Wednesday, October 21, 2009

حول لجنة المتابعة وقضايا خلافية أخرى

حول لجنة المتابعة وقضايا خلافية أخرى
علي زبيدات - سخنين

نشر المحامي أيمن عودة، سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على موقع الجبهة الالكتروني "دراسة" بعنوان: لجنة المتابعة العليا – لجنة منتخبة أم لجنة منتخبين؟" يتناول بها وجهة نظر الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة بصدد لجنة المتابعة من حيث أهميتها ومستقبلها وعلاقة الجماهير الفلسطينية مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية ودور الأحزاب والحركات المكونة لهذه اللجنة وأخيرا موقف الحزب من إعادة بناء هذه اللجنة من خلال انتخابها.
هذه المقالة ليست ردا على هذه"الدراسة"، هذا إذا ما اعتبرنا ما كتبه أيمن عودة دراسة أصلا. ما وجدته هناك هو سرد تاريخي تتخلله بعض الأفكار والمواقف المعروفة للحزب مع بعض الشطحات لإعادة كتابة التاريخ بحيث يكون الحزب وتاريخه ونضاله محور القضية. ليست هذه المقالة سوى ملاحظات عابرة ولكنها متمردة ترفض "الحقائق" المحسومة بشكل اعتباطي التي تنضح بها هذه الدراسة في أمور تهمنا جمعينا وتقول: للتزييف حدود يا رفيق.
طبعا كل شخص يستطيع أن يقول عن نفسه ما يريد، وكما يقول المثل: لا ضريبة على الكلام. وكذلك الأحزاب والحركات السياسية تستطيع أن تقول وتكتب عن نفسها ما تريد. تستطيع أن تدعي الانتصارات مع أنها تحمل على كاهلها هزائم لا تعد ولا تحصى. وتستطيع أن تتفاخر بالانجازات الوهمية وتصدق نفسها. وتستطيع أن ترفع الشعارات السامية وتطبق نقيضها. وبما أننا لا نحكم على الشخص من خلال كلامه عن نفسه، بل من خلال ممارساته العملية والفكرية، كذلك لا نستطيع أن نحكم على الأحزاب والحركات السياسية من خلال ما تقوله وتكتبه عن نفسها، بل من خلال ممارساتها العملية وفكرها السياسي.
بالنسبة للكلام المجتر منذ سنوات طويلة حول إعادة بناء لجنة المتابعة تبلور هناك موقفان. الأول: تمثله الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديمقراطي وأبناء البلد، هذا بالرغم من التفاوت والاختلافات في التفاصيل فيما بينها. والذي يدعو إلى انتخاب لجنة المتابعة عن طريق انتخابات حرة وعامة. والثاني: الموقف الذي تقف في محورة الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الإسرائيلي وبعض الجهات الأخرى والذي يتلخص بالحفاظ على الوضع الراهن مع بعض التحسينات في الأداء. بما أن عماد لجنة المتابعة هم أعضاء الكنيست العرب وهم أعضاء منتخبون، ورؤساء البلديات والمجالس المحلية وهم أيضا منتخبون، إذن ما ضرورة انتخابات جديدة تسيء أكثر إلى علاقتنا مع الدولة ومع الأغلبية اليهودية وخصوصا مع "القوى الديمقراطية اليهودية"؟
ويضيف أيمن عودة سببا وجيها آخرا إلى تحفظه من انتخاب لجنة المتابعة. وهو أن الانتخابات في وسطنا العربي تجري على أساس العائلية والطائفية والمصالح الفئوية الضيقة، فما الذي سيمنع نسخ هذه المضامين إلى انتخابات لجنة المتابعة؟ بالإضافة إلى ذلك فإن نصف المصوتين لا يصلون إلى صناديق الاقتراع أصلا وحوالي نصف الذين يصلون يدلي بصوته للأحزاب الصهيونية.
