شاطر
شاطر – تصفيق!
علي
زبيدات سخنين
في
السياسة، كنا نسميها فيما مضى انتهازية،
اما الان فقد اصبح اسمها شطارة.
يعني، على سبيل
المثال، تستطيع اليوم أن تقود مظاهرة
وطنية وتلقي خطابا ناريا حول ضرورة التمسك
بذكرى الشهداء الذبن سقطوا دفاعا عن
كرامتنا، وفي اليوم التالي تقود وفدا من
الوجهاء المتعاونين لتقديم العزاء لمن
ساهم في قتل هؤلاء الشهداء وقتل الكثيرين
غيرهم وتنعته بالرجل العظيم وذي رؤيا.
لا، لا تغلطوا، من
يقوم بذلك ليس انتهازيا، بل هو سياسي
شاطر، يعرف م أين تؤ كل الكتف، أو باللغة
الدارجة: يعرف
كيف يدبر حاله. فالجمهور
في المناسبة الاولى هو غير الجمهور في
المناسبة الثانية، والحيثيات تختلف والجو
العام يختلف. الجمهور
الفلسطيني الذي اكتوى بنار العنصرية
لسنوات طويلة ودفع مقابل ذلك ثمنا باهضا
من دماء ابنائه يريد أن يسمع خطابات
وشعارات تقنعه بان تضحياته لم تذهب سدى،
فله لذلك. بالمقابل،
الدولة التي فقدت آخر مؤسسيها تريد أن
تسمع كم كان هذ الرجل المؤسس عظيما بعد
أن أسس دولته على انقاض الشعب والارض
الفلسطينية، فلها ذلك ايضا.
الا يقول مثلنا
الشعبي: بوس
الكلب من فمه حتى تأخذ حاجتك منه؟المشكلة
أن بوس الكلب من فمه قد طال ولم يأخذوا
حاجتهم منه، حتى اصبحت زوجاتهم تنفر من
رائحة افواههم.
حالة
السياسة العربية بشكل عام والسياسة
الفلسطينية بشكل خاص والداخل الفلسطينبي
بشكل اكثر خصوصية تذكرني بقصة تروى عن
جحا تلخص الحضيض الذي وصلت اليه هذه
السياسة: يقال
أن جارين لجحا قد تخاصما حول امر ما.
جاء الجار الاول
وسرد وجهة نظره امام جحا لعله يقف إلى
جانبه. وبعد
أن انتهى الرجل من حديثه قال له جحا:
الحق معك يا جار.
فخرج هذا مسرورا.
وبعد فترة وجيزة
دخل جاره الثاني وقص حكايته، فقال جحا
للرجل: الحق
معك يا جار، فخرج هو الاخر مسرورا.
وكانت زوجة جحا
تسمع ما يقال من خلف الستار، فخرجت غاضبة
وقالت: هل
تعرف يا جحا انك منافق؟ فقال لها:
الحق معك ياامرأة.
بالنسبة للاتهازي،
آسف بالنسبة للشاطر، المبادىء مرنة إلى
اقصى حدود المرونة. تستطيع
أن تقول اليوم شيئا وتنقضه غدا.
وتستطيع أن ترفض
اليوم شيئا وتقبله غدا.
لا يوجد هناك أية
مشكلة ما دامت الفائدة المرجوة من ذلك قد
وصلت. والمقصود
بالفائدة في كافة الحالات هي الفائدة
التي تعود على الشخص نفسه أو على الجماعة
التي ينتمي اليها. دائما
يوجد هناك تبريرات جاهزة للرفض أو للقبول،
والكثير من هذه التبريرات جيدة ومتينة
ومقننعة. فالشطارة
تتطلب ايضا الديماغوغية والبرغماتية
والواقعية والعديد من المصطلحات التي
يتقننها السياسيون.
بما
انني انتمي للدقة القديمة كما يقولون،
سوف استمر باستعمال المصطلحات التي تربيت
عليها. وسوف
استمر في دعوة هذا التصرفات بالانتهازية
ولا تمت للشطارة الحقيقية بمعنى الذكاء
والحكمة والدهاء بأية صلة.
ولن أبوس أي كلب
من فمه لان حاجتى، وانا على يقين بان حاجة
جماهير شعبنا ايضا، غير موجودة عند الكلاب
اصلا. لذلك
يجب الوقوف سدا منيعا في وجه موجة "الشطارة"
هذه التي تكتسح
المنطقة. بالمناسبة،
انا لا اتكلم هنا عن الانتهازية البدائية
التي تنتج انتهازيين صغار يلهثون وراء
وظيفة هنا ومنصب هناك، وراء مبلغ من المال
هنا والربح السريع هناك، ومن أجل ذلك
يستقبلون هذا المسؤول بحفاوة أو يقيمون
الولائم لذاك المسؤول.
مثل هؤلاء ضررهم
محدود ويعود في نهاية المطاف عليهم هم.
ولكني اتكلم بالاساس
عن الانتهازية المتطورة التي تنتج
انتهازيين من العيار الثقيل، يستعملون
اساليبا متطورة ومركبة من شأنها افساد
وعي الجماهير وتفكيك لحمتها الوطنية.
مثل هذه الانتهازية
تشكل حطرا على القضية الفلسطينية برمتها
وعلى كافة المستويات.
مقاومة هذه
الانتهازية حتى دحرها هو واجب وطني يقع
على عاتق كافة المؤسسات والحركات والشخصيات
الوطنية. قال
لينين في هذا السياق قبيل تفجير ثورة
اكتوبر الاشتراكية: "لقد
نمت البلشفية وترعرعت واشتد عودها من
خلال النضال ضد الانتهازية داخل الطبقة
العاملة وداخل الحركة الثورية".
تكمن خطورة هذه
الانتهازية على مجمل العمل الوطني لانها
تقبع بالذات داخل المعسكر الوطني وتنخر
من داخله حتى تقوض اركانه.
النضال
ضد الانتهازية السياسية لم يعد يتحمل اي
تردد أو تلكؤ أو مهادنة لانها تغلغلت حتى
الاعماق. وضع
شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة ليس بافضل
عن وضعنا. لقد
آن الاوان أن نكف عن تسمية سلطة اوسلو حتى
مجازا بالسلطة الوطنية.
وعلى سلطة حماس في
غزة ان تعلم ان للمقاومة استحقاقات وهي
ليست شهادة ابدية تمنح لاي تنظيم.
اما عن اوضاع شعبنا
في الشتات واوضاع باقي الشعوب العربية
فحدث بلا حرج. الانتهازيون
اينما وجدوا يستحقون اللكمات وليس التصفيق.
1 comment:
لا تنسى معظم اعضاء الكنيست "الوطنيين" فهم ايضا انتهازيون بل ربما كانوا اكثر النخب انتهازية ولعب على الحبال بل اصبحوا فنانين في الخطاب المزدوج حسب الظروف. في حالة فلسطينيي ال٤٨ السبب الرئيسي للانتهازية برأيي هو التبعية المطلقة لاسرائيل في كل شيء تقريبا فأحزاب الكنيست تعتمد في وجودها بالدرجة الاولى على مؤسسة الكنيست وليس الناخبين والبلديات تعتمد على ميزانيات وزارة الداخلية نفس الشيء بالنسبة للمدارس مثلا وباقي الخدمات في المجتمع. بكلمات اخرى ان الاعتماد الكلي على الدولة والمجتع الاسرائيلي انتج وينتج وسينتج انتهازيين يبحثون عن مصالحهم الضيقة من كافة الانتماءات والتوجهات اكانوا يجيدون الخطاب "الوطني" ام لا.مكافحة الانتهازية في مناطق ال٤٨ تبدأ بالبحث الجاد و العملي عن بدائل لهذه التبعية.
Post a Comment