قبل 36 عاما طالت يد الغدر الاسرائيلية المناضل والمفكر والكاتب العربي الفلسطيني غسان كنفاني. لقد خطفته يد الغدر هذه وهو في ريعان شبابه وفي أوج عطائه. لم يكن غسان مقاتلا بالمعنى الحرفي للكلمة. لم يحمل كلاشينكوف ويطلق الرصاص في إتجاه مغتصبي أرضه ومهجري أهله ولم يفجر عبوات ناسفة. كان يحمل قلما يكتب كلمات. ولكنها كلمات كانت تخرج صرخات من أعماق جرحه وجرح شعبه، كانت أقوى من الرصاص وأشد دمارا من العبوات الناسفة ولهذا السبب بالذات كان مستهدفا من قبل العصابات الارهابية التي تسمي نفسها مجازا الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة.
غسان كان يزرع الكلمات في البيارات المهجورة لكي لا تنسى وفي بيوت حيفا التي أفرغت من اهلها بالقوة وفي قلوب اللاجئين الذين شردوا في الفيافي والصحاري وهاموا على وجوههم لتحصيل لقمة العيش. بينما كان مجرمو الموساد وبإعترافهم الصريح هم الذين يزرعون العبوة الناسفة في سيارتة ويفجرون معه إبنة أخته لميس.
لقد كان غسان صاحب قضية وصاحب موقف. وقد يظن البعض أن قضيته كانت قضية فلسطين وهذا خطأ شائع، لأن قضيته تجاوزت الحدود الجغرافية لفلسطين، تجاوزت كل الحدود وأصبحت قضية إنسانية من الطراز الاول. الحس الانساني المرهف ينتشر بين سطور "رجال في الشمس" "عائد الى حيفا" "أم سعد" وغيرها من الروايات والقصص. وليس غريبا أن تترجم أعماله الى معظم لغات العالم. في إغتيالهم له قام عملاء الموساد من حيث لا يدرون بتخليده.
لا ترمي هذه المقالة تناول مؤلفاته الادبية والفكرية بالتحليل، فالمكتبات تعج بالكتب والمقالات والدراسات في هذا المجال. كل ما اطمح اليه في هذه العجالة هو نفض بعض الغبار الذي تراكم على بعض الكلمات التي تعبر عن المواقف التي عاش غسان واستشهد من أجلها، ونحاول نحن الفلسطينيون عن قصد أو عن غير قصد التغاضي عنها.
قال غسان: " إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية..فالأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغير القضية" وكأنك يا رفيق كنت تتنبأ بما سيحدث. لقد بقي المدافعون الفاشلون في مواقعهم بينما تغيرت القضية الى حد التشويه. ولو عدت الينا يا رفيق لما تعرفت على قضيتك. فقد أدخلنا كل زناة الارض الى حجرتها وسحب هؤلاء المدافعون خناجرهم وتنافخوا شرفا وصرخوا فيها أن تسكت صونا للعرض... مع المعذرة للشاعر مظفر النواب.
لقد كنت تقول:" إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين" وكان الاحرى بك أن تقول إن قضية الحياة ليست على الاطلاق قضية الباقين ... أنها قضية الاموات. فالشهداء هم الوحيدين الاحياء أما نحن فلسنا أحياء سوى مجازا.
قلت: "إن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق و تافه لغياب السلاح..وإنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال
الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه". ولكن سلاحنا اليوم يا رفيق هبة من إسرائيل تحت إشراف مدربين أمريكيين وعملاء من بعض الدول العربية، لذلك اليوم لا يجود تعويض لكلماتك.
وقلت أيضا: " لا تمت قبل أن تكون ندا" الحمد لله انك استشهدت يا رفيق لأنك لو عشت حتى هذه الايام فلن تستطيع أن تكون ندا لكبار المفاوضين وكبار المهربين وكبار المقامرين.
وأخيرا كتبت تقول:" بالدم نكتب لفلسطين" ونحن نقول لك في هذه الذكرى: بالدم نقرأ لفلسطين.
No comments:
Post a Comment