حسب رأيي، السؤال الرئيسي هنا والذي يتحاشى الخوض في غماره كلا المعسكرين، ليس إذا كنا نريد لجنة متابعة منتخبة أو لجنة متابعة من منتخبين. بل إذا كنا أصلا بحاجة إلى لجنة متابعة بهذا المضمون؟
ما هي ضرورة وجود لجنة تكرس تمزقنا وتشرذمنا؟ ما هي ضرورة وجود لجنة تدعي تمثيل جزء معين من الشعب الفلسطيني وتبقيه بعيدا عن باقي أجزائه؟
في بداية سنوات الستين وحتى نهاية سنوات الثمانين كنا نعتبر، بغض النظر عن انتماءاتنا التنظيمية ومشاربنا السياسية، منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. في ذلك الوقت كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومن ثم الجبهة الديمقراطية، يسبح ضد التيار. إذ كان يطمح بل يعتبر نفسه بأنه هو الذي يمثل فلسطينيي الداخل وليس منظمة التحرير.
أحيت منظمة التحرير الفلسطينية في بداية عهدها، وبالرغم من جميع سلبياتها ومساوئها، حلما بوحدة الشعب الفلسطيني رغما عن حالة اللجوء والشتات، حلما بضرورة وإمكانية التحرير. غير أن هذا الحلم قد اندثر وزال أو أصبح في أغلب الحالات كابوسا مزعجا. فالمنظمة أصبحت تنظيمات متنافرة أو متناحرة، ومفهوم التحرير تم شطبه نهائيا من قواميسها مع شطبه من الميثاق الوطني الفلسطيني في أعقاب اتفاقيات أوسلو، ولم تعد فلسطينية مع تغلغل الأنظمة العربية والقوى الامبريالية إلى شرايينها.
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى منظمة تحرير فلسطينية جديدة تعيد اللحمة إلى أجزائه الممزقة، تعيد حلم تحرير الأرض والإنسان والعودة، تكون فلسطينية قلبا وقالبا، ليست مستقلة عن الرجعية العربية والقوى الامبريالية فحسب بل معادية لهما. تكون جزءا من حركة التحرير الوطنية العالمية ليس لفظا بل عملا وممارسة. فقط في ظل وجود منظمة كهذه تستطيع الجماهير الفلسطينية التي تعيش ظروفا خاصة أن تتنظم محليا بما ينسجم مع الرؤيا الشاملة للتحرير.
الجريمة التي تقترفها لجنة المتابعة بكافة مركباتها، التي تريد إعادة بنائها عن طريق الانتخابات والتي تريد أن تحافظ على شكلها الراهن، أنها تتعامل مع جماهيرنا كأقلية، ضاربة بعرض الحائط الحقائق الدامغة التي تقول أننا جزء من أمة تعد 350 مليونا ومن شعب يقارب العشرة ملايين، فمن الأقلية هنا ومن الأغلبية؟ هل الحدود اللاشرعية التي تمزق الوطن الواحد والأمة الواحدة وسياسة التهجير والتطهير العرقي هي التي تحدد الأقلية والأغلبية؟
لست ضد تنظيم الجماهير الفلسطينية في كل مكان تتواجد فيه، بل على العكس، فإن تنظيمها ضرورة حياتية ومصيرية، ولكن بشرط أن يكون الأفق الوحدوي العابر لواقع التجزئة هو الحاسم.
لجنة المتابعة العليا في صيغتها الراهنة هي رافد آخر يلتقي مع الكنيست الصهيوني والسلطة المحلية هدفه تدجين الجماهير الفلسطينية وسلخها عن انتمائها الطبيعي. أقنعة الشعارات الرنانة لا تستطيع أن تخفي هذه الحقيقة. الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بانطلاقة ثورية جديدة تعيده إلى التاريخ البشري.

Wednesday, October 14, 2009

التطبيع الثقافي وأهدافه غير الثقافية

التطبيع الثقافي وأهدافه غير الثقافية
علي زبيدات – سخنين

تحيرنا في تسمية المجموعة السكانية التي لم تغادر منازلها وبقت متشبثة بأراضيها بعد عام النكبة وإقامة دولة إسرائيل. أوساط لا بأس بعددها تعرف نفسها بكل بساطة بعرب إسرائيل ويعلنون ولاءهم للدولة بكل مناسبة ومن غير مناسبة واندمجوا بالمشهد الإسرائيلي بقدر ما تتيح لهم القوانين العنصرية المؤسسة لهذه الدولة وواقع التمييز العنصري. ومنهم من يعرف نفسه: بالعرب الفلسطينيين سكان دولة إسرائيل أو الأقلية القومية الفلسطينية من مواطني دولة إسرائيل. أما الأحزاب والتنظيمات الأكثر راديكالية فتنعت نفسها بفلسطينيي الداخل حيث يصبح سكان جنين ونابلس وغزة ولاجئي المخيمات: "فلسطينيي الخارج". كل ذلك لكي يتحاشوا التعريف الوحيد الواقعي وهو أن كل فلسطين ترزح تحت الاحتلال وكل فئات الشعب الفلسطيني بغض النظر عن أماكن تواجدها تعاني من هذا الاحتلال. وفي النهاية فإن الفوارق في ممارسات الاحتلال هي نسبية ومشروطة ولا تغير من طبيعة وجوهر الاحتلال الاستيطاني شيئا.
إذن ما يميز هذه المجموعة السكانية من محافظيها إلى راديكاليها هو علاقتهم بالدولة. هذه العلاقة تتراوح بين القبول التام وبين التحفظ النسبي. وهذا ما نلمسه من الوثائق الصادرة عن مؤسسات رسمية أو أكاديمية تدعي تمثيل هذه المجموعة السكانية مثل "التصور المستقبلي" الصادر عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل و"وثيقة حيفا" الصادرة عن مركز مدى الكرمل و"الدستور الديمقراطي" لمؤسسة عدالة. وهذا ما تتضمنه بشكل أو بآخر البرامج السياسية لكافة الأحزاب العربية.
النتيجة أن جميع من يدعي تمثيل هذه المجموعة السكانية يريد أن يستمتع بكلا العالمين: عالم الرفاهية الذي تؤمنه الدولة المتطورة التي تحظى بدعم وتأييد العالم وتنهمر عليها الأموال من جميع الاتجاهات. وعالم الانتماء إلى شعب منكوب يصارع من أجل بقائه.
تطبيع العلاقة بين هذه المجموعة السكانية والدولة التي تحتلهم ليس جديدا فقد بدأ قبل قيام الدولة ولم يتوقف حتى هذا اليوم. هذا التطبيع لا يقتصر على النواحي السياسية واليومية بل يتعداه إلى ما يسمى بالتطبيع الثقافي وهذا حسب رأيي أخطر أنواع التطبيع وذلك لأنه لا يحظى بالاهتمام الكافي وبالتالي لا يقاوم بالشكل المطلوب. وكذلك لأن مخاطرة بعيدة المدى تؤدي إلى تحولات جذرية في جوهر الصراع لا يمكن تلافي عواقبها الوخيمة إذا استفحلت.
