تحتفل الولايات المتحدة الامريكية في هذا اليوم بعيد إستقلالها الذي أعلن عنه في 4 يوليو من عام 1776. في هذه المناسبة لا بد من فضح الاساطير التي روجتها الامبيريالية الامريكية على مدار ما يقارب قرنين ونصف من الزمن. هذه الاساطير المؤسسة على إعلان وثيقة الاستقلال ومن ثم على الدستور الامريكي والتي تصور الولايات المتحدة الامريكية نبراسا للحرية ونصيرا للديموقراطية والاستقلال في العالم بإسره.
جاء في وثيقة الاستقلال الامريكية: "يولد كل الناس متساوين، وقد وهبهم الخالق حقوقا غير قابلة للتنازل عنها: حق الحياة وحق، وحق الحرية، وحق البحث عن السعادة." (هذا الكلام المعسول يذكرنا بوثيقة إستقلال أخرى أعلنت عام 1948 هي وثيقة الاستقلال الاسرائيلية التي أعلنت هي الاخرى انها "تحافظ على المساواة التامة في الحقوق اجتماعيا وسياسيا بين جميع رعاياها دون التمييز من ناحية الدين والعرق والجنس...الخ" بينما كانت ترتكب المجازر وتهدم القرى وتهجر شعبا بإسره ).
الوثيقة الامريكية التي كانت تعلن أن "كل الناس يولدون متساوين" كانت تعني في حقيقة الامر انه يوجد ناس متساوين أكثر من غيرهم، بل كانت تقول أكثر من ذلك: أنهم هم "الناس" بينما الآخرون هم أقل من الناس. فعند الاعلان عن هذه الوثيقة كان قطعان المستوطنين القادمين من أوروبا يشنون حرب إبادة وتطهير عرقي لا شبيه لها في التاريخ ضد الهنود الحمر، سكان البلاد الاصليين والذين اعتبروا في عرف هؤلاء المستوطنين ك"متوحشين، لا يعرفون الرحمة"، وكانوا يمارسون ابشع اشكال العبودية ضد الزنوج الذين اقتلعوا من أوطانهم في افريقيا وجلبوا الى أمريكا من أجل العمل بالسخرة في المناجم وحقول التبغ والقطن.
عندما كانت وثيقة الاستقلال تتكلم عن الحق بالحياة والحرية والبحث عن السعادة التي منحها الخالق للناس كانت تعني بالذات حق هذا المستوطن بالحياة حتى ولو قتل غيره وحقه بالحرية حتى ولو استعبد أهل الارض جميعا وحقه بالسعادة ولو كانت هذه السعادة مبنية على تعاسة الآخرين.
إن استقلال الولايات الامريكية لم يأت نتيجة نضال شعب مضطهد، يرزح تحت الاحتلال الاجنبي، ويصبو للحرية والاستقلال من أجل أن ينمي قيمه وثاقفته ويحافظ على حضارته، وليس نتيجة لثورة إجتماعية وسياسية تقدمية، كما يحاولون إقناعنا من خلال مناهج التعليم التجهيلية في المدارس والجامعات، بل جاء بسبب تذمر هؤلاء المستوطنين من الضرائب الباهضة لتي كانت المملكة البريطانية تفرضها عليهم وتثقل بها كاهلهم، ومن التقيدات الاقتصادية والفساد الاداري لهذه المملكة والتي تفاقمت في تلك الفترة نتيجة حرب السبع سنوات بين أنجلترا وفرنسا ومحاولة انجلترا تعويض خسائرها عن طريق مستوطناتها. ما يسمى بالثورة الامريكية لم تكن مستوحاة من الثورة الفرنسية ومن مبادئها التحررية في ذلك الوقت. مؤسسوا الولايات المتحدة الامريكية لم يكونوا ثوارا إجتماعيين يتمتعون بمزايا أخلاقية سامية كما يصورنهم لنا، بل كانوا مستعمرين متعطشين للمال والسلطة. جورج واشنطن، جون آدمز، توماس جفرسون وغيرهم من المؤسسين مسؤولين عن إقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في حق السكان الاصليين.
لقد كتب سيمون بوليفار أحد أبطال استقلال أمريكا اللاتينية يقول:"يبدو أنه كتب على الولايات المتحدة الامريكية أن تقوم بتعذيب القارة بإسم الحرية".
الطبيعة العدوانية لهذا الكيان لم تبق محصورة داخل القارة الامريكية بل تم تصديره الى باقي بلدان العالم تحت شعارات الحرية والديموقراطية واستقلال الشعوب. لعل أشهر هذه الاكاذيب والتي انطلت على العديد من الناس جاءت في أعقاب الحرب العالمية الاولى وإقامة عصبة الامم المتحدة، في بنود السلم ال14 التي قدمها وويدرو ويلسون الذي أعتبر محرر أوروبا ونصير الشعوب المظلومة الذي ينادي بحق الامم في تقرير مصيرها، حيث كتب يقول: " واجبنا الخاص تجاه كل شعب مستعمر هو أن نعيد لهذا الشعب النظام والسيادة وندربه على القانون والتعود عليه وطاعته" بروح مبادئ ويلسون تم إصدار صك الانتداب على فلسطين الذي تعهد بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وباقي القصة معروفة.
في تلك الفترة بدأت الولايات المتحدة الامريكية تحل مكان الاستعمار القديم الذي كانت تمثله من حيث الاساس بريطانيا وفرنسا. وقد إكتمل هذا الدور بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن ليس قبل أرتكاب جرائم ضد الانسانية لا تقل من حيث بشاعتها وهمجيتها عن جرائم النازية. يكفي أن نذكر هنا القتل المكثف للمدنيين خصوصا قصف وتدمير مدينة درسدرن حيث قتل أكثر من 130 ألف مدني بالرغم من قيام الجيش الاحمر بتحرير تلك المنطقة التي لم تعد تشكل هدفا حربيا، وكذلك إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وقتل 75 ألف مدني بالرغم من قبول إمبراطور اليابان لمبدا ألإستسلام.
منذ ذلك الحين وحتى اليوم قامت الولايات المتحدة الامريكية بشن الحروب المتواصلة في جميع أرجاء العالم من كوريا وفيتنام وكمبوديا الى بنما وتشيلي ونيكارغوا، الى افغانستان والعراق وفلسطين. وأين لا؟ لقد أصبحت الولايات المتحدة الامريكية من غير منازع وبإمتياز العدو رقم واحد لكافة الشعوب وتشكل خطرا داهما على المجتمع الانساني ككل.
عيد إستقلال سعيد يا أمريكا
No comments:
Post a Comment