Wednesday, July 16, 2008

بشار الاسد على طريق انور السادات


لقد أثار الاسد دهشة خصومه ومؤيديه في تصريحه المفاجئ في مؤتمر "الاتحاد من أجل المتوسط" في باريس أمام العديد من الزعماء العرب والاوروبيين. جاء على لسان بشار الاسد ما يلي:"إن توقيع إتفاق سلام مع اسرائيل هو مسألة تحتاج من ستة أشهر الى سنتين بحد أقصى في حال كان الطرفان جادين للإنخراط في محادثات مباشرة".
في الحقيقة كنت من أكثر الناس اندهاشا لمثل هذا التصريح الى درجة انني شككت في صحته. وبالرغم من سماعي له في عدة نشرات إخبارية صادرة عن محطات مختلفة، وقرآتي له في عدة مواقع الا انني لم اصدقه نهائيا حتى شاهدته بنفسي يتكلم.
هذا التصريح البائس هو أكثر تصريح مؤيد لاسرائيل سمعته من زعيم عربي في السنوات الاخيرة. وهو بمثابة شهادة زور تمنح لإسرائيل على إعتبار انها دولة محبة للسلام وكأنها حمامة سلام ناصعة البياض. هذا التصريح لا يختلف بشيء عن تصريحات زعماء العالم الذين حجوا الى اسرائيل هذا العام، مثل المستشارة الالمانية ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي، نهايك عن الرئيس الامريكي بوش ومرشح الحزب الديموقراطي أوباما. بل أدعي أن تصريح الرئيس السوري اشد خطورة كونه صادر عن دولة عربية تعتبر ركيزة ما يسمى معسكر الممانعة.
خلال 6 أشهر وكحد اقصى سنتين ويوجد هناك اتفاقية سلام؟؟ حتى رئيس السلطة محمود عباس توقف عن ترديد احلامه بإمكانية التوصل الى اتفاق سلام حتى نهاية السنة كما وعده جورج بوش في آنابوليس. هدئ أعصابك يا الرئيس، ولا تكن شديد الحماس، فما زلت جديد العهد في مهنة المفاوضات. حتى الان لا يوجد لديك "خارطة طريق" تضيع في شعابها سنوات طويلة لكي تجد نفسك في نقطة البداية. وهذا هو مؤتمرك الاول تحت رعاية ساركوزي الذي ينوب عن بوش. فلا يوجد لديك حتى الآن مؤتمرات قمة وقمامة في شرم الشيخ أو كامب ديفيد أو آنا بوليس.
ليس من العيب أن يتعلم الانسان العاقل من تجارب غيره. أنظر الى المفاوض الفلسطسني الذي اضاع 17 سنة من عمره يركض من مدينة الى أخرى ومن مؤتمر الى آخر. وقدم التنازل تلو التنازل لاهثا وراء وهم اتفاق سلام مع اسرائيل. وماذا كانت النتيجة؟ لا شيء، صفر=صفر.
انت تصرح كل يوم: "السلام هو خيار استراتيجي لسوريا" و "لا خيار أمامنا سوى السلام". وهنا أيضا يصرح المسؤولون الاسرائيليون يوميا كم هم حريصون على السلام، وانهم على استعداد لتقديم تضحيات أليمة من أجله، مشكلتهم انهم لا يجدون شريكا للسلام في الطرف الآخر. مساكين، يثيرون الشفقة. فبعد أن عصروا ياسر عرفات عصرا وجدوا انه ليس شريكا ملائما فتخلصوا منه نهائيا، وها هم يعصرون محمود عباس والنتيجة يعرفها القاصي والداني.
نعم، يا فخامة الرئيس، انتم الطرفان جديان في سعيكم الدؤوب من أجل السلام. وهذا يعني أن طريق المفاوضات سوف تكون قصيرة وهي كما يبدو تتطور وتحقق إنجازات فقد بدأت مفاوضات سرية وها هي اليوم تصبح علنية ولكنها غير مباشرة وغدا سوف تصبح علنية ومباشرة ومن يدري ربما بعد غد سو ف تؤتى ثمارها. وقد نراك في الصيف القادم تسبح مع نظيرك الاسرائيلي في بحيرة طبريا.
أنا أعتقد، وبجد هذه المرة، أن اسرائيل تريد السلام مع سوريا وهي لا تخفي ذلك بل تعلنه في كل مناسبة وأمام كل من يريد أن يسمع. هذا هو السلام الذي تريده الاسرائيل:
أولا، وقبل كل شيء انتزاع سوريا من محيطها العربي ومن إنتمائها العربي، تماما كما فعلت مع مصر في كامب ديفيد. وهذا يعني أن تتخلى سوريا عن تحالفها مع المقاومة العربية في لبنان وأن تطرد "الارهابيين" الفلسطينيين من دمشق، وأن تتخلى عن "محور الشر" وتلتحق ب"محور الخير" الذي تقوده امريكا وأسرائيل.
ثانيا، أن تأخذ سوريا دورها في معسكر الاعتدال العربي وتشارك في الحرب الدولية ضد الارهاب الاسلامي وضد كل من تسول له نفسه معارضة الهيمنة الامريكية او التغلغل الاسرائيلي.
ثالثا، أن تطبع علاقتها مع اسرائيل وتفتح اسواقها على مصارعها أمام السلع والرأسمال الاسرائيلي.
مقابل ذلك قد تنسحب إسرائيل من هضبة الجولان ولكن بشرط أن تبقى منزوعة السلاح، ولن ترفض تواجد قوات فرنسية لحفظ السلام بدل او الى جانب قوات الامم المتحدة. أي بإختصار أن تتحرر الجولان كما "تحررت" سيناء من قبل، أي بعد 30 سنة اسرائيل هي التي تقرر من يدخل سيناء وكم يكون عددهم.
السؤال الذي اطرحه هنا: هل حضور مؤتمر باريس وما تمخض عنه من وعود اوروبية هو الخطوة الاولى نحو الإرتماء في أحضان الغرب؟ وهل عودة الاستعمار الفرنسي من الشباك بعد أن خرج من الباب هو الدفعة الاولى على الحساب؟

No comments: