Thursday, October 27, 2016

الدولة العظمى الرقمية الاولى في العالم

الدولة العظمى الرقمية الاولى في العالم
علي زبيدات – سخنين

لسذاجتي، بالرغم من اهتمامي الشديد بالسياسة المحلية والاقليمية والعالمية منذ نعومة اظافري، كنت أظن ان الدول التي فازت بلقب دولة عظمى فازت به حسب المعايير المتعارف عليها دوليا، أي حسب مناعتها الاقتصادية، تطورها الصناعي، قوتها العسكرية، مستوى معيشة سكانها، حجمها من حيث المساحة والسكان.بالطبع مع عدم اغفال معايير ثانوية اخرى تساهم في منح دولة معينة لقب دولة عظمى. في العصر الحديث انطبقت هذه المعايير على الولايات المتحدة الامريكية لذلك استحقت لقب الدولة العظمى رقم واحد. وبعد قيام الاتحاد السوفياتي وتقدمه العسكري السريع والاقتصادي وتأثيره السياسي ودخوله في منافسة شرسة مع امريكا، استحق هو الاخر بجدارة لقب دولة عظمى. وهذا الامر لم يتغير كثيرا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونشوء روسيا الحديثة التي كانت اصلا المكون الاكبر في الدولة التي انهارت، وهناك دول عظمى اخرى تقف في الصف الثاني او الثالث ولكنها تزاحم من اجل تثبيت اقدامها في هذا النادي، اذكر منها الدول العظمى الثمانية- G8 والتي تشمل بالاضافة للدولتين المذكورتين كل من المانيا واليابان وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وكندا، والتي تسيطر مجتمعة على اكثر من ٦٥٪ من اقتصاد العالم. ويوجد هناك دول اخرى يمكن اعتبارها حسب المعايير المذكورة انفا دولا عظمى كالصين، الهند، البرازيل، تركيا. والبعض يطلق على دولة اسرائيل بالرغم من صغر حجمها الجغرافي والسكاني دولة عظمى وذلك بالاساس بسبب قوتها العسكرية، تطورها التخنولوجي وتأثيرها الكبير على السياسة العالمية.
ولكني اكتشفت مؤخرا انه يوجد هناك دولة عظمى اخرى، لا تتمتع باي من المعايير السابقة، غير مرئية ولا احد يعرف كامل الحقائق عنها، لذلك سميتها بالدولة العظمى الرقمية الاولى في عالمنا، اما اسمها المتعارف عليه فهودولة الخلافة الاسلامية او باختصار دولة داعش. كيف اصبحت هذه الدولة التي لا يكاد عمرها يتجاوز السنتين تلك الدولة العظمى التي تقلق الامن والسلام العالمييين؟ ليس لدى هذه الدولة باعتراف اعدائها واصدقائها جيش جرار مدجج بالاسلحة الحديثة ولكنه مكون من عدة آلالاف تمت لملمتهم من بلدان عديدة، من يراهم عن بعد يظن بانهم متسولين وليسوا جنودا. وليس لدى هذه الدولة اقتصاد قوي أو صناعة ثقيلة. ان هذه "الدولة"ليس فقط انها لا تملك مقومات ومعايير الدولة العظمى بل هي لا تملك حتى مقومات ومعايير الدولة العادية. ومع ذلك شكلت امريكا بقيادتها تحالفا دوليا ضم ستين دولة عظمى أو عادية لمحاربتها ولانقاذ العالم من شرورها، وكأن هذا لا يكفي اذ قادت روسيا تحالفا دوليا آخرا شمل النظام السوري والايراني والعديد من الميليشيات المسلحة وشنت الحرب ضدها بهدف ازالتها من الوجود. حتى الدول العربية التي لا يحسب حسابها احد شكلت هي الاخرى تحالفا شمل ١٧ دولة عربية لمحاربة داعش وباقي المنظمات الارهابية. حتى في الحربين العالميتيين لم يكن هناك تحالفات موحدة كما نراه هنا.
هذه الظاهرة الغريبة العجيبة ذكرتني بفلم شاهدته قبل سنوات عديدة من بطولة آل بتشينو وهو ليس من افضل افلامه المعروفة، اسمه "سيمون"، من المفروض أن يكون فلما كوميدياعلى عكس باقي افلامه، ولكنه لم يضحكني حين ذاك ولم يضحكني الآن عندما تذكرته. يدور الفلم حول منتج تركته نجمة الفلم اثر خصام وكان عليه ان يجد لها بديلا بسرعة. ولكنه لم يوفق فقرر أن يخلق نجمة رقمية عن طريق الكمبيوتر وبعض البرامج تكون فائقة الجمال والذكاء والمواهب إلى درجة الكمال وقدمها للجمهور على انها نجمة حقيقية الذي سارع في تصديقها. وعندما حاول المنتج لاحقا أن يعترف بأن كل شيء مزيف لم يصدقه احد حتى هو نفسه بدأ يصدق بأن"سيمونا" امرأة حقيقية. يوجد فرقان رئيسيان بين سيمونا إل بتشينو وداعش الاول، هو أن المنتج خلق نجمة واحدة سماها سيمونا أما في حالة داعش فكل منتج خلق داعشه الخاص. يوجد داعش صنع امريكي وداعش آخر صنع روسي وآخر صنع سوري وسعودي واسرائيلي وهلم جرا. الفرق الثاني، أن النجمة سيمونا صممت في ستوديوهات منتج بواسطة برامج كومبيوتر بينما صممت داعش في غرف المخابرات االمظلمة لكل دولة. وبما ان المنتجين يختلفون من حيث المهارة والامكانيات فكانت النتائج ايضا مختلفة. يوجد نماذج قريبة للواقع ومن الصعب اكتشاف زيفها وبوجد نماذج مفضوحة. أظن، بما اني اكتشفت سذاجتي يستطيع كل واحد يكتشف سذاجته.فالحرب التي يدور رحاها في سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء وفرنسا وغيرها لا يعقل أن تكون ضد داعش، وهذه التحالفات التي تدك المنطقة منذ سنتين على الاقل بحجة القضاء على داعش لا بد أن يكون لديها اجندة اخرى تحاول ان تبقيها سرية ولكن من غير نجاح كبير.
لم يبق امامي الا أن اقول: كل واحد يأخذ داعشه من هنا وبرحل.


Wednesday, October 19, 2016

عاشت الثورات الفاشلة - في ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000009487 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000009471
عاشت الثورات الفاشلة
في ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا
علي زبيدات – سخنين

طالما ترددت على مسامعي هذه الاسطوانة: اين هي الثورة الاشتراكية العظمى التي تتكلم عنها؟ ماذا بقي منها؟ ألم تفشل فشلا ذريعا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ذلك الانهيار الشامل الرهيب؟ وهل تستحق بعد كل ما حدث احياء ذكراها؟
بمعنى معين، كل الثورات التي عرفتها البشرية كانت ثورات فاشلة وفي معظم الحالات كان فشلها مأساويا وذريعا. ولنأخذ بعض الامثلة من التاريخ المعاصر: ماذا حل بالثورة الفرنسية الكبرى عام ١٧٨٩ والتي بعتبرها المؤرخون الثورة التي نقلت اوروبا من العصور الوسطى الى العصر الحديث؟ ألم تأكل الثورة ابناءها مباشرة بعد أن فصلت المقصلة رأس آخر ملك عن جسده؟ وسرعان ما تحولت الى امبراطورية بزعامة نابليون بونابرت الذي ورط فرنسا والقارة الاوروبية باكملها في حروب استمرت لاكثر من ربع قرن؟ والم تنته ثورة ١٨٣٠ في فرنسا الى عودة الملكية؟ وماذا حل بثورة ١٨٤٨ في فرنسا ودول اوروبية اخرى ألم تتحول الى ثورات مضادة ومع ذلك ما زلنا نطلق عليها بربيع الشعوب؟
ولماذا نذهب بعيدا؟ ماذا كان مصير الثورات، الحقيقية والمجازية، في عالمنا العربي؟ ماذا بقي من ثورة المليون شهيد في الجزائر؟ ولكن بالرغم من النظام الذي تمخضت عنه هذه الثورة فهل يعطي ذلك مبررا لاحد للدفاع عن الاستعمار الفرنسي؟. وماذا كان مصير ثورة الضباط الاحرار في مصر، وهي في عيون البعض ليست اكثر من انقلاب عسكري،والتي رفعت شعار الاستقلال الوطني، معاداة الاستعمار، الوحدة العربية، التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية؟ الم تتمخض في زمن السادات ومبارك إلى نقيض هذه الشعارات تماما وخصوصا الارتماء في احضان الامبريالية وعودة القطط السمان لحكم مصر؟ وهكذا في بلدان عربية اخرى مثل اليمن والسودان والعراق وسوريا، حتى اصبح كل انقلاب ثورة وكل انقلاب داخل الانقلاب ثورة تصحيحية. اما عن "الثورة الفلسطينية" في مرحلة سلطة اوسلو فحدث بلا حرج.
حسب هذا المعنى الذي ينسجم مع الموقف المذكور اعلاة فان كل الثورات التي ذكرتها والتي لم اذكرها قد باءت بالفشل. ولكن المعنى الحقيقي لهذه الثورات انها نجحت حتى بعد فشلها وحققت انجازات لا يستهان بها في مسيرة التطور الانساني. وهذه الانجازات لم تتحقق خلال الفترة الزمنية المحدودة اثناء الثورة بل امتدت الى بعد فشلها وفي اغلب الاحيان فرضت على اعدائها عدم النكوص الى الخلف والسير قدما حتى انفجار الثورة القادمة.
لنعد إلى ثورة اكثوبر الاشتراكية في روسيا: اهمية هذه الثورة التاريخية وما يميزها عن غيرها من الثورات يعود حسب رأيي لامرين٬ الاول، المحاولة الجادة الاولى للانتقال بالمجتمع البشري من مرحلة يسودها الصراع الطبقي والهيمنة الطبقية والعلاقات الاستغلالية إلى مرحلة خالية من الهيمنة الطبقية الاستغلالية وذلك ليس على الصعيد النظري فحسب بل على الصعيد العملي ايضا، ليس على صعيد الحلم فحسب بل على صعيد تحقيق الحلم وجعله واقعا. الامر الثاني: الاثبات ان ذلك ممكن من خلال تنظيم وتعبئة الجماهير الكادحة المستضعفة، وأن ذلك من الممكن أن يتكرر.
الثورة الاشتراكية "فشلت" ولم يحدث ذلك حسب رأيي في بداية سنوات التسعين مع انهيار الاتحاد السوفياتي. بل قبل ذلك بكثير، ربما في اليوم التالي من اعدام القيصر، وليس لانه لا يستحق الاعدام ولكن لعظم التحديات ولكون التجربة غير مسبوقة ولامور كثيرة اخرى ما زالت مصدرا لا ينضب للمؤرخين والمحللين الذين يدلون بدلوهم حتى اليوم.
من اجل الحلم الانساني بالعيش في مجتمع غير طبقي خال من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وخال من كافة اشكال الاستغلال والقهر، في مجتمع يستطيع ثورة اكتوبر. وان نتعلم هذه التجربة ليس بين صفحات كل فرد أن يقدم ما يستطيعه وأن يأخذ ما يحتاجه، يجب أن نبقى مخلصين لذكرى ثورة اكتوبر ولمبادئالكتب فحسب بل في الشوارع ايضا. ما حدث قبل حوالي قرن يمكن أن يحدث الآن ويمكن أن يحدث غدا، وليس هذا فحسب، بل يمكن أن يحدث بشكل افضل لاننا نعتمد على تراث ثوري عريق وتجارب ثورية رائدة نستطيع أن نتعلم منها، نصحح الاخطاء، نتخلص من نقاط الضعف ونحاول من جديد.
عاشت الثورات مهما كانت فاشلة، لان الفشل بعد استيعاب العبر والمثابرة سوف تتحول حتما إلى نجاح.


Wednesday, October 05, 2016

شاطر شاطر - تصفيق!

Version:1.0 StartHTML:0000000167 EndHTML:0000011171 StartFragment:0000000454 EndFragment:0000011155
شاطر شاطر – تصفيق!
علي زبيدات سخنين

