عاشت
الثورات الفاشلة
في
ذكرى ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا
علي
زبيدات – سخنين
طالما
ترددت على مسامعي هذه الاسطوانة:
اين هي الثورة
الاشتراكية العظمى التي تتكلم عنها؟ ماذا
بقي منها؟ ألم تفشل فشلا ذريعا بعد انهيار
الاتحاد السوفياتي ذلك الانهيار الشامل
الرهيب؟ وهل تستحق بعد كل ما حدث احياء
ذكراها؟
بمعنى
معين، كل الثورات التي عرفتها البشرية
كانت ثورات فاشلة وفي معظم الحالات كان
فشلها مأساويا وذريعا.
ولنأخذ بعض الامثلة
من التاريخ المعاصر: ماذا
حل بالثورة الفرنسية الكبرى عام ١٧٨٩
والتي بعتبرها المؤرخون الثورة التي نقلت
اوروبا من العصور الوسطى الى العصر الحديث؟
ألم تأكل الثورة ابناءها مباشرة بعد أن
فصلت المقصلة رأس آخر ملك عن جسده؟ وسرعان
ما تحولت الى امبراطورية بزعامة نابليون
بونابرت الذي ورط فرنسا والقارة الاوروبية
باكملها في حروب استمرت لاكثر من ربع
قرن؟ والم تنته ثورة ١٨٣٠ في فرنسا الى
عودة الملكية؟ وماذا حل بثورة ١٨٤٨ في
فرنسا ودول اوروبية اخرى ألم تتحول الى
ثورات مضادة ومع ذلك ما زلنا نطلق عليها
بربيع الشعوب؟
ولماذا
نذهب بعيدا؟ ماذا كان مصير الثورات،
الحقيقية والمجازية، في عالمنا العربي؟
ماذا بقي من ثورة المليون شهيد في الجزائر؟
ولكن بالرغم من النظام الذي تمخضت عنه
هذه الثورة فهل يعطي ذلك مبررا لاحد للدفاع
عن الاستعمار الفرنسي؟.
وماذا كان مصير
ثورة الضباط الاحرار في مصر، وهي في عيون
البعض ليست اكثر من انقلاب عسكري،والتي
رفعت شعار الاستقلال الوطني، معاداة
الاستعمار، الوحدة العربية، التنمية
الاقتصادية والعدالة الاجتماعية؟ الم
تتمخض في زمن السادات ومبارك إلى نقيض
هذه الشعارات تماما وخصوصا الارتماء في
احضان الامبريالية وعودة القطط السمان
لحكم مصر؟ وهكذا في بلدان عربية اخرى مثل
اليمن والسودان والعراق وسوريا، حتى اصبح
كل انقلاب ثورة وكل انقلاب داخل الانقلاب
ثورة تصحيحية. اما
عن "الثورة
الفلسطينية" في
مرحلة سلطة اوسلو فحدث بلا حرج.
حسب
هذا المعنى الذي ينسجم مع الموقف المذكور
اعلاة فان كل الثورات التي ذكرتها والتي
لم اذكرها قد باءت بالفشل.
ولكن المعنى الحقيقي
لهذه الثورات انها نجحت حتى بعد فشلها
وحققت انجازات لا يستهان بها في مسيرة
التطور الانساني. وهذه
الانجازات لم تتحقق خلال الفترة الزمنية
المحدودة اثناء الثورة بل امتدت الى بعد
فشلها وفي اغلب الاحيان فرضت على اعدائها
عدم النكوص الى الخلف والسير قدما حتى
انفجار الثورة القادمة.
لنعد
إلى ثورة اكثوبر الاشتراكية في روسيا:
اهمية هذه الثورة
التاريخية وما يميزها عن غيرها من الثورات
يعود حسب رأيي لامرين٬ الاول، المحاولة
الجادة الاولى للانتقال بالمجتمع البشري
من مرحلة يسودها الصراع الطبقي والهيمنة
الطبقية والعلاقات الاستغلالية إلى مرحلة
خالية من الهيمنة الطبقية الاستغلالية
وذلك ليس على الصعيد النظري فحسب بل على
الصعيد العملي ايضا، ليس على صعيد الحلم
فحسب بل على صعيد تحقيق الحلم وجعله واقعا.
الامر الثاني:
الاثبات ان ذلك
ممكن من خلال تنظيم وتعبئة الجماهير
الكادحة المستضعفة، وأن ذلك من الممكن
أن يتكرر.
الثورة
الاشتراكية "فشلت"
ولم يحدث ذلك حسب
رأيي في بداية سنوات التسعين مع انهيار
الاتحاد السوفياتي. بل
قبل ذلك بكثير، ربما في اليوم التالي من
اعدام القيصر، وليس لانه لا يستحق الاعدام
ولكن لعظم التحديات ولكون التجربة غير
مسبوقة ولامور كثيرة اخرى ما زالت مصدرا
لا ينضب للمؤرخين والمحللين الذين يدلون
بدلوهم حتى اليوم.
من
اجل الحلم الانساني بالعيش في مجتمع غير
طبقي خال من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية
وخال من كافة اشكال الاستغلال والقهر،
في مجتمع يستطيع ثورة اكتوبر.
وان نتعلم هذه
التجربة ليس بين صفحات كل فرد أن يقدم
ما يستطيعه وأن يأخذ ما يحتاجه، يجب أن
نبقى مخلصين لذكرى ثورة اكتوبر ولمبادئالكتب
فحسب بل في الشوارع ايضا.
ما حدث قبل حوالي
قرن يمكن أن يحدث الآن ويمكن أن يحدث غدا،
وليس هذا فحسب، بل يمكن أن يحدث بشكل افضل
لاننا نعتمد على تراث ثوري عريق وتجارب
ثورية رائدة نستطيع أن نتعلم منها، نصحح
الاخطاء، نتخلص من نقاط الضعف ونحاول من
جديد.
عاشت
الثورات مهما كانت فاشلة، لان الفشل بعد
استيعاب العبر والمثابرة سوف تتحول حتما
إلى نجاح.
No comments:
Post a Comment