في العام الماضي أو الذي سبقه أذكر أني تلقيت رسالة من صديقة عزيزة لا غبار على انتمائها الوطني الصادق تدعوني إلى مشاهدة مسرحية "هادفة" تعرض في إطار مهرجان "مسرحيد" الذي يقام سنويا في مدينة عكا،بصفتي شخص مثقف يحب المسرح. فطلبت من صديقتي أن ترسل لي ما لديها من معلومات عن المسرحية والمهرجان. فوجدت أن مدير المهرجان هو قاض متقاعد وتذكرت أنه حكم علي شخصيا بالسجن ودفع الغرامات عدة مرات وتذكرت وجوه الناس الغلابة الذين كانوا يملؤون قاعته ينتظرون أحكامه بهدم منزلهم أو إرغامهم على دفع الغرامات الناهضة. ووجدت أن ضيف الشرف في هذا لمهرجان هو الوزير العربي الأول للثقافة والرياضة وضيف الشرف الثاني هو نائب المدير العام لهذه الوزارة المسؤول عن ميزانية بعض الشواقل لنشر "الثقافة" في الوسط العربي.
اعتذرت من صديقتي شارحا لها دوافعي، فقالت: ولكن المسرحية ملتزمة وأنا اعرف المخرج شخصيا وهو إنسان وطني معروف. فقلت لها واضعا حد للنقاش: على المخرج الوطني أن يجد إطارا آخرا لعرض مسرحيته "الملتزمة".
في هذه السنة أيضا، أقيم في مدينة عكا مؤخرا مهرجانان من هذا النوع: مهرجان "مسرحيد" ومهرجان "المسرح الآخر". وجوه بعض الضيوف قد تغيرت. إذ لم يعد لدينا وزير ثقافة، حيث لبس هذه القبعة شخص آخر. بالمقابل كان المهرجانان تحت رعاية رئيس بلدية عكا الذي تعرفه الجماهير العكية جيدا بسياسته العنصرية.
أحد النشيطين في هذا المهرجان وهو مسرحي معروف وينتمي (أو هو فقط مقرب) إلى حزب وطني جدا يفتخر بأن التواجد العربي في هذا المهرجان لم يكن مسبوقا، حتى أن الجائزة الأولى حازت عليها بالمناصفة مسرحية عربية وكذلك الجائزة الثانية. طبعا يجب أن تكون الجائزة بالمناصفة لإرضاء كلا الطرفين. ويضيف هذا المسرحي "الملتزم" معترفا: " المواطن العربي كان بعيدا عن المشاهدة". ويعزو ذلك إلى عدم الاهتمام الإعلامي الكافي لوسائل الإعلام العربية مخفيا الأسباب الحقيقية التي تتلخص بشعور المشاهد العربي بالاغتراب وعدم الانتماء لا من قريب ولا من بعيد لهذا المهرجان. بالإضافة إلى القيمين والراعين الرسميين لهذا المهرجان كانت هناك مجموعة كبيرة من الفنانين المتسولين على أبواب الوزارة والانتهازيين على أشكالهم. من ضمنهم على سبيل المثال لا الحصر، عريفة المهرجان ميرا عوض وصديقتها أحينوعم نينو التي مثلت دولة إسرائيل في مهرجان الأوروفيزيون بينما دماء أطفال غزة لم تجف بعد.
المشاهد العربي لا يكون بعيدا عندما يشعر بالانتماء الحقيقي ومدينة عكا تشهد على ذلك. ومن يشك في ذلك عليه زيارة عكا في أيام الأعياد لكي يرى بأم عينه مدى محبة الجماهير العربية لهذه المدينة. فبدلا من مهرجانات التطبيع والتعايش على المخلصين من فنانينا أن يعرضوا فنهم في مثل هذه المناسبات حيث الجماهير الغفيرة.
يبرر بعض المثقفين نشاطاتهم التطبيعية على أنها الطريقة الوحيدة للحصول على بعض الميزانيات. عندما تصبح الثقافة سلعة رخيصة تباع في المزاد العلني فيجب الإلقاء بها إلى سلة المهملات لأنها تصبح قمامة وليست ثقافة.من أجل الحفاظ على هويتنا الوطنية علينا مقاومة ومقاطعة التطبيع الثقافي بكافة صوره وإشكاله.