في السياسة، كنا نسميها فيما مضى انتهازية، اما الان فقد اصبح اسمها شطارة. يعني، على سبيل المثال، تستطيع اليوم أن تقود مظاهرة وطنية وتلقي خطابا ناريا حول ضرورة التمسك بذكرى الشهداء الذبن سقطوا دفاعا عن كرامتنا، وفي اليوم التالي تقود وفدا من الوجهاء المتعاونين لتقديم العزاء لمن ساهم في قتل هؤلاء الشهداء وقتل الكثيرين غيرهم وتنعته بالرجل العظيم وذي رؤيا. لا، لا تغلطوا، من يقوم بذلك ليس انتهازيا، بل هو سياسي شاطر، يعرف م أين تؤ كل الكتف، أو باللغة الدارجة: يعرف كيف يدبر حاله. فالجمهور في المناسبة الاولى هو غير الجمهور في المناسبة الثانية، والحيثيات تختلف والجو العام يختلف. الجمهور الفلسطيني الذي اكتوى بنار العنصرية لسنوات طويلة ودفع مقابل ذلك ثمنا باهضا من دماء ابنائه يريد أن يسمع خطابات وشعارات تقنعه بان تضحياته لم تذهب سدى، فله لذلك. بالمقابل، الدولة التي فقدت آخر مؤسسيها تريد أن تسمع كم كان هذ الرجل المؤسس عظيما بعد أن أسس دولته على انقاض الشعب والارض الفلسطينية، فلها ذلك ايضا. الا يقول مثلنا الشعبي: بوس الكلب من فمه حتى تأخذ حاجتك منه؟المشكلة أن بوس الكلب من فمه قد طال ولم يأخذوا حاجتهم منه، حتى اصبحت زوجاتهم تنفر من رائحة افواههم.
حالة السياسة العربية بشكل عام والسياسة الفلسطينية بشكل خاص والداخل الفلسطينبي بشكل اكثر خصوصية تذكرني بقصة تروى عن جحا تلخص الحضيض الذي وصلت اليه هذه السياسة: يقال أن جارين لجحا قد تخاصما حول امر ما. جاء الجار الاول وسرد وجهة نظره امام جحا لعله يقف إلى جانبه. وبعد أن انتهى الرجل من حديثه قال له جحا: الحق معك يا جار. فخرج هذا مسرورا. وبعد فترة وجيزة دخل جاره الثاني وقص حكايته، فقال جحا للرجل: الحق معك يا جار، فخرج هو الاخر مسرورا. وكانت زوجة جحا تسمع ما يقال من خلف الستار، فخرجت غاضبة وقالت: هل تعرف يا جحا انك منافق؟ فقال لها: الحق معك ياامرأة. بالنسبة للاتهازي، آسف بالنسبة للشاطر، المبادىء مرنة إلى اقصى حدود المرونة. تستطيع أن تقول اليوم شيئا وتنقضه غدا. وتستطيع أن ترفض اليوم شيئا وتقبله غدا. لا يوجد هناك أية مشكلة ما دامت الفائدة المرجوة من ذلك قد وصلت. والمقصود بالفائدة في كافة الحالات هي الفائدة التي تعود على الشخص نفسه أو على الجماعة التي ينتمي اليها. دائما يوجد هناك تبريرات جاهزة للرفض أو للقبول، والكثير من هذه التبريرات جيدة ومتينة ومقننعة. فالشطارة تتطلب ايضا الديماغوغية والبرغماتية والواقعية والعديد من المصطلحات التي يتقننها السياسيون.
بما انني انتمي للدقة القديمة كما يقولون، سوف استمر باستعمال المصطلحات التي تربيت عليها. وسوف استمر في دعوة هذا التصرفات بالانتهازية ولا تمت للشطارة الحقيقية بمعنى الذكاء والحكمة والدهاء بأية صلة. ولن أبوس أي كلب من فمه لان حاجتى، وانا على يقين بان حاجة جماهير شعبنا ايضا، غير موجودة عند الكلاب اصلا. لذلك يجب الوقوف سدا منيعا في وجه موجة "الشطارة" هذه التي تكتسح المنطقة. بالمناسبة، انا لا اتكلم هنا عن الانتهازية البدائية التي تنتج انتهازيين صغار يلهثون وراء وظيفة هنا ومنصب هناك، وراء مبلغ من المال هنا والربح السريع هناك، ومن أجل ذلك يستقبلون هذا المسؤول بحفاوة أو يقيمون الولائم لذاك المسؤول. مثل هؤلاء ضررهم محدود ويعود في نهاية المطاف عليهم هم. ولكني اتكلم بالاساس عن الانتهازية المتطورة التي تنتج انتهازيين من العيار الثقيل، يستعملون اساليبا متطورة ومركبة من شأنها افساد وعي الجماهير وتفكيك لحمتها الوطنية. مثل هذه الانتهازية تشكل حطرا على القضية الفلسطينية برمتها وعلى كافة المستويات. مقاومة هذه الانتهازية حتى دحرها هو واجب وطني يقع على عاتق كافة المؤسسات والحركات والشخصيات الوطنية. قال لينين في هذا السياق قبيل تفجير ثورة اكتوبر الاشتراكية: "لقد نمت البلشفية وترعرعت واشتد عودها من خلال النضال ضد الانتهازية داخل الطبقة العاملة وداخل الحركة الثورية". تكمن خطورة هذه الانتهازية على مجمل العمل الوطني لانها تقبع بالذات داخل المعسكر الوطني وتنخر من داخله حتى تقوض اركانه.
النضال ضد الانتهازية السياسية لم يعد يتحمل اي تردد أو تلكؤ أو مهادنة لانها تغلغلت حتى الاعماق. وضع شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة ليس بافضل عن وضعنا. لقد آن الاوان أن نكف عن تسمية سلطة اوسلو حتى مجازا بالسلطة الوطنية. وعلى سلطة حماس في غزة ان تعلم ان للمقاومة استحقاقات وهي ليست شهادة ابدية تمنح لاي تنظيم. اما عن اوضاع شعبنا في الشتات واوضاع باقي الشعوب العربية فحدث بلا حرج. الانتهازيون اينما وجدوا يستحقون اللكمات وليس التصفيق.