Tuesday, July 22, 2008

في الذكرى 56 لثورة يوليو المجيدة: الثورة هي الطريق الوحيد للحرية ولااستقلال


الثورات في العالم العربي نادرة. بينما كانت الثورات الاجتماعية والسياسية تجتاح أوروبا وتغير وجهها تغييرا جذريا كان العالم العربي خلال قرون طويلة يغط في سبات يكاد أن يكون موتا سريريا على كافة المستويات. في القرن العشرين كانت هناك بعض الاستثناءات أو على الاصح بعض المحاولات لثورات كانت تهدف إجراء تغيرات جذرية شاملة على مبنى المجتمع العربي. ولكن سرعان ما كانت هذه المحاولات تجهض قبل أن تحقق أهدافها أو سرعان ما تنحرف عن مسارها وتتحول الى ثورة مضادة.
يبدو أن القانون الذي يتحكم في تفجر الثورات وتطورها ونهايتها هو قانون ديالكتيكي ديناميكي مشحون بالتناقضات الداخلية والخارجية وتحت ظروف معينة يتحول الى ضده. هكذا تحولت الثورات الكبرى بعد فترة، كانت تطول أو تقصر، الى ضدها، الى ثورات مضادة بعد أن أكلت ابناءها الذين صنعوها. هذا ما حدث للثورة الفرنسية الكبرى التي انتهت الى أعمال إرهابية وحروب مستمرة وكانت فاتحة لعصر استعماري بغيض إجتاح العديد من بلدان العالم، وهذا ما حدث لكومونة باريس ومن ثم لثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا التي اندثرت نهائيا وللثورات في الصين وفيتنام والجزائر وغيرها.
غير أن تحول الثورة الى ضدها لا يقلل من ضرورتها ولا من اهميتها التاريخية. فهي قبل أن تجهض أو تنحرف تكون قد حققت أهدافا كان من المستحيل تحقيقها في فترة زمنية قصيرة. فالثورات تختصر المسافات. وفي معظم الاحيان حتى الثورة المضادة لا تستطيع أن تمحو كل الانجازات التي حققتها الثورة ونرها في كثير من المجالات تحقق وصية الثورة مرغمة.
ثورة 23 يوليو التي فجرها الضباط الاحرار بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في مصر هي إحدى الثورات الفريدة من نوعها التي حاولت نقل العالم العربي ( وليس مصر فحسب) من ركود وتخلف القرون الوسطى الى العصر الحديث واللحاق بقطار المدنية.
بعد 56 سنة من إنطلاقها، نستطيع أن نقول أن مصير هذه الثورة كان كمصير الثورات الكبرى التي ذكرناها. حيث تكالب عليها الاعداء من الداخل ومن الخارج، منعوها من تحقيق أهدافها، حرفوها عن مسارها الصحيح ومن ثم أجهضوها نهائيا. ولكن هذا المصير الماساوي لا يقلل من أهميتها التاريخية ولا ينفي ضرورة حصولها.
ما هي الظروف التي جعلت الثورة ضرورية وحتمية؟ وماهي الانجازات التي حققتها الثورة وما هي الانجازات التي لم تستطع تحقيقها؟
لقد كانت ثورة يوليو 1952 أولا وقبل كل شيء ثورة على النظام الاقطاعي الفاسد الذي كان سائدا في مصر. هذا النظام الطفيلي الذي اوصل الجماهير الى حافة المجاعة بينما كانت خيرات مصر حكرا على طبقة ضئيلة من الاقطاعيين الملتفين حول الملك والخاضعين في الوقت نفسه للهيمنة الاجنبية. لقد سددت الثورة ضربة قاضية الى هذا النظام. وخلال ايام قليلة من انطلاقة الثورة تم الغاء الملكية الى الابد واعلان الجمهورية. في الوقت نفسه تم توجيه ضربة قاسية الى البناء الاقطاعي من خلال الاصلاح الزراعي الذي جرد الاقطاعيين من إحتكارهم للأرض وإعادة تقسيمها على الفلاحين الفقراء. ولكن للأسف الشديد أحجمت قيادة الثورة عن تسديد ضربة قاضية للاقطاع مما أتاح له فيما بعد من رفع رأسه والعودة الى الواجهة.
وكانت الثورة ثانيا ضد الاستعمار. فقد كان استقلال مصر شكليا وكانت بريطانيا هي التي تحدد وتنفذ جميع السياسات. وفي بعض القطاعات كانت السيطرة الاستعمارية مباشرة وكاملة، خصوصا سيطرتها على قناة السويس. لقد طالبت الثورة منذ البداية بجلاء آخر مستعمر عن ارض مصر الامر الذي رفضته القوى الاستعمارية التي قامت بش هجوم ثلاثي انجليزي – فرنسي – اسرائيلي للقضاء على الثورة وتخليد السيطرة الاستعمارية. خرجت الثورة من هذا العدوان منتصرة بفضل البطولات والتضحيات التي قدمها الشعب المصري. ورحل الاستعمار بجميع أشكاله عن ارض مصر. غير أن الاستعمار بشكله الجديد ( الهيمنة الامريكية – الاسرائيلية) قد عاد بعد إجهاض الثورة.
لقد خطت الثورة خطوات جبارة لتحقيق عدالة إجتماعية وإقامة حياة ديموقراطية سليمة. فقد أعلنت الثورة عن مجانية التعليم العالي، وهكذا وجد ابناء الفقراء طريقهم الى الجامعات بعد أن كانت حكرا على أبناء الاغنياء، وتم بناء السد العالي وهو أكبر مشروع تنموي على المستوى العالمي، وأتخذت الاجراءات اللازمة لبناء جيش وطني قوي. الا أن هذه الخطوات قد تعثرت من بدايتها. لم يكن لدى معظم قيادة الثورة رؤية واضحة للمجتمع الجديد الذي يناضلون من أجله وكانت تنقصهم النظرية الثورية الضرورية للتقدم على الطريق السليم.
لعل الانجاز الاهم لثورة يوليو كان يكمن في طابعها القومي التحرري المعادي للإستعمار. فقد اصبحت هذه الثورة نموذجا للبلدان العربية (الجزائر، اليمن، فلسطين) وللدول النامية خصوصا في أفريقيا وآسيا. للمرة الاولى منذ قرون شعرت الشعوب العربية بإنها ليست خارج التاريخ بل بدأت تصنعه بعد أن أعادت الثورة لها كرامتها القومية والانسانية.
ثورة يوليو، كما قلنا، لم تحقق كافة مهامها. وهناك من غير شك مهام يجب أن تنجز، ليس على صعيد مصر فحسب بل على صعيد العالم العربي. لذلك فإن ثورة يوليو جديدة هي ضرورية وحتمية. فقط من خلال ثورة جديدة، تتعلم من أخطاء الماضي، لا تقدم التنازلات المبدئية للعهد البائد، ولا تتوقف في منتصف الطريق، تستطيع الشعوب العربية توحيد صفوفها وانتزاع حريتها وإستقلالها.

No comments: