Thursday, November 26, 2015

قرار التقسيم ومحاولات محوه من الذاكرة



قرار التقسيم ومحاولات محوه من الذاكرة
علي زبيدات – سخنين
في مثل هذه الايام قبل ثمانية وستين عاما وبالتحديد في ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرار رقم ١٨١ المعروف بقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية. اجحاف هذا القرار في حق الفلسطينيين بفقأ العيون. حيث شكل الفلسطينيون في ذلك العام حوالي ثلثي السكان هذا بالرغم من الهجرة الصهيونية المكثقة خلال السنوات الماضية. ومع ذلك منح هذا القرار(على الورق) لسكان البلاد الاصليين ٤٢،٨٨٪ من مساحة فلسطين لاقامة دولتهم التي لم تقم ابدا. بينما نال ثلث السكان وغالبيتهم العظمى من المستوطنين الجدد ٥٥،٤٧٪ من البلاد لاقامة دولتهم التي بدأت بالتوسع حال الاعلان عنها حتى التهمت كامل الارض الفلسطينية.
رفضت الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني هذا القرار جملة وتفصيلا إذ لا يعقل أن يتخلى شعب عن اكثر من نصف وطنه لان البعض على بعد عشرات الالاف من الاميال قرر ذلك بدون أن يحمل نفسه عناء سؤال صاحب الشأن، بحجة ايجاد حل لمجموعة من الناس في ضائقة لم يكن السكان الاصليون طرفا في خلقها. لقد كان قرار التقسيم تتويجا لقرارات مجحفة سابقة بدأت بوعد بلفور ومرورا بصك الانتداب. وكان فاتحة لعملية تطهير عرقي بدأت فورا ووصلت اوجها في عام النكبة ١٩٤٨.
على كل حال، لست هنا بصدد سرد تاريخي لما حدث ذلك الوقت فالنتيجة معروفة للقاصي والداني ولو اختلفنا قليلا او كثيرا في تحليل اسبابها وظروفها. ما يهمني هنا أن قرار التقسيم حفر في الذاكرة الفلسطينية الجمعية كمناسبة مشؤومة جنبا إلي جنب مع تصريح بلفور والاعلان عن اقامة دولة اسرائيل. الاحزاب الهامشية التي وافقت على قرار التقسيم في حينه ما زالت هامشية حتى اليوم بالرغم من أن بعضها ما زال ناشطا على الساحة الفلسطينية والاسرائيلية، والتنظيمات الفلسطينية التي تبنت فيما بعد حلولا اسوأ من قرار التقسيم وبسطت سيطرتها على منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة اوسلو لم تستطع بدورها أن تمحو هذه الذكرى من الذاكرة الفلسطينية.
في الحقيقة، محاولات محو هذه الذكرى بدأت فلسطينيا منذ سنوات طويلة وبالتحديد بعد تبني منظمة التحرير الفلسطينية لما يسمى بالبرنامج المرحلي في اعقاب قرارات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة عام ١٩٧٤. اذ عقدت هذه الدورة في اجواء الحلول التصفوية التي قادها كيسنجر في مؤتمر جنيف وجذب البها معظم الزعامات العربية. وكانت الزعامة الفلسطينية تنتظر الدعوة التي لم تصل ابدا للانضمام إلى مؤتمر جنيف وذلك بسبب معارضة اسرائيل وامريكا من حيث الاساس. غير ان الاتجاه العام لسياسة منظمة التحرير الجديدة كان الابتعاد بقدر الامكان عن ارهاصات رفض قرار التقسيم لصالح ما سمي في البداية السلطة الوطنية والتي تطورت الى مفهوم الدولة الفلسطينية. المحطة التالية في هذا الاتجاه كان خطاب غصن الزيتون والبندقية الذي القاه عرفات في الامم المتحدة في نهاية السنة نفسها، وقد كان واضحا أن الرهان الاستراتيجي اصبح على غصن الزيتون وليس على البندقية.
المحاولة الجدية لمحو ذكرى قرار التقسيم جاءت في نهاية عام ١٩٧٧ عندما تبنت الجمعية العامة قرارا بجعل ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني". فاذا تخلى الشعب الفلسطيني عن رفضه المطلق لقرار التقسيم فلا ضير في ان تتم مكافأته بقرار اجوف لا يسمن ولا يغني من جوع.
ما زلت اذكر عندما أحيت الفصائل الفلسطينية في سجن الرملة المركزي ذكرى قرار التقسيم للمرة الاخيرة، حيث كانت الامم المتحدة على وشك اصدار قرارها حول يوم التضامن الدولي والذي اتخذ بالفعل بعد ذلك بأيام معدودة على ان يدخل حيز التنفيذ في عام ١٩٨٨. وبالفعل في ذلك العام رفضت حركة فتح في السجن احياء هذه الذكرى تحت اسم قرار التقسيم وبدل ذلك احتفلت به كيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بصفته انجازا عظيما. بينما تم اخماد الاصوات القليلة المعارضة.
اذن، منذ عام ١٩٨٨ والمؤسسات الرسمية الفلسطينية لا تحيي ذكرى قرار التقسيم بل تحتفل بيوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. ففي هذا اليوم تعقد الامم المتحدة جلسة خاصة في مكاتبها في نيويورك أو جنيف أو فينا تخصصها للقضية الفلسطنية مذكرة بالقرارات الصادرة عنها من قرار ٢٤٢ و٣٣٨ و١٣٩٧ و ١٥١٥ و ١٨٥٠ ولكنها تشطب قرار ١٨١ لكي لا تذكر الفلسطينيين به. بالطبع الاحتفال بهذا اليوم لا يقتصر على جلسة الامم المتحدة فهناك الاحتفالات والمهرجانات والمعارض وعرض الافلام وتوزيع المطبوعات وغيرها وغيرها.
غدا بعد أن تقرؤوا وتسمعوا وتشاهدوا الاحتفالات والخطابات والتصريحات لا تنسوا انه في هذا اليوم قبل ٦٨ عاما وافق هذا العالم المنافق الذي يدعوم للاحتفال، على سلبكم وطنكم.

Wednesday, November 18, 2015

اخراج الحركة الاسلامية الشمالية عن القانون خطوة في الاتجاه الصحيح



اخراج الحركة الاسلامية الشمالية عن القانون خطوة في الاتجاه الصحيح
علي زبيدات – سخنين

قد يستغرب البعض من هذا العنوان الاستفزازي، يرى ومن يواصل قراءة هذا المقال قد يرى فيه كالعادة مجرد مزاودة أو كلام غير مسؤول. وانا اعترف أن الاستفزاز في اختيار العنوان كان مقصودا، وكالعادة ايضا لا تهمني كثيرا اتهامات المزاودة من أي طرف كان. لقد امضيت اليومين اللذين اعقبا صدور هذا القرار من قبل الحكومة الاسرائيلية وحتى كتابة هذه السطور في قراءة كافة ردود الفعل، التعقيبات والتحليلات التي نشرتها المواقع الاخبارية العربية في هذه البلاد، وقد كتب الكثير كان معظمه تكرارا للفكرة نفسها بتغيير بعض الكلمات والاسلوب. قرأت تعليقات الاحزاب السياسية، الصديقة وغير الصديقة للحركة الاسلامية الشمالية، الموجودة داخل القائمة المشتركة والموجودة خارجها، وقرأت تعقيبات رئيس لجنة المتابعة العليا ورئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية وعدد لا بأس به من الشخصيات الاعتبارية والمثقفين. ويمكن تلخيص كل هذه المواقف في جملة واحدة لا غير: ادانة هذا القرار التعسفي والظالم وغير الديمقراطي.
وماذا توقعتم من هذه الحكومة ومن رئيسها؟ أن يكون القرار غير تعسفي؟ وأن يكون عادلا؟ وأن يكون نابعا من صلب الديمقراطية الاسرائيلية الفريدة من نوعها؟ ولقد شعرت بوجود نوع من الغيرة والحسد في تصريحات بعض زعماء الاحزاب التي تسرح وتمرح في اروقة الكنيست، إذ كيف تنفرد الحركة الاسلامية بهذا الشرف؟ فقال بعضهم: جميعنا مستهدفون، لن ندع المؤسسة الاسرائيلية تستفرد بالحركة الاسلامية وكلنا في هذه الايام حركة اسلامية. حسنا جدا، فلو كان كلامكم صادقا فاتركوا الكنيست ولو لاسبوع وانقلوا نضالكم إلى الشارع.
ليس الاجتماع السريع الذي عقدته لجنة المتابعة واتخاذ قرار الاضراب العام والمظاهرة القطرية الحاشدة بعد الاضراب بعشرة ايام سوى ذر الرماد في العيون أو في احسن الحالات سوى مخدر حتى مرور الازمة. بالتوازي مع التصريحات النارية للرد على هذا القرار تم الايعاز لبعض المثقفين المقربين بتسريب بعض الافكار المطمنة. فصرح احدهم بضرورة نقل القضية للعالم الخارجي، وكأن العالم لا يعرف ماذا يجري هنا، وكأنه ليس متواطئا مع الحكومة الاسرائيلية وطالب بترجمة مقال كتبه صحفي يهودي نشرته صحيفة هآرتس "اليسارية" للغة الانجليزية ونشره في وسائل