشعوب التي كانت تحلم بالحرية والاستقلال قمعت بوحشية من قبل تحالف دولي - إقليمي - محلي. وها هي قوى التخلف والاستبداد تحتفل بانتصاراتها على جثث وجماجم الشعوب.
هذا الوصف، حسب رأيي، لا علاقة له بالتفاؤل والتشاؤم، بالامل واليأس، بالصمود والاستسلام، بل هو وصف جاف وربما كان ناقصا للواقع، للحياة كما نعيشها يوميا ومن لا يشعر بذلك إما لأنه ينعم بجلد أقسى من جلود التماسيح أو أنه يعيش حالة من الإنكار المرضية. لم يعد هناك مكان لمقولة جبران خليل جبران المعروفة: " يقولون لي أذا رأيت عبدا نائما فلا تنبهه لعله يحلم بحريته، وأنا أقول لهم أذا رايت عبدا نائما نبهته وحدثته عن الحرية". أولا، لم يعد هناك حلم بل كابوس مزمن لا يقظة منه. ثانيا، حتى لوكان حلما لما نبهته، دعه يحلم ويتمتع قليلا بحلمه، فمما لا شك فيه أنه سمع الكثير من النظريات والخطابات والشعارات عن الحرية حتى سئم من السمع.

الخلاصة، نحن نعيش في ورطة، معضلة، مأزق، لا ادري ماهي الكلمة الأدق لوصف حالتنا هذه، ويبدو التحرر منها مستحيلا. ولكن الشعوب إذا ما تحدت نفسها أولا والعالم بأسره ثانية فإنها قادرة على صنع المستحيل. لقد آن الأوان للقضاء على هذا الكابوس وتخليص الحياة من جوفه.