"هل هناك أمل بأن تصبح مليونيرا؟ هيا أدخل وافحص"
"أكتب اسمك واسمها واعرف نسبة الامل تكونوا لبعض"
"كوني متجددة في الفراش. كيف تثيرينه بعد كل جماع"
" شاهدوا الحلقة 93 من مسلسل نور" "شاهدوا الحلقة 109 من مسلسل سنوات الضياع"
هذه فقط غيض من فيض العناوين الرئيسية التي تزين غالبية المواقع الاخبارية المحلية وتنغل بها الصحف المكتوبة. نتكلم كثيرا عن المستوى الهابط للعديد من الفضئيات التي التي تتحفنا بمستوى هابط من الفن ولكننا نخرس عن الكلام حول المستوى الاشد هبوطا الذي تشهده صحافتنا المحلية المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية والمكتوبة على حد سواء.
لا أدري من أول من أطلق على مثل هذه الصحافة بالصحافة الصفراء، أنا شخصيا أحبذ أن نطلق عليها اسما آخرا، لأننا نظلم اللون الاصفر، وخصوصا وأنه أحد الالوان المفضلة لدي. فهو حسب رأيي لون جميل وناعم وجذاب. على عكس هذه الصحافة التي تقوم على الفضائح والإثارة والشائعات والمبالغة والتشهير ودغدغة غرائز القراء، والضحالة والعقم، الخ.
مع الانتشار السريع للانترنت والتوزيع المجاني للجرائد المطبوعة في الحوانيت والمقاهي ومحطات البنزين أصبحت هذه الصحافة آفة، لا بل وبأ يجب التصدي له. فهذه الجريدة تنشر الاستطلاعات المزيفة التي تؤكد أنها الجريدة الاكثر انتشارا في البلاد، بينما تقوم الجريدة المنافسة بتزوير الحقائق. ومن يقرأ مثل هذه الادعاءات يظن بأنه امام جريدة عريقة كالاهرام أو النيويورك تايمز، وذاك الموقع يعلن بأنه الاكثر ارتيادا من قبل الزوار ليس على المستوى المحلي وحسب بل وعالميا أيضا. ولكن عندما تفتح هذه الجريدة من الصفحة الاولى الى الصفحة الاخيرة، من الغلاف الى الغلاف، لا يستوقفك شيء ذو أهمية. وبعد لحظات وجيزة تنبذها جانبا وانت تردد في قرارة نفسك: خسارة على الورق وعلى الوقت الضائع. الشيء نفسه يحدث أثناء زيارة المواقع الالكترونية التابعة لهذه الجرائد. العبرة ليست في كمية مرات الدخول لها بل في فترة المكوث بها ومقدار الفائدة التي تقدمها. وحسب رايي، قارئ يحترم نفسه لا يستطيع أن يمكث بها أكثر من لحظات معدودة وبعد أن يغادرها يشعر بالندم لتبديده هذا الوقت نظرا لتفاهتها وضحالة محتواها.
لا اريد هنا أن أذكر جرائد ومواقع بأسمائها، فالقارئ المتوسط يعرف بالضبط أي منها هو المقصود. قد يدعي البعض أن مثل هذه الجرائد والمواقع تلاقي رواجا ملحوظا وتحظى بشعبية خصوصا عند الاجيال الشابة بينما تلاقي الجرائد والمواقع الجدية كسادا. قد تكون هذه الظاهرة صحيحة نسبيا، وهنا بالضبط تكمن خطورتها. وإن دلت على شيء فإنها تدل على عمق الازمة الثقافية والاجتماعية التي تجتاح مجتمعنا، والتي هي جزء من الازمة العامة التي نعاني منها على كافة الاصعدة. غياب المؤسسات الثقافية والتعليمية الوطنية الملتزمة يلعب دورا سلبيا في رواج هذه الصحف والمواقع. اننا نقف هنا بالاساس امام مشاريع تجارية هدفها جني الارباح الطائلة بأسرع وقت وأقل تكلفة. هذه الظاهرة بدأت تتفشى لتشمل العديد من المؤسسات التعليمية، فقد أصبحت رياض الاطفال، مثلا تباع للمقاولين وكأنها سلعة عادية ضاربين بعرض الحائط مستقبل أطفالنا. وبسبب الاهمال الحكومي المبرمج والمقصود اصبحت المدارس على كافة مستوياتها والكليات مرتعا لشتى اشكال الانتهازيين الذين يلهثون وراء الربح السريع. يقول المثل الشعبي: اعط الخبز لخبازه. وهل هناك خبز أهم من خبز الثقافة والتعليم؟ فكيف نفرط به لكل من هب ودب ممن يحترف مهنة تحويل التعليم الى سلعة.
في صباح كل يوم جمعة، عندما أجمع هذا الكم الهائل من الصحف المحلية الصادرة في هذا اليوم، اشعر للوهلة الاولى وكأن هناك مدا ثقافيا هائلا يجرف مجتمعنا، ولكني سرعان ما اصاب بخيبة أمل وإحباط بعد تصفح عدة صفحات. الامر نفسه ينتابني عندما ابحر في عباب الشبكة العنكبوتية، وأرى الكم الهائل من المواقع المحلية التي تعد بالكثير ولكنها تفي بالقليل، خصوصا إذا قارناها بالصحف والمواقع العبرية.
لقد آن الاوان أن ننقي القمح من الزوان وأن نقتلع الاعشاب الضارة التي تحاصر الورود في بساتيننا. اننا نستحق صحافة مكتوبة ومرئية ومسموعة والكترونية راقية ومحترمة تكون مرآة صادقة لتطلعاتنا وطموحتنا وليس لواقعنا البائس. هذه المهمة تقع على عاتق المثقفين الواعين الملتزمين وطنيا وخصوصا من بين الاجيال الشابة.
علي زبيدات - سخنين
3 comments:
hey you are the best ever , i hate to see سنوات الضياع و نور and even i tryed to let my family see it , it is a stupid thing to accept. thanks for writing that article ,
zaher
مشكور على هذا المقال الجميل والله يهدي الشعب الفلسطيني
شكرا على الاهتمام. تخلف صحافتنا المحلية هو أنعكاس للتخلف العام الذي يعاني منه مجتمعناوتستعملها السلطات الاسرائيلية كوسيلة لإلهائنا ن المطالبة بحقوقنا ولتشويه نضالنا. يجب أن نصبو ونعمل من أجل صحافة نظيفة تقدمية ملتزمة تخدم قضيتنا العادلة وتدافع عنها
Post a Comment