الاعلام العالمية لانه يحتوى على كل العناصر التي تؤكد بأن قرار الحظر سياسي ولا يمت بصلة لدوافع امنية وغير ديمقراطي. وصرح آخر بضرورة اللجوء إلى المحكمة العليا الاسرائيلية التي سوف تعيد الحركة الاسلامية الشمالية إلى حضن القانون الاسرائيلي الدافىء لأن قرار الحظر لن يصمد أمام عدالة القضاء الاسرائيلي. وهكذا، بالنسبة لزعامتنا السياسية الدائرة قد اغلقت: اضراب ومظاهرة لارضاء الجمهور الغاضب، محاولة لتدويل القضية ومن ثم تملق "الديمقراطية" الاسرائيلية وخصوصا القضاء.
منذ عام ١٩٤٨ وحتى اليوم نقبع جميعنا كفلسطينيين اما تحت اقدام القانون الاسرائيلي أو خارحه حتى عندما نتوهم عكس ذلك. لقد تم تشريدنا من وطننا حسب القانون الاسرائيلي، صودرت اراضينا حسب القانون الاسرائيلي، وهدمت بيوتنا حسب القانون الاسرائيلي، نعاني من التمييز والعنصرية حسب القانون الاسرائيلي. وبالمقابل يتم رشوتنا وتسميننا أيضا حسب القانون الاسرائيلي.
لا اريد الخوض باكاذيب رئيس الحكومة الاسرائيلية بأن هذا القرار كان ضروريا لمواجهة التحريض التي تقوم به الحركة الاسلامية منذ سنين، فبالنسبة له كل من يعارض سياسته فهو محرض حتى ولو كان براك اوباما نقسه او وزيرة خارجية السويد. وان قراره هذا جاء فقط من اجل الحفاظ على امن الدولة وسلامة الجمهور والسلم الاجتماعي، حتى رئيس مخابراته الذي تحفظ على هذا القرار يعرف ذلك.
لست من اتباع الحركة الاسلامية مهما كانت جهتها،ا شمالية أم جنوبية، شرقية أو غربية. ولا أخفي انني أقف على طرف النقيض معها سياسيا وايديوجيا. ولكني هنا لست بصدد مناقشة ايديولوجيتها، خطها السياسي ،انتماءتها المحلية والاقليمية ومواقفها بالرغم من اهمية مناقشة كل هذه الامور. ما بهم هنا ان الحركة الاسلامية الشمالية تشكل جزءا ناشطا من الشعب الفلسطيني في مرحلة تحرره الوطني المتعثرة.
من هذا المنطلق، نعم، اخراج الحركة الاسلامية الشمالية على القانون الاسرائيلي هو خطوة في الاتجاه الصحيح وحبذا لو تتبعتها خطوات اخرى تخرج كافة الحركات الفلسطينية عن القانون الاسرائيلي، لقد آن الاوان لعملية فرز تاريحية، لاعادة توازن المعادلة. الوضع الطبيعي أن تكون العلاقة متبادلة. الخروج عن القانون الاسرائيلي ليس كارثة ما دمنا متمسكين بالقانون الوطني التقدمي والقانون الانساني. وانا احذر من مغبة قيام زعامة الحركة الاسلامية الشمالية، بتشجيع وضغط من الاحزاب والحركات الشقيقة، باستجداء القضاء الاسرائيلي للعودة إلى احضان الشرعية الاسرائيلية.

