Wednesday, March 25, 2009

الذكرى ال33 ليوم الارض: ذهبت الارض وبقيت الذكرى





تقول الارقام أن الفلسطينين كانوا يملكون حتى عام 1948 97% من أراضي فلسطين بينما لا يملكون اليوم، بعد 61 عاما من النكبة، سوى أقل من 3%. جميعنا نعرف ماذا جرى للأرض: من الذي صادرها وكيف صودرت ومن يمتلكها الآن. أظن لا حاجة للشرح والتوسع في هذا المجال. الدراسات حول هذا الموضوع والحمد لله غزيرة جدا ومتشعبة تفيض من على صفحات الكتب والمجلات. السؤال الذي لا نحب أن نساله لأنفسنا ونخجل من التطرق اليه هو: ماذا فعلنا لمواجهة غول المصادرة؟ ماذا فعلنا لمقاومة نهب أراضينا؟
لن أكون جاحدا وسوف أعترف. لقد فعلنا الكثير الكثير. أولا، إستنكرنا بشدة هذه الاعمال الهمجية غير الإنسانية. ثانيا، أدنا بكل ما نملك من عبارات سياسة النهب الغاشمة ثالثا شجبنا كافة الخطوات التي استعملتها الحكومة لتجريدنا من أراضينا. هذا بالاضافة الى ما لا يحصى ولا يعد من الاحتجاجات الكلامية والشعارات الحماسية والخطابات الملتهبة.
المرة الوحيدة التي خرجنا بها عن المألوف كانت في 30 آذار عام 1976 أي قبل 33 عاما بالكمال والتمام. وهو يوم الارض الخالد الذي نحيي ذكراه اليوم. لقد كان يوما ليس ككل الايام. كان إضرابا شاملا وحد أشلاء الوطن المقطع من النقب في الجنوب الى جبال الجليل في الشمال. الامر الذي أربك حكومة اسرائيل التي أرسلت قواتها لتعيد إحتلال القرى المتمردة. وجرت اشتباكات سقط بها شهداء وجرحى وأمتلأت السجون بالمعتقلين.
كل شيء في يوم الارض الاول كان جميلا، رومانسيا: الاضراب، المواجهات، قصص التعاضد والتكافل، هذا بالاضافة لى مخاوف المسؤولين وردعهم من الاقتراب الى اراضينا بعد ذلك.
هذا هو يوم الارض الذي نحيي ذكراه اليوم. ولكن إياكم إياكم أن تذهبوا بعيدا. يوجد بيننا بعض المتطرفين، عديمي المسؤولية الذين يريدون العودة بنا الى تلك الايام. فهم يطالبون كل سنة بالاضراب العام ولا يريدون أن يفهموا أن الجماهير غير مستعدة وغير جاهزة للإضراب (كيف كانت هذه الجماهير مستعدة وجاهزة عام 1976؟؟). وهم بمواقفهم هذه يقودوننا الى مواجهة خاسرة مع السلطات مما بفقدنا الانجازات التي حققناها. وفي بعض الاحيان يقوم نفر من الشباب الطائش بمهاجمة الاسيجة الشائكة التي شيدتها السلطة "لحماية" الارض المصادرة أو يقومون برشق دوريات الشرطة بالحجارة أو بإشعال النار يالاطارات ومحاولة إغلاق بعض الشوارع. إننا طبعا ندين ونستنكر أعمال الزعرنة هذه.
يا جماهير شعبنا الصامد: إكتفوا من يوم الارض الخالد بالذكرى. فهنيئا لنا ولكم بهذه الذكرى الخالدة. وبهذه المناسبة نعلمكم أن الارض المصادرة لن تعود، وقد خوزقنا الحكومة، لا مصادرة بعد اليوم إذ لم يعد لدينا أرض لكي تصادرها.
لسنا افضل من الاعرابي الذي عاد الى أهله خالي الوفاض وهو يقول: "اوسعتهم شتما وأودوا بالابل". يوم الارض أصبح مناسبة مثالية لشتم الحكومة والمسؤولين. صفحات الجرائد العربية، الوطنية منها وغير الوطنية، سوف تنضح هذا الاسبوع بالشتائم. الاحزاب السياسية سوف تتنافس فيما بينها من خلال الندوات التي تنظمها على شرف يوم الارض من الذي يفوز ويربح الجائزة الاولى في فن الشتائم المبتكرة. المنصة في المهرجان الرئيسي سوف تهتز من عنف الخطابات.
وأين الارض؟ إختفت، ذهبت من غير رجعة. أرض سخنين استولت عليها مستوطنات مسغاف، وأرض الناصرة وقراها استولت عليها الناصرة العليا وأرض القدس تغتصب وتدنس يوميا وأرض النقب تسحب من تحت أقدام أصحابها.
لقد كان يوم الارض الاول إستثنائيا، شاذ عن القاعدة. أما باقي ايامنا التي تشكل القاعدة في ايام خنوع وتراجع وأيام خذلان الارض التي تخجل بنا.
خذوا الذكرى وأعيدوا لنا الارض.

