Wednesday, July 30, 2008

أزمة الفكر العربي


دراسة الفكر العربي موضوع واسع لا تستطيع اية مقالة صحفية أن توفيه حقه. وقد كتب في هذا المجال العديد من الدراسات والابحاث والكتب. لعل اوسعها واشملها واعمقها كانت الكتاب الموسوعي للمفكر محمد عابد الجابري "نقد العقل العربي" والرد الموسوعي ايضا على هذا الكتاب للمفكر جورج طرابيشي: "نقد نقد العقل العربي". ولكن يبدو ان النقد بحد ذاته مهما كانت أهميته ومهما كان عمقه وصوابه فإنه لا يكفي لإجراء تغيير جذري على الفكر العربي وبالتالي على نتائج نشاطاته.
في هذه المقالة المقتضبة أود أن اضع الاصبع على بعض الصفات التي تجسد أزمة الفكر العربي الراهن، خاصة الفكر السياسي، والتي حسب إعتقادي هي السبب الرئيسي في شلل العالم العربي وتخلفه على كافة المستويات.
ننطلق من بديهية لم يعد ينكرها أحد وهي أن العالم العربي يعاني من تخلف حضاري على كافة المستويات، تخلف وضعه على هامش التاريخ بل وفي كثير من الاحيان أقصاه عن التاريخ نهائيا. مظاهر هذا التخلف عديدة تكاد لا تعد ولا تحصى أكتفي بذكر أهمها:
اولا، على الصعيد السياسي:
بعد قرون من الركود الذي ميز الحكم العثماني وقعت البلدان العربية تحت الهيمنة الامبريالية اما مباشرة واما بشكل غير مباشر. بعد رحيل القوى الامبريالية ونيل الاستقلال، لم يكن هذا الاستقلال الا شكليا، حتى في البلدان التي خاضت نضالا ثوريا من أجل استقلالها مثل الجزائر واليمن. وهكذا خرج الاستعمار بشكله القديم وعاد بشكله الجديد الامبريالي. ولعل أكبر دليل على تخلف العالم العربي في هذا المجال هو هزيمته المتكررة أمام الحركة الصهيونية وفشله في منعها من تحقيق مشروعها الا وهو قيام دولة اسرائيل. مظهر آخر ومهم للتخلف السياسي هو حالة التشرذم الذي يعيشه العالم العربي وصراعاته المتبادلة وإخفاقه في بناء نظام حديث يواكب التطورات العالمية.
ثانيا،على الصعيد الاقتصادي:
بالرغم من غنى البلدان العربية في المعادن ومواد الخام وخصوصا النفط الذي يعتبر روح الصناعة الحديثة، وبالرغم من سعة هذه البلدان وخصوبة اراضيها، الا انها من أكثر بلدان العالم تخلفا على الصعيد الصناعي والزراعي. أغلبية السكان يعيشون في ظل فقر مدقع يقارب المجاعة، بينما تعيش طبقة ضئيلة في ثراء فاحش. بشكل عام، العالم العربي من المحيط الى الخليج هو عالم استهلاكي غير منتج وهذا الامر يكرس التخلف.
ثالثا،على الصعيد الفكري والثقافي:
ما زالت نسبية الامية في العالم العربي من أعلى النسب في العالم. يكاد يكون الابداع في كافة المجالات معدوما، مما يؤدي الى هروب العقول العربية الى اوروبا وامريكا. حتى في حياتنا اليومية ما زلنا ضحايا لعادات وتقاليد بالية أكل الدهر عليها وشرب، وهي التي تحدد افقنا الحضاري والثقافي.
إذن، هذا هو واقعنا بإختصار. أمام هذا الواقع هل من باب الصدفة أن تستطيع دولة اسرائيل الصغيرة أن تسيطر على المارد العربي الذي يغط في سبات عميق يشبه الموت؟. كلا بالطبع. السبب يكمن في تخلفنا الحضاري. ولا يفيدنا قيد انملة التباكي على ماضينا المجيد عندما كنا مهد الحضارة بينما كان غيرنا يعيش في ظلمات القرون الوسطى.
حسب رأيي تخلفنا هذا هو نتيجة مباشرة وحتمية لتخلف الفكر العربي، العقل العربي او العقلية العربية، وكلها مصطلحات متقاربة تشير الى شيء واحد. المجتمعات مثل الافراد. فإذا كان الفرد مضروب في عقله فلن تفيده صحته ولا جماله ولا طيبة قلبه. العقل السليم هو المحرك لكل شيء وهو الذي يحدد كل شيء، لسلوك الافراد كما لسلوك الشعوب والامم.
لا يستطيع أحد أن ينكر انه كانت هناك، على الاقل في القرن الاخير، محاولات لتجديد الفكر العربي. وظهرت هناك تيارات عديدة ومتنوعة تنادي بالاصلاح والتجديد، ولكنها باءت بالفشل. كلما ازدادت هذه التيارات عددا كلما زاد عقمها، وبدلا من أن تقود الى تعددية وثراء قادت الى تشرذم وإنغلاق. إذا صنفنا هذه التيارات الفكرية الى ثلاثة معسكرات واسعة هي الاسلامية والقومية والاشتراكية، نرى انها جميعها فشلت بالرغم من انها جميعها تدعي النجاح الباهر. فالتيارات الاسلامية ما لبثت حتى اصطدمت مع نفسها، فمنها من نادى بعودة الخلافة الاسلامية ومنها من نادى بإقامة دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين، ومنها من نادى بالاصلاح والصحوة وولاية الفقيه، الخ. ولكنها جميعها وقفت عاجزة امام انجاز عملي واحد. وذلك حسب اعتقادي لعدم مقدرة المفكر المسلم أن يتخذ موقفا نقديا من الاسلام نفسه. فما زال الاحياء يحملون على اكتافهم الموتى وتراثهم.
التيار القومي لم يكن أحسن حظا. حيث فشلت جميع محاولاته للنهوض بالفكر القومي العربي. وفي محاولاته لبناء نظام قومي عربي واحد على الاقل، حتى في البلدان التي استلم القوميون بها زمام الحكم ولفترات طويلة. فقد قاد القوميون العرب هذه البلدان لمزيد من الشرذمة والانغلاق تماما على عكس ما كان يدعون له.
التيار الاشتراكي بجميع اشكاله هو الآخر، بسبب عقمه وجموده العقائدي بقي على هامش العملية التاريخية وفرض على نفسه التقوقع بعيدا عن الجماهير الشعبية التي يتكلم بإسمها.
اذا اراد الفكر العربي أن يخرج من أزمته عليه أن يتخلص من إرهاصات الصراع بين الاصالة والمعاصرة، بين التراث والتجديد، بين الدين والعلمانية. يجب إستيعاب التناقضات بين هذه المصطلحات وحلها بشكل ديناميكي وديالكتيكيي. وعدم الخوف من الخوض في غمارها.
لكي يخرج الفكر العربي من أزمته القاتلة عليه أن يضع كل شيء في موضع السؤال والنقد وألا يقبل الاشياء مسلمة. عليه الا يقبل الافكار الجاهزة مهما كان مصدرها مع الادراك تماما انه لا يوجد هناك أجوبة نهائية لكل شيء، واذا وجدت فإننا لا نملكها.
على الفكر العربي للخروج من أزمته أن يذبح الكثير من بقراته المقدسة وأن يحطم العديد من الاصنام التي ورثها ابا عن جد. عليه أن ينفض عنه غبار الركود ويتخلص من الاتكالية وعدم الابداع والخلق.
يجب تحطيم جميع القيود التي تكبل الفكر العربي. فقط الفكر الحر يستطيع أن يحلق في أعالي السماء وينتشل الامة العربية من الحضيض الذي تقبع به الآن.