Thursday, November 12, 2015

هوامش على دفتر الانتفاضة



هوامش على دفتر الانتفاضة
علي زبيدات – سخنين

"انعي لكم، يا أصدقائي، اللغة القديمه
والكتب القديمه
أنعي لكم.. كلامنا المثقوب، كالأحذية القديمه.. ومفردات العهر، والهجاء، والشتيمه
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمه

اذا خسرنا الحرب لا غرابه
لأننا ندخلها.. بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابه

السر في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا أطول من قاماتنا"
(مقتطفات من هوامش على دفتر النكسة – نزار قباني)
النكسة من ورائنا زمنيا والانتفاضة من امامنا، فهل هذا يصنع فرقا؟
قبل شهر تكدست عشرات الاف في مدينة سخنين دفاعا عن الاقصى وعن القدس ولادانة وشجب جرائم جيش الاحتلال والمستوطنين والاعدامات بدم بارد. واستمعنا إلى وجبة زائدة من الخطابات التي تفلق الصخر من شدتها وتصهر الفولاذ من غليانها. وعدنا إلى بيوتنا ونحن نهتف للوحدة الوطنية وللمسيرة النضالية بقيادتنا الحكيمة.
في القدس والخليل ونابلس وجنين وغيرها استمرت الاعدامات بدم بارد واشتدت عربدة المستوطنين وزادت شراسة وسعارا، وتصاعدت التحريضات الصادرة من رئيس الحكومة الذي كاد أن يبرئ هتلر والنازية من الهلوكوست ويعلقها على عنق الشعب الفلسطيني وحتى اصغر صحفي اسرائيلي.
في المقابل صمتت المدافع الصوتية التي دوت في مظاهرة الآلاف حتى الهمس اختفى. هل يعقل، شهر كامل، لا مظاهرة، ولا رفع شعارات، ولا حتى تصريح؟ فالخطابات عند خطبائن لها مواسمهاا. يتساءل الكثيرون: ماذا كان الهدف الرئيسي من الاضراب العام ومظاهرة الآلاف في سخنين؟وأظن لم اكن الوحيد الذي اجاب على هذه التساؤلات: الهدف الرذيسي هو امتصاص الغضب الجماهيري، ضبط النفس، تهدئة الاجواء ولاسقاط الواجب. ولم تكن هذه المرة الاولى. في كل مرة تخطت فيها دولة اسرائيل كافة الخطوط الحمراء واطلقت العنان لصواريخها وطائراتها كالفيل الهائج في دكان للفخار كما حدث في غزة مرارا، تسارع مؤسساتنا القيادية إلى تنطيم مظاهرة آلاف، تسحب الخطابات النارية من جواريرها وتطلقها في كل اتجاه ومن بعدها يسود الهدوء.
صحيح، في حضارتنا العربية ومنذ القدم كانت لخطابة فنا وقد ابدعنا بها أي ابداع قبل أن نسمع بارسطو اليونانب وشيشرون الروماني. ولكن على الاقل، في ذلك الوقت وخصوصا في العصر الجاهلي وهو العصر الذهبي اذا ما قارناه بحضيض عصرنا الراهن، كانت غاية الخطابة الاقناع، حث الهمم، والتأثير على العدو قبل الصديق ولم تكن غايتها الديماغوية وخداع الجماهير وامتصاص غضبها وتحويله إلى خنوع كما هي اليوم.
نصف قرن مر تقريبا على النكسة. والثقب في كلامنا يزداد اتساعا حتى تخلينا عن احذيتنا القديمة وها نحن نسير حفاة، ومفردات العهر تزداد عهرا وفكرنا لا يقودنا الى هزيمة جديدة فحسب بل يحول الهزيمة النكراء الى نصر باهر. ولم نعد نكتفي بمنطق الطبلة والربابة الذي تحترفه زعامتنا بل تحولنا إلى شعب يرقص حول هذا المنطق.
لم يستطع نزار قباني ولا غيره أن يغير فكر وعقلية الهزيمة قيد انملة وكان نعيه سابقا لاوانه. على العكس من ذلك، فاذا كانت النكسة التي نعاها نزار قباني قد اسفرت عن ضياع ما تبقى من فلسطين بالاضافة للجولان وسيناء فقد ضاعت اليوم العراق وسوريا هذا اذا اعتبرنا مجازا أن باقي البلدان العربية لم تكن ضائعة من قبل.
يعد هذا كله فهل من الغرابة أن تنتهي الانتفاضة الاولى باتفاقيات اوسلو المجحفة؟ وتنتهي الانتفاضة الثانية بالمفاوضات العبثية؟ فكيف سوف تنتهي يا ترى الانتفاضة الثالثة؟
عادت دولة اسرائيل إلى سياستها المعهودة، سياسة حرب الاستنزاف فهي تقتل واحد هنا وواحد هناك وتهدم بيت هنا وبيت هناك وتبني مستعمرة هنا ووحدات سكن استيطانية هناك، تعتقل من تريد وتحاصر من تريد. وعندما تفلت الامور من بين ايديها أو توشك على ذلك توعز لمن تمون عليهم بتنظيم مظاهرة جبارة وبنكشف سر مأساتنا عندما يصبح صراخنا اضخم من اصواتنا وسيوفنا المثلمة اطول من قاماتنا.
لا نريد مظاهراتكم الجبارة ولا نريد سماع خطاباتكم الملتهبة. كل ما نريده منكم أن تحموا طفلا يتم اعدامه بدم لكونه "مخربا"أو"مخربة" برصاص "محارب أو" محاربة"، نريد منكم أن تمنعوا هدم بيت في النقب أو تهجير عائلة في رمية في الجليل. فإن لم تستطيعوا ذلك فاصمتوا.