Wednesday, March 18, 2009

العودة الى الحرب الباردة


هل تصريحات الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف بشأن ضرورة إعادة تسليح الجيش الروسي وتعزيز قدراته النووية والاستراتيجية هي بمثابة إعلان رسمي عن عودة الحرب الباردة في العلاقات الدولية وخصوصا بين الدول العظمى؟ كل المؤشرات تؤكد أن هذا هو الواقع. لم تأت تصريحات الرئيس الروسي باب الصدفة وهي ليست تصريحات، بل جاءت بعد تطورات الوضع السياسي والعسكري على ارض الواقع في السنوات الاخيرة على الاقل. جاءت هذه التصريحات ردا على السياسة التوسعية العنيفة التي يتبعها حلف الناتو لتوسيع نفوذه شرقا حتى وصوله الى تخوم روسيا وكان آخرها محاولة ضم أوكراينا وجورجيا الى هذا الحلف الامر الذي ترى به روسيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي. وقد أوضحت روسيا موقفها هذا في الحرب الاخيرة بينها وبين جورجيا. هذا بالاضافة الى قرار حلف ناتو بنشر ما يسمى الدرع الصاروخي في اوروبا الشرقية التي ترى به روسيا ايضا تهديدا لأمنها القومي.
بعد إنهيار الاتحاد السوقياتي، في تسعينات القرن، برزت الولايات المتحدة الامريكية كقوة عظمى وحيدة وأخذت تصرح وتمرح في العالم كما يحلو لها، بلا رقيب او محاسب. وبدأت تحشر انفها في كل صغيرة وكبيرة في شتى انحاء العالم وتثير النزاعات والحروبات في كل مكان. قامت بغزو وإحتلال أفغانستان والعراق والتدخل السافر في أفريقيا واسيا والتهديد بشن حروبات جديدة في ايران وسوريا وكوريا والسودان وغيرها من البلدان.
تورط أمريكا وحلفائها جلب عليهما أزمة إقتصادية خانقة لا يدري أحد كيف ستنتهي. غير أن التاريخ الحديث يؤكد أن الطريقة الافضل من وجهة النظر الامبريالية لحل أزماتها الاقتصادية هي شن المزيد من الحروب. دعونا نتذكر أن الركود الاقتصادي العنيف الذي عصف بهذه الدول في ثلاثينيات القرن الماضي قد قاد مباشرة الى الحرب العالمية الثانية التي لم تندمل جراحها بعد.
بالطبع، في هذا الصراع العالمي لا تقف دولة اسرائيل موقف الحياد. على العكس من ذلك تماما، بل هي تشكل في كثير من الاحيان رأس الحربة. من المعروف أن اسرائيل هي عضو غير معلن ولكنه رئيسي في حلف الناتو. وهي تملك ترسانة نووية واسلحة دمار شامل تحسدها عليها جميع الدول العظمى. وإذا ما قسنا حجمها الجغرافي والسكاني نستطيع أن نجزم أن هذه الدولة ليست سوى مخزن حربي كبير. لذلك ليس من باب الصدفة أن يقول حوالي 60% من الاوروبيين في إستطلاع أجرته المفوضية الاوروبية قبل عدة سنوات أن اسرائيل تشكل أكبر خطر على السلام العالمي. وأن حوالي نصف الشعب الامريكي نفسه (43%) في إستطلاع مماثل يرى ذلك ايضا.
اسرائيل لا تكتفي بشن الحروب وتأجيج الصراعات في الشرق الاوسط، حيث قامت خلال سنتين بشن حربي إبادة في لبنان وفي غزة. ولكنها، على غرار الولايات المتحدة الامريكية ودول حلف الناتو الاخرى تلعب دورا رئيسيا في كافة النزاعات عن طريق تصدير الاسلحة وفي كثير من الحالات بتدخل مباشر عن طريق المخابرات والمستشارين العسكريين كما يحدث الآن في العراق ولبنان والسودان والعديد من دول أمريكا اللاتينية.
أنا شخصيا أتحفظ من وصف "اسرائيل" بأنها تشكل أكبر خطر على السلام العالمي. ذلك لأن إسرائيل لا تلعب منفردة، بل هي لاعب أساسي في فريق كامل. النظام الامبريالي العالمي، الذي تشكل اسرائيل جزء منه، هو الذي يشكل أكبر خطر على السلام العالمي وعلى السلام في منطقتنا.
العديد من الساذجين سياسيا يظن انه على ضوء تشكيل حكومة يمينية متطرفة سيقوم "المجتمع الدولي" وخصوصا أمريكا وأوروبا بزيادة الضغط على اسرائيل وإرغامها على الوصول الى تسوية سلمية مقبولة على الطرفين. العكس من ذلك هو الصحيح: على ضوء الازمة الاقتصادية العالمية وعودة الحرب الباردة سوف تلاقي مثل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة المزيد من الدعم من قبل المعسكر الامبريالي المهدد.
السلام الحقيقي الذي تحلم به البشرية لا يمكن أن يتحقق من غير هزيمة وإنهيار هذا المعسكر. الثورة كانت وما زالت هي الطريقة الوحيدة للقضاء على الحروب الرجعية. وهذا ليس مجرد شعار أكل الدهر عليه وشرب، بل حقيقة تلمسه وتحس به الشعوب المضطهدة.

Tuesday, March 10, 2009

نعم، يجب محاكمة عمر البشير وجميع الرؤساء والملوك والامراء العرب


في خطوة غير مسبوقة توحد الشارع العربي بصعيديه الرسمي والشعبي وبمعسكريه المعتدل والممانع وبيساره ويمينه وبأحزابه القومية واليسارية وحركاته الدينية حول الموقف الرافض والمندد بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير. مثل هذا الموقف الموحد لم نشهده عندما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتدمير العراق وإحتلاله أو عندما شنت اسرائيل مؤخرا حربين إجراميتين الاولى في لبنان والثانية في غزة. وكأن الدفاع عن عمر البشير أهم من الدفاع عن العراق ولبنان وفلسطين. أليست هذه الوحدة مشبوهة؟
سمعنا تبريرات المدافعين عن عمر البشير. ومن هي هذه المحكمة التي يكيل ميزان عدالتها بمكياليين والتي لا تجرؤ على تقديم مجرمي حرب معروفين، من الرئيس الامريكي السابق بوش الى شريكه رئيس الوزراء البريطاني السابق بلير الى مجرمي الحرب الاسرائيليين، بينما تتطاول على الرئيس"القومي" "الممانع" عمر البشير.
لست هنا بصدد الدفاع عن المحكمة الجنائية الدولية ولا عن مدعيها العام الفاسد لويس مورينو اوكامبو بشكل خاص. إذ أن معظم ما قيل عنهما صحيح. فبالرغم من أن أمريكا وإسرائيل رفضتا التوقيع على قانون روما بخصوص إنشاء المحكمة إلا انهما تمارسان ضغوطا شديدة عليها حتى أصبحت وكأنها أداة طيعة تحت وصايتهما بالرغم من أنها من المفروض أن تكون مستقلة تماما حتى عن الامم المتحدة.
بعيدا عن العواطف الخادعة وبعيدا عن الشعارات الرنانة والديموغاغية، السؤال الذي يجب أن نطرحه على انفسنا: هل يستحق عمر البشير الاعتقال والمحاكمة أم لا؟ والجواب هو بدون تردد: نعم يستحق ذلك ومنذ وقت طويل. بل وأكثر من ذلك: جميع الرؤساء والملوك العرب يستحقون الاعتقال والمحاكمة من غير إستثناء. كنت أفضل بالطبع أن تتم محاكمتهم من قبل شعوبهم أو على الاقل من قبل محكمة دولية نزيهة. ولكن غياب ذلك ألا يكون ذريعة وتبريرا للدفاع عنهم.
عمر البشير متهم بإقتراف جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وربما جرائم الابادة الجماعية في دارفور. هل ثمة أحد من الملوك والرؤساء العرب غير متهم بمثل هذه الجرائم؟ هل نحن بحاجة الى واحد مثل اوكامبو أو غيره ليذكرنا بذلك؟ جرائم الحرب في السودان لم تبدء فقط في السنة الماضية فلماذا اصدر قرار الاعتقال الآن فقط؟ عمر البشير متواجد على رأس السلطة منذ 20 سنة. بدأها بإنقلاب عسكري على حلفائه ومرؤسيه السابقين. خلال هذه السنوات جلب الجوع والدمار الى السودان الذي يمتلك خيرات تستطيع أن تشبع القارة الافريقية بأكملها. عمل على تقطيع أوصال السودان وأعطى الذريعة للدول الاوروبية الطامعة ولأمريكا واسرائيل أن تتدخل لتأجيج الصراعات القبلية والأثنية والثقافية في جميع أرجاء السودان وخصوصا في الجنوب وفي إقليم دارفور. كل هذا جرى في البداية بدعم ومساندة الدول الاستعمارية التي انقلبت عليه الآن. إذن من أجل وحدة السودان، من أجل إنقاذ السودان يجب محاكمة البشير. وما زال هناك متسع من الوقت لكي يهب الشعب السوداني ويقدمه الى المحاكمة التي سوف تكون أعدل بما لا يقاس من المحكمة الجنائية الدولية.
يحاولون، من خلال ابواق الدعاية الرسمية، ايهامنا بأن الحملة على عمر البشير سببها مواقفه الرافضة للهيمنة الامريكية – الاسرائيلية ودعمه للمقاومة في العراق وفلسطين. هذه كذبة مفضوحة لا تنطلي على أحد. ليكشف لنا عمر البشير عن دوره وعن دور رئيسه "القومي" الاسبق جعفر النميري في هجرة يهود اثيبوبيا الى فلسطين المحتلة عن طريق السودان. ماذا كان ثمن هذه الصفقة؟ ليكشف لنا عمر البشير وحليفه القوي السابق حسن الترابي عن دوره في تسليم المناضل الاممي كارلوس الى فرنسا لكي يقبع مدى الحياة في السجون الامريكية. ليكشف لنا عن مواقفه المناهضة للهيمنة الامريكية- الاسرائيلية وعن دعمه للمقاومة. هؤلاء الرؤساء الذين يبيعون الوطن لكل من يدفع الثمن يتذكرون أن لهم وطن فقط عندما ينقلب حلفاؤهم الاجانب عليهم.
عمر البشير الذي إغتصب السلطة ودمر السودان خلال 20 سنة من الحكم لا يستحق الدفاع عنه. السودان الوطن والسودان الشعب هما اللذان يستحقان الدفاع عنهما، وأول الدفاع هو التخلص من هذا النظام الفاسد.
يظن الملوك والرؤساء العرب انهم يستطيعون إدراة بلدانهم وكأنها مزارع خاصة بهم ويعاملون شعوبهم كالعبيد ويرتمون في أحضان الطامعين الاجانب حيث يتوهمون انهم بذلك يؤمنون الحماية لكراسيهم وعروشهم، فإذا إنقلب هؤلاء الطامعون عليهم أخذوا يصرخون: انقذونا الوطن في خطر.
عودة الى المحكمة الجنائية الدولية. علينا أن نطالب أولا بأن تكون هذه المحكمة نزيهة ومستقلة تضع نصب اعينها العدالة والامانة. لأنه فقط محكمة كهذه تستطيع أن تحاكم مجرمي الحرب الاسرائيليين وغيرهم ممن اقترفوا جرائم ضد الانسانية. فحتى ذلك الحين يجب أن نحافظ على شعلة المقاومة الشعبية ملتهبة.