الاحتلال والعملاء وجهان لعملة واحدة



ما يجري في قطاع غزة وفي الضفة الغربية تجاوز منذ زمن حدود المأساة وأصبح فضيحة، بل وصمة عار على جبين تاريخ النضال الفلسطيني الأغر. لن نحلم حتى في أسوأ كوابيسنا أن تصل الامور الى ما وصلت اليه في الاسبوع الاخير. التفجير على شاطئ غزة الذي طال عشرات الابرياء هو خط أحمر. لم يعد ذلك صراعا بين فريقين متكالبين على سلطة زائفة نتنة. بل أصبح جريمة ينبغي إجتثاثها من جذورها. لا أدري مدى صحة تورط تنظيم فتح في هذه التفجيرات، وأظن أن كل تعميم خاطئ، ولكن، بغض النظر عن الإنتماءات التنظيمية للايدي المجرمة التي اقترفتها، فهم لا يعدو كونهم سوى عملاء مباشرين للإحتلال. ويجب التعامل معهم من هذا المنطلق.
الاعتقالات العشوائية الانتقامية التي مارستها قوات أمن السلطة بتنسيق كامل مع قوات الاحتلال والتي طالت العديد من المناضلين الشرفاء ومن المواطنين المسالمين الآمنين وعلى رأسهم الزميل المناضل الوطني الذي يحظى بمكانة عالمية، البروفيسور عبدالستار قاسم، هي الاخرى خط أحمر لا يمكن الصمت عنها وتجاوزها.
يقول المثل المستخلص من تجارب الشعوب التي خاضت نضالا طويلا ومريرا من أجل حريتها واستقلالها: أينما يوجد إحتلال وإضطهاد توجد هناك مقاومة. هذه البديهية صحيحة في حالتنا الفلسطينية كذلك. ولكن يبدو انه لكي تكتمل الصورة ويصبح هذا المثل عاما وشاملا، علينا أن نعترف ايضا انه اينما توجد مقاومة توجد هناك عمالة وخيانة. واقعنا الفلسطيني يثبت أن قضيتنا ليست إستثناء. الى جانب المقاومين الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن الوطن وعن كرامة الانسان نمت وترعرعت شريحة لا يستهان بها من عملاء الاحتلال. المصيبة أن هذه الشريحة تتبوأ اليوم مراكز قيادية بإستطاعتها أن تفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها التحرري ومن عدالة مطالبها. علينا الا نستخف في هذه الظاهرة الخطيرة.
تجارب الشعوب تشير الا أن الثورات التحررية قد أجهضت بالاساس بواسطة الاعداء الداخليين الذين ترعرعوا في صفوف الثورة ولكنهم انتهوا في أحضان المستعمرين. في فيتنام مثلا، نصف الشعب الفيتنامي حارب ضد الهيمنة الامبريالية الامريكية بينما النصف الآخر حارب الى جانبها. وكذلك الامر في كوريا، افغانستان، العراق، لبنان وأماكن عديدة على وجهة كرتنا الارضية. وكما قلنا سابقا، فلسطين ليست إستثناء.
بحجة مفاوضات السلام، والوصول الى اتفاقية سلام وانهاء الصراع وإجراء المصالحة التاريخية بين "الشعبين" أصبح واضحا انه يوجد هناك تقسيم خطير للأدوار بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية. بينما يواصل الاحتلال بحماس جنوني مخططات تهويد القدس وبناء الجدار العازل وبناء المستوطنات من جهة، ويواصل الاغتيالات وهدم البيوت والحصار التجويعي والمداهمات والاعتقالات من جهة اخرى، تقوم السلطة الفلسطينية بالتنسيق الامني الكامل معه، تلاحق المقاومين وتعتقلهم وتغلق المؤسسات المدنية التي تحاول التخفيف من معاناة الجماهير.
هذا التنسيق مستمر بالرغم من إنفضاخ ما يسمى بالمسيرة السلمية وإفلاس مساعي التوصل الى اتفاقية سلام.
ما زلنا نذكر موجات عملاء الاحتلال التي إجتاحت قرانا ومدننا العربية أثناء وفي أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الاولى، ومقاومة جماهيرينا توطين هذه الحثالات بين ظهرانينا. يبدو انه اليوم لم يعد هناك حاجة لكي يغادر هؤلاء اماكن سكناهم بعد أن اصبحوا يتمتعون بحماية الدولة والسلطة الفلسطينية. من سخرية الاقدار أن يصبح الواقع معكوسا: خيث أصبح المقاوم منبوذا ومطاردا بينما يتبختر العميل علنا في الاماكن العامة.
بعد موجة الاعتقالات الانتقامية التي نفذتها السلطة في الضفة الغربية وخصوصا في نابلس، وزجهم في سجن نابلس الذي كانت تستعمله دولة الاحتلال لسجن المناضلين الفلسطينيين، تطالعنا بعض الصحف الاسرائيلية المطلعة، ذات المصادر الموثوقة (هآرتس 30/8) أن رئيس السلطة الفلسطينية بعث بمذكرة إحتجاجية شديدة اللهجة تحذر اسرائيل من إطلاق سراح شخصيات قيادية في صفقة لتبادل الاسرى مع الجندي الاسرائيلي المأسور جلعاد شاليط. لأن من شأن ذلك أن يضعف السلطة الضعيفة أصلا ويقوي أعدائها. من بين هؤلاء الاسرى 40 نائبا في المجلس التشريعي الذي يستمد رئيس السلطة بعض شرعيته منه. وبعض هذه القيادات (احمد سعادات، امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مثلا) تم تسليمهم بتواطؤ مباشر من اجهزة السلطة الامنية.
لقد أصبح واضحا أن هذه السلطة التي جلبتها إتفاقيات أوسلو المشؤومة لا تختلف من حيث الجوهر عن سلطة كرزاي في افغانستان او سلطة المالكي في العراق وأن المقاومة الحقيقية سوف تكنسها مع الاحتلال الى مزبلة التاريخ.

Tuesday, July 22, 2008

في الذكرى 56 لثورة يوليو المجيدة: الثورة هي الطريق الوحيد للحرية ولااستقلال


الثورات في العالم العربي نادرة. بينما كانت الثورات الاجتماعية والسياسية تجتاح أوروبا وتغير وجهها تغييرا جذريا كان العالم العربي خلال قرون طويلة يغط في سبات يكاد أن يكون موتا سريريا على كافة المستويات. في القرن العشرين كانت هناك بعض الاستثناءات أو على الاصح بعض المحاولات لثورات كانت تهدف إجراء تغيرات جذرية شاملة على مبنى المجتمع العربي. ولكن سرعان ما كانت هذه المحاولات تجهض قبل أن تحقق أهدافها أو سرعان ما تنحرف عن مسارها وتتحول الى ثورة مضادة.
يبدو أن القانون الذي يتحكم في تفجر الثورات وتطورها ونهايتها هو قانون ديالكتيكي ديناميكي مشحون بالتناقضات الداخلية والخارجية وتحت ظروف معينة يتحول الى ضده. هكذا تحولت الثورات الكبرى بعد فترة، كانت تطول أو تقصر، الى ضدها، الى ثورات مضادة بعد أن أكلت ابناءها الذين صنعوها. هذا ما حدث للثورة الفرنسية الكبرى التي انتهت الى أعمال إرهابية وحروب مستمرة وكانت فاتحة لعصر استعماري بغيض إجتاح العديد من بلدان العالم، وهذا ما حدث لكومونة باريس ومن ثم لثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا التي اندثرت نهائيا وللثورات في الصين وفيتنام والجزائر وغيرها.
غير أن تحول الثورة الى ضدها لا يقلل من ضرورتها ولا من اهميتها التاريخية. فهي قبل أن تجهض أو تنحرف تكون قد حققت أهدافا كان من المستحيل تحقيقها في فترة زمنية قصيرة. فالثورات تختصر المسافات. وفي معظم الاحيان حتى الثورة المضادة لا تستطيع أن تمحو كل الانجازات التي حققتها الثورة ونرها في كثير من المجالات تحقق وصية الثورة مرغمة.
ثورة 23 يوليو التي فجرها الضباط الاحرار بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في مصر هي إحدى الثورات الفريدة من نوعها التي حاولت نقل العالم العربي ( وليس مصر فحسب) من ركود وتخلف القرون الوسطى الى العصر الحديث واللحاق بقطار المدنية.
بعد 56 سنة من إنطلاقها، نستطيع أن نقول أن مصير هذه الثورة كان كمصير الثورات الكبرى التي ذكرناها. حيث تكالب عليها الاعداء من الداخل ومن الخارج، منعوها من تحقيق أهدافها، حرفوها عن مسارها الصحيح ومن ثم أجهضوها نهائيا. ولكن هذا المصير الماساوي لا يقلل من أهميتها التاريخية ولا ينفي ضرورة حصولها.
ما هي الظروف التي جعلت الثورة ضرورية وحتمية؟ وماهي الانجازات التي حققتها الثورة وما هي الانجازات التي لم تستطع تحقيقها؟
لقد كانت ثورة يوليو 1952 أولا وقبل كل شيء ثورة على النظام الاقطاعي الفاسد الذي كان سائدا في مصر. هذا النظام الطفيلي الذي اوصل الجماهير الى حافة المجاعة بينما كانت خيرات مصر حكرا على طبقة ضئيلة من الاقطاعيين الملتفين حول الملك والخاضعين في الوقت نفسه للهيمنة الاجنبية. لقد سددت الثورة ضربة قاضية الى هذا النظام. وخلال ايام قليلة من انطلاقة الثورة تم الغاء الملكية الى الابد واعلان الجمهورية. في الوقت نفسه تم توجيه ضربة قاسية الى البناء الاقطاعي من خلال الاصلاح الزراعي الذي جرد الاقطاعيين من إحتكارهم للأرض وإعادة تقسيمها على الفلاحين الفقراء. ولكن للأسف الشديد أحجمت قيادة الثورة عن تسديد ضربة قاضية للاقطاع مما أتاح له فيما بعد من رفع رأسه والعودة الى الواجهة.
وكانت الثورة ثانيا ضد الاستعمار. فقد كان استقلال مصر شكليا وكانت بريطانيا هي التي تحدد وتنفذ جميع السياسات. وفي بعض القطاعات كانت السيطرة الاستعمارية مباشرة وكاملة، خصوصا سيطرتها على قناة السويس. لقد طالبت الثورة منذ البداية بجلاء آخر مستعمر عن ارض مصر الامر الذي رفضته القوى الاستعمارية التي قامت بش هجوم ثلاثي انجليزي – فرنسي – اسرائيلي للقضاء على الثورة وتخليد السيطرة الاستعمارية. خرجت الثورة من هذا العدوان منتصرة بفضل البطولات والتضحيات التي قدمها الشعب المصري. ورحل الاستعمار بجميع أشكاله عن ارض مصر. غير أن الاستعمار بشكله الجديد ( الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية) قد عاد بعد إجهاض الثورة.
لقد خطت الثورة خطوات جبارة لتحقيق عدالة إجتماعية وإقامة حياة ديموقراطية سليمة. فقد أعلنت الثورة عن مجانية التعليم العالي، وهكذا وجد ابناء الفقراء طريقهم الى الجامعات بعد أن كانت حكرا على أبناء الاغنياء، وتم بناء السد العالي وهو أكبر مشروع تنموي على المستوى العالمي، وأتخذت الاجراءات اللازمة لبناء جيش وطني قوي. الا أن هذه الخطوات قد تعثرت من بدايتها. لم يكن لدى معظم قيادة الثورة رؤية واضحة للمجتمع الجديد الذي يناضلون من أجله وكانت تنقصهم النظرية الثورية الضرورية للتقدم على الطريق السليم.
لعل الانجاز الاهم لثورة يوليو كان يكمن في طابعها القومي التحرري المعادي للإستعمار. فقد اصبحت هذه الثورة نموذجا للبلدان العربية (الجزائر، اليمن، فلسطين) وللدول النامية خصوصا في أفريقيا وآسيا. للمرة الاولى منذ قرون شعرت الشعوب العربية بإنها ليست خارج التاريخ بل بدأت تصنعه بعد أن أعادت الثورة لها كرامتها القومية والانسانية.
ثورة يوليو، كما قلنا، لم تحقق كافة مهامها. وهناك من غير شك مهام يجب أن تنجز، ليس على صعيد مصر فحسب بل على صعيد العالم العربي. لذلك فإن ثورة يوليو جديدة هي ضرورية وحتمية. فقط من خلال ثورة جديدة، تتعلم من أخطاء الماضي، لا تقدم التنازلات المبدئية للعهد البائد، ولا تتوقف في منتصف الطريق، تستطيع الشعوب العربية توحيد صفوفها وانتزاع حريتها وإستقلالها.

Wednesday, July 16, 2008

بشار الاسد على طريق انور السادات


لقد أثار الاسد دهشة خصومه ومؤيديه في تصريحه المفاجئ في مؤتمر "الاتحاد من أجل المتوسط" في باريس أمام العديد من الزعماء العرب والاوروبيين. جاء على لسان بشار الاسد ما يلي:"إن توقيع إتفاق سلام مع اسرائيل هو مسألة تحتاج من ستة أشهر الى سنتين بحد أقصى في حال كان الطرفان جادين للإنخراط في محادثات مباشرة".
في الحقيقة كنت من أكثر الناس اندهاشا لمثل هذا التصريح الى درجة انني شككت في صحته. وبالرغم من سماعي له في عدة نشرات إخبارية صادرة عن محطات مختلفة، وقرآتي له في عدة مواقع الا انني لم اصدقه نهائيا حتى شاهدته بنفسي يتكلم.
هذا التصريح البائس هو أكثر تصريح مؤيد لاسرائيل سمعته من زعيم عربي في السنوات الاخيرة. وهو بمثابة شهادة زور تمنح لإسرائيل على إعتبار انها دولة محبة للسلام وكأنها حمامة سلام ناصعة البياض. هذا التصريح لا يختلف بشيء عن تصريحات زعماء العالم الذين حجوا الى اسرائيل هذا العام، مثل المستشارة الالمانية ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي، نهايك عن الرئيس الامريكي بوش ومرشح الحزب الديموقراطي أوباما. بل أدعي أن تصريح الرئيس السوري اشد خطورة كونه صادر عن دولة عربية تعتبر ركيزة ما يسمى معسكر الممانعة.
خلال 6 أشهر وكحد اقصى سنتين ويوجد هناك اتفاقية سلام؟؟ حتى رئيس السلطة محمود عباس توقف عن ترديد احلامه بإمكانية التوصل الى اتفاق سلام حتى نهاية السنة كما وعده جورج بوش في آنابوليس. هدئ أعصابك يا الرئيس، ولا تكن شديد الحماس، فما زلت جديد العهد في مهنة المفاوضات. حتى الان لا يوجد لديك "خارطة طريق" تضيع في شعابها سنوات طويلة لكي تجد نفسك في نقطة البداية. وهذا هو مؤتمرك الاول تحت رعاية ساركوزي الذي ينوب عن بوش. فلا يوجد لديك حتى الآن مؤتمرات قمة وقمامة في شرم الشيخ أو كامب ديفيد أو آنا بوليس.
ليس من العيب أن يتعلم الانسان العاقل من تجارب غيره. أنظر الى المفاوض الفلسطسني الذي اضاع 17 سنة من عمره يركض من مدينة الى أخرى ومن مؤتمر الى آخر. وقدم التنازل تلو التنازل لاهثا وراء وهم اتفاق سلام مع اسرائيل. وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء، صفر=صفر.
انت تصرح كل يوم: "السلام هو خيار استراتيجي لسوريا" و "لا خيار أمامنا سوى السلام". وهنا أيضا يصرح المسؤولون الاسرائيليون يوميا كم هم حريصون على السلام، وانهم على استعداد لتقديم تضحيات أليمة من أجله، مشكلتهم انهم لا يجدون شريكا للسلام في الطرف الآخر. مساكين، يثيرون الشفقة. فبعد أن عصروا ياسر عرفات عصرا وجدوا انه ليس شريكا ملائما فتخلصوا منه نهائيا، وها هم يعصرون محمود عباس والنتيجة يعرفها القاصي والداني.
نعم، يا فخامة الرئيس، انتم الطرفان جديان في سعيكم الدؤوب من أجل السلام. وهذا يعني أن طريق المفاوضات سوف تكون قصيرة وهي كما يبدو تتطور وتحقق إنجازات فقد بدأت مفاوضات سرية وها هي اليوم تصبح علنية ولكنها غير مباشرة وغدا سوف تصبح علنية ومباشرة ومن يدري ربما بعد غد سو ف تؤتى ثمارها. وقد نراك في الصيف القادم تسبح مع نظيرك الاسرائيلي في بحيرة طبريا.
أنا أعتقد، وبجد هذه المرة، أن اسرائيل تريد السلام مع سوريا وهي لا تخفي ذلك بل تعلنه في كل مناسبة وأمام كل من يريد أن يسمع. هذا هو السلام الذي تريده الاسرائيل:
أولا، وقبل كل شيء انتزاع سوريا من محيطها العربي ومن إنتمائها العربي، تماما كما فعلت مع مصر في كامب ديفيد. وهذا يعني أن تتخلى سوريا عن تحالفها مع المقاومة العربية في لبنان وأن تطرد "الارهابيين" الفلسطينيين من دمشق، وأن تتخلى عن "محور الشر" وتلتحق ب"محور الخير" الذي تقوده امريكا وأسرائيل.
ثانيا، أن تأخذ سوريا دورها في معسكر الاعتدال العربي وتشارك في الحرب الدولية ضد الارهاب الاسلامي وضد كل من تسول له نفسه معارضة الهيمنة الامريكية او التغلغل الاسرائيلي.
ثالثا، أن تطبع علاقتها مع اسرائيل وتفتح اسواقها على مصارعها أمام السلع والرأسمال الاسرائيلي.
مقابل ذلك قد تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان ولكن بشرط أن تبقى منزوعة السلاح، ولن ترفض تواجد قوات فرنسية لحفظ السلام بدل او الى جانب قوات الامم المتحدة. أي بإختصار أن تتحرر الجولان كما "تحررت" سيناء من قبل، أي بعد 30 سنة اسرائيل هي التي تقرر من يدخل سيناء وكم يكون عددهم.
السؤال الذي اطرحه هنا: هل حضور مؤتمر باريس وما تمخض عنه من وعود اوروبية هو الخطوة الاولى نحو الإرتماء في أحضان الغرب؟ وهل عودة الاستعمار الفرنسي من الشباك بعد أن خرج من الباب هو الدفعة الاولى على الحساب؟

Wednesday, July 09, 2008

لم يعد هناك من يدق الخزان يا غسان


قبل 36 عاما طالت يد الغدر الاسرائيلية المناضل والمفكر والكاتب العربي الفلسطيني غسان كنفاني. لقد خطفته يد الغدر هذه وهو في ريعان شبابه وفي أوج عطائه. لم يكن غسان مقاتلا بالمعنى الحرفي للكلمة. لم يحمل كلاشينكوف ويطلق الرصاص في إتجاه مغتصبي أرضه ومهجري أهله ولم يفجر عبوات ناسفة. كان يحمل قلما يكتب كلمات. ولكنها كلمات كانت تخرج صرخات من أعماق جرحه وجرح شعبه، كانت أقوى من الرصاص وأشد دمارا من العبوات الناسفة ولهذا السبب بالذات كان مستهدفا من قبل العصابات الارهابية التي تسمي نفسها مجازا الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة.
غسان كان يزرع الكلمات في البيارات المهجورة لكي لا تنسى وفي بيوت حيفا التي أفرغت من اهلها بالقوة وفي قلوب اللاجئين الذين شردوا في الفيافي والصحاري وهاموا على وجوههم لتحصيل لقمة العيش. بينما كان مجرمو الموساد وبإعترافهم الصريح هم الذين يزرعون العبوة الناسفة في سيارتة ويفجرون معه إبنة أخته لميس.
لقد كان غسان صاحب قضية وصاحب موقف. وقد يظن البعض أن قضيته كانت قضية فلسطين وهذا خطأ شائع، لأن قضيته تجاوزت الحدود الجغرافية لفلسطين، تجاوزت كل الحدود وأصبحت قضية إنسانية من الطراز الاول. الحس الانساني المرهف ينتشر بين سطور "رجال في الشمس" "عائد الى حيفا" "أم سعد" وغيرها من الروايات والقصص. وليس غريبا أن تترجم أعماله الى معظم لغات العالم. في إغتيالهم له قام عملاء الموساد من حيث لا يدرون بتخليده.
لا ترمي هذه المقالة تناول مؤلفاته الادبية والفكرية بالتحليل، فالمكتبات تعج بالكتب والمقالات والدراسات في هذا المجال. كل ما اطمح اليه في هذه العجالة هو نفض بعض الغبار الذي تراكم على بعض الكلمات التي تعبر عن المواقف التي عاش غسان واستشهد من أجلها، ونحاول نحن الفلسطينيون عن قصد أو عن غير قصد التغاضي عنها.
قال غسان: " إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية..فالأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغير القضية" وكأنك يا رفيق كنت تتنبأ بما سيحدث. لقد بقي المدافعون الفاشلون في مواقعهم بينما تغيرت القضية الى حد التشويه. ولو عدت الينا يا رفيق لما تعرفت على قضيتك. فقد أدخلنا كل زناة الارض الى حجرتها وسحب هؤلاء المدافعون خناجرهم وتنافخوا شرفا وصرخوا فيها أن تسكت صونا للعرض... مع المعذرة للشاعر مظفر النواب.
لقد كنت تقول:" إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين" وكان الاحرى بك أن تقول إن قضية الحياة ليست على الاطلاق قضية الباقين ... أنها قضية الاموات. فالشهداء هم الوحيدين الاحياء أما نحن فلسنا أحياء سوى مجازا.
قلت: "إن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق و تافه لغياب السلاح..وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال
الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه". ولكن سلاحنا اليوم يا رفيق هبة من إسرائيل تحت إشراف مدربين أمريكيين وعملاء من بعض الدول العربية، لذلك اليوم لا يجود تعويض لكلماتك.
وقلت أيضا: " لا تمت قبل أن تكون ندا" الحمد لله انك استشهدت يا رفيق لأنك لو عشت حتى هذه الايام فلن تستطيع أن تكون ندا لكبار المفاوضين وكبار المهربين وكبار المقامرين.
وأخيرا كتبت تقول:" بالدم نكتب لفلسطين" ونحن نقول لك في هذه الذكرى: بالدم نقرأ لفلسطين.

Tuesday, July 08, 2008

هل نحن بحاجة الى بلديات؟



من يزور مدينة سخنين في هذه الايام لا بد أن يشعر بالاكتئاب. واذا كان مرهف الحس رقيق المشاعر فقد يشعر بالغثيان أيضا. تبدو المدينة في هذه الايام منكوبة وكأنها خارجة للتو من تسونامي مدمر لا يعرف الرحمة. أكوام الزبالة على طرفي الطرقات. كل عدة أمتار كوم، بل قل تلة صغيرة تنمو باستمرار. على ربوع هذه التلال ترتع الققط باحثة عن قوتها اليومي، وربما كانت هي المخلوقات الوحيدة السعيدة بهذه المناظر. لا آسف، هناك الجرذان ايضا ولكن ما يتغص سعادتها تواجد القطط المكثف من حولها. من يسير على الاقدام ويمر بالقرب من هذه المزابل يوسع خطاه، يغلق انفه بسبابته وابهامه حتى يتجاوزها، ويتمتمم ببعض الكلمات، أغلب الظن انها شتائم من النوع الثقيل للمسوؤلين عن هذا الوضع المأسوى. ومن ثم يتابع مسيره وكأن هذا الشيء اصبح شيئا عاديا.
ولكن هذا ليس كل شيء. يدخل هذا المواطن الى بيته، غالبا بعد يوم من العمل الشاق. يفتح حنفية الماء، فإذا كان محظوظا، اي اذا كان يسكن في مكان منخفض بعض الشي، فسوف ينساب من الحنفية بعض القطرات من الماء تشبه طفلا صغيار يبول. ولكن اذا كان نكد الحظ، فلن يجد ولا لحسة. يتمتم مرة أخرى ببعض كلمات، وأترك فحواها لخيال القارئ. يجمع بعض قناني البلاستك ويذهب الى العين حيث يقف الناس بالدور كل مع قنانيه. أراقب هذا المشهد من قرب، وتعود بي الذاكرة 40 عاما الى الوراء عندما كنا اطفالا صغار يرسلنا اهلنا الى جلب الماء من العين مع حمار وضعوا عليه جلنين من الحديد. طبعا الحمير انقرضت من المدينة وحلت مكانها السيارات الفخمة والجلن ايضا إختفى وأخذت مكانه قنينة البلاسيك.
هذا المشهد السريالي نشهده كل يوم. وأدعوا الجميع لمشاهدته لكي لا يظن انني ابالغ. وأظن أن الاوضاع في باقي المدن والقرى في هذه البلاد لا تختلف كثيرا عنها في سخنين.
استمع الى احاديث المواطنين في البيوت، في الاماكن العامة،في اماكن العمل والدواوين وفي كل مكان. وضع المدينة المزري هو موضوع الساعة. لم يبق هناك مكان لحصار غزة او للهدنة أو لتبادل الاسرى أو للملف النووي الايراني الخ. كل هذه الامور بردت إزاء هذا الموضوع الساخن: الزبالة وانقطاع الماء.
ولكن للاسف الشديد، استمعت الى العامل والمعلم، للشباب والشيوخ، للرجال والنساء، للمثقفين وللأميين فلم أسمع سوى الشتائم، حتى بصراحة بدأت اتعاطف مع المسؤولين المساكين، واتعجب كيف يتحملون كل هذا الكم الهائل من الشتائم، الا يسمعونها؟ واكتشفت ان لكل شريحة من مجتمعنا لها شتائمها الخاصة بمفرداتها الخاصة. ولكن شيء واحد مشترك يجمع كل هذه الشرائح: لم اسمع اية نظرة تحليلية نقدية للأوضاع. والانكى من ذلك، لا يوجد هناك اي روح للمبادرة وكل محاولة للتغيير معدومة. وهكذا تستمر الحياة. حتى يفرجها ربك كما يقول كبارنا.
قال لي أحد المواطنين الحكماء وفي اعقاب اقواله أخترت عنوان هذه المقالة: ما أغبى إدارة هذه البلدية فالمواطن العادي لا يسأل وقد لا يهمه ما تقوم به او لا تقوم به البلدية في مجال التربية والتعليم والتطوير والتخطيط الخ. ولكنه من كل مهام البلدية يرى أمرين: الزبالة والماء. فإذا كانت البلدية تعاني بالفعل من عجز في الميزانيات ومن تمييز من السلطات وهذا الامر الذي يشل عملها. فلماذا لا تقلص من تلك الخدمات "الخفية" وتركز على توفير الماء وجمع الزبالة وهي الاقل تكليفا؟.
سؤال وجيه، اليس كذلك؟ ماذا تعمل بلدياتنا غير جمع الزبالة وتوفير المياه؟ فإذا كانت لا تستطيع تأمين هذين المطلبين البسيطين فما الحاجة الى هذه البلديات أصلا؟
ولكن السؤال الاوجه الذي يجب أن يسال هنا هو: هل من أجل جمع الزبالة وتوفير المياه يجب أن يكون ليدينا بلدية مع رئيس ونواب واعضاء ولجان؟
جوابي القطاع هو لا، لسنا بحاجة الى اية بلدية من أجل انجاز مثل هذا العمل البسيط. ولكن مشكلتنا أعمق واكثر تعقيدا من ذلك بكثير: لقد تعودنا على الاتكالية وانعدام روح المبادرة تماما. دع اكوام الزبالة تنمو وتصبح تلالا بل تصبح جبالا شاهقة في ارتفاع جبال هملايا، فلن تكون هناك اي مبادرة ذاتية للخلاص من هذا المأزق. سوف نستمر في رمي زبالتنا على الكومة.
لا اريد هنا أن أفتح موضوع الانتخابات الوشيكة للسلطات المحلية. فهذا موضوع واسع وقائم بذاته، ولكني أود هنا أن أدون مسبقا هذه الملاحظات:
اولا) طبعا لم يسقط المسؤولين علينا من كوكب آخر، فنحن الذين انتخبناهم، والشخص الذي نشتمه اليوم أغلب الظن اننا منحناه صوتنا بالامس، او سوف نصوت له في الانتخابات القادمة بناء على إعتبارات لنقل انها خاصة.
ثانيا) جربنا العديد من المسؤولين، منهم الامي ومنهم المتعلم، منهم من وصفناه بالعائلي ومنهم من تلفع بعباءة الحزبية فوجدنا أن جميعهم بالهواء سواء. واسمحوا لي أن ابالغ قليلا واقول: اننا ظلمنا المخاتير كثيرا، فعلى الاقل كان للمختار كلمة وكان "يمون" على جماعته، ليس مثل الرئيس "الديموقراطي" اليوم.
ثالثا) لقد آن الاوان، كما يقول المثل الا ننظر الى الاناء بل الى ما يوجد بداخله. سوف يصدر كل رئيس سابق قبل الانتخابات كتيبا يعدد فيه إنجازاته التي تؤهله لولاية جديدة وسوف يقوم منافسوه بزرع المقاثي بالوعود. فلا تنسوا ان هذه "الانجازات" كانت "وعودا" وأن "الوعود" سوف تصبح "انجازات" ولكن جميعها سوف يكون جزءا من تلة الزبالة.
رابعا) هل حقا يجب علينا دائما ان نختار بين العائلية التي تحزبت او بين الحزب الذي اصبح عائليا؟
في الاشهر القادمة، التي تسمى بالمعركة الانتخابية سوف نرى ونسمع العجب، وسيكون لنا لقاءات أخرى.

Monday, July 07, 2008

انقذونا من هذه الصحافة "الصفراء"


"هل هناك أمل بأن تصبح مليونيرا؟ هيا أدخل وافحص"
"أكتب اسمك واسمها واعرف نسبة الامل تكونوا لبعض"
"كوني متجددة في الفراش. كيف تثيرينه بعد كل جماع"
" شاهدوا الحلقة 93 من مسلسل نور" "شاهدوا الحلقة 109 من مسلسل سنوات الضياع"
هذه فقط غيض من فيض العناوين الرئيسية التي تزين غالبية المواقع الاخبارية المحلية وتنغل بها الصحف المكتوبة. نتكلم كثيرا عن المستوى الهابط للعديد من الفضئيات التي التي تتحفنا بمستوى هابط من الفن ولكننا نخرس عن الكلام حول المستوى الاشد هبوطا الذي تشهده صحافتنا المحلية المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية والمكتوبة على حد سواء.
لا أدري من أول من أطلق على مثل هذه الصحافة بالصحافة الصفراء، أنا شخصيا أحبذ أن نطلق عليها اسما آخرا، لأننا نظلم اللون الاصفر، وخصوصا وأنه أحد الالوان المفضلة لدي. فهو حسب رأيي لون جميل وناعم وجذاب. على عكس هذه الصحافة التي تقوم على الفضائح والإثارة والشائعات والمبالغة والتشهير ودغدغة غرائز القراء، والضحالة والعقم، الخ.
مع الانتشار السريع للانترنت والتوزيع المجاني للجرائد المطبوعة في الحوانيت والمقاهي ومحطات البنزين أصبحت هذه الصحافة آفة، لا بل وبأ يجب التصدي له. فهذه الجريدة تنشر الاستطلاعات المزيفة التي تؤكد أنها الجريدة الاكثر انتشارا في البلاد، بينما تقوم الجريدة المنافسة بتزوير الحقائق. ومن يقرأ مثل هذه الادعاءات يظن بأنه امام جريدة عريقة كالاهرام أو النيويورك تايمز، وذاك الموقع يعلن بأنه الاكثر ارتيادا من قبل الزوار ليس على المستوى المحلي وحسب بل وعالميا أيضا. ولكن عندما تفتح هذه الجريدة من الصفحة الاولى الى الصفحة الاخيرة، من الغلاف الى الغلاف، لا يستوقفك شيء ذو أهمية. وبعد لحظات وجيزة تنبذها جانبا وانت تردد في قرارة نفسك: خسارة على الورق وعلى الوقت الضائع. الشيء نفسه يحدث أثناء زيارة المواقع الالكترونية التابعة لهذه الجرائد. العبرة ليست في كمية مرات الدخول لها بل في فترة المكوث بها ومقدار الفائدة التي تقدمها. وحسب رايي، قارئ يحترم نفسه لا يستطيع أن يمكث بها أكثر من لحظات معدودة وبعد أن يغادرها يشعر بالندم لتبديده هذا الوقت نظرا لتفاهتها وضحالة محتواها.
لا اريد هنا أن أذكر جرائد ومواقع بأسمائها، فالقارئ المتوسط يعرف بالضبط أي منها هو المقصود. قد يدعي البعض أن مثل هذه الجرائد والمواقع تلاقي رواجا ملحوظا وتحظى بشعبية خصوصا عند الاجيال الشابة بينما تلاقي الجرائد والمواقع الجدية كسادا. قد تكون هذه الظاهرة صحيحة نسبيا، وهنا بالضبط تكمن خطورتها. وإن دلت على شيء فإنها تدل على عمق الازمة الثقافية والاجتماعية التي تجتاح مجتمعنا، والتي هي جزء من الازمة العامة التي نعاني منها على كافة الاصعدة. غياب المؤسسات الثقافية والتعليمية الوطنية الملتزمة يلعب دورا سلبيا في رواج هذه الصحف والمواقع. اننا نقف هنا بالاساس امام مشاريع تجارية هدفها جني الارباح الطائلة بأسرع وقت وأقل تكلفة. هذه الظاهرة بدأت تتفشى لتشمل العديد من المؤسسات التعليمية، فقد أصبحت رياض الاطفال، مثلا تباع للمقاولين وكأنها سلعة عادية ضاربين بعرض الحائط مستقبل أطفالنا. وبسبب الاهمال الحكومي المبرمج والمقصود اصبحت المدارس على كافة مستوياتها والكليات مرتعا لشتى اشكال الانتهازيين الذين يلهثون وراء الربح السريع. يقول المثل الشعبي: اعط الخبز لخبازه. وهل هناك خبز أهم من خبز الثقافة والتعليم؟ فكيف نفرط به لكل من هب ودب ممن يحترف مهنة تحويل التعليم الى سلعة.
في صباح كل يوم جمعة، عندما أجمع هذا الكم الهائل من الصحف المحلية الصادرة في هذا اليوم، اشعر للوهلة الاولى وكأن هناك مدا ثقافيا هائلا يجرف مجتمعنا، ولكني سرعان ما اصاب بخيبة أمل وإحباط بعد تصفح عدة صفحات. الامر نفسه ينتابني عندما ابحر في عباب الشبكة العنكبوتية، وأرى الكم الهائل من المواقع المحلية التي تعد بالكثير ولكنها تفي بالقليل، خصوصا إذا قارناها بالصحف والمواقع العبرية.
لقد آن الاوان أن ننقي القمح من الزوان وأن نقتلع الاعشاب الضارة التي تحاصر الورود في بساتيننا. اننا نستحق صحافة مكتوبة ومرئية ومسموعة والكترونية راقية ومحترمة تكون مرآة صادقة لتطلعاتنا وطموحتنا وليس لواقعنا البائس. هذه المهمة تقع على عاتق المثقفين الواعين الملتزمين وطنيا وخصوصا من بين الاجيال الشابة.
علي زبيدات - سخنين