Friday, October 09, 2009

فضيحة جولدستون: لا حدود للنذالة

فضيحة جولدستون: لا حدود للنذالة
علي زبيدات – سخنين

ما زالت أوساط فلسطينية وعربية ودولية واسعة وخصوصا المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان تأبى أن تصدق وصول نذالة السلطة الفلسطينية إلى درجة المبادرة لسحب مناقشة تقرير جولدستون في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإرجاء التصويت عليه لمدة ستة أشهر.
ولكن ما الغريب في هذا الأمر؟ وهل تصرف السلطة الفلسطينية هو مجرد نذالة أم يتجاوزها إلى درجة الخيانة؟ حسب رأيي لا تناقض بين الصفتين بل إن إحداهما تكمل الأخرى: فالنذالة المنفلتة من عقالها تقود بخطوات سريعة إلى الخيانة، والخيانة بدورها لا يصدر عنها إلا تصرفات نذيلة إلى أبعد الحدود.
نحن لا نقف هنا أمام ظاهرة فريدة من نوعها تنفرد بها السلطة الفلسطينية. تشير تجارب الشعوب التي ناضلت وما زالت تناضل من أجل حريتها واستقلالها إلى ظواهر عديدة من هذا الصنف. لنأخذ فيتنام كمثل: بينما كانت جماهير الشعب الفيتنامي، وعلى رأسها محاربي الفيتكونغ والحزب الشيوعي الفيتنامي، تخوض نضالا مريرا ضد الغزاة الأمريكان (ومن قبلهم الفرنسيين) كانت أوساط واسعة من الفيتناميين تحارب إلى جانب الجيش الأمريكي المحتل. حتى تم التحرير والاستقلال وتكنيس الطرفين معا. الظاهرة نفسها نشهدها اليوم في العراق وأفغانستان،.إلى جانب المقاومة الشعبية ضد المحتلين الأجانب نمت وترعرعت سلطات عميلة بشكل مباشر. ولماذا نذهب بعيدا، فحتى سنوات قليلة مضت قامت سلطة من هذا النوع على حدودنا الشمالية ممثلة بقوات أنطون لحد العميلة في جنوب لبنان، حتى جاءت المقاومة اللبنانية سنة 2000 وكنست المحتل والعميل معا.
السلطة الفلسطينية لا تختلف من حيث الجوهر عن هذه الشوائب التي تلتصق بمسيرة الشعوب التحررية. أوجه الشبه بين كرزاي والمالكي ولحد ومحمود عباس أكثر من أن تحصى، يراها حتى مكفوفي البصر والبصيرة. كل شخص منهم يقوم بدوره الذي رسم وأعد من أجله. ولكن، كما يبدو لا أحد منهم يتعلم من تجارب غيره.
لنعود إلى موضوع تقرير جولدستون، ونسأل: ما المفاجئ في الموقف المخزي الذي اتخذته السلطة بزعامة عباس؟ بعد مرور سنة على حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة تأكدت الأخبار التي عرفها الجميع عن تواطؤ السلطة في هذه الحرب القذرة. فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان أن محمود عباس حث إسرائيل على شن الحرب على غزة، وعندما شنتها حثها على مواصلتها حتى الإطاحة بحركة حماس. تتناول وسائل الإعلام العالمية اليوم وجود وثائق مصورة تجمع عباس مع براك وليفني تؤكد ذلك. فإذا كانت إسرائيل قد اقترفت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فإن السلطة الفلسطينية تتحمل قسم كبير من المسؤولية عن هذه الجرائم. إذن ليست الضغوط الإسرائيلية والأمريكية وحدها كانت وراء الموقف الفلسطيني الرسمي، بل المشاركة في هذه الجرائم والخوف من فضح أبعادها هي التي حسمت الموقف.
أمام هذه الفضيحة حاولت السلطة البحث عن تبريرات لتنقذ جلدها من سخط الجماهير. فادعت أولا أن الدول العربية والإسلامية هي المبادرة إلى هذه الخطوة. الأمر الذي نفاه الطرفان. مع أنه لا يمكن غض الطرف عن تواطؤ هذين الطرفين أيضا. وبعد ذلك بدأت تبحث عن أعذار أقبح من ذنوبها. فمرة تقول أن إرجاء التصويت يمنح الدول المعنية دراسة التقرير دراسة عميقة والتوصل إلى قرار بالإجماع وتارة أخرى تدعي أن مناقشة التقرير والتصويت عليه الآن سوف يعرقل "العملية السلمية".
لقد قلت من زمن بعيد، وأعود وأقولها مجددا أن سلطة أوسلو غير شرعية وهي من مخلفات اتفاقيات قد اندثرت أصلا. بناء على ذلك وباختصار شديد أضم صوتي إلى جميع الأصوات الوطنية الشريفة التي تنادي بتفكيك سلطة أوسلو وحلها نهائيا والعودة إلى طريق المقاومة والتشبث بالثوابت الوطنية. هذه السلطة غير الشرعية أحاطت نفسها بمؤسسات غير شرعية أيضا لتبرر وجودها واستمراريتها. ابتداء من مؤتمر فتح المزيف الذي عقد مؤخرا وأفرز قيادة تتماها مع الحلول التصفوية وانتهاء باللجنة التنفيذية الجديدة لمنظمة التحرير. الموقف اليوم لا يقتصر على نزع الشرعية عن هذه السلطة العميلة والعمل على حلها، بل يجب المطالبة الفورية باستقالة رئيسها ومقاضاته وطنيا هو والطغمة التي تحيط به.
لم نسمع أبدا عن حركة تحرر وطني تنسق أمنيا مع الجيش الذي يحتل أراضيها وتتعاون معه في ملاحقة المقاومين. لم نسمع أبدا عن حركة تحرر وطني يتنقل زعماءها تحت حماية مخابرات العدو. يجب على هذه المهزلة أن تتوقف.
الشعب الفلسطيني الذي قدم آلاف الشهداء خلال مسيرته الطويلة والشاقة من أجل استعادة حقوقه الطبيعية المسلوبة يستحق سلطة أفضل بما لا يقاس من هذه السلطة. لقد بلغ السيل الزبى وأصبح الصبر على هذا الوضع جريمة. على كافة الأوساط التي ما زالت الحياة تجري في أطرافها من الشعب الفلسطيني أن تتحد وتكنس هذه السلطة التي تشكل وصمة عار في التاريخ الفلسطيني المعاصر.