Wednesday, March 04, 2009

الاعتراف الاخير




عندما كان أحدنا يعتقل لسباب سياسية(او امنية حسب القاموس الاسرائيلي) كانت الطريقة المفضلة عند المحققين لإبتزاز الإعترافات بما فعله أو لم يفعله المعتقلون، هو أن يقسم المحققون انفسهم الى محقق "سيئ" شرير، عنيف، يستعمل القوة والتهديد وإلى محقق "جيد" طيب القلب، رحيم يريد مساعدة المعتقل. فكان المحقق السيء يدخل أولا الى المعتقل ويبادره بمثل هذا الكلام: "انت مخرب؟ تريد أن تحرر فلسطين؟ سوف ترى نجوم الظهر هنا. سوف نحطمك تحطيما وتقضي باقي حياتك وراء القضبان. سوف تندم على اليوم الذي ولدتك امك به". مثل هذه التهديدات التي لا تنتهي ويرافقها في معظم الاحيان بعض الصفعات والركلات والشبح وغيرها من اساليب التعذيب الجسدي.مؤكدا انه لن يتوقف حتى يحصل على إعتراف كامل من المعتقل. ولكن سرعان ما كان المحقق "السيء" يغادر غرفة التحقيق ويدخل المحقق "الجيد" ويبدأ حديثه الناعم على النحو التالي: " ماذا جرى لك هل جننت؟ انت تبدو لي انسان عاقل فلماذا تخرب مستقبلك، انت ارتكبت خطأ ولكن انا استطيع مساعدتك. إعترف بما فعلته وانا سوف اخرجك من هذه الورطة. بعدين يا حبيبي: مائة ام تبكي وأمك لا تبكي" ومثل هذا الكلام المعسول الذي لا ينتهي. المهم في نهاية المطاف الحصول على الاعتراف. غني عن القول انه مع معتقل آخر كان المحققون يتبادلون الادوار.
يبدو أن هذا الاسلوب ليس إختراعا اسرائيليا. فهو موجود عند كافة مخابرات العالم. وهو ليس سوى تطبيق لسياسة العصا والجزرة المعروفة وللمكيافيلية السياسية التي تقول: الغاية تبرر الوسيلة. فغاية المحقق أن يحصل على إعتراف المعتقل ومن أجل ذلك كل الوسائل متاحة.
المصيبة الحقيقية هو عندما يستعمل هذا الاسلوب المخابراتي ليس ضد معتقل بل ضد شعب بأسره وعندما لا يكون حكرا على محققين هذه هي وظيفتهم في نهاية المطاف بل عندما يشارك العالم أجمع في استعماله.
اليوم، المطروح على الشعب الفلسطيني الاعتراف بإسرائيل. فهذه الرباعية المكونة من الامم المنحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا تضع شرطا مسبقا لكل مساعدة او لكل مفاوضات: الاعتراف بإسرائيل اولا. الدول العربية من خلال مبادرتها السلمية تدعو الى الاعتراف والتطبيع. السلطة الفلسطينية تدعو ما تبقى من مقاومة الى نبذ سلاح المقاومة واللجوء الى الاعتراف.
حرب الابادة التي شنتها اسرائيل مؤخرا على غزة كان هدفها الاول والاخير هو فرض الاعتراف على المقاومة. أي فرض "السلام" الاسرائيلي- الامريكي. ولكنها فشلت في تحقيق غايتها هذه. فلجأت الى مؤتمر شرم الشيخ لإعادة "إعمار غزة" ولكن الغاية الحقيقية كانت انتزاع الاعتراف بوسائل أخرى. أمريكا تعهدت بدفع 900 مليون دولار بشرط الاعتراف بإسرائيل اولا. الاتحاد الاوروبي ودول النفط العربية حذت حذوها. رئيس السلطة الفلسطينية ناشد المقاومة بالاعتراف. حتى وصل ثمن الاعتراف الى حوالي 4 ونصف مليارد دولار. قد يبدو هذا المبلغ للوهلة الاولى خياليا ولكنه لا يتجاوز المساعدات السنوية التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل.