Wednesday, July 02, 2008

عيد إستقلال سعيد يا أمريكا


تحتفل الولايات المتحدة الامريكية في هذا اليوم بعيد إستقلالها الذي أعلن عنه في 4 يوليو من عام 1776. في هذه المناسبة لا بد من فضح الاساطير التي روجتها الامبيريالية الامريكية على مدار ما يقارب قرنين ونصف من الزمن. هذه الاساطير المؤسسة على إعلان وثيقة الاستقلال ومن ثم على الدستور الامريكي والتي تصور الولايات المتحدة الامريكية نبراسا للحرية ونصيرا للديموقراطية والاستقلال في العالم بإسره.
جاء في وثيقة الاستقلال الامريكية: "يولد كل الناس متساوين، وقد وهبهم الخالق حقوقا غير قابلة للتنازل عنها: حق الحياة وحق، وحق الحرية، وحق البحث عن السعادة." (هذا الكلام المعسول يذكرنا بوثيقة إستقلال أخرى أعلنت عام 1948 هي وثيقة الاستقلال الاسرائيلية التي أعلنت هي الاخرى انها "تحافظ على المساواة التامة في الحقوق اجتماعيا وسياسيا بين جميع رعاياها دون التمييز من ناحية الدين والعرق والجنس...الخ" بينما كانت ترتكب المجازر وتهدم القرى وتهجر شعبا بإسره ).
الوثيقة الامريكية التي كانت تعلن أن "كل الناس يولدون متساوين" كانت تعني في حقيقة الامر انه يوجد ناس متساوين أكثر من غيرهم، بل كانت تقول أكثر من ذلك: أنهم هم "الناس" بينما الآخرون هم أقل من الناس. فعند الاعلان عن هذه الوثيقة كان قطعان المستوطنين القادمين من أوروبا يشنون حرب إبادة وتطهير عرقي لا شبيه لها في التاريخ ضد الهنود الحمر، سكان البلاد الاصليين والذين اعتبروا في عرف هؤلاء المستوطنين ك"متوحشين، لا يعرفون الرحمة"، وكانوا يمارسون ابشع اشكال العبودية ضد الزنوج الذين اقتلعوا من أوطانهم في افريقيا وجلبوا الى أمريكا من أجل العمل بالسخرة في المناجم وحقول التبغ والقطن.
عندما كانت وثيقة الاستقلال تتكلم عن الحق بالحياة والحرية والبحث عن السعادة التي منحها الخالق للناس كانت تعني بالذات حق هذا المستوطن بالحياة حتى ولو قتل غيره وحقه بالحرية حتى ولو استعبد أهل الارض جميعا وحقه بالسعادة ولو كانت هذه السعادة مبنية على تعاسة الآخرين.
إن استقلال الولايات الامريكية لم يأت نتيجة نضال شعب مضطهد، يرزح تحت الاحتلال الاجنبي، ويصبو للحرية والاستقلال من أجل أن ينمي قيمه وثاقفته ويحافظ على حضارته، وليس نتيجة لثورة إجتماعية وسياسية تقدمية، كما يحاولون إقناعنا من خلال مناهج التعليم التجهيلية في المدارس والجامعات، بل جاء بسبب تذمر هؤلاء المستوطنين من الضرائب الباهضة لتي كانت المملكة البريطانية تفرضها عليهم وتثقل بها كاهلهم، ومن التقيدات الاقتصادية والفساد الاداري لهذه المملكة والتي تفاقمت في تلك الفترة نتيجة حرب السبع سنوات بين أنجلترا وفرنسا ومحاولة انجلترا تعويض خسائرها عن طريق مستوطناتها. ما يسمى بالثورة الامريكية لم تكن مستوحاة من الثورة الفرنسية ومن مبادئها التحررية في ذلك الوقت. مؤسسوا الولايات المتحدة الامريكية لم يكونوا ثوارا إجتماعيين يتمتعون بمزايا أخلاقية سامية كما يصورنهم لنا، بل كانوا مستعمرين متعطشين للمال والسلطة. جورج واشنطن، جون آدمز، توماس جفرسون وغيرهم من المؤسسين مسؤولين عن إقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في حق السكان الاصليين.
لقد كتب سيمون بوليفار أحد أبطال استقلال أمريكا اللاتينية يقول:"يبدو أنه كتب على الولايات المتحدة الامريكية أن تقوم بتعذيب القارة بإسم الحرية".
الطبيعة العدوانية لهذا الكيان لم تبق محصورة داخل القارة الامريكية بل تم تصديره الى باقي بلدان العالم تحت شعارات الحرية والديموقراطية واستقلال الشعوب. لعل أشهر هذه الاكاذيب والتي انطلت على العديد من الناس جاءت في أعقاب الحرب العالمية الاولى وإقامة عصبة الامم المتحدة، في بنود السلم ال14 التي قدمها وويدرو ويلسون الذي أعتبر محرر أوروبا ونصير الشعوب المظلومة الذي ينادي بحق الامم في تقرير مصيرها، حيث كتب يقول: " واجبنا الخاص تجاه كل شعب مستعمر هو أن نعيد لهذا الشعب النظام والسيادة وندربه على القانون والتعود عليه وطاعته" بروح مبادئ ويلسون تم إصدار صك الانتداب على فلسطين الذي تعهد بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وباقي القصة معروفة.
في تلك الفترة بدأت الولايات المتحدة الامريكية تحل مكان الاستعمار القديم الذي كانت تمثله من حيث الاساس بريطانيا وفرنسا. وقد إكتمل هذا الدور بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ليس قبل أرتكاب جرائم ضد الانسانية لا تقل من حيث بشاعتها وهمجيتها عن جرائم النازية. يكفي أن نذكر هنا القتل المكثف للمدنيين خصوصا قصف وتدمير مدينة درسدرن حيث قتل أكثر من 130 ألف مدني بالرغم من قيام الجيش الاحمر بتحرير تلك المنطقة التي لم تعد تشكل هدفا حربيا، وكذلك إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وقتل 75 ألف مدني بالرغم من قبول إمبراطور اليابان لمبدا ألإستسلام.
منذ ذلك الحين وحتى اليوم قامت الولايات المتحدة الامريكية بشن الحروب المتواصلة في جميع أرجاء العالم من كوريا وفيتنام وكمبوديا الى بنما وتشيلي ونيكارغوا، الى افغانستان والعراق وفلسطين. وأين لا؟ لقد أصبحت الولايات المتحدة الامريكية من غير منازع وبإمتياز العدو رقم واحد لكافة الشعوب وتشكل خطرا داهما على المجتمع الانساني ككل.
عيد إستقلال سعيد يا أمريكا