Thursday, November 05, 2015

ليالي البلور الفلسطينية



ليالي البلور الفلسطينية
علي زبيدات – سخنين

في ليلة التاسع من شهر تسرين الثاني/ نوفمبر قامت قطعان من النازيين في المانيا والنمسا بالاعتداء على مواطنين يهود في الشوارع والبيوت وعلى الكنس والمحلات التجارية فكسروا الزجاج واحرقوا البيوت والمحلات وقتلوا وضربوا واهانو الناس. كل ذلك بحجة أن شاب يهودي اغتال دبلوماسي الماني في باريس. اقترفت كافة هذه الجرائم تحت بصر وسمع الشرطة ومؤسسات الدولة الاخرى التي لم تحرك ساكنا لحماية المواطنين العزل بل كانت عمليا تحمي وتشجع وفي كثير من الاحيان تشارك مشاركة فعلية في الاعتداءات. أطلق على هذه الليلة اسم ليلة البلور أو ليلة الكريستال او ليلة الزجاج المكسور.
في هذه الايام يتم احياء ذكرى هذه الليلة في اماكن عديدة من العالم حسب غايات ومصالح المنظمين لهذا الاحياء. ففي اسرائيل يتم عادة استغلال هذه الذكرى كما يتم استغلال الهولوكوست بشكل عام من أجل ابتزاز العالم ومن اجل التغطية على الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني والظهور بمظهر الضحية المسكين والمظلوم والملاحق الذي يدافع عن نفسه. أما في المانيا فيتم احياء هذه الذكرى بدافع من تأنيب الضمير أو من تحمل المسؤولية عن جرائم النازية. وهناك ايضا اشكال بديلة اخرى لاحياء هذه الذكرى مثلا كجزء من مقاومة العنصرية والفاشية.
ما يحدث في فلسطين في هذه الايام، وعمليا ما حدث في السابق ومنذ عام النكبة، ليست سوى ليال متتالية من ليالي البلور. فهناك قطعان المستوطنين الفاشيين، بحماية الشرطة والجيش والاجهزة الامنية الاخرى وبكثير من الاحيان بتشجيعها ومشاركتها الفعلية، تعتدي على المواطنين العزل بالضرب والاهانة وفي حالات عديدة بالحرق والقتل والاعتداء على المساجد والكنائس والمدارس وعلى المحلات التجارية والمزارع والحيوانات واشجار الزيتون.
تسجل منظمة بتسيلم الاسرائيلية قائمة طويلة لمثل هذه الاعتداءات اليومية بالرغم من أن هذه القائمة ابعد ما تكون من أن تشمل الاعتداءات. ولكن ما ذكر يكفي لكي نطلق على هذه الليالي: ليالي البلور الفلسطينية.
الموجة الاخيرة من الاعتداءات والتي لم تنته بعد تشير إلى اكثر من الف وخمسمائة معتقل حوالي نصفهم من القدس وقراها والباقون من نابلس وقراها ومن الخليل وقراها ومن باقي ارجاء فلسطين وحوالي مائتين من فلسطينيي المناطق المحتلة عام ١٩٤٨. بينما وشارف عدد الذين سقطوا مائة شهيد والفين ومائتين جريح بالاضافة إلى تكثر من خمسمائة اعتداء شنه المستوطنون.
على عكس ليلة البلور النازية التي لعب بها قطعان النازية الدور الرئيسي بينما اكتفت الشرطة والاجهزة الاخرى بدور مساعد، كان الدور الرئيسي هنا للاجهزة الامنية (شرطة، جيش، مخابرات، مستعربين) بينما لعب المستوطنون دورا مساعدا. لقد ضربت الدولة من خلال اجهزنها الامنية بعرض الحائط القانون الدولي الذي يحتم على القوة المحتلة حماية المواطنين العزل. قامت هذه الاجهزة، بعد أن تلقت الاوامر والتعليمات من الحكومة وخصوصا من لجنة الوزراء لشؤون الامن القومي التي يرأسها رئيس الحكومة ووزير الحرب، باستعمال الذخيرة الحية لتفريق المظاهرات والتسهيل والاسراع في اطلاق النار بهدف القتل حتى في الحالات التي لا تشكل اي خطر عليها وبتوفير الحماية القانونية لها وحتى تكريم او ترقية افرادها، باعدامات عديدة وبدم بارد ليس فقط كما تؤكده الكاميرات التي التقت الصور بل باعتراف وشهادات جهات اسرائيلية مطلعة على ما يجري.
على غرار ليلة البلور الاصلية التي كان هدفها تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول اغلبية الشعب الالماني لملاحقة مجموعة مستضعفة، فليالي البلور في فلسطين تعمل هي الاخرى لتحقيق الاهداف ذاتها وتعمل بنجاعة وتحقق نجاحات في تحريض ومسح ادمغة وتسميم عقول غالبية الاسرائيليين حتى اصبح تنفيذ بوغروم في حق الفلسطيني او في حق من يشبه الفلسطيني امرا عاديا. ما حدث في بئر السبع هو مجرد مثل على ذلك. مثل آخر قصة نشرها احد المواقع الاخبارية الاسرائيلية عن اعتقال خمسة نساء فلسطينيات يعملن في تنظيف المدارس في منطقة المركز تبين انهن بعملن بدون تصاريح رسمية امام الطلاب وبشكل مهين. الملفت في هذه القصة ليس الاعتقال التعسفي في حد ذاته بل في ردود فعل اهالي الطلاب. فمنهم من وصف الحادثة بالفضيحة الامنية اذ كيف يعقل تشغيل نساء فلسطينيات حيث يوجد طلاب يهود يتم تعريضهم للخطر؟ ومن يضمن الا تقوم احدى النساء بعملية طعن انتحارية؟ وقد تناسى هولاء انه لولا النساء الفلسطينيات لتراكمت الاوساخ على هذه المدارس ولرجع اولادهم إلى بيوتهم يحكون رؤوسهم من القمل. وقال البعض ان ما حدث هو فشل امني من الدرجة الاولى، وعبر اخرون عن غضبهم لان مجرد تواجد الفلسطينيات في المدرسة قد ينتهي بمصيبة. هذه حادثة واحدة من عشرات وربما مئات الحوادث التي تحصل يوميا في العديد من اماكن العمل. هذا كله من غير ان نتطرق للعقوبات الجماعية وهدم البيوت وتقييد الحركة خصوصا في القدس والخليل والاهانات اليومية التي يتعرض لها كافة الفلسطينيين على الحواجز.
في ظل غياب الحماية حتى من الدولة المحتلة والحماية الدولية يصبح الدفاع عن النفس واجب اخلاقي لضحايا ليالي البلور، حدثت هذه في عام ١٩٣٨ أو في عام ٢٠١٥، في المانيا أو النمسا أو فلسطين أو اية بقعة على هذه الارض.