ماذا يعني الاعتراف بإسرائيل؟
لم تكتف الدولة العبرية بتشريد الشعب الفلسطيني ونهب ارضه وسلب ممتلكاته ولكنها تطالبه بإن يعترف أن ما قامت به هو من حقها. الاعتراف بإسرائيل يعني أن كل ما قامت به منذ عام النكبة وحتى هذا اليوم هو أمر شرعي. الاعتراف يعني ان كل الحروب التي شنتها اسرائيل هي ضمن حقها في الدفاع عن النفس. الاعتراف يإسرائيل يعني أكثر من ذلك. انه يعني أن المشروع الصهيوني القائم على الأساطير والمبادئ العنصرية هو مشروع شرعي، هو حركة تحرر وطني وليس مشروعا استعماريا بإمتياز. في الوقت نفسه يعني أن نسحب إعترافنا بانفسنا كشعب، أن نسحب إعترافنا بتاريخنا وحضارتنا.
إسرائيل تستطيع أن تقتل وتدمر وتحتل ولكنها تعرف تمام المعرفة أن كل ذلك لا أهمية له إذا لم يتوج بالاعتراف. وللحقيقة نقول، ان اسرائيل إستطاعت أن تحقق انجازات هامة في هذا المجال. ولا أقصد هنا الاعتراف الدولي بها منذ قرار التقسيم. فالاعتراف الدولي لا قيمة له ما دام صاحب القضية لا يعترف. فالصين الوطنية وخلال فترة طويلة نالت إعتراف الامم المتحدة ولكن موقف الصين الشعبية الصامد جعل من هذا الاعتراف أمرا تافها سرعان ما زال. لذلك تركز إسرائيل على انتزاع الاعتراف من أصحاب الشأن: من الشعوب العربية بشكل عام ومن الشعب الفلسطيني بشكل خاص. وقد استطاعات كما قلت ان تخترق الجبهة العربية وتقلب لاءات الخرطوم الشهيرة رأسا على عقب في قمة بيروت. هذه بعض محطات الاعتراف: قرار 242 و 338، اتفاقيات كامب ديفيد وخروج مصر من دائرة الصراع، اتفاقيات اوسلو، أتفاقيات وادي عربة، مبادرة السلام العربية.
إنتصرت اسرائيل على الصعيد الرسمي العربي بعد أن فرضت الاعتراف على دول الجامعة العربية. ولكنها فشلت على الصعيد الشعبي. فالشعوب العربية رفضت وترفض الاعتراف والتطبيع. وإنتصرت اسرائيل على الصعيد الرسمي الفلسطيني بعد أن استحوذت على اعتراف السلطة.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هي القلعة الاخيرة لعدم الاعتراف والتطبيع. لذلك يتحد العالم الرسمي لإسقاطها عن طريق القتل والدمار والحصار إن أمكن أو عن طريق الاموال والرشوات. معركة الاعتراف في غزة هي معركة الشعوب العربية والشعب الفلسطيني الاخيرة. الاعتراف هو الموت واللا إعتراف هو الحياة، ولا خيار أمام الشعوب إلا الحياة.
وأخيرا، لماذا لا نطالب إسرائيل بالاعتراف؟ الا يوجد لديها ما تعترف به؟