من يزور مدينة سخنين في هذه الايام لا بد أن يشعر بالاكتئاب. واذا كان مرهف الحس رقيق المشاعر فقد يشعر بالغثيان أيضا. تبدو المدينة في هذه الايام منكوبة وكأنها خارجة للتو من تسونامي مدمر لا يعرف الرحمة. أكوام الزبالة على طرفي الطرقات. كل عدة أمتار كوم، بل قل تلة صغيرة تنمو باستمرار. على ربوع هذه التلال ترتع الققط باحثة عن قوتها اليومي، وربما كانت هي المخلوقات الوحيدة السعيدة بهذه المناظر. لا آسف، هناك الجرذان ايضا ولكن ما يتغص سعادتها تواجد القطط المكثف من حولها. من يسير على الاقدام ويمر بالقرب من هذه المزابل يوسع خطاه، يغلق انفه بسبابته وابهامه حتى يتجاوزها، ويتمتمم ببعض الكلمات، أغلب الظن انها شتائم من النوع الثقيل للمسوؤلين عن هذا الوضع المأسوى. ومن ثم يتابع مسيره وكأن هذا الشيء اصبح شيئا عاديا.
ولكن هذا ليس كل شيء. يدخل هذا المواطن الى بيته، غالبا بعد يوم من العمل الشاق. يفتح حنفية الماء، فإذا كان محظوظا، اي اذا كان يسكن في مكان منخفض بعض الشي، فسوف ينساب من الحنفية بعض القطرات من الماء تشبه طفلا صغيار يبول. ولكن اذا كان نكد الحظ، فلن يجد ولا لحسة. يتمتم مرة أخرى ببعض كلمات، وأترك فحواها لخيال القارئ. يجمع بعض قناني البلاستك ويذهب الى العين حيث يقف الناس بالدور كل مع قنانيه. أراقب هذا المشهد من قرب، وتعود بي الذاكرة 40 عاما الى الوراء عندما كنا اطفالا صغار يرسلنا اهلنا الى جلب الماء من العين مع حمار وضعوا عليه جلنين من الحديد. طبعا الحمير انقرضت من المدينة وحلت مكانها السيارات الفخمة والجلن ايضا إختفى وأخذت مكانه قنينة البلاسيك.
هذا المشهد السريالي نشهده كل يوم. وأدعوا الجميع لمشاهدته لكي لا يظن انني ابالغ. وأظن أن الاوضاع في باقي المدن والقرى في هذه البلاد لا تختلف كثيرا عنها في سخنين.
استمع الى احاديث المواطنين في البيوت، في الاماكن العامة،في اماكن العمل والدواوين وفي كل مكان. وضع المدينة المزري هو موضوع الساعة. لم يبق هناك مكان لحصار غزة او للهدنة أو لتبادل الاسرى أو للملف النووي الايراني الخ. كل هذه الامور بردت إزاء هذا الموضوع الساخن: الزبالة وانقطاع الماء.
ولكن للاسف الشديد، استمعت الى العامل والمعلم، للشباب والشيوخ، للرجال والنساء، للمثقفين وللأميين فلم أسمع سوى الشتائم، حتى بصراحة بدأت اتعاطف مع المسؤولين المساكين، واتعجب كيف يتحملون كل هذا الكم الهائل من الشتائم، الا يسمعونها؟ واكتشفت ان لكل شريحة من مجتمعنا لها شتائمها الخاصة بمفرداتها الخاصة. ولكن شيء واحد مشترك يجمع كل هذه الشرائح: لم اسمع اية نظرة تحليلية نقدية للأوضاع. والانكى من ذلك، لا يوجد هناك اي روح للمبادرة وكل محاولة للتغيير معدومة. وهكذا تستمر الحياة. حتى يفرجها ربك كما يقول كبارنا.
قال لي أحد المواطنين الحكماء وفي اعقاب اقواله أخترت عنوان هذه المقالة: ما أغبى إدارة هذه البلدية فالمواطن العادي لا يسأل وقد لا يهمه ما تقوم به او لا تقوم به البلدية في مجال التربية والتعليم والتطوير والتخطيط الخ. ولكنه من كل مهام البلدية يرى أمرين: الزبالة والماء. فإذا كانت البلدية تعاني بالفعل من عجز في الميزانيات ومن تمييز من السلطات وهذا الامر الذي يشل عملها. فلماذا لا تقلص من تلك الخدمات "الخفية" وتركز على توفير الماء وجمع الزبالة وهي الاقل تكليفا؟.
سؤال وجيه، اليس كذلك؟ ماذا تعمل بلدياتنا غير جمع الزبالة وتوفير المياه؟ فإذا كانت لا تستطيع تأمين هذين المطلبين البسيطين فما الحاجة الى هذه البلديات أصلا؟
ولكن السؤال الاوجه الذي يجب أن يسال هنا هو: هل من أجل جمع الزبالة وتوفير المياه يجب أن يكون ليدينا بلدية مع رئيس ونواب واعضاء ولجان؟
جوابي القطاع هو لا، لسنا بحاجة الى اية بلدية من أجل انجاز مثل هذا العمل البسيط. ولكن مشكلتنا أعمق واكثر تعقيدا من ذلك بكثير: لقد تعودنا على الاتكالية وانعدام روح المبادرة تماما. دع اكوام الزبالة تنمو وتصبح تلالا بل تصبح جبالا شاهقة في ارتفاع جبال هملايا، فلن تكون هناك اي مبادرة ذاتية للخلاص من هذا المأزق. سوف نستمر في رمي زبالتنا على الكومة.
لا اريد هنا أن أفتح موضوع الانتخابات الوشيكة للسلطات المحلية. فهذا موضوع واسع وقائم بذاته، ولكني أود هنا أن أدون مسبقا هذه الملاحظات:
اولا) طبعا لم يسقط المسؤولين علينا من كوكب آخر، فنحن الذين انتخبناهم، والشخص الذي نشتمه اليوم أغلب الظن اننا منحناه صوتنا بالامس، او سوف نصوت له في الانتخابات القادمة بناء على إعتبارات لنقل انها خاصة.
ثانيا) جربنا العديد من المسؤولين، منهم الامي ومنهم المتعلم، منهم من وصفناه بالعائلي ومنهم من تلفع بعباءة الحزبية فوجدنا أن جميعهم بالهواء سواء. واسمحوا لي أن ابالغ قليلا واقول: اننا ظلمنا المخاتير كثيرا، فعلى الاقل كان للمختار كلمة وكان "يمون" على جماعته، ليس مثل الرئيس "الديموقراطي" اليوم.
ثالثا) لقد آن الاوان، كما يقول المثل الا ننظر الى الاناء بل الى ما يوجد بداخله. سوف يصدر كل رئيس سابق قبل الانتخابات كتيبا يعدد فيه إنجازاته التي تؤهله لولاية جديدة وسوف يقوم منافسوه بزرع المقاثي بالوعود. فلا تنسوا ان هذه "الانجازات" كانت "وعودا" وأن "الوعود" سوف تصبح "انجازات" ولكن جميعها سوف يكون جزءا من تلة الزبالة.
رابعا) هل حقا يجب علينا دائما ان نختار بين العائلية التي تحزبت او بين الحزب الذي اصبح عائليا؟
في الاشهر القادمة، التي تسمى بالمعركة الانتخابية سوف نرى ونسمع العجب، وسيكون لنا لقاءات أخرى.
No comments:
